الخلفية الفكرية لإتحاد المحاكم:
بمجرد ظهور المحاكم بسرعة في الفترة الأخيرة ثم دخولها -بعد فترة من الكف والصبر- في معارك مع أمراء الحرب، ثم الاجتياح الإثيوبي للصومال مؤخرا كان من الصعب استكشاف هل للمحاكم بعد إنشائها مرجعيات منهجية موحدة من بين المرجعيات والمناهج المطروحة على الساحة الإسلامية؟ ولكن المعروف أن المحاكم تشكل خليطا من المدارس التوجهات، يجمعها أولا المنهج السلفي بعمومه ثم العمل المشترك فيما بعد.
وعلى الرغم من أن قادة والعاملين في المحاكم لم يعرف عنهم -بالنسبة لنا على الأقل- مناهج علمية أو فكرية محددة إلا أن السمة السلفية هي الظاهرة من القوم، من حيث تقديم واحترام العلماء والعمل من أجل تطبيق أحكام الشريعة والمحاربة والصبر من أجل ذلك، هذا بالإضافة لما هو معروف من اتصال أبناء هذه البلاد وقربهم من العلماء السلفيين في بلاد الجزيرة وغيرها، ثم ما يصفهم به أعدائهم من نسبة إلى التيار السلفي الوهابي -على سبيل التهمة بالطبع- هذه الأسباب كلها تؤيد نسبتهم إلى التيار السلفي، مع الأخذ في الاعتبار أن التيار السلفي في حد ذاته يحوى مجموعة من الأطياف المختلفة، ولكن هذا ليس معناه بالطبع وجود انقسامات داخلية وصراع على السلطة بينأبناء المحاكم وهو الأمر الذي يحاول أعدائهم إبرازه كنوع من التنفير للمسلمين في العالم من المحاكم استلهاما للتجربة الأفغانية، وما تلاها من صراعات داخل الصف الإسلامي.
ولكن هناك فارق أساسي بين التجربة الصومالية والأفغانية حيث سلمت الأولى -كما هو الظاهر- مما وقعت فيه الثانية من التغاضي عن أخطاء المنسوبين إلى الجهاد، ممن عرف عنهم التشيع أوالقبورية أو العصبية الجاهلية، أو العلاقات مع بعض الجهات الأجنبية ممن لها مصلحة في هزيمة الروس، مما كان سببا فيما بعد هزيمة الروس إلى تحول القتال إلى الساحة الداخلية.
تحركات اتحاد المحاكم الإسلامية:
ساد تحركات المحاكم فترات من المد والجزر بحسب عوامل القوة والمواجهة مع زعماء الحرب أنفسهم أو مع إثيوبيا من خلالهم، حتى وصلت الأمور فيما بعد إلى فرار زعماء الحرب والحكومة الانتقالية نفسها من أمام قوات المحاكم في القرى والمدن الواحدة تلو الأخرى، إلا أن الصفة الجامعة لتصرفات المحاكم في كل الأحوال هو عدم السعي للصدام المبكر، لاسيما في مرحلة التكوين وتعبئة الصفوف، حتى وصل قوام قوات المحاكم إلى أكثر من خمسة آلاف مقاتل متطوع على درجة معقولة من التسليح والتنظيم، بالإضافة إلى عدد هائل من المنتمين لها والمتعاطفين معها من أبناء القبائل الذين ساعدوها على فرض الاستقرار في أنحاء البلاد،بالإضافة إلى دعم عدد من رجال الأعمال الصوماليين المسلمين الذين لمسوا صدق المحاكم في إقامة الشريعة وفرض الأمن بغير إتاوات كما كان يفعل رجال الحكومة في السابق الأمر الذي دفعهم لتمويل المحاكم وإمدادهم بالسلاح والعتاد، ويؤكد ذلك استجابة الآلاف من المتطوعين لحث شيوخ المحاكم على الجهاد ضد إثيوبيا في الفترة الأخيرة والتي هددت فيها إثيوبيا بالدخول إلى الأراضي الصومالية وهو ما وقع بالفعل.
وأيضا من شواهد حكمة االاتحاد في معالجة القضايا قبولهم للمفاوضات مع الحكومة الانتقالية رهينة الإقامة الجبرية في بيدوا سواء بالاتصال المباشر أو من خلال المؤتمرات الدولية وهو ماحدث بالفعل.
ولكن الوصول إلى أي صيغة تفاهم مع الحكومة الانتقالية ليسبالأمر الذي يسعد الأمريكيين، الذين سعوا لإفشال هذه المفاوضات مباشرة أو من خلال حثهم لإثيوبيا وأمراء الحرب على التحرش بقوات المحاكم، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى الاجتياح الإثيوبي للصومال بواسطة طائرات ودبابات وبسلاح وتمويل أمريكي صريح معلن.
ولتعود حكومة قطاع الطرق إلى العاصمة مقديشيو مرة أخرى تباهي بنصر جبان، وليعود القتل والسرقة وعمليات الاختطاف مرة أخرى إلى العاصمة وبدرجة أشد هذه المرة، ولتسمع أصوات عباد السلطة -من أعداء إثيوبيا بالأمس وأصدقائها اليوم- تنادي ببقاء إثيوبيا في البلاد،بل وإقامة وحدة بين الصومال وإثيوبيا طالما أن الثمن سيكون مجموعة من المباني والمكاتب والسيارات الفاخرة والأرصدة المتضخمة يوما بعد يوم.
ويعد الانسحاب السريع للمحاكم بعد الهجوم الإثيوبي الثقيل صورة من حكمة المحاكم، حيث آثروا التحيز وعدم الوقوف في وجه العاصفة ريثما تمر، ولتنتظم الصفوف ثم لتعود مرة أخرى بنوع من الحرب لاتطيقه القوات النظامية وهو حرب الشوارع والعصابات، وهي الحرب التي تعلم أمريكا تماما خطرها لذا أدارت الحرب في الصومال بالوكالة عن طريق إثيوبيا، حيث ذاق الأمريكان مرارة هذه النوعية من المواجهات، في أفغانستان والعراق وفي الصومال نفسها قبل ذلك.
ولكن طبيعة الكفر والظلم أنه يعمي بصيرة من يقارفه، فمن حيث أرادت أمريكا ضرب الحركة الإسلامية وتطويقها نستبشر بميلاد كابوس جديد للأمريكان يقض مضاجعهم ويحرق صدورهم، وهو الأمر الذي ظهرت بوادره بالفعل حسب آخر الأخبار التي تؤكد قيام قوات المحاكم بعمليات متفرقة ضد الجيش الإثيوبي وحلفائه.
تعريف بأهم الأسماء البارزة في إتحاد المحاكم:
شيخ شريف أحمد:
هو رئيس المجلس التنفيذي لاتحاد المحاكم، ويعتبر من أكثر الشخصيات المعروفة جماهيريا في الفترة الأخيرة حيث تحدث باسم المحاكم في أكثر من مؤتمر وحوار على الفضائيات، وألقى العديد من التصريحات الهامة التي تشرح وجهة نظر المحاكم في المواقف المختلفة، ويبلغ شيخ شريف من العمر 42 عاما، ولد في أسرة متدينة وتلقى تعليمه العربي والديني منذ طفولته في مدارس تابعة للأزهر، ثم تلقى تعليمه الجامعي في السودان ثم في ليبيا، وتخرج في كلية الشريعة والقانون بالجامعة المفتوحة في طرابلس عام 1998م.
عاد ليقوم بدور رئيس المحكمة الإقليمية في جوهر ثم تركها بعد خلاف مع أحد أمراء الحرب في بلدته ليمارس التدريس في مقديشيو ويمارس التجارة إلى جانب ذلك. وقد حث أهالى الحي الذي يقطنه على القيام بإنشاء محكمة إسلامية وذلك عام2003م، لتقوم بمكافحة السرقات وأعمال السطو الاختطاف التي طالت أحد تلامذته هو شخصيا، وقد نجحت هذه المحكمة في ذلك، وتكونت على غرارها محاكم أخرى في العاصمة، لتتحد بعد ذلك مع عدد من المحاكم في القبائل الأخرى ليتكون ما عرف باتحاد المحاكم الإسلامية الذي انتخب هو نفسه رئيسا للجنته التنفيذية.
العقيد حسن طاهر أويس:
هناك تضارب في الأخبار عن عمره الحقيقي، إلا أن المؤكد أنه نشأ في الكتاتيب والمدارس الأزهرية في الصومال، وبعد إنهائه للمرحلة الثانوية التحق بالجيش الصومالي، وترقى فيه حتى حصل على رتبة عقيد، شارك في الحرب بين الصومال وإثيوبيا عام 1977م إبان حكم ""سياد بري ونال وسام الشجاعة عن دوره في الحرب.
اشتهر اسمه كأحد القادة الأساسيين لقوات الاتحاد الإسلامي التي أنشئت في السبعينات، والذي كان مستهدفا من قبل الحكومة الصومالية آنذاك، وكذلك من قبل الروس، حيث أن محاربة الشيوعية كانت من أهم أهداف هذا التنظيم، حتى حكم على الشيخ أويس بالإعدام عام 1987م،لاتهامه بالترويج لهذا التنظيم الساعي لقلب نظام الحكم وذلك في أوساط الجيش والمجتمع، ثم خفف الحكم عليه إلى السجن المؤبد بعد وساطات قيل أن من بينها ولي عهد السعودية إثر طلب من الشيخ ابن باز رحمه الله.ثم حصل على الإفراج عام 1988م مع عدد كبير من المعتقلين السياسيين بعد ضغوطات دولية على حكومة سياد بري.
بعد انهيار حكومة "سياد بري" عاد الشيخ أويس لممارسة نشاطه مرة أخرى علنا من خلال تنظيم الاتحاد الإسلامي،إلى أن حل الاتحاد نفسه عام 1996م، واكتفى الشيخ أويس بالقيام على أحد المحاكم الشرعية إلى أن قام اتحاد المحاكم وأصبح رئيسا لمجلس الشورى بها، وقد كان منذ البدء أحد كبار الداعين لإنشاء المحاكم الإسلامية في الصومال.
بقي ذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تضعه على قائمة الإرهاب الدولية تحت مزاعم عن علاقته بأسامة ابن لادن وتنظيم القاعدة، وسواء صحت هذه المزاعم أم لا فإن الغرض من إثارتها هو تهييج الرأي العالمي تجاه المحاكم كما حدث في أفغانستان والعراق.
الاتحاد الإسلامي الصومالي:
أنشئ في السبعينات من أجل محاربة النظام الشيوعي في البلاد، ودخل في عدة مصادمات مع حكومة سياد بري حتى حكم على قادته بالإعدام، وكان من بينهم العقيد طاهر أويس، وبعد الإفراج عن عدد من قادته في أواخر الثمانينات عاد للعمل بقوة مرة أخرى وخاض عدة معارك مع أمراء الحرب المدعومين من إثيوبيا، حتى تدخلت إثيوبيا بنفسها وهاجمت ولاية لوق الإسلامية، على إثر محاولة الاتحاد الإسلامي دعم الاتحاد الإسلامي الأوجاديني، الذي يجاهد من أجل الانفصال عن إثيوبيا، وعلى أثر ذلك حل الاتحاد نفسه عام 1996م تفاديا للملاحقة الحكومية من جهة، ومن جهة أخرى تفاديا للدخول في مواجهة غير متكافئة مع الجيش الإثيوبي.
وتعتبر أمريكا هذا التنظيم –السابق- أعضاءا وفكرا من أشد التيارات تطرفا حتى بعد ذوبانهم في التنظيم الجديد لاتحاد المحاكم الإسلامية. ويذكر أنه بعد حل الاتحاد انضم أعضاؤه في تنظيمات جديدة تحت أسماء مثل "جماعة الجهاد والدعوة" أو جماعة "الاعتصام بالكتاب والسنة" إلا أننالم نقف على معلومات دقيقة وموثوقة عن طبيعة هذه التنظيمات.
حركة الإصلاح الصومالية:
وتحسب على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بحسب تصريحاتهم وتصريحات قادة الإخوان في مصر. وينادي هذا التنظيم بتطبيق الشريعة، ولكنه لم ينهج أسلوب بقية التيارات التي اختارت المواجهة المسلحة حتى أنه ظل بعيدا عن القتال الدائر طوال الفترات السابقة، وحتى بعد انتصار المحاكم الإسلامية وبسط سيطرتها على البلاد لم يدخل في التحالف معها، وإنما أبقى على مسافة بينه وبين الأحداث الملتهبة هناك.
ويذكر أن هذه الحركة تقوم بالعديد من النشاطات الخيرية الخدمية كالمدارس القرآنية والمراكز الإغاثية ونحوها، إلا أن عددا من أعضاء الحركة انضم لاتحاد المحاكم، وعلى رأسهم الدكتور محمد علي إبراهيم المراقب العام السابق للإخوان في الصومال، والذي ترأس وفد الهيئة العليا للمحاكم الإسلامية في مفاوضات دارت بين إتحاد المحاكم والحكومة الانتقالية برعاية السودان، ولكن إثر ذلك أصدرت الحركة بيانا مفاده أن الدكتور محمد علي إبراهيم ليس عضوا فيها ولا يمثلها ولا يجوز له أن يتحدث باسمها، وأنه لا يوجد لدى الحركة محكمة شرعية تابعة لها، كما أن الحركة ليست جزءا من إتحاد المحاكم الإسلامية.
المجلس الصومالي للوحدة والإنقاذ:
ويحسب على الاتجاه الصوفي في الصومال والتي تنتشر بها العديد من الحركات الصوفية كالقادرية والأحمدية والإدريسية وغيرها، إلا أنه لم يتوفر لنا بدقة إلى أي درجة وإلى أي طريقة صوفية ينتمي هذا التنظيم.
إلا أنه في الفترة الأخيرة عقد عددا من الاجتماعات وأصدر بيانات يدين فيها"تحالف السلم ومكافحة الإرهاب" الذي تحالف فيه أمراء الحرب السابقون مع أعضاء الحكومة الانتقالية الحالية، ووصفهم البيان بأنهم يحاربون تطبيق شرع الله في الأرض، وأكد على دعم الجهاد بجانب المحاكم الإسلامية.
وردًّاعلى تصريحات أحد أعضاء تحالف السلم التي هاجم فيها الإسلاميين مستثنيًا أعضاءالطرق الصوفية، بقوله: "إن تحالفنا يعترف بدور علمائنا القادريينوالأحمديين ولا يستهدفهم، وإنما نستهدف الوهابيين –الإرهابيين-"؛ قالالشيخ حسن محمود طيري الأمين العام للمجلس: "إن علماء الصومال جسد واحد لا يتجزأ، وإن للطرق الصوفية دورهافي نشرِ الإسلام في الصومال".وأكد على ضرورة اعتذارمسئولي التحالف المشبوه وإعلان توبتهم أمام الشعب الصومالي.
رابطة علماء الصومال:
تأسست رسميا عام 2002، إلا أن الشيخ نور بارود جرحن وهو نائب رئيس الرابطة أكد في حوار له أن التحضيرات لهذه الرابطة استغرق سنتين قبل الإعلان عنها. وتضم الرابطة عددا كبيرا ممن وصفوا بعلماء الصومال حتى ذهب البعض لوصفه بأكبر هيئة دينية في البلاد.
وعلى حد وصف الشيخ نور فإن الرابطة تقوم بنشر الدين والقيام بواجب الدعوة إلى الله تعالى، وتنظيموحدة العلماء لكي يقوموا بما يجب عليهم، ولتكون لهم مواقف متفقة فيمابينهم فى القضايا التي تهم هذه الأمة، والقيام بالمصالحة الصومالية، ونشرثقافة الأخوة، ورعاية المستضعفين والفقراء ودعوة تجار المسلمين لمساعدةهؤلاء. وذكر أن الرابطة قامت بمحاولات عدة في سبيل المصالحة الصومالية، كما ذكر أن الرابطة حضرت عددا من المؤتمرات الدولية في القاهرة وليبيا ، وأنها أصدرت عددا من البيانات التي تدعم الجهاد في العراق وأفغانستان وفلسطين، وتعلن موافقة الرابطة على مقاطعة علماء السنة في العراق للانتخابات التي أجريت وقتها، و قد كانت هذه التصريحات من الشيخ نور قبل ما يزيد عن عام ونصف من الآن.
|