نظرية قرين المادة الجني
بقيت هناك نقطة هامة جدا أود الإشارة إليها من باب الأمانة العلمية، أن مجرد حضور القرين او أي جني على مخ الإنسان ليس كافيا ليبصر الإنسي ما في عالم الجن، لأن العالمين منفصلين عن بعضهما البعض، هذا بسبب تفاوت خصائص قدرات المخ البشري، وخصائص قدرات المخ الجني، لذلك لا بد من وجود وسيط، يحمل صفات الإنسي، وخصائص الجني كقدرات فائقة، بحيث يكون حلقة اتصال بين مخ الجني ومخ الإنسي معا، فيتم بهذا الشكل الاتصال بين عالمين مختلفين، أي أن لمادة جسم الإنسان قرين متصل بالجسد لا يفارقه.
فلولا وجود قرين مادة الجسم لما تمكن الشيطان من الوسوسة، ولا تصوير الأحلام الشيطانية، ولا إصابة الناس بالصرع، ولاختفى الكثير من الأمراض المعضلة، ولولا قرين المادة لما أمكن توصيل الرسالات السماوية من عالم الإنس إلى عالم الجن، ولا أمكن للجن نقل عرش بلقيس من سبأ إلى القدس، هذا بسبب فقدان حلقة الاتصال بين عالمين مختلفين، فإذا اتحد قرين العرش بمقرونه أمكن للجن حمل القرين لأنه يوافق خصائص قدراته، ولارتباط القرين بمقرونه سينتقل العرش تبعا لحركة قرينه الجني، وبسرعة حسب قدرات الجن الفائقة.

فقرين مادة المخ له نفس صفات مخ الإنسي وتكوينه، ولكن في نفس الوقت يمتلك خصائص قدرات المخلوفات الجنية، كسرعة الحركة وإعادة التشكل وتغيير الحجم، إلى آخر ما هناك من خصائص قدرات غير متوفرة في المقرون الإنسي، وبالتالي فالقرين وسيط يجمع بين خصائص عالمين مختلفين والقدرات، وهنا أن الجني من خلال قرين مادة الجسم باعتباره يحمل خصائص قدرات مشتركة، خاصة لو كان قرين الإنسان فهو يحمل نفس صفات مقرونه أيضا، يستطيع الحضور من خلال قرين مادة مقرونه على مركز الإبصار في المخ فيبصر الإنس كل ما يدركه الجني المستحوذ على مخه، أي أنه يتم هناك اتحاد بين الجني وبين قرين مادة جسم الإنسان المتحد مع مادة جسم الإنسان الإنسية، وهنا تكون السيطرة لمخ الجني على قرين مادة مخ الإنسان، وبهذه الطريقة يدرك مركز الإبصار في مخ الإنسان حسب مشيئة الجني ورغبته، أو ما قد يكره عليه هذا الجني من قبل جني آخر، سواء من قبل جني أقوى منه، أو حسب مشيئة الله رب العالمين، تماما كما يحدث في الكشف البصري والسمعي المنامي واليقظي.

لذلك قد يشعر المريض أن أحد يضربه ضربا مبرحا، ويلتفت حوله فلا يجد من البشر أحدا، وهنا يتم الضرب من أحد الجن على قرين مادة جسم المريض، فيشعر المريض بوقوع الضرب عليه مباشرة، وأحيانا عند سؤال أحد الجن عن سبب تلبسه بجسد المريض يصرح بأن المريص صاطدم به أو سقط عليه أو رمى عليه حجرا فأصابه أو أصاب أحد أبناءه، بل إن كل الأمراض الروحية يتم التسلط فيها على (قرين مادة الجسم)، وربما كثير من الأمراض العضوية أيضا، فإذا شفي قرين المادة شفي المقرون من فوره، وكأن شيئا لم يكن، على أي حال هذا الموضوع له تفصيل علمي يطول شرحه، فقد تبتر ساق إننسان ما، لكنه يظل يشعر بوجود ساقه المبتورة، لكن شعوره بوجود ساقه لا يمنع سقوطه على الأرض إذا ما حاول الاستناد عليها، وهذا كلام للروحانيين فيه دراسات وأبحاث مستفيضة، ولكن كما بينت فهذا بحاجة إلى أغطس في أعماق الكتب والمراجع لدي لكي ألخصه، وهذا أمر ليس بالهين، لكن أحببت ان اذكر بأنه ثابت لدى علماء الروحانيات.


لكن هل هناك أدلة صريحة مباشرة عن وجود قرين مادة الجسم؟
للإجابة عن هذا السؤال أقول: للأسف أنني حتى الآن لم أقف على دليل صريح مباشر، ولكن من الممكن استنباط أدلة وجوده من خلال أدلة شرعية صحيحة كثيرة
حدثنا علي بن حجر أخبرنا إسمعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة قال: قلت: لابن مسعود رضي الله عنه هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد، ولكن قد افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل أو استطير ما فعل به فبتنا بشر ليلة بات بها قوم حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حراء قال: فذكروا له الذي كانوا فيه فقال: (أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم) فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة فقال: (كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم الجن) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح * أخرجه: الترمذي (3181).
نخلص من هذا الحديث أن العظم في ذاته ليس هو طعام الجن، ولكن طعامهم هو ما نبت على العظم من لحم، وهذا اللحم ليس لحما إنسيا مما نطعمه كبشر، لأن اللحم الإنسي الذي كان يغطي العظم قد تناوله الإنس، ولم يبقى إلا العظم الإنسي فقط، وعليه فهذا اللحم الذي سوف يأكله الجن هو لحم جني خفي غير منظور لنا، أي أن لمادة اللحم الإنسي قرين جني، وهذا القرين هو الذي سوف يقتات منه الجن، وعلى هذا فاللحم الجني لا بد له أن ينبت على عظم يوافق طبيعته الجنية، أي أن العظم الإنسي له قرين لمادته، وقرين العظم هذا هو الذي سوف ينبت عليه اللحم الجني.
عن أبي حذيفة عن حذيفة قال: كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاما لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاما فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها) أخرجه: مسلم (3761).
والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إن الشيطان يستحل الطعام) فقوله يستحل هنا يفيد أن هذا الطعام محرم على الشيطان، أي أن الشيطان وهو من الجن يريد تناول هذا الطعام المحرم عليه، والواقع يشهد بأن الطعام رغم سرقة الشيطان منه يبقى كما هو لا ينقص، إذا فالجني لا يتناول مادة الطعام الإنسية، ولكنه يتناول مقرونا جنيا لمادة الطعام الإنسية، لأن مادة الطعام موجودة ويتناولها الإنسي، ثم تمتصها المعدة، لتخرج من جسده في النهاية على هيئة كتلة من الفضلات، إذا فالمادة الإنسية لم تفقد، ولم يحدث لها استجنان (أي انتقال من عالم الإنس إلى عالم الجن)، وهذا يدل على أن ما يتناوله الجني من الطعام ليس إلا قرينا جنيا لمادة الطعام الإنسية.
وعلى هذا فكل مادة في عالم الإنس لها قرين في عالم الجن، سواء كانت سائلة أم صلبة أم غازية، ومن خلال قرين المادة نستطيع كإنس ويستطيع الجن أن يؤثر كل منهما في عالم الآخر، كأن يحمل الجن عرش بلقيس من سبأ إلى القدس، أو أن يخنق الإنسي الجني ويوجعه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: (إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان عليه السلام (رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ) فرده الله خاسيا)،( ) وفي رواية عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مر علي الشيطان، فأخذته فخنقته حتى إني لأجد برد لسانه في يدي، فقال: أوجعتني أوجعتني).( )
وهذا السر الذي أصرح به هنا هو من أشد أسرار عالم الجن خطورة على الشياطين، وبدون هذا السر الخطير لن يتمكن المعالج ليس من النجاح في العلاج والتطبيب فقط، ولكن بدون هذا السر يستحيل أن يتفوق المعالج في التطبيب، هذا فضلا عن عجزه عن مواجهة السحرة وجها لوجه، وما أدراك ما معنى أن يواجه معالج شرعي ساحرا مباشرة، وأن تتحداه، قد يصل التحدي إلى حد أن يقتل أحدهما الآخر، ولو كان بينهما بلاد شاسعة.
فهذا شأن عظيم تصدى له موسى عليه السلام، وهذا نبي من أولي العزم من الرسل قد تصدى للسحرة، وهذا يشهد إلى ان مواجهة السحرة أمر عظيم لا يقدر عليه أي أحد من البشر، فلك أن تتخيل أنك تواجه ساحرا مثل شنودة أو بابا الفاتيكان، ليس أمرا هينا أن تتحدى أحدهما في ميدان عام والكاميرات مسلطة عليكما أيهما سينصره الله، الأمر ليس بهين، بل جد عسير، لأنك إلى جوار الإيمان والتوحيد والعقيدة الصحية بحاجة إلى العلم المتخصص حتى تنصر عليه.

لذلك عكفت على تأسيس علم جديد باسم (علم القرائن)، ولم أبدأ حتى الآن في وضع مؤلف بسبب جمع المادة العلمية والبحث والدراسة التي لم تنتهي بعد حتى الآن، فتأسيس علم جديد ليس بالأمر الهين، خاصة وأنه باب علم لم يتكلم في أحد من قبل من العلماء، وإن كان (الروحانيون) قد خاضوا فيه خوضا عظيما، ولكن يهدم بنيانهم أن علمهم كله بني على باطل، لأنه أسس على حسب معتقداتهم الكتابية المحرفة، على كل الأحوال أنبه أنني لم أبني أقوالي هذه بناءا على ما وصل إليه أهل الكتاب من علم، ولكنني وصلت إليها قبل أن أقرأ أو أعرف ما وصلوا إليه من ابحاث ودراسات علمية استخدم فيها أجهزة حديثة، حيث ثبتت لدي هذه الأمور بالتجربة، وببعض الاستنباطات الشرعية، لذلك بحثت هنا وهناك حتى وقع في يدي أبحاثهم العلمية.

يقول النصراني الدكتوررؤوف عبيد في مؤلفه الضخم (الإنسان روح لا جسد):
(أجمع بحاث العلم الروحاني في كل البيئات على انه يوجد لكل كائن حي إنسانا كان ام حيوانا جسد اثيري أو نجميEtheral, Astral Body وهذا الجسد الأثيري له كيان مادي إلا أنه بالنظر إلى ارتفاع اهتزازه إلى ما فوق اهتزاز الضوء بكثير لا يكون له على المستوى الأرضي وبالنسبة لحواسنا المادية هذا الكيان المادي الذي يكون له هناك.
وهذا الجسد يلازم الجنين في بطن أمه، ثم ينمو بنمو الجسد المادي، فهو يشكله ويتشكل به عند كل كائن حي لا عند الإنسان فقط، لأنه يتخلله كما يتخلل الماء العود الرطب، ويشغل معه نفس الحيز من الفراغ، وهذا جائز علميا الآن، بالنظر إلى تفاوت مرتبتي الاهتزاز بينهما، وبالتالي إلى تفاوت (طول الموجة) حسب التعبير الذي يستعمله علم اللاسلكي.
وهذا الجسد الأثيري هو صلة الوصل بين الروح (بمعنى الشرارة القدسية التي تهبنا الحياة) وبين الجسد المادي، ويصل بين الجسدين المادي والأثيري حبل من ضوء يسمى الحبل الأثيري، وقد وصفه الكتاب المقدس (بالحبل الفضي)، وهو يعد مقابلا للحبل السري الذي يصل الجنين بالمشيمة ويلزم قطعه وربطه عند الولادة، أما هذا الحبل الفضي فينقطع من تلقاء نفسه عند الوفاة فتتوقف بانقطاعه الحياة في الجسد المادي.
ومن خصائص الجسد الأثيري أنه لا يتلف ولا يهرم مهما تلف الجسد المادي أو لحقه الهرم، فإذا بتر ذراع إنسان حي في حادث أو إثر جراحة فإن الذي يبتر هو ذراعه المادي فقط، أما الذراع الأثيري فيظل في مكانه يؤدي وظائفه كاملة في حالتي الطرح الروحي المؤقت أو الغيبوبة الوساطية أو النومية أحيانا والطرح الروحي النهائي أو الوفاة.
وقد بحث بعض الأطباء والعلماء أمر وجود أعضاء أثيرية في موضع الأعضاء المادية المبتورة قد يشعر بها أصحابها ويتألمون أحيانا من موضعها، وقد يتأثرون بما يلامسها من برودة أو حرارة، وما تحركه من لذة أو ألم ومن راحة أو تعب في أحوال كثيرة). ا. هـ
بكل تأكيد هناك تعليقات كثيرة لدي على كلامه السابق، ولكن أهم نقاط أنه يستمد علمه من معتقدات كتابه المقدس، فذكر القرين هنا باسم الروح، وفرق بين روح الإنسان التي بخروجها يفارق الإنسان الحياة وسماها (الشرارة القدسية التي تهبنا الحياة)، وبين الروح هنا وهي القرين الجني لمادة الجسم، والقرين هو لفظ قرآني، وهو أدق في التعبير من مسمى روح، على الأقل حتى نفرق بين المسميين، لكن علماء الروحانيات نتيجة لأن معتقدهم نابع من كتبهم المحرفة فهم يبتعدون تماما عن ذكر اسم الجن، لأن وجود الجن يتعارض مع معتقدهم أنه ليس هناك جنا من بين المخلوقات.
مع ملاحظة أخرى هامة جدا، وهي أنه ذكر (يوجد لكل كائن حي إنسانا كان ام حيوانا جسد اثيري أو نجمي) ولم يذكر المواد الإنسية في حالتها الثلاث السائلة الصلبة والغازية، على أي حال المادة العلمية لديهم غزيرة جدا ووفيرة، ولا يزال بحثي ودراستي مستمرين، لذلك فهذا العلم الذي وقف عليه الغرب واستخف به المسلمون بحاجة إلى مرحلة كبيرة من التأصيل الشرعي، حتى لا نضل ولا نشقى.
