قرأت هذا الموضوع في العام الماضي وكنت قد خزنته على الحاسبة من جريدة ولكن الحقيقة لم اكتب اسم الجريدة انذاك فاعذوني.
لماذا يقتلون? لماذا يفجرون? لماذا ينتحرون?! - د. عبد الحميد الأنصاري
[24-07-2005]
اننا نواجه اسلاماً جديداً, اسلاماً غاضباً, معادياً للعالم , على أيدي أبناء لم نحسن تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم, يحملون مشاعر كارهة للحياة والأحياء, ولم تفلح مناهجنا الدينية والدراسية في غرس قيم المحبة الإنسانية في قلوبهم ونفوسهم فارتموا في أحضان التطرف والعنف واصبحوا ادوات مسخرة ينفذون توجيهات وفتاوى وتعليمات أئمة الكراهية والعدوان.. قالوا لهم: العالم يعاديكم ويعادي اسلامكم, وحضارة الغرب تريد القضاء على هويتكم ودينكم وشريعتكم فجاهدوا من أجل نصرة دينكم وكان الحصاد المر أنهم اصبحوا مفجرين لانفسهم ولغيرهم من الابرياء.
لقد كان العالم فيما مضى مبتليا بالعمليات الانتحارية , ولكنه تخلص منها , فلا أحد يفجر نفسه في النساء والأطفال, في مطعم او مستشفى او قطار انفاق - الآن- إلا المسلمين الذين لايزالون يفعلون ويرهبون, وليس كل المسلمين بالطبع, انما الاسلام السني , وليس كل السنة, انما طائفة سميت»الجهادية السلفية« هي وليد او مزيج من حاكمية قطب الاخوانية, وسلفية تكفيرية وهابية, وهي التي جمعت المغربي مع الشامي والمصري والباكستاني والسعودي واليمني في مشاعر عدائية واحدة وثقافة واحدة ودفعتهم لتفجير انفسهم في المسلمين في العراق والسعودية وافغانستان والشيشان , وفي غير المسلمين في أميركا ومدريد وبريطانيا والفليبين .
ولكن لماذا يقتل الانسان نفسه?! »فرويد« يقول : انه انتصار غريزة الموت على الحياة وعند بعض علماء الاجتماع انه »حاكمية الموت«, وهناك ثقافة اليابان التي تمجد الانتحار بطريقة »الكاميكاز« ولكن الياباني لا ينتحر, تقربا الى الله, ولا طمعا في جنته , ولا شوقا الى الحور, لأنه لا يؤمن بكل ذلك, وهو لا يقتل الآخرين, اما الانتحاريون المسلمون يفجرون انفسهم في الآخرين, طريقا الى الجنة وتقربا الى الله. ولكن هل يقبل ديننا فكرة الانتحار?! وهل يجوز ان يفجر المسلم نفسه في الآخرين لانهم اعداء?!
النصوص المقدسة تجعل ذلك من الكبائر , وكل ادبيات الجهاد على مدى (14) قرنا لا تجيز التعرض للأبرياء وللنساء والاطفال , بل وحتى اذا لجأ العدو الى انتهاك الحرمات وقتل النساء والاطفال فلايجوز ان نرد بالمثل لان الجهاد عندنا مقيد بالاخلاق والفضائل ويحرم علينا مجاراة العدو في جرائمه, وهذا امر ثابت في كتبنا الفقهية وفي مناهجنا التعليمية وفي (أبواب الجهاد) وقد أكده علماء ومشايخ السلفية : بن باز, وبن عثيمين , وآل الشيخ وكذلك كبار مشايخ الازهر , شلتوت, وأبو زهرة ود. طنطاوي . فقد قال الشيخ عثيمين حين سئل عن العمليات الانتحارية (انه قاتل لنفسه وانه سيعذب في النار) وقال آل الشيخ (لا اعلم لها وجها شرعيا) وقال الشيخ العبيكان (تسمية العمليات الانتحارية بالاستشهادية , خاطئة وهي محرمة) . وقال د. زقزوق وزير الاوقاف المصري (الانتحاريون ليسوا شهداء, بل يرتكبون جريمة مزدوجة في حق الله واهب الحياة , وفي الاعتداء على الآخرين)
لقد ظل هذا الحكم الشرعي بتحريم التعرض للمدنيين, حكما ثابتا, حتى فتح الشيخ القرضاوي وجماعة من الفقهاء (ثغرة خطيرة) في باب الجهاد, حين افتى بمشروعية العمليات الانتحارية في المدنيين -تأييدا لحماس- وقال: إنها من أعظم أنواع الجهاد, وهي من الإرهاب المشروع, بحجة أنه لا فرق بين مدني وعسكري ولأن أطفال اسرائيل اليوم, هم مقاتلو الغد, وهم جميعا محتلون, وهي الفتاوى نفسها التي جيرها لصالح العمليات في العراق حين قال: لا فرق بين مدني وعسكري أميركي في العراق لأن المدني في خدمة العسكري ثم عممها لتشمل كل المدنيين الذين لهم علاقة بقوات الاحتلال: مسلمين وغير مسلمين, حين افتى بقوله »من تعاون مع المحتل يأخذ نفس حكمه« وهي الأساس الفقهي والفكري نفسه الذي يستند إليه اصوليون مثل : الزرقاوي, والمقدسي, وابي قتادة, وحامد العلي- راجع: مشاري الذايدي, الشرق الأوسط 15/7 , وجمال خاشقجي, الاتحاد 19/7 هذه الثغرة الدامية, شكلت أزمة فكرية وخلقية كما يقول (خاشقجي) وعادت بأكبر الأضرار على الاسلام والمسلمين, إذ بلغ الانحدار الأخلاقي بهم أن فجروا الاطفال في بغداد, ونسفوا ركاباً آمنين في مواصلات لندن. وتلك الفتاوى في تصوري تمثل سوءة خلقية وفكرية علينا ان نبرئ اسلامنا منها. وكما يقول احمد عبدالملك : هل هذا هو الشرف الذي نباهي به الأمم?! الاتحاد- 21/7- ولكن السؤال: لماذا اباح هؤلاء المشايخ العمليات الانتحارية? يقولون إنها سلاح ندمي به العدو, ونبث فيهم الرعب, ونثأر لكرامة المسلمين المستباحة في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان بسبب السياسات الغربية والأميركية الظالمة. بئس القول والتبرير ويا حسرة على علم وتعليم ودعوة إلى الله بالحسنى. اهكذا ينتهي بنا المطاف إلى تبرير عمليات وحشية لاننا مظلومون وضحايا? هل نحن -وحدنا- نعاني ظلما في هذا العالم المتصارع?! وأليس لنا دور في هذا الظلم الذي نشكو منه ?! وهل نحن ملائكة وهم شياطين?!
هل بالعمليات الانتحارية نثأر لكرامة الأمة?! هل بقتل أطفال العراق والهجوم على مزارات الشيعة بالعراق نرد الاعتبار لكبرياء الأمة الجريحة?! ما علاقة قتل مسلمين أبرياء في الجزائر والسعودية والمغرب وتركيا وباكستان والشيشان بالظلم الاميركي لنا ?! يقف الخطيب على المنبر صارخاً: انظروا كيف يقتلون المسلمين في كل مكان!! تُرى من يقتل المسلمين?! الانتحاريون هم الذي يقتلون المسلمين كل يوم في الساحة وبمعدل (33) قتيلا في العراق وقد بلغت ضحاياهم خلال عامين (30) ألف مدني عراقي, 20 في المئة منهم نساء وأطفال. فهل بقتل المسلمين نثأر للكرامة?! يتحدثون عن الظلم الغربي والاميركي فهل هم حقاً يعانون من الظلم? إذن ماذا يفعلون في اوروبا والعاصمة اللندنية تغص بأئمة الاصولية?! لو كان السبب كما يقولون ظلما غربيا أو أميركيا فلماذا لا نجد (فلسطينيا) أو (شيعيا) انتحاريا يفجر نفسه في الاميركيين والأوروبيين مع انهم الأكثر معاناة من ذلك الظلم المزعوم?! اميركا خربت افغانستان, حسناً: لماذا تضرب اميركا أفقر دولة اسلامية ولا تضرب »ماليزيا« وهي القوة الاقتصادية الاسلامية المتصاعدة?! لماذا تضرب طالبان والقاعدة وتسقط صدام وقد كانوا في مراحل سابقة حلفاء?! يرددون الانشودة الباكية: ما حدث في اميركا ومدريد ولندن وما يحدث على الساحة العربية, سببه الاستعمار والسياسات العدوانية? هذا الفكر المريض الذي تروجه فضائياتنا, كما يقول احمد عبدالملك هو الذي يجعل العالم فاقدا للثقة فينا.. أدنا العمليات الانتحارية وليتنا لم نفعل لانها ادانة مربوطة ب¯ (ولكن) الحزينة , فعدمها أفضل, لأنها تقدم خدمة مجانية لدعاة الارهاب وتهيئ المناخ الثقافي لنمو التطرف.
ان جنون »هتلر« قتل (50) مليونا لاجل كرامة الأمة الالمانية المهانة!! وغرور »صدام« تسبب في قتل (مليونين) دفاعا عن كرامة الأمة العربية!! فكم يجب ان يقتل من البشر على ايدي الجهاديين لاجل كبرياء الأمة الاسلامية الجريحة ?! الانتحاريون قتلوا في نيويورك ومدريد ولندن (4) آلاف وقتلوا في الساحة الاسلامية (نصف مليون) فمتى تقوم الأغلبية الصامتة برفع صوتها ضد الارهاب?! دفاعا عن دينها وكرامتها.
* كاتب قطري
د. عبد الحميد الأنصاري*
|