وفي هذه الجزئية النقاط الآتية:
رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول.
استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان.
لا يرتفع إلى الله إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم:
التحذير من الخروج عن حد الإخلاص
بركة الإخلاص
شهر "شعبان" هو شهر الإخلاص
------ رفع الأعمال حال الصوم أدعى للقبول ------
وهنا معنى جديد في قوله: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين))؛ ورفع الأعمال إلى رب العالمين:على ثلاثة أنواع يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النَّهار،ويُرفع إليه العمل يوم "الاثنين" و"الخميس" ويرفع إليه هذا العمل في شهر "شعبان" خاصةً.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأعمال تُرفع إلى الله تعالى رفعًا عامًا كل يوم , قال صلى الله عهليه وسلم: ((يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ- كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ))([1]) .
ويوم "الاثنين" و"الخميس" تُرفع كذلك الأعمال إلى الله، وهذا الرفع في "شعبان" بالذات رفع مخصوص للمؤمنين، وهو الرفع الثالث الذي تُرفع فيه الأعمال، وتُعرض على الله تعالى، وانظر إلى قول النبي المهم في هذه الحالة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين, فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)))
فالأعمال ترفع كلها إلى الله في هذا الشهر، أتريد أن تُرفع لك أعمال أو لا؟ أو هل ترفع لك أحسن الأعمال أو لا؟
هذان الأمران المهمان: أن الأعمال كلها تُرفع، فيحب أن ترفع وهو صائم، ويحب أن تُرفع الأعمال على أحسن أحوالها.
المعنى إذًا هنا:
ماذا تريد أيها المسكين أن يرفع لك إلى الله؟ أن ترفع الملائكة صحائف النَّاس إلى الله ، فلا توجد في صحيفتك أعمال، هذه الأولى، أو أن ترفع الملائكة الصحائف إلى الله تعالى وفيها أعمالك، ولكنها أعمال خسيسة وقليلة، لا تساوي شيئًا..
(( تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ))
تُرفع فيها كلُّ الأعمال، فأحب أن يُرفع ليَ بعض الأعمال فقط؟ لا بل يحب أن يُرفع له كل الأعمال ، ليس كذلك فقط، ولكنه يحب أن ترفع فيه الأعمال إلى الله وهي في نهاية القبول. لا يمكن أبداً أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: أن ترفع بعض الأعمال، وأن يترك بقية الأعمال إلى الغَفِلَة؛ هذا يتعارض مع قوله: ((يغفل عنه النَّاس)).
لذلك: يريد أن تُرفع فيه أحسن الأعمال وأكثر الأعمال –وأعماله كلها حسنة وأوقاته كلها عامرة-؛ لأنه لا يمكن أن يرضى بأن تُرفع فيه بعض الأعمال، ولا أن تُرفع فيه الأعمال التي لا تساوي أن تُرفع إلى الله، وإنما يريد أن يقول: تُرفع فيه ما يتمكن المرء فيه من عمل لا يقصر فيه، فيُرفع فيه له الأعمال كافة التي يمكن أن يعملها، في نفس الوقت يُرفع فيه أعمال تُبَيِّض وجهه عند الله.
((تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([2]).
يعني: لمَّا رُفِعَت الأعمال، وعُرِضَت على الله تعالى، فماذا تختار لنفسك أن يُعْرَضَ عليه؟ ما يُبَيِّضُ وجهك أو يُسَوِّدُ وجهك؟! ما يُقْبَل أو ما يرد؟! ما يكون سببًا لجزيل الثواب أو لقلة الثواب؟..
لا شك أنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يختار الدرجة العالية، الدرجة الرفيعة التي يؤدي بها، التي تكون سببًا، يُعلِّم بها، ويُنبِّه بها المؤمنين على أن يكونوا على هذا الحال الذي يحبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وَرَفْعُ الأعمال إلى الله تعالى مع كونه صائمًا أدعى إلى القبول عند الله تعالى، وأحب إلى الله جل وعلا، وأن يتقبل صالح عمله كله سبحانه وتعالى، وأن يثيبه عليه أعظم الإثابة، وأن يكافئه عليه أعظم مكافئة، وهو ما يسعى إليه المؤمنون تأسيًا واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
----- استعد في شعبان تجد حلاوة الطاعة في رمضان -----
ولهذا المعنى كان "شعبان" تقدمة لـ"رمضان"..
إذا كان الحال كذلك في "شعبان" وهو شهر يصوم فيه استحبابًا فما بالك عندما يجيء صوم الواجب الذي به تُغفر الذنوب، ويُرحم النَّاس، وتُعتق رقابهم من النار؟!
فإذا جاء "رمضان" كما يقول صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ))([3]) .
تُرى ماذا تكون حاله في رمضان؟
وكأنَّ إذا رُفع له في "شعبان" أعظم الأعمال وهو صائم، وأحسنها وهو صائم، وأقربها إلى القبول وهو صائم من كل ما يمكن من عمل؛لأنه يقول:
((ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين)).
تُراه يرفع فقط الصوم، تراه فقط يرفع القرآن، تراه فقط يرفع الذكر، تراه فقط يرفع القيام، تراه فقط يرفع العلم النافع، أو تراه فقط يرفع الدعوة، والأمر بالمعروف، أو الصدقة أو الزكاة، أو السعي على مصالح المسلمين، أو القيام بحوائجهم، أو الإصلاح بينهم؟ أو الأخلاق العالية الحسن.
كل ذلك يرفع له فإذا جاء "رمضان" إذًا: كان على هذا الحال الحسن، قد رُفعت الأعمال وقُبلت ، وتزكت ، وزُكيت النفوس، والقلوب، وصار أهلًا لهذه العبادة وأهلًا لهذه الرحمة، وأهلًا للعتق من النار، دخل المرء على "رمضان" وقد وجد حلاوة الإيمان، ووجد حلاوة الصيام، ووجد حلاوة القيام، ووجد حلاوة الذكر، ووجد حلاوة الطاعة، وأخرج زكاته، وأخرج صدقته، وأخذ حظه من أنوار المجاهدة التي بها تُرفع الأعمال إلى رب العالمين كان جديرا برحمة الله وفضله أن يخرج على أحسن حال.