هناك عدة أنواع من القرائن جمع قرين وكلوا بالإنس وليس قرين واحد فقط كما يظن الكثير من الناس، هناك ما له أدلة شرعية صحيحة تثبت وجوده، وهناك ما ليس عليه أدلة شرعية تثبت وجوده، منها ما كشفت عنه الأبحاث الروحية ومنها مالم تصل إليه الأبحاث الروحية بعد، لكن بوجه عام فإن السحرة في مرحلة معينة من تعلمهم السحر يلمون بكل هذه الأنواع من القرائن المختلفة، وبدون إلمامهم بها يكون سحرهم ضعيف جدا، بل هناك أنواع من القرائن لا يمكن للسحر أن يتم بدون وجود هذه القرائن المقترنة بالإنسان أو الجماد أو الحيوان.
بداية نقول أن عالم الجن والإنس طبيعتهم الفيزيقية مختلفة ومتباينة، فكما لا يصلح للإنسي أن يسيطر على الجن وهم متخفون عنه، فكذلك الجن لا يستطيعون السيطرة على الإنسان وهناك حلقة اتصال مفقودة بين العالمين، هذا يستلزم وجود وسيط بين عالمين مختلفين، هذا الوسيط هو القرين بوجه عام، حتى نحن كمعالجين لا نستطيع بحال السيطرة على الجن بدون أن يكون للجن وسيط أو قرين، فالسيطرة على الجن هي من خصائص سليمان عليه السلام، لكن ولأن عالم القرائن هو عالم منفصل ومستقل بذاته عن الثقلين الإنس والجن، فإن للإنسان القدرة على السيطرة على القرين، ومن خلال السيطرة على القرين يمكن السيطرة على الجن، وهذا بسبب اتصال القرين ومقرونه اتصالا يؤثر في كل منهما، سواء كان قرينا للجن أو الإنس.
لذلك لا يمكن للجن أن يحمل إنسيا وينقله من مكان إلى الآخر بدون وجود هذا الوسيط، هذا سواء كان الإنسي بشرا أو جمادا أو حيوانا، وهذا يستلزم أن للمادة الإنسية قرين خاص به، وللسحرة شأن مع هذا القرين (قرين المادة الإنسية)، فمن خلاله يستطيعون السيطرة على المادة الإنسية عن بعد، فيحركون أثاث المنزل فيروعون أهله، وينقلون حليهم الثمينة من مكان إلى الآخر، ويدخلوها في عالم الجن، فيظن صاحبها أنها سرقت او ضاعت.
وهنا أذكر ما توصلت إليه من أنواع القرائن، سواء ما ثبت بدليل شرعي، أو ما لم يثبت وجوده بدليل شرعي، لكن السحرة يعلمون بوجوده ويستفيدون منه في الإضرار بالناس بوجه عام، وسأوضح بإيجاز شديد كيف يستفيد الساحر والمعالج من وجود كل نوع من هذه القرائن:
قرين ملك: وهو قرين من الملائكة معصوم، وكل بكل إنسان، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: (وإياي ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بحق).فيأمر مقرونه بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويصور له الرؤى الصالحة في منامه، ومن مهماته الدفاع عن مقرونه من كيد الشياطين خاصة إذا المقرون مؤمنا طائعا، ولا يخرج في لماته عن المعلومات والثقافة التي يتحلى بها الإنسان، فلا يأتي لكافر ويقول له أطع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يسمع بتاتا عنه، ولكنه يلهمه بنواقض عقيدته الفاسدة، وذلك بأمر من الله تبارك وتعالى، فالقرين هنا خاضع لأمر الله تعالى وهذه قاعدة في عالم الملائكة.
قرين جني كافر: وهو قرين من الجن جبل على الكفر، ووكل بكل إنسان، فيأمره بالمنكر وينهاه عن المعروف، وإن كان المقرون صالحا ورعا فقد يؤثر صلاحه في القرين الكافر فيسلم بإذن الله، تماما كما أسلم قرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان بعض شراح السنة ذهبوا إلى أن هذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن التجربة العملية أشارت إلى أن بعض الناس من الصالحين قد أسلمت قرائنهم لله رب العالمين متأثرين بقرائنهم من المسلمين، فلا يستقيم أن يسلم قرين رجل منغمس في الكفر والضلال، بسبب اشتراك القرين ومقرونه في ثقافة واحده.
وهذا القرين قد يزداد في المقابل كفرا وضلالا بضلال مقرونه، مثل قرين فرعون وهامان وقارون والسامري وغيرهم من المفسدين في الأرض، فيتأثر القرين بثقافة مقرونه ومعتقده، فيوغل في الكفر والضلال، ومن السرار الطريفة في هذا الصدد، أن السحرة يستعينون بقرائن هؤلاء في تقوية السحر، ويستفيدون من خبرة هذه القرائن بعلوم السحر التي اكتسبها مقرونيهم، فيزداد سحرهم قوة وتسلط، وكلما ازداد غقبال سحرة العالم على قرائن بعينها كلما ازداد القرين قوة، فعالم القرائن هم المخلوقات المنظرة إلى قيام الساعة إلا أن يشاء الله هلاكهم في أي وقت شاء.
بمعنى أن قرين السامري على سبيل المثال هو من القرائن المختصة بالذهب والحلي وما يتعلق بها من سحر، فمن يستطيع من السحرة التقرب إليه نال من الذهب الإنسي والجني ما يشاء، وبهذه الطريقة يزداد السحر قوة وبأسا شديدين ويستعصى على المعالجين إبطاله إلا بشق الأنفس، لأن الذهب من الفلزات والمعادن النفيسة التي يجذب بريقها شياطين الجن، لذلك فحلي النساء مثلا من أهم أسباب جذب الشياطين إليهن، فمن أهم ما يجب على المعالج اتباعه مع مريضاته هو رقية وعلاج حليهن بوجه عام والذهبية بوجه خاص.
والقرين الكافر بمثابة بوابة الشياطين إلى جسم المريض، فمن خلاله يدخلون إلى الجسد لأن القرين نسخة جنية من الإنسان، فهو أعلم وأقدر على فتح بوابات الجسم لأي دخيل عليه، ولهذا فإن السحرة تسحر للقرين الكافر حتى يسيطرون عليه، خاصة ولو أنه أسلم كحال بعض الصالحين، وأحيانا يكون القرين موغل في الكفر والضلال، فيكتسب بعض المهارات السحرية خلاف ما يقوم به من سحر لمقرونه مالعقد على قافية الرأس مثلا، فتستفيد من الشياطين في السحر للمقرون، وبذلك يتم تضليل المعالج، فالمعالج يدعو على الشياطين بينما يهمل الدعاء على القرين فيفشل العلاج لأن الدعاء في غير موضعه
قرين جني مؤمن: وهو قرين من الجن مؤمن غير معصوم، وليس على وجوده دليل من الكتاب أو السنة، يأمر المريض بالمعروف وينهاه عن المنكر، يزداد طاعة بطاعة المقرون، وتقل طاعته بمعصية المقرون وجهله بدينه، ومن مهماته الأساسية الدفاع عن مقرونه ضد اعتداءات الشياطين، ومن مهماته ردع القرين الكافر ومواجهته إذا ما أسرف في الإضلال، فيحذر مقرونه من كيده ووساوسه.
لذلك فأول شيء يقوم به السحرة هو أسر هذا القرين، حتى يسهل لهم التعامل مع القرين الكافر، ويجب على المعالج أن يقوم بتحرير القرين وفك أسره حتى يستيسر علاج المريض، لأن له دور مهم جدا في تنفيذ هجمات مضادة للشياطين والدفاع عن المريض.
لذلك يرى المريض انه يضرب الشياطين ويقتلهم، سواء في الكشف البصري اليقظي أو المنامي، ولا يعلم ان الضارب الذي رآه يشبهه هو قرينه المؤمن، ويرى المريض نفسه يصلي الفرائض المكتوبة أو يسمع ترتيل القرآن، ولا يدري أن الفاعل هو قرينه المؤمن، فإن وجدت علامات مثل هذه فإنها تدل على أن القرين المؤمن صار حرا طليقا، وأنه يقوم بدوره في علاج مقرونه، فإن لم توجد علامات من هذه فعلى المعالج التعامل مع الأسحار التي تكبل القرين حتى يفك أسره بإذن الله تعالى.
وهذا القرين المؤمن يزداد قوة بصلاح مقرونه، ويكتسب نفس معارف وثقافته الدينية والدنيوية، ويضعف إذا ما ضعف دين المقرون، وهو على خلاف القرين الملائكي المعصوم، والذي لا يتأثر بصلاح أو بمعصية مقرونه، فإن حفظ المقرون القرآن حفظ قرينه القرآن معه، إلا أنه لا يكفر بالله أبدا، ويقيم فرائض الدين كاملة، ويتبرأ من مقرونه في الدنيا والآخرة، أي أنه لا يفقد الحد الأدنى من الإيمان المطلوب.
قرين المادة ملائكي: وهو قرين للمادة الإنسية، ولجسم الإنسان قرين لمادته، وهذه المادة هي الوسيط الذي يتيح للقرين الملائكي التواصل مع مقرونه من الإنس، من خلال الالهام والتصوير الرؤى المنامية وغير ذلك مما اختص الله به الملائكة، وهذا ليس عليه أدلة شرعية.
قرين المادة جني: وهو قرين للمادة الإنسية، ولجسم الإنسان قرين لمادته، وهذا له ادلة استنباطية شرحتها في موضع آخر، وهذه المادة هي الوسيط الذي يتيح للقرين الجني التواصل مع مقرونه من الإنس، وهذا القرين له اهميته في عالم الجن ويستفيد منه السحرة في إضعاف جسم الإنسان والإضرار به، ومعظم العلاجات الطبية كالحجامة والإبر الصينية والتدليل والوخز وغير ذلك هي في الواقع علاجات لقرين مادة جسم الإنسان، فإن صح هذا القرين صح جسم الإنسان، وبكل تأكيد الأطباء والمعالجين يمارسون علاجاتهم ويجهلون أنهم يتعاملون مع هذا القرين إلا ندرة قليلة جدا من المعالجين، أما الرقاة فيجهلون تماما مثل هذه المعلومات.
قرائن المعاصي: وهو قرين يوكله الله للمقرون بكل معصية يرتكبها، قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36]، ويزداد عدد قرائن المعصية بزيادة المعاصي، ويقل تأثيرها بالتوبة، وتضعف بالاستغفار، فلكي يزداد الساحر قوة تراه يوغل في المعاصي، فيقيض الله له بكل معصية شيطان يقترن بها، فترى الساحر وحوله قرائن لا حصر لهم، لذلك فعند علاج مريض ما يذكر أنه يرى فلانا من الناس يهدده ويتوعدع ويظهر له العداوة والبغضاء، فيكون هذا الشخص الذي يراه او يعرفه هو قرين الساحر الذي تسلط عليه.
لذلك ففي أغلب صناعة السحر يأمر الساحر المريض باقتراف معصية كذا وكذا حتى يستعين بقرين المعصية في صناعة السحر، وهذه خدعة ماكرة منه فهو يريد أن يحتفظ بقرائنه لنفسه، حتى إذا جاء معالج حاذق فقضى الله على قرين المعصية فيقضي على قرين طالب السحر لا على قرين الساحر نفسه.
قرائن الطاعات: وفي المقابل فكما انه بكل معصية يقيض الله شيطانا بالعصي، فكذلك يقيض له قرينا مؤمن بكل طاعة يقوم بها، وهذا كلام لا دليل عليه من الشرع، ولكن عرفناه بالخبرة والتجربة، ومهمة هؤلاء القرائن الدفاع عن صاحبهم، لذل فكلما زاد المريض في طاعاته قيض الله له قرائن طاعات يدافعون عنه فيزداد بوجودهم معه قوة ضد السحر والسحرة.
لذلك فمن مصلحة السحرة أن يجهل الناس حقيقة وجود قرين مؤمن أو قرائن طاعات لأن وجودهم وبال عليهم أجمعين
هذه مقدمة وسوف اشرح بإذن الله تعالى كيفية استفادة السحرة من وجود هذه القرائن، وكيف للمعالج أن يواجه هذا الكيد في مشاركاتي القادمة
__________________
موسوعة دراسات وأبحاث العلوم الجنية والطب الروحي للباحث (بهاء الدين شلبي)
|