2 - الهمسة الثانية في أذن أخي سعيد
أيها السعيد :
لقد خلقك الله من حيوان يوجد في الدفقة الواحدة منه مئات الملايين، وتنقلت من ضعف إلى ضعف وخرجت من بطن أمك بلا قشر واهن القوى عاجزاً فقيراً ليس معك لباس ولا طعام ولا شراب ولا كساء .. ثم سخر الله لك من خلقه ما سخر " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " .
دعني أبدأ معك الحديث من آخره ..
لقد انغمست في التجارة وحسناً فعلت نعم المال الصالح للرجل الصالح، ولقد كان أبو بكر بزازاً، وعثمان ثرياً جهز جيش العسرة، وطلحة وسعد وابن عوف من أصحاب الملايين وعبد الله بن المبارك وغيرهم كانوا ذوي سعة ويسار، ونجد اليوم في كل منطقة من التجار الموسرين الباذلين من يشار إليهم بالبنان في نجد وفي الشرقية والغربية والجنوبية ، ودول الخليج وعالم الإسلام .
وها هو الجم الغفير من إخوانك وأصحابك وزملائك قد ولجوا هذا الباب وقطعوا فيه سيراً حسناً وأثروا وانتفعوا ونفعوا ووفوا لمبادئهم والتزموا بقيمهم ولم يتغيروا على من حولهم، فقيمة الإنسان في ذاته وليست في ممتلكاته.
دعيـني للغنـى أسعى فإني
رأيـتُ الناسَ شرُّهُمُ الفقيرُ
وأبعدهم وأهونـهم عليهِم
وإن أمسى لهُ حسبٌ وخيرُ
ويُقصيـهِ النّديُّ وتزدريـهِ
حَليلتـُهُ وينهـرُهُ الصغيـرُ
ويلقـى ذا الغِنـى ولهُ جَلالٌ
يكـادُ فـؤادُ صَاحبِهِ يَطيرُ
قليلٌ ذنبـُهُ والذنـبُ جـمٌّ
ولكِـن للغنـى ربٌّ غفُورُ
أما أنت، وإن كنت لا أعرف شكلك ولم أجتمع معك ولم أرك يوماً من الدهر إلا أنني أعتب عليك أن الناس وضعوا ثقتهم فيك لصلاحك فجدير بك أن ترعى هذا المعنى حق الرعاية وأن لا تخاطر بأموالهم ولا تغرر بها ، بل ترعاها حق رعايتها، وألا تعمي عليهم وجوه المتاجرة.
ثم إني أرى لك ـ والأمر إليك ـ أن تجعل في قلبك نية صادقة يعلمها الله أن تعزل نسبة من ربحك لأعمال الخير للفقراء والمجاهدين وأبواب الدعوة والاحتساب على طريقة صاحب الحديقة ( ثلث له ولعياله ، وثلث يرده فيها، وثلث للفقراء والمساكين ).
" وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وأنتم لا تظلمون" .
والثالثة وأنالك فيها ـ والله ـ من الناصحين تعاهد قلبك كل حين عن شعور بالترفع عن عوام الناس وسقطهم وفقرائهم وضعفائهم فبهم ترزقون وتنصرون.. فليكن عليك أثر التواضع لعظمة الله ومجده، وأعلم أن النفس شديدة الطموح فألجمها بالمراقبة، واستنصح من حولك من المخلصين ليكونوا عوناً لك على نفسك واجعلهم سياجاً بينك وبين مقارفة الحرام.
إنني أحمد لك اتجاهك في تثمير المال ، وأثني على حسن اختيارك، فالمال عصب الحياة ، ولعلك لا زلت على ذكر لحديث قديم ( دلوني على السوق ) وأنت اليوم ترى وتدرك أن الاقتصاد من أهم أسباب القوة للأمم والشعوب والجماعات والأفراد.. فسر في طريقك مباركاً موفقاً وحاذر المزالق، ولأن تبقى لنا دون مال، خير من يأخذك المال عنا وخير منها أن تصيب الحسنين !
وما المال والأهلون إلا وديعة
ولا بد يوماً أن ترد الودائع
وما الناس إلا عاملان فعامل
يتبر ما يبني وآخر رافـع
فمنهم سعـيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقي بالمعيشة قانـع
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يعود رماداً بعد إذ هو ساطع
وإذا دعاك أهلك أو ولدك إلى الإمساك فبادرهم وأصرخ في وجوههم :
أريني فقيراً مات عدماً لعلني
أرى ما ترين أو غنياً مخلداً
يتبع مع الهمسة الثالثة لأخي همام