
20-11-2025, 09:08 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)

تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول
سورة البقرة
من صــ343 الى صــ 352
الحلقة (35)
وهذا أيضا إسرائيلي منكر كالذي قبله والله أعلم .
قال ابن جريج إنما تكلموا بما أعلمهم الله أنه كائن من خلق آدم فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .
قال ابن جرير : وقال بعضهم إنما قالت الملائكة ما قالت أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لأن الله أذن لهم في السؤال عن ذلك بعد ما أخبرهم أن ذلك كائن من بني آدم فسألته الملائكة فقالت على التعجب منها وكيف يعصونك يا رب وأنت خالقهم فأجابهم ربهم "إني أعلم ما لا تعلمون" يعني أن ذلك كائن منهم وإن لم تعلموه أنتم ومن بعض ما ترونه لي طائعا.
قال : وقال بعضهم ذلك من الملائكة على وجه الاسترشاد عما لم يعلموا من ذلك فكأنهم قالوا يا رب خبرنا - مسألة استخبار منهم لا على وجه الإنكار - واختاره ابن جرير وقال سعيد عن قتادة قوله تعالى "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" قال استشار الملائكة في خلق آدم فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء - وقد علمت الملائكة أنه لا شيء أكره عند الله من سفك الدماء والفساد في الأرض - ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .
قال إني أعلم ما لا تعلمون .
فكان في علم الله أنه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة قال وذكر لنا عن ابن عباس أنه كان يقول : إن الله لما أخذ في خلق آدم عليه السلام قالت الملائكة ما الله خالق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا فابتلوا بخلق آدم وكل خلق مبتلى كما ابتليت السماوات والأرض بالطاعة فقال الله تعالى "ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين" وقوله تعالى "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" .
قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : التسبيح التسبيح والتقديس الصلاة .
وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن
مسعود وعن ناس من الصحابة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال : يقولون نصلي لك.
وقال مجاهد : ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .
قال : نعظمك ونكبرك .
فقال الضحاك : التقديس التطهير.
وقال محمد بن إسحاق : ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .
قال : لا نعصي ولا نأتي شيئا تكرهه .
وقال ابن جرير : التقديس هو التعظيم والتطهير .
ومنه قولهم سبوح قدوس يعني بقولهم سبوح تنزيه له وبقولهم قدوس طهارة وتعظيم له : وكذلك للأرض أرض مقدسة يعني بذلك المطهرة .
فمعنى قول الملائكة إذا "ونحن نسبح بحمدك" ننزهك ونبرئك مما يضيفه إليك أهل الشرك بك "ونقدس لك" ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس وما أضاف إليك أهل الكفر بك .
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل ؟ قال "ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده" وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحا في السماوات العلا "سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى" "قال إني أعلم ما لا تعلمون" قال قتادة فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليقة أنبياء
ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقوال في حكمة قوله تعالى قال "إني أعلم ما لا تعلمون" وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصديق بعمر بن الخطاب أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعته واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور وحكى على ذلك إمام الحرمين الإجماع والله أعلم .
أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف وقد نص عليه الشافعي وهل يجب الإشهاد على عقد الإمامة ؟ فيه خلاف فمنهم من قال لا يشترط وقيل بلى ويكفي شاهدان .
وقال الجبائي يجب أربعة وعاقد ومعقود له كما ترك عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد وهو عبد الرحمن بن عوف ومعقود له وهو عثمان واستنبط وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين في هذا نظر والله أعلم .
ويجب أن يكون ذكرا حرا بالغا عاقلا مسلما عدلا مجتهدا بصيرا سليم الأعضاء خبيرا بالحروب والآراء قرشيا على الصحيح ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافا للغلاة الروافض ولو فسق الإمام هل ينعزل أم لا ؟ فيه خلاف والصحيح أنه لا ينعزل لقوله عليه الصلاة والسلام "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"
وهل له أن يعزل نفسه فيه خلاف وقد عزل الحسن بن علي رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية لكن هذا لعذر وقد مدح على ذلك : فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام "من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان" وهذا قول الجمهور وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم إمام الحرمين .
وقالت الكرامية : يجوز اثنين فأكثر كما كان علي ومعاوية إمامين واجبي الطاعة .
قالوا : وإذا جاز بعث نبيين في وقت واحد وأكثر جاز ذلك في الإمامة لأن النبوة أعلى رتبة بلا خلاف .
وحكى إمام الحرمين عن الأستاذ أبي إسحاق أنه جوز نصب إمامين فأكثر إذا تباعدت الأقطار واتسعت الأقاليم بينهما وتردد إمام الحرمين في ذلك قلت وهذا يشبه حال الخلفاء بني العباس بالعراق والفاطمين بمصر والأمويين بالمغرب ولنقرر هذا كله في موضع آخر من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31)
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين
هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم وهذا كان بعد سجودهم له وإنما قدم هذا الفصل على ذاك لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم فقال تعالى "وعلم آدم الأسماء كلها" ق
ال السدي عمن حدثه عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال علمه أسماء ولده إنسانا إنسانا والدواب فقيل هذا الحمار هذا الجمل هذا الفرس وقال الضحاك عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودواب وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال علمه اسم الصحفة والقدر قال نعم حتى الفسوة والفسية وقال مجاهد "وعلم آدم الأسماء كلها" قال علمه اسم كل دابة وكل طير وكل شيء وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء وقال الربيع في رواية عنه أسماء الملائكة .
وقال حميد الشامي أسماء النجوم .
وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته كلهم .
واختار ابن جرير أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية لأنه قال "ثم عرضهم" عبارة عما يعقل .
وهذا الذي رجح به ليس بلازم فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب كما قال تعالى "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن"
الله على كل شيء قدير "وقد قرأ عبد الله بن مسعود ثم عرضهن ."
وقرأ أبي بن كعب ثم عرضها أي السماوات .
الصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذراتها وصفاتها وأفعالها كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية يعني ذوات الأسماء والأفعال المكبر والمصغر ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الآية في كتاب التفسير من صحيحه : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا إلى ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناكم ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض ."
فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي .
فيقول ائتوا خليل الرحمن فيأتونه فيقول لست هناكم .
فيقول ائتوا موسى عبدا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه .
فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم .
ائتوا محمدا عبدا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء الله ثم يقال ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود هكذا ساق البخاري هذا الحديث هاهنا وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن
أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة .
ووجه إيراده هاهنا والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام .
فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء .
فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ولهذا قال "ثم عرضهم على الملائكة" يعني المسميات كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة "فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة "وعلم آدم الأسماء كلها" ثم عرض الخلق على الملائكة .
وقال ابن جريج عن مجاهد ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا : علمه اسم كل شيء وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى "إن كنتم صادقين" إني لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين .
وقال الضحاك عن ابن عباس "إن كنتم صادقين" إن كنتم تعلمون أني لم
أجعل في الأرض خليفة وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء .
وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله ومعنى ذلك فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟ من غيرنا أم منا .
فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك - إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني وذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم والتقديس فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين .
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم
هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء وأن يعلموا شيئا إلا ما علمهم الله تعالى ولهذا قالوا "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" أي العليم بكل شيء الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء لك الحكمة في ذلك والعدل التام .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس : سبحان الله .
قال تنزيه الله نفسه عن السوء ثم قال : قال عمر لعلي وأصحابه عنده لا إله إلا الله قد عرفناها فما سبحان الله فقال له علي كلمة أحبها الله لنفسه ورضيها وأحب أن تقال .
قال وحدثنا أبي حدثنا فضيل بن النضر بن عدي قال سأل رجل ميمون بن مهران عن سبحان الله قال اسم يعظم الله به ويحاشا به من السوء .
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)
قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم
قوله تعالى "قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" قال زيد بن أسلم قال أنت جبرائيل أنت ميكائيل أنت إسرافيل حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب .
وقال مجاهد في قول الله "قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم" قال اسم الحمامة والغراب واسم كل شيء وروي عن سعيد بن جبير والحسن وقتادة نحو ذلك فلما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء قال الله تعالى للملائكة "ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" أي ألم أتقدم إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفي كما قال تعالى "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" وكما قال إخبارا عن الهدهد أنه قال لسليمان "ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" وقيل في قوله تعالى "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" غير ما ذكرناه فروى الضحاك عن ابن عباس "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" قال أعلم السر كما أعلم العلانية يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار .
وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قال قولهم "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" الآية فهذا الذي أبدوا "وما كنتم تكتمون" يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري .
واختار ذلك ابن
جرير وقال أبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة هو قولهم لم يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه : وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" فكان الذي أبدوا هو قولهم : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .
وكان الذي كتموا بينهم قولهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم .
فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم قال ابن جرير حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة الملائكة وآدم : فقال الله للملائكة كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها هذا عندي قد علمته فكذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني قال وقد سبق من الله "لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" قال ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه قال فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل .
وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو أن معنى قوله تعالى : "وأعلم ما تبدون" وأعلم مع علمي غيب السماوات والأرض ما تظهرونه بألسنتكم .
وما كنتم تخفون في أنفسكم فلا يخفى علي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم والذي أظهروه بألسنتهم قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها والذي كانوا يكتمون ما كان منطويا عليه إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته .
قال وصح ذلك وكما تقول العرب قتل الجيش وهزموا وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم كما قال تعالى "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" ذكر أن الذي نادى إنما كان واحدا من بني تميم قال وكذلك قوله "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|