عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 21-11-2007, 03:11 PM
الصورة الرمزية مهدي؟
مهدي؟ مهدي؟ غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
مكان الإقامة: ارض الله الواسعة
الجنس :
المشاركات: 93
افتراضي

هنا لابد من الرجوع مجددا الى فترة العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، لنواصل الأحداث في محاولة لربط الماضي بما يحدث اليوم.. حيث كانت يومها فلسطين تحت الإدارة البريطانية المباشرة.. والعراق الملكي تحت الحماية البريطانية..! ولفهم ما حدث آنذاك وما حدث لاحقا، سنلقي أولا نظرة على حياة اليهود العراقيين.

يؤكد بعض المؤرخين أن عدد اليهود في بغداد أو (ولاية بغداد) العثمانية في القرن التاسع عشر، كان يوازي عدد المسيحيين، ويقترب من عدد المسلمين. وكما كان حال جميع الأقليات العراقية مثل الكلدان والآشوريين واليزيديين، فإن اليهود أيضا عاشوا معهم وجنبا الى جنب مع المسلمين ومع العرب أو في مناطق الكرد، وكانوا عائلات معروفة، ويتمتعون بحرياتهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية التجارية، ويطلق عليهم بالعربية (الملّة) كما هو الحال مع المسيحيين، وذلك للتعبير عن الديانة

يعتبر اليهود العراقيين أنفسهم ورثاء طبيعيين لليهود البابليين القدامى، وخلفائهم في العادات والتقاليد.. وغالبا ما كانوا متقدمين في الأعمال التجارية والمصرفية، كما في المهن التخصصية والحرفية، وظهر منهم العديد من الأطباء والمحامين ورجال الأعمال الكبار.

يقول الباحث (حنا بطاطو)، أنه في عام 1927 عندما أُسست غرفة تجارة بغداد، كان هناك من الأعضاء المؤسسين شركات بريطانية وفرنسية، إضافة الى التجار العراقيين.. وهؤلاء أُطلق عليهم "أعضاء الدرجة الأولى"، وذلك لكون رأس مال كل منهم لا يقل عن 27,500 دينار عراقي.. وكان هذا مبلغا كبيرا آنذاك...!

وفي عام 1939، أي تاريخ الحرب العالمية الثانية، كان عدد أعضاء الغرفة 498 عضواً، منهم 215 يهوديا.. ويضيف بطاطو عن تقرير بريطاني، أن اليهود في البصرة كانوا يقودون العمل التجاري أكثر من المسلمين أو المسيحيين، ومع حلول عام 1920، بدأوا بتوسيع تجارتهم من العراق الى إيران، وكانوا منافسين حقيقيين للتجار والشركات البريطانية التي قدمت الى العراق بإستيرادهم البضائع البريطانية من بريطانيا ومن الهند، ثم بدأوا بإمتلاك شركاتهم الخاصة في كل من بريطانيا والهند ويسجل لنا أن أحدهم وهو (عزرا ساسون) كانت أملاكه تقدر في تلك الفترة بمليوني دولار.. كما كان هناك أيضا من التجار الكبار (زيون بخّور) و(عزرا صالح) اللذان يملكان شركات في بومبي في الهند وفي لندن..

لقد كانت عائلة ساسون من أغنى وأقوى العوائل اليهودية ماليا وتجاريا، وقد اطلق بعضهم عليها (روتشيلد العراق).. مؤسسها هو داود ساسون عام 1850 حيث كان منذ ذلك الوقت يتاجر مابين العراق والهند واليابان واوربا، وعندما توفي في 1864، تولى ورثته إدارة إمبراطوريته التجارية ووسعت لتغطي سنغافورة والشرق ألأقصى، ودخلت مجال الصيرفة والبنوك.. ولعل من بقايا هذه الشركات في وقتنا الحاضر الشركة البريطانية المعروفة لمستحضرات التجميل وصالوناته وهي شركة (فيديل ساسون).. أما سفير أسرائيل في اليونان وحتى عام 2005 فهو أحد الأحفاد ويدعى ديفيد (داود) ساسون..

في فترة الإحتلال البريطاني للعراق، عمل اليهود بالتنسيق مع المسلمين وغيرهم من التجار العراقيين وبقوا مبتعدين عن الأمور السياسية الخاصة بالبلد في ظاهر حالهم ولهذا فإنه عند نشوء المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية، لم تتأثر هذه العوائل بإنعكاسات هذه المشكلة في بداياتها في الثلاثينات والأربعينات...!

شهدت فترة الثلاثينات في العراق إضطرابات سياسية، وظهور تكتلات وطنية وقومية. من أبرز الأحداث آنذاك كان إنقلاب (بكر صدقي)، ثم موت الملك غازي في حادث إصطدام سيارته وبشكل غامض.. ثم وصول مفتي القدس أمين الحسيني الى العراق بعد أن كان قد نفاه البريطانيون من فلسطين الى سوريا.. ثم بدأت حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، حيث قام بعزل عبد الإله الوصي على عرش العراق بعد موت الملك غازي، الذي ترك ورئيس وزرائه نوري السعيد الى خارج العراق.. حينها نزلت القوات البريطانية في البصرة مجدداً، وتحركت قوات أخرى من غرب العراق وتم القضاء على الحركة الإنقلابية وأعدم أبرز قادتها..

يقال أنه تم قتل 100 يهودي خلال الإضطرابات التي وقعت عند حدوث إنقلاب رشيد عالي.. وسرعان ما إلتقط ذلك (ديفيد بن غوريون) أحد زعماء الصهيونية العالمية وأول رئيس وزراء إسرائيلي ليطالب بإجلاء اليهود من العراق حفظاً على سلامتهم..! وهو ما كان قد تقرر سابقا في المؤتمر الصهيوني بالعمل على فتح الهجرة الى فلسطين وتشجيعها بالإغراءات أو بالقوة.. والى ذلك يشير (شلومو هليل) العراقي الأصل ومؤلف كتاب (عملية بابل) في مذكراته..!

وفعلا، وبعد أن تم تأسيس ميليشيات (الهاغانا) الصهيونية في فلسطين عام 1942، بدأت الصهيونية العالمية تركز على يهود العراق والدول العربية الأخرى، والذين كانوا في الحقيقة غير متحمسين لتلك الهجرة..! وبدأت الهاغانا بتهريب وكلائها الى العراق خصوصا لتحقيق هذا الغرض، ومن أبرز أولئك الوكلاء ثلاثة هم: شاؤول أفيكار، أنزو سريني، سماريا كاتمان.. الذين وصلوا الى العراق من فلسطين، في مهمة وضع نواة للحركة الصهيونية خصوصا بين الشباب اليهودي...! ووضعوا خطة لتهريب الأسلحة اليهم عبر شرق الأردن وتركيا وإيران، كما بدأوا بوضع برامج تدريبية لهم.. وفي عام 1943، أدخلوا نظام الإتصالات بالراديو اللاسلكي وبرسائل سرية مشفرة مع تنظيم الموساد الأسرئيلي في تل أبيب الذي كان يتولى عمليات تهجير اليهود وتوطينهم في فلسطين...!

بحلول عام 1951، كانت النواة التي بدأها الوكلاء الصهاينة الثلاثة في العراق عام 1942، قد وصلت الى 16 فرعاً وحوالي 2000 عضواً، منهم 300 مجند قد أكملوا تدريبهم العسكري..!

لقد أوضح شلومو هليل دوره الرئيسي في هذه العملية والتي أطلق عليها (عملية عزرا ـ ناحيميا) وهو الإسم الرمزي المقتبس من التوراة، فيقول أنه كان يتحرك مابين فلسطين والعراق، وبالطائرة أحياناً، وأحياناً بإرتداء الزي العربي (العباءة والعقال) ليتنقل بالطرق البرية مابين فلسطين والعراق وتركيا وإيران، في حين كان قد تم إنشاء محطة مخابراتية للموساد في بغداد نفسها تحمل أسماء رمزية ثلاث هي (ديكيل) و(أورين) و(بيرمان).. أما في طهران فكانت المحطة الأكبر وتحمل أيضا أسماء رمزية ثلاثة هي (كولدمان) و(نوري) و(ألون).. هذه الأسماء كانت تستخدم في الشفرة اللاسلكية بين بغداد وطهران وتل أبيب..!

كان الإسرائيليون يستخدمون جبال شمال العراق للتنقل الى إيران وبمساعدة من الأكراد الذين كانوا قد بدأوا علاقات حميمة مع الإسرائيليين...!

قامت الخلايا الإسرائيلية بنقل اليهود من عبادان وخرمشهر وديسفول وكرمنشاه الى طهران أولاً، ثم عن طريق البر الى تركيا، ومنها الى فلسطين.. وأحيانا إستخدام الطريق الجوي المباشر من طهران الى فلسطين.

عمل شلومو هليل في بغداد في 1947 و1948 و1950، وفي طهران 1949، وعمل على تنظيم ترحيل اليهود. وقد تمّ إختيار منطقة (بيت سين) في فلسطين لهبوط الطائرات القادمة من طهران او أماكن أخرى لكونها بعيدة عن مقرات وتواجد القوات البريطانية..!

في 1950 منح الموساد شخصية جديدة لشلومو هليل وهي (تشارلس أرمسترونغ) من (مؤسسة الشرق الأدنى للنقل الجوي)...!

في كتابه الموسوم (عملية بابل) وصف لنا شلومو هليل كيف أن (تشارلس أرمسترونغ)..!! قام في 1949 بعقد صفقات ناجحة مع نظام نوري السعيد على شكل إتفاق لمدة سنتين يقوم خلالها بنقل اليهود العراقيين جواً من بغداد الى إسرائيل.. وقد إستطاع نوري السعيد من تمرير قانون في البرلمان العراقي يسمح لليهود العراقيين بمغادرة العراق (إذا هم شاءوا ذلك..!)، وفي حالة سفرهم تسقط عنهم الجنسية العراقية، وتجمد أموالهم في العراق...!، وقد حدد شهر آذار 1951 موعداً لإنتهاء العمل بهذا القانون...!

لقد كان القانون بالطبع يخدم الإسرائيليين الذين نجحوا من خلاله في ترحيل 100،000 يهودي عراقي الى فلسطين، ومعظمهم من المثقفين والمهنيين والحرفيين من الذين تحتاجهم فعلا (دولة) إسرائيل وهي في بداية تأسيسها.. كان هذا في الوقت الذي كانت فيه حكومة نوري السعيد قد قررت إرسال الجيش العراقي ليقاتل الإسرائيليين غرب نهر الأردن (الضفة الغربية حاليا) مع بقية الجيوش العربية....!!

أما (نعيم غيلادي) اليهودي العراقي المولد، والذي إنتقل بعد ذلك للعيش في الولايات المتحدة، فيتحدث لنا في عام 1998 من أميركا حيث يقيم، عن عائلته (هارون) والتي تعتبر من العوائل المحافظة الدينية في العراق، وكيف أنهم أعادوا بناء قبر النبي (أزيكيل) او (ذي الكفل) قرب آثار بابل القديمة.. ويذكر أنه شخصيا عمل مع نواة الموساد في العراق عند تأسيسها وأنه قد قبض عليه في عام 1947 وهو في سن 18 من قبل الشرطة السرية في بغداد عندما كان يحاول أن يهرّب شاب يهودي في مثل عمره آنذاك. وعند التحقيق معه لمعرفة بقية أعضاء شبكته، تم نزع ملابسه وإيداعه غرفة باردة في السجن في شهر كانون الثاني / يناير، وكانوا يصبّون عليه الماء البارد، ثم تم تحويله الى سجن (أبو غريب) سيء الذكر وقت صدام وبعد الإحتلال الأمريكي. ويكمل أنه تمت محاكمته وحكم بالإعدام.. ولكن تم تهريبه من السجن بتزويده بملابس عسكرية، وتم إيصاله أخيراً الى إسرائيل في مارس 1950.

في إسرائيل تم تغيير أسمه الى (هلاسكي) ليصبح إسمه مشابهاً لأسماء اليهود (الأشكيناز) أي اليهود الغربيين القادمين من أوربا، حيث كانت هناك تفرقة ولا زالت بين اليهود الشرقيين والغربيين داخل إسرائيل.. مما جعله يترك الى الولايات المتحدة.. إلا أنه يشير أيضا الى تبوأ الكثير من اليهود العراقيين لمناصب رفيعة منهم على سبيل المثال وزير الدفاع الإسرائيلي في حكومة أيريل شارون (شاؤول موفاز)، وهناك أيضا ديفيد ليفي، ويهودا شينهاف الذي ينحدر من عائلة (المعلم) اليهودية العراقية، ووالده صالح شينهاف كان من التجار العراقيين، وقد إستوطنوا في صحراء النقب مع 40 يهودي عراقي آخر، وأطلقوا على أنفسهم (فريق البابليون). يهودا هذا قتل عام 1991 وعمره 62 عاما في أحد الصواريخ التي أطلقها صدام حسين على تل أبيب.
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.81 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.12%)]