الحمد لله خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً, أحمده سبحانه واشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أحاط بكل شيء خبراً ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أعلى الناس منزلة وأعظمهم قدراً, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم معنى صلة الرحم :
صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.
وقطيعة الرحم تعني عدم الإحسان إلى الأقارب, وقيل بل هي الإساءة إليهم.
وفيه فرق بين المعنيين فالمعنى الأول يرى أنه يلزم من نفي الصلة ثبوت القطيعة, والمعنى الثاني يرى أن هناك ثلاث درجات:
1- واصل وهو من يحسن إلى الأقارب.
2- قاطع وهو من يسيء إليهم.
3- لا واصل ولا قاطع وهو من لا يحسن ولا يسيء, وربما يسمى المكافئ وهو الذي لا يحسن إلى أقاربهحكم صلة الرحم :
لا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة, وقطيعتها معصية من كبائر الذنوب, وقد نقل الاتفاق على وجوب صلة الرحم وتحريم القطيعة القرطبي والقاضي عياض وغيرهما. إلا إذا أحسنوا إليه, ولكنه لا يصأوضح هذا فأقول :
لو كان لإنسان غني أخ فقير يحتاج للمساعدة فإن الأخ الغني هنا يجب عليه أن يصل رحمه بإعطاء أخيه الفقير, فهنا الإعطاء أصبح من الصلة وهو واجب, بينما لو كان الأخ غنياً لا يحتاج إلى المال لأصبح الإعطاء غير واجب لكن الصلة بالأشياء الأخرى كالسلام والصلة بالكلام هي التي تصبح واجبة. إذن هنا راعينا حاجة الموصول.
كذلك يجب أن تراعى قدرة الواصل فإن كان مقتدراً فإنه تجب عليه الصلة وإلا فلا.
كذلك لا بد من الانتباه إلى الشيء الذي يوصل به فهناك أشياء تكون هي محل الوجوب وهناك أشياء أخرى يكون فعلها على سبيل الاستحباب.
ففي المثال السابق نجد أن الأخ الفقير صلته تكون بإعطائه فالإعطاء هنا واجب بينما إذا كان غنياً فصلته لا تكون بإعطائه فالإعطاء يصبح مستحباُ وليس بواجب.
وأيضاً أمر آخر وهو أن الوجوب يكون على الأقرب فمن بعده فمثلاً إذا كان الغني له أخ فقير وعم فقير ولا يستطيع أن يقوم بحقهما جميعاً فهنا نقول أن الواجب صلة الأخ الفقير لأنه أقرب وتكون صلة العم على سبيل الاستحباب.
أمر آخر يجب التنبيه عليه وهو أن تقصير الأقرب في القيام بواجبه تجاه رحمه لا يعفي البعيد من المسؤولية فمثلاً لو افترضنا أن هناك شخص غني وله أخ فقير يحتاج إلى صلته ولهما عم غني, فهنا صلة الأخ الفقير تجب على أخيه الغني وتكون بالنسبة للعم مستحبة, ولكن لو افترضنا أن الأخ الغني لم يقم بواجبه وقطع رحمه, فإن العم لا يحق له أن يقول إن صلة هذا القريب على أخيه وقد قصر فلا أتحمل انا المسؤلية بل ينتقل الوجوب الى العم ما ورد بشأن صلة الرحم وقطعها :
أمر الله بالإحسان إلى ذوي القربى وهم الأرحام الذين يجب وصلهم فقال تعالى : (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة:83) .
وقال تعالى : (( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضوقال تعالى : (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً * وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً )) (الإسراء:27) .
َّرَّاءِ وَمن الأرحام الذين تجب صلتهم :
اختلف العلماء في من الأرحام الذين تجب صلتهم, فقيل هم المحارم الذين تكون بينهم قرابة بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى لم يحل له نكاح الآخر وعلى هذا القول فالأرحام هم الوالدان ووالديهم وإن علو والأولاد وأولادهم وإن نزلوا, والإخوة وأولادهم والأخوات وأولادهن, والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
ويخرج على هذا القول أولاد الأعمام وأولاد العمات وأولاد الأخوال وأولاد الخالات فليسوا من الأرحام.
واستدل أصحاب هذا القول بأن الشارع حرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقال صلى الله عليه وسلم في إحدى روايات الحديث عند ابن حبان : ((إنكن إن فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن)).
ولو كان بنت العم أو العمة أو بنت الخال أو الخالة لو كان هؤلاء من الأرحام ما وافق الشرع على الجمع بين المرأة وابنة عمتها أو ابنة خالتها أو ابنة خالتها . [شرح النووي على مسلم 16/113].
القول الثاني : الأرحام هم القرابة الذين يتوارثون, وعلى هذا يخرج الأخوال والخالات, أي أن الأخوال والخالات على هذا القول لا تجب صلتهم ولا يحرم قطعهم. [القرطبي 16/248] وهذا القول غير صحيح وكيف يكون صحيحاً والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الخالة بمنزلة الأم)) .
القول الثالث : أن الأرحام عام في كل ما يشمله الرحم, فكل قريب لك هم من الأرحام الذين تجب صلتهم.
وعلى هذا القول فأولاد العم وأولاد العمة وأولاد الخال وأولاد الخالة وأولادهم كل هؤلاء يدخلون تحت مسمى الأرحام.
وإن كان تتنوع كيفية وصلهم فهذا تجب صلته كل يوم وهذا كل أسبوع وهذا كل شهر وهذا في المناسبات وهكذا.
كذلك يتنوع الموصول به فهذا يوصل بالمال وهذا يوصل بالسلام وهذا يوصل بالمكالمة وهكذا.
وقد قيل إن القرابة إلى أربعة آباء فيشمل الأولاد وأولاد الأب وأولاد الجد وأولاد جد الأب
__________________
|