توبة ملك من ملوك البصرة و جارية
و روي عن مالك بن دينار رحمه الله . أنه كان يوماً ماشياً في أزقة البصرة . فإذا هو بجارية
من جواري الملوك راكبة و معها الخدم ، فلما رآها مالك ، نادى : أيتها الجارية

أيبيعك مولاك ؟
قالت : كيف قلت يا شيخ ؟
قال : أيبعيك مولاك ؟
قالت : و لو باعني كان مثلك يشتريني ؟
قال : نعم ، و خيراً منك .
فضحكت و أمرت أن يحمل إلى دارها ، فحمل ، فدخلت إلى مولاها فأخبرته فضحك
و أمر أن يدخل إليه . فدخل ، فألقيت له الهيبة في قلب السيد
فقال : ما حاجتك ؟
قال : يعني جاريتك
قال : أو تطيق أداء ثمنها ؟
قال : فثمنها عندي نوتان مسوستان .
فضحكوا ، و قالوا : كيف كان ثمنها عندك هذا ؟
قال : لكثرة عيوبها .
قالوا : و ما عيوبها ؟
قال : إن لم تتعطر زفرت ، و إن لم تستك بخرت ، و إن لم تمتشط و تدهن قملت و شعثت ، و إن تعمر
عن قليل هرمت ، ذات حيض و بول و أقذار جمة ، و لعلها لا تودك إلا لنفسها ، و لا تحبك
إلا لشغفها بك ، لا تفي بعهدك ، و لا تصدق في ودك ، و لا يخلف عليها أحد من بعدك
إلا رأته مثلك ، و أنا آخذ بدون ما سألت في جاريتك من الثمن جارية خلقت من
سلالة الكافور ، لو مزج بريقها أجاج لطاب ، و لو دعي بكلامها ميت لأجاب
و لو بدا معصمها للشمس لأظلمت دونه ، و لو بدا في الليل لسطع نوره
و لو واجهت الآفاق بحليها و حللها لتزخرفت ، نشأت بين رياض
المسك و الزعفران ، و قصرت في أكنان النعيم ، و غذيت بماء
التسنيم ، فلا تحلف عهدها ، و لا يثبدل ودها ، فأيهما أحق برفعة الثمن ؟
قال : التي وصفت .
قال : فإنها الموجودة الثمن القريبة المخطب .
قال : فما ثمنها رحمك الله ؟
قال : اليسير المبذول ، أن تفرغ ساعة في ليلك فتصلي ركعتين تخلصهما لربك
و أن يوضع طعامك فتذكر جائعك فتؤثر الله على شهوتك ، و أن ترفع عن الطريق حجراً
أو قذراً ، و أن تقطع أيامك بالبلغة و ترفع همتك عن دار الغفلة ، فتعيش في الدنيا بعز القنوع
و تأتي غداً إلى موقف الكرامة آمناً ، و تنزل غداً في الجنة مخلداً .
فقال الرجل : يا جارية

أسمعت ما قال شيخنا هذا ؟
قالت : نعم .
قال : أفصدق أم كذب ؟
قالت : بل صدق و بر و نصح .
قال : فأنت إذاً حرة لوجه الله ، و ضيعة كذا و كذا صدقة عليك ، و أنتم أيها الخدام ، أحرار
و ضيعة كذا و كذا لكم ، و هذه الدار بما فيها صدقة مع جميع مالي في سبيل الله .
ثم مد يده إلى ستر خشن كان على بعض أبوابه فاجتذبه ، و خلع جميع ما كان عليه و استتر به .
قالت الجارية : لا عيش لي بعدك يا مولاي

فرمت بكسوتها و لبست ثوباً خشناً و خرجت معه .
فودعهما مالك و دعا لهما ، و أخذ طريقاً و أخذا غيره .
فتعبدا جميعاً حتى جاء الموت فنقلهما على حال العبادة
ـ رحمة الله عليهما .