
23-11-2025, 05:09 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,391
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)

تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الثالث
سورة آل عمران
من صــ192 الى صــ 201
الحلقة (126)
وكذلك ثبت في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها من كتب الإسلام من طرق متعددة تفيد القطع وقد ذكرت ذلك في مسندي الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن الصديق رضي الله عنه تلا هذه الآية لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغطى بثوب حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه وقبله وبكى ثم قال : بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها .
وقال الزهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس وقال : اجلس يا عمر قال أبو بكر : أما بعد من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى قوله - وسيجزي الله الشاكرين" قال : فوالله لكأن الناس لم
يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر فتلاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها .
وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرقت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض.
وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم" والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه فمن أحق به مني .
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين (145)
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين
قوله تعالى "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" أي لا يموت أحد إلا بقدر الله وحتى يستوفي المدة التي ضربها الله له ولهذا قال "كتابا مؤجلا" كقوله "وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب" وكقوله "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده" وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه كما قال ابن أبي حاتم حدثنا العباس بن يزيد العبدي قال : سمعت أبا معاوية عن الأعمش عن حبيب بن ظبيان قال : قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة - يعني دجلة - "وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا" ثم أقحم فرسه دجلة فلما أقحم أقحم الناس فلما رآهم العدو قالوا : ديوان فهربوا .
وقوله "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها" أي من كان عمله للدنيا فقد ناله منها ما قدره الله له ولم يكن له في الآخرة من نصيب ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له في الدنيا كما قال تعالى "من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب" وقال تعالى "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا" ولهذا قال ههنا "وسنجزي الشاكرين" أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم .
وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين (146)
وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين
قال تعالى مسليا للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير" قيل : معناه كم من نبي قتل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير وهذا القول هو اختيار ابن جرير فإنه قال : وأما الذين قرءوا "قتل معه ربيون كثير" فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم وإنما نفى الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل قال : ومن قرأ "قاتل" فإنه اختار ذلك لأنه قال : لو قتلوا لم يكن لقول الله "فما وهنوا" وجه معروف لأنه يستحيل أن يوصفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا ثم اختار قراءة من قرأ "قتل معه ربيون كثير" لأن الله عاتب بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمدا قد قتل فعذلهم الله على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم "أفإن مات أو قتل" أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم و "انقلبتم على أعقابكم" وقيل : وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير .
وكلام ابن إسحق في السيرة يقتضي قولا آخر فإنه قال وكأين من نبي أصابه القتل ومعه ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم وما ضعفوا عن عدوهم وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم وذلك الصبر "والله يحب الصابرين" فجعل قوله "معه ربيون كثير" حالا وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه وله اتجاه لقوله "فما وهنوا لما أصابهم" الآية وكذا حكاه الأموي في مغازيه عن كتاب محمد بن إبراهيم ولم يحك غيره وقرأ بعضهم "قاتل معه ربيون كثير" أي ألوف وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي والربيع وعطاء الخراساني : الربيون الجموع الكثيرة وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن "ربيون كثير" أي علماء كثير وعنه أيضا : علماء صبر أي أبرار أتقياء.
وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عز وجل
قال ورد بعضهم عليه فقال : لو كان كذلك لقيل الربيون بفتح الراء وقال ابن زيد : الربيون الأتباع والرعية والربانيون الولاة "فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا" قال قتادة والربيع بن أنس : "وما ضعفوا" بقتل نبيهم "وما استكانوا" يقول : فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله وقال ابن عباس "وما استكانوا" تخشعوا وقال ابن زيد : وما ذلوا لعدوهم وقال محمد بن إسحق والسدي وقتادة : أي ما أصابهم ذلك حين قتل نبيهم .
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (147)
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين
أي لم يكن لهم هجيرى إلا ذلك ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين .
فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين (148)
فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين
أي النصر والظفر والعاقبة "وحسن ثواب الآخرة" أي جمع لهم ذلك مع هذا "والله يحب المحسنين" .
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين (149)
يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا
يحذر تعالى عباده المؤمنين عن طاعة الكافرين والمنافقين فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى "إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين" ثم أمرهم بطاعته وموالاته والاستعانة به والتوكل عليه .
بل الله مولاكم وهو خير الناصرين (150)
بل الله مولاكم وهو خير الناصرين
قال تعالى "بل الله مولاكم وهو خير الناصرين" ثم بشرهم بأنه سيلقي في قلوب أعدائهم الخوف منهم والذلة لهم بسبب كفرهم وشركهم مع ما ادخره لهم في الدار الآخرة من العذاب والنكال .
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين (151)
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين
قال "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين" وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي"
الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة "."
وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي عدي عن سليمان التيمي عن سيار عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فضلني الله على الأنبياء - أو قال على الأمم - بأربع أرسلت إلى الناس كافة وجعلت لي الأرض كلها ولأمتي مسجدا وطهورا فأينما أدركت رجلا من أمتي الصلاة فعنده مسجده وطهوره ونصرت بالرعب مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي وأحلت لي الغنائم" ورواه الترمذي من حديث سليمان التيمي عن سيار القرشي الأموي مولاهم الدمشقي سكن البصرة عن أبي أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه به وقال : حسن صحيح وقال سعيد بن منصور : أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "نصرت بالرعب على العدو" .
ورواه مسلم من حديث ابن وهب :
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خمسا بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ونصرت بالرعب مسيرة شهر وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة وإني قد اختبأت شفاعتي لمن مات لا يشرك بالله شيئا" تفرد به أحمد .
وروى العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى "سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب" قال : قذف الله في قلب أبي سفيان الرعب فرجع إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أبا سفيان قد أصاب منكم طرفا ."
وقد رجع وقذف الله في قلبه الرعب "رواه ابن أبي حاتم."
وقوله تعالى "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه" قال ابن عباس : وعدهم الله النصر وقد يستدل بهذه الآية على أحد القولين المتقدمين في قوله تعالى "إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين" أن ذلك كان يوم أحد لأن عدوهم كان ثلاثة آلاف مقاتل فلما واجهوهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام فلما حصل ما حصل من عصيان الرماة وفشل بعض المقاتلة تأخر الوعد الذي كان مشروطا بالثبات والطاعة .
ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين (152)
ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين
قال "ولقد صدقكم الله وعده" أي أول النهار "إذ تحسونهم" أي تقتلونهم "بإذنه" أي بتسليطه إياكم عليهم "حتى إذا فشلتم" وقال ابن جريج قال ابن عباس الفشل الجبن "وتنازعتم في الأمر وعصيتم" كما وقع للرماة "من بعد ما أراكم ما تحبون" وهو الظفر بهم "منكم من يريد الدنيا" وهم الذين رغبوا في المغنم حين رأوا الهزيمة "ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم" ثم أدالهم عليكم ليختبركم ويمتحنكم "ولقد عفا عنكم" أي غفر لكم ذلك الصنيع وذلك والله أعلم لكثرة عدد العدو
وعددهم وقلة عدد المسلمين وعددهم قال ابن جريج : قوله "ولقد عفا عنكم" قال : لم يستأصلكم وكذا قال محمد بن إسحق رواهما ابن جرير "والله ذو فضل على المؤمنين" قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله عن ابن عباس أنه قال : ما نصر الله النبي صلى الله عليه وسلم في موطن كما نصره يوم أحد فأنكرنا ذلك ! فقال ابن عباس : بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله إن الله يقول في يوم أحد "ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه" يقول ابن عباس والحسن الفشل "حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" الآية .
وإنما عنى بهذا الرماة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع وقال : "احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا نغنم فلا تشركونا" فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم وأناخوا عسكر المشركين أكب الرماة جميعا في العسكر ينهبون ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم هكذا - وشبك بين يديه - وانتشبوا فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب بعضهم بعضا والتبسوا وقتل من المسلمين ناس كثير وقد كان النصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار حتى قتل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعة وجال المشركون جولة نحو الجبل ولم يبلغوا حيث يقول الناس الغار إنما كانوا تحت المهراس وصاح الشيطان قتل محمد فلم يشكوا به أنه حق فلا زلنا كذلك ما نشك أنه حق حتى طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
السعدين نعرفه بكتفيه إذا مشى قال : ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا قال : فرقي نحونا وهو يقول "اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسول الله" ويقول مرة أخرى "ليس لهم أن يعلونا" حتى انتهى إلينا فمكث ساعة فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل : اعل هبل - مرتين يعني إلهه - أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله ألا أجيبه قال "بلى" فلما قال : اعل هبل قال عمر : الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان : قد أنعمت قال : عنها فقال : أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة أين ابن الخطاب ؟ فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أبو بكر وهذا أنا عمر قال : فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر الأيام دول وإن الحرب سجال قال : فقال عمر : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار قال : إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا وخسرنا إذن .
فقال أبو سفيان : إنكم ستجدون في قتلاكم مثلا ولم يكن ذلك على رأي سراتنا قال : ثم أدركته حمية الجاهلية فقال : أما إنه إن كان ذلك لم نكرهه هذا حديث غريب وسياق عجيب وهو من مرسلات ابن عباس فإنه لم يشهد أحدا ولا أبوه وقد أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي النضر الفقيه عن عثمان بن سعيد عن سليمان بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس به وهكذا رواه ابن أبي حاتم والبيهقي في دلائل النبوة من حديث سليمان بن داود الهاشمي به ولبعضه شواهد في الصحاح وغيرها - فقال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال : إن النساء كن يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين فلو
حلفت يومئذ رجوت أن أبر أنه ليس منا أحد يريد الدنيا حتى أنزل الله "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم" فلما خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصوا ما أمروا به أفرد النبي صلى الله عليه وسلم في تسعة سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو عاشرهم صلى الله عليه وسلم فلما أرهقوه قال "رحم الله رجلا ردهم عنا" قال : فقام رجل من الأنصار فقاتل ساعة حتى قتل فلما أرهقوه أيضا قال "رحم الله رجلا ردهم عنا" فلم يزل يقول ذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه "ما أنصفنا أصحابنا" فجاء أبو سفيان فقال اعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا الله أعلى وأجل" فقالوا : الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان : لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا : الله مولانا والكافرون لا مولى لهم" فقال أبو سفيان : يوم بيوم بدر فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر حنظلة بحنظلة وفلان بفلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا سواء أما قتلانا فأحياء يرزقون وأما قتلاكم ففي النار يعذبون" فقال أبو سفيان : لقد كان في القوم مثلة وإن كانت لعن غير ملامنا ما أمرت ولا نهيت ولا أحببت ولا كرهت ولا ساءني ولا سرني قال : فنظروا فإذا حمزة قد بقر بطنه وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكلت شيئا" ؟ قالوا : لا قال "ما كان الله ليدخل شيئا من حمزة في النار" قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة
فصلى عليه وجيء برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى جيء بآخر فوضع إلى جنب حمزة فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة تفرد به أحمد أيضا .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|