عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 20-11-2025, 09:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول

سورة البقرة
من صــ393 الى صــ 402

الحلقة (40)






أكرمك ألم أسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وترتع "؟ فيقول بلى فيقول الله تعالى" أظننت أنك ملاقي "؟ فيقول لا فيقول الله" اليوم أنساك كما نسيتني "وسيأتي مبسوطا عند قوله تعالى" نسوا الله فنسيهم "إن شاء الله تعالى ."
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (47)
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على
يذكرهم تعالى بسالف نعمه على آبائهم وأسلافهم وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم كما قال تعالى "ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وقال تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين" قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "وأني فضلتكم على العالمين" قال بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم" وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري .
قال : قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس" وقيل المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ويلزم تفضيلهم مطلقا حكاه الرازي وفيه نظر وقيل إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم حكاه القرطبي في تفسيره وفيه نظر لأن العالمين عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة صلوات الله وسلامه عليه .
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون
لما ذكرهم تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من طول نقمه يوم القيامة فقال : "واتقوا يوما" يعني يوم القيامة لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا يغني أحد عن أحد كما قال "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وقال : "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" وقال : "يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا" فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا وقوله تعالى "ولا يقبل منها شفاعة" يعني من الكافرين كما قال "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وكما قال عن أهل النار "فما لنا من شافعين ولا صديق حميم" وقوله تعالى "ولا يؤخذ منها عدل" أي لا يقبل منها فداء كما قال تعالى "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" وقال "إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم" وقال تعالى "وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها" وقال "فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم" الآية .
فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ولا يقبل منهم فداء ولو بملء الأرض ذهبا كما قال تعالى "من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة" وقال "لا بيع فيه ولا خلال"

قال : سنيد حدثني حجاج حدثني ابن جريج قال : قال مجاهد قال ابن عباس "ولا يؤخذ منها عدل" قال بدل والبدل الفدية وقال السدي أما عدل فيعد لها من العدل يقول لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله "ولا يقبل منها عدل" يعني فداء قال ابن أبي حاتم وروي عن أبي مالك والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس نحو ذلك وقال عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي رضي الله عنه في حديث طويل قال والصرف والعدل التطوع والفريضة وكذا قال الوليد بن مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانئ وهذا القول غريب هاهنا والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية وقد ورد حديث يقويه وهو ما قال ابن جرير حدثني نجيح بن إبراهيم حدثنا علي بن حكيم حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرو بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن عليه الثناء قال قيل يا رسول الله ما العدل ؟ قال "العدل الفدية" وقوله تعالى "ولا هم ينصرون" أي ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء هذا كله من جانب التلطف ولا لهم ناصر من أنفسهم ولا من غيرهم كما قال "فما له من قوة ولا ناصر" أي أنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ولا يخلص منه أحد ولا يجير منه أحد كما قال تعالى "وهو يجير ولا يجار عليه" وقال "فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد" وقال "ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون" وقال "فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا"

عنهم "الآية وقال : الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى" ما لكم لا تناصرون "ما لكم اليوم لا تمانعون منا هيهات ليس ذلك لكم اليوم قال ابن جرير وتأويل قوله" ولا هم ينصرون "يعني أنهم يومئذ لا ينصرهم"
ناصر كما لا يشفع لهم شافع ولا يقبل منهم عدل ولا فدية بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشى والشفاعات وارتفع من القوم التناصر والتعاون وصار الحكم إلى الجبار العدل الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى "وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون" .
وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (49)
وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم
يقول تعالى اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب أي خلصتكم منهم وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وذلك أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته رأى نارا خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة وهكذا جاء حديث الفتون كما سيأتي في موضعه في سورة طه إن شاء الله تعالى فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها وهاهنا فسر العذاب بذبح الأبناء وفي سورة إبراهيم عطف عليه كما قال "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" وسيأتي تفسير ذلك في أول سورة القصص إن شاء الله تعالى وبه الثقة والمعونة والتأييد .
ومعنى يسومونكم يولونكم قاله أبو

عبيدة كما يقال سامه خطة خسف إذا أولاه إياها قال : عمرو بن كلثوم :
إذا ما الملك سام الناس خسفا ... أبينا أن نقر الخسف فينا
وقيل معناه يديمون عذابكم كما يقال سائمة الغنم من إدامتها الرعي.
نقله القرطبي وإنما قال هاهنا "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" ليكون ذلك تفسيرا للنعمة عليهم في قوله "يسومونكم سوء العذاب" ثم فسره بهذا لقوله هاهنا "اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم" وأما في سورة إبراهيم فلما قال "وذكرهم بأيام الله" أي بأياديه ونعمه عليهم فناسب أن يقول هناك "يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" بعطف عليه الذبح ليدل على تعدد النعم والأيادي على بني إسرائيل .
وفرعون علم كل من ملك مصر كافرا من العماليق وغيرهم كما أن قيصر علم على كل من ملك الروم مع الشام كافرا وكسرى لمن ملك الفرس وتبع لمن ملك اليمن كافرا والنجاشي لمن ملك الحبشة وبطليموس لمن ملك الهند ويقال : كان اسم فرعون الذي كان في زمن موسى عليه السلام الوليد بن مصعب بن الريان وقيل : مصعب بن الريان فكان من سلالة عمليق بن الأود بن إرم بن سام بن نوح وكنيته أبو مرة وأصله فارسي من اصطخر وأيا ما كان فعليه لعنة الله وقوله تعالى "وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" قال ابن جرير وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا آباءكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون بلاء لكم من ربكم عظيم أي نعمة عظيمة عليكم في ذلك وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله تعالى "بلاء من ربكم عظيم" قال نعمة وقال مجاهد "بلاء من ربكم عظيم" قال نعمة من ربكم عظيمة وكذا قال أبو العالية وأبو مالك والسدي وغيرهم وأصل البلاء الاختبار وقد يكون بالخير والشر كما قال

تعالى "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقال "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" قال ابن جرير وأكثر ما يقال في الشر بلوته أبلوه بلاء وفي الخير أبليه إبلاء وبلاء قال زهير بن أبي سلمى :
جزى الله بإحسان ما فعلا بكم ... وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
قال فجمع بين اللغتين لأنه أراد فأنعم الله عليهما خير النعم التي يختبر بها عباده وقيل المراد بقوله "وفي ذلكم بلاء" إشارة إلى ما كانوا فيه من العذاب المهين من ذبح الأبناء واستحياء النساء قال : القرطبي وهذا قول الجمهور ولفظه بعد ما حكى القول الأول ثم قال : وقال الجمهور الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء هاهنا في الشر والمعنى وفي الذبح مكروه وامتحان .
وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)
وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون
معناه وبعد أن أنقذناكم من آل فرعون وخرجتم مع موسى عليه السلام خرج فرعون في طلبكم ففرقنا بكم البحر كما أخبر تعالى عن ذلك مفصلا كما سيأتي في مواضعه ومن أبسطها ما في سورة الشعراء إن شاء الله "فأنجيناكم" أي خلصناكم منهم وحجزنا بينكم وبينهم وأغرقناهم وأنتم تنظرون ليكون ذلك أشفى لصدوركم وأبلغ في إهانة عدوكم .
قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي في قوله تعالى "وإذ فرقنا بكم البحر - إلى قوله - وأنتم تنظرون" قال لما خرج موسى ببني إسرائيل بلغ ذلك فرعون فقال : لا تتبعوهم حتى تصيح الديكة قال : فوالله ما صاح ليلتئذ ديك حتى أصبحوا فدعا بشاة فذبحت ثم قال : لا أفرغ من كبدها حتى يجتمع إلي ستمائة ألف من القبط فلم يفرغ من كبدها حتى اجتمع إليه ستمائة ألف من القبط فلما أتى موسى البحر قال له رجل من أصحابه يقال له يوشع بن نون أين أمر

ربك ؟ قال أمامك ؟ يشير إلى البحر فأقحم يوشع فرسه في البحر حتى بلغ الغمر فذهب به الغمر ثم رجع فقال : أين أمر ربك يا موسى ؟ فوالله ما كذبت ولا كذبت فعل ذلك ثلاث مرات ثم أوحى الله إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم - يقول مثل الجبل - ثم سار موسى ومن معه واتبعهم فرعون في طريقهم حتى إذا تتاموا فيه أطبقه الله عليهم فلذلك قال "وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون" وكذلك قال غير واحد من السلف كما سيأتي بيانه في موضعه وقد ورد أن هذا اليوم كان يوم عاشوراء كما قال الإمام أحمد حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال "ما هذا اليوم الذي تصومون" ؟ قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصومه وروى هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق عن أيوب السختياني به نحو ما تقدم وقال أبو يعلى الموصلي حدثنا أبو الربيع حدثنا سلام يعني ابن سليم عن زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "فلق الله البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء" وهذا ضعيف من هذا الوجه فإن زيد العمي فيه ضعف وشيخه يزيد الرقاشي أضعف منه.
وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر" قيل إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر .
ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون (52)
يقول تعالى واذكروا نعمتي عليكم في عفوي عنكم لما عبدتم العجل بعد ذهاب موسى لميقات ربه عند انقضاء أمد المواعدة وكانت أربعين يوما وهي المذكورة في الأعراف في قوله تعالى "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر" قيل إنها ذو القعدة بكماله وعشر من ذي الحجة وكان ذلك بعد خلاصهم من فرعون وإنجائهم من البحر .
وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53)
"وإذ آتينا موسى الكتاب" يعني التوراة "والفرقان" وهو ما يفرق بين الحق والباطل والهدى والضلالة لعلكم تهتدون وكان ذلك أيضا بعد خروجهم من البحر كما دل عليه سياق الكلام في سورة الأعراف ولقوله تعالى "ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون" وقيل الواو زائدة والمعنى ولقد آتينا موسى الكتاب الفرقان وهذا غريب وقيل عطف عليه وإن كان المعنى واحدا كما في قول الشاعر :
وقدمت الأديم لراقشيه ... فألفى قولها كذبا ومينا
وقال الآخر :
ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد
فالكذب هو المين والنأي هو البعد .
وقال عنترة :
حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
فعطف الإقفار على الإقواء وهو هو .
وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (54)

وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب
هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل قال الحسن البصري رحمه الله في قوله تعالى "وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل" فقال ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حتى قال الله تعالى "ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا" الآية .
قال : فذلك حين يقول موسى "يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل" قال أبو العالية وسعيد بن جبير والربيع بن أنس "فتوبوا إلى بارئكم" أي إلى خالقكم قلت وفي قوله هاهنا "إلى بارئكم" تنبيه على عظم جرمهم أي فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره.
وقد روى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من حديث يزيد بن هارون عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : فقال الله تعالى : إن توبتهم أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله على ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أمروا به فغفر الله للقاتل والمقتول وهذا قطعة من حديث الفتون وسيأتي في سورة طه بكماله إن شاء الله .
وقال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة قال : قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال موسى لقومه توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم .

قال أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل أن يقتلوا أنفسهم قال : وأخبر الذين عبدوا العجل فجلسوا وقام الذين لم يعكفوا على العجل فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضا فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كان له توبة وكل من بقي كانت له توبة.
وقال ابن جرير : أخبرني القاسم بن أبي برة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا يقولان في قوله تعالى "فاقتلوا أنفسكم" قالا : قال بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعض لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد حتى ألوى موسى بثوبه فطرحوا ما بأيديهم فكشف عن سبعين ألف قتيل وأن الله أوحى إلى موسى أن حسبي فقد اكتفيت فذلك حين ألوى موسى بثوبه.
وروي عن علي رضي الله عنه نحو ذلك وقال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا حتى بلغ الله فيهم نقمته فسقطت الشفار من أيديهم فأمسك عنهم القتل فجعل لحيهم توبة وللمقتول شهادة .
وقال الحسن البصري : أصابتهم ظلمة حندس فقتل بعضهم بعضا ثم انكشف عنهم فجعل توبتهم في ذلك وقال السدي : في قوله "فاقتلوا أنفسكم" قال فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهارون ربنا أهلكت بني إسرائيل ربنا البقية البقية فأمرهم أن يلقوا السلاح وتاب عليهم فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدا ومن بقي مكفرا عنه فذلك قوله "فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم" وقال الزهري : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسهم برزوا ومعهم موسى فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه حتى إذا فتر بعضهم قالوا يا نبي الله ادع الله لنا وأخذوا بعضديه يسندون يديه فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]