(أ) الصلاح:
وهو النتيجة الأولى لهذا التوجيه والإرشاد،فإذا التزم المسلم بهذه التوجيهات الربانية فقد وعده الله تعالى أن يصلح له عمله،ويمده بالكمال والفضائل،وأن يوفقه للأعمال الصالحة،فتكون حياته صالحة،وآخرته صالحة،ونفسه صالحة،وزوجته صالحة،وذريته صالحة،ويصلح له من حوله،ويصلح له شأنه كله،وبذلك يصلح الفرد والمجتمع،وتسود فيه الفضيلة والتعاون،والمحبة والمودة،والبر والتكافل.ولا شك أن هذه النتيجة هي قمة الأهداف التي يسعى لها الفرد والمجتمع،وهي الغاية القصوى من أغراض التربية القديمة والحديثة على السواء،وهي الأمل المنشود الذي يبذل له المصلحون جهدهم وطاقتهم،لتحقيق الصلاح الفردي والاجتماعي،والصلاح الخاص والعام.
(ب) غفران الذنوب:
وهو النتيجة الثانية التي يحققها رب العالمين لمن التزم بالقوى،وقال قولا سديدا،فيغفر له الذنوب الماضية،وما قد يقع في المستقبل،بأن يلهمه التوبة منها،فالذنوب تكفر بالاستقامة في القول والعمل.
وإن ذنوب البشر كثيرة،وتقصيره واضح،والخجل من نفسه مكشوف،والطريق إلى مغفرة الذنوب،وتكفير السيئات،وتغطية التقصير،واستدراك النقص،والطمع فيما عند الله تعالى،والرجاء في رضوانه هو العمل الصالح،والتوبة النصـوح،فالله سبحانـه وتعالـى يقـول:]...إن الحسنـات يذهبـن السيئـات[[1]،ويقــول الرسول صلى الله عليه وسلم«وأتبع السيئة الحسنة تمحها»[2]،و«كل ابن خطاء وخير الخطائين التوابون»[3]،والله سبحانه شرع التوبة لإزالة الخطإ،ودعا إلى التوبة،فقال تعالى:]يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار...[[4]،وأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ربه عز وجل في الحديث القدسي قال:«يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي،يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء،ثم استغفرتني غفرت لك،يابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا،ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة»[5]،وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :«والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»[6]،وهذا تعليم منه صلى الله عليه و سلم لكل مسلم،وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :«إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار،ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،حتى تطلع الشمس من مغربها»[7].
وهذه النتيجة الثانية لتطبيق التوجيه الرباني هي أسمى ما يطله المسلم في الدنيا والآخرة،وهي أغلى أمانيه من غفران الذنوب،وتكفير السيئات،لمواجهة الله تعالى بوجه أبيض ناصع،،وقلب خال من الذنوب والخطايا،وجسم نظيف من السيئات،فيلقى الله تعالى بوجه ناضر،ونفس رضية،وروح مفعمة بالإيمان،كما يحس في الدنيا بالصفاء والنقاء،والطهارة والنظافة،ويكون عضوا صالحا في المجتمع.
تقرير المبدأ الإلهي الخالد:
ويختم رب العزة هذه الآية الجليلة العظيمة بتقرير مبدإ الإسلامي الخالد،وتقرير الدستور السماوي الثابت،والقاعدة الدينية الشاملة لجميع أمور الدين،وهي:]...ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما[.
إن التقوى الكاملة،والسداد في القول،والرشاد في العمل،وتطبيق العبودية الكاملة،ونيل رضوان الله تعالى،وتحقيق الفوز العظيم،يرتبط بطاعة الله والرسول،ومن يفعل ذلك يستحق الجزاء الأوفى،فيسعد في الدنيا،وينجو من نار جهنم ،ويصل إلى النعيم المقيم في الآخرة.
وتتمثل طاعة الله تعالى في تنفيذ الأوامر والأحكام،والاستقامة على نهجه،واجتناب النواهي والمحرمات،وترك المنكرات،كما تتمثل في إقامة شعائر الدين،والحفاظ على فرائضه،والقيام بشرعه ودينه،والتخلي عن الأديان الباطلة،والمبادئ الدخيلة،والأفكار الفاسدة،والشعارات المستوردة،والمذاهب الضالة.كما تتمثل طاعة الله تعالى في اجتناب شياطين الإنس والجن،والإعراض عن وسوستها،والتنكب عن طريقها،قال تعالى:]يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان...[[8].
وأما طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم فهي طاعة الله تعالى،قال عز وجل:]من يطع الرسول فقد أطاع الله[[9]،وربط الله محبته باتباع رسوله صلى الله عليه و سلم ،فقال تعالى:]قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم[[10].وقرن الله طاعته بطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم ،فقال تعالى:]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنـه وأنتم تسمعون[[11].
وتتمثل طاعة الرسول صلى الله عليه و سلم بالاهتداء بهديه،والاقتداء بسيرته،والالتزام بمنهجه،والتأسي بأعماله،والوقوف عند سنته،وقد جعله الله تعالى أسوة لنا،وقدوة لمن آمن بالله واليوم الآخر،فقال تعالى:]لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا[[12].
ومتى تحققت طاعة الله ورسوله،تحقق الفوز الكامل،والنجاح الباهر،والسعادة الدنيوية والأخروية،وتحققت العزة والكرامة،والنصر والاستعلاء.
نعم إنه يتحقق الفوز في الدنيا بالنعيم والراحة،والتوفيق إلى محاب الأعمال،ويتحقق الفوز في الآخرة،برضوان الله تعالى،وكسب محبته،والفوز بجنته،والتخلص من غضبه ومقته وعذابه.وفي هذا المعنى يلتقي آخر الآية بالفوز العظيم في جنات النعيم،والنجاة من العذاب المقيم، مع مقدمة الآية والتوجيه الرباني الأول في الآية]...اتقوا الله...[،وتتفق الخاتمة في طاعة الله ورسوله،مع الأمر الأول بالتقوى،ويتحد المبدأ والملتقى والنهاية في هذه الآية الجليلة الجميلة.والله تعالى أعلم.
منقول
إمام مسجد حي المسيرة بأكادير
[1] ـ سورة هود:114.
[2] ـ الترمذي:4/355
[3] ـ المستدرك:4/272.
[4] ـ سورة التحريم:8.
[5] ـ الترمذي:5/548.
[6] ـ البخاري:5/2324.
[7] ـ مسلم:4/2113.
[8] ـ سورة النور:21.
[9] ـ سورة النساء:80.
[10] ـ آل عمران:31.
[11] ـالأنفال:20.
[12] ـ الأحزاب:21.