عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 20-11-2025, 05:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول

سورة البقرة
من صــ293 الى صــ 302

الحلقة (30)






قال وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك .
قال وقال آخرون إن معنى ذلك أن الله أخبر عن المنافقين أنهم إذا خلوا إلى مردتهم قالوا إنا معكم على دينكم في تكذيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به وإنما نحن بما نظهر لهم من قولنا لهم مستهزءون فأخبر تعالى أنه يستهزئ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا يعني من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة يعني من العذاب والنكال.
ثم شرع ابن جرير يوجه هذا القول وينصره لأن المكر والخداع والسخرية على وجه اللعب والعبث منتف عن الله عز وجل بالإجماع وأما على وجه الانتقام والمقابلة بالعدل والمجازاة فلا يمتنع ذلك .
قال وبنحو ما قلنا فيه روي الخبر عن ابن عباس وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو عثمان حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "الله يستهزئ بهم" قال يسخر بهم للنقمة منهم وقوله تعالى "ويمدهم في طغيانهم يعمهون" قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يمدهم يملي لهم وقال مجاهد يزيدهم وقال تعالى "أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات ؟ بل لا يشعرون" وقال "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" قال بعضهم كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة وهي في الحقيقة نقمة

وقال تعالى "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" .
قال ابن جرير والصواب نزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم كما قال تعالى "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون" والطغيان هو المجاوزة في الشيء كما قال تعالى إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وقال الضحاك عن ابن عباس في طغيانهم يعمهون في كفرهم يترددون وكذا فسره السدي بسنده عن الصحابة وبه يقول أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس ومجاهد وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد في كفرهم وضلالتهم.
قال ابن جرير والعمه الضلال .
يقال عمه فلان يعمه عمها وعموها إذا ضل قال وقوله "في طغيانهم يعمهون" في ضلالتهم وكفرهم الذي غمرهم دنسه وعلاهم رجسه يترددون حيارى ضلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها وأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها لا يبصرون رشدا ولا يهتدون سبيلا .
وقال بعضهم العمى في العين والعمه في القلب وقد يستعمل العمى في القلب أيضا .
قال الله تعالى "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" وتقول عمه الرجل يعمه عموها فهو عمه وعامه وجمعه عمه وذهبت إله العمهاء إذا لم يدر أين ذهبت.
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين

قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" أي الكفر بالإيمان وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا وقال قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى .
وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود "فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى" وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال واعتاضوا عن الهدى بالضلالة وهو معنى قوله تعالى "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" أي بذلوا الهدى ثمنا للضلالة وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الإيمان ثم رجع عنه إلى الكفر كما قال تعالى فيهم "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم" أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى كما يكون حال فريق آخر منهم فإنهم أنواع وأقسام ولهذا قال تعالى "فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك .
وقال ابن جرير حدثنا بشير حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة "فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة

وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بمثله سواء .
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون
يقال مثل ومثل ومثيل أيضا والجمع أمثال قال الله تعالى "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما أبصر فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم عوضا عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد .
وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم .
وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال والتشبيه هاهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين .
وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية هاهنا وهي قوله تعالى "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان أي في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.
قال : وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال "رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم"

كالذي يغشى عليه من الموت "أي كدوران الذي يغشى عليه من الموت ."
وقال تعالى "ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة" وقال تعالى "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" وقال بعضهم تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا نارا وقال بعضهم المستوقد واحد لجماعة معه وقال آخرون الذي هاهنا بمعنى الذين كما قال الشاعر :
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد
قلت وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى "فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ."
صم بكم عمي فهم لا يرجعون "وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام وقوله تعالى" ذهب الله بنورهم "أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان" وتركهم في الظلمات "وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق" لا يبصرون "لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها ."
صم بكم عمي فهم لا يرجعون (18)
صم بكم عمي فهم لا يرجعون
وهم مع ذلك "صم" لا يسمعون خيرا "بكم" لا يتكلمون بما ينفعهم "عمي" في ضلالة وعماية البصيرة كما قال تعالى "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة .
"ذكر أقوال المفسرين من السلف بنحو ما ذكرناه" قال السدي في تفسيره عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى "فلما أضاءت ما حوله" زعم أن ناسا دخلوا في الإسلام مع مقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة ثم إنهم نافقوا وكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة فأوقد نارا فلما أضاءت ما حوله من قذى أو أذى فأبصره حتى عرف ما يتقي منه فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فأقبل لا يدري ما يتقي

من أذى فذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم فعرف الحلال والحرام والخير والشر .
فبينما هو كذلك إذ كفر فصار لا يعرف الحلال من الحرام ولا الخير من الشر .
وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال أما النور فهو إيمانهم الذي كانوا يتكلمون به وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم الذي كانوا يتكلمون به وهم قوم كانوا على هدى ثم نزع منهم فعتوا بعد ذلك .
وقال مجاهد : "فلما أضاءت ما حوله" أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى.
وقال عطاء الخرساني في قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" قال هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثم يدركه عمى القلب .
وقال ابن أبي حاتم : وروي عن عكرمة والحسن والسدي والربيع بن أنس نحو قول عطاء الخرساني وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" قال هذا مثل المنافق يبصر أحيانا ويعرف أحيانا ثم يدركه عمى القلب .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" إلى آخر الآية .
قال هذه صفة المنافقين كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا نارا ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون وأما قول ابن جرير فيشبه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" قال هذا مثل ضربه الله للمنافقين أنهم كانوا يعتزون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء فلما ماتوا سلبهم الله ذلك العز كما سلب صاحب النار ضوءه وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" فإنما ضوء النار ما أوقدتها فإذا خمدت ذهب نورها وكذلك المنافق كلما تكلم

بكلمة الإخلاص بلا إله إلا الله أضاء له فإذا شك وقع في الظلمة وقال الضحاك "ذهب الله بنورهم" أما نورهم فهو إيمانهم الذي تكلموا به وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله" فهي لا إله إلا الله أضاءت لهم فأكلوا بها وشربوا وأمنوا في الدنيا وأنكحوا النساء وحقنوا دماءهم حتى إذا ماتوا ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية إن المعنى أن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فأضاءت له في الدنيا فناكح بها المسلمين وغازاهم بها ووارثهم بها وحقن بها دمه وماله فلما كان عند الموت سلبها المنافق لأنه لم يكن لها أصل في قلبه ولا حقيقة في عمله "وتركهم في ظلمات لا يبصرون" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "وتركهم في ظلمات لا يبصرون" يقول في عذاب إذا ماتوا وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وتركهم في ظلمات" أي يبصرون الحق ويقولون به حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفئوه بكفرهم ونفاقهم فيه فتركهم في ظلمات الكفر فهم لا يبصرون هدى ولا يستقيمون على حق وقال السدي في تفسيره بسنده "وتركهم في ظلمات" فكانت الظلمة نفاقهم وقال الحسن البصري وتركهم في ظلمات لا يبصرون فذلك حين يموت المنافق فيظلم عليه عمله عمل السوء فلا يجد له عملا من خير عمل به يصدق به قول لا إله إلا الله ""

صم بكم عمي "قال السدي بسنده صم بكم عمي فهم خرس عمي وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس" صم بكم عمي "يقول لا يسمعون"
الهدى ولا يعقلونه وكذا قال أبو العالية وقتادة بن دعامة فهم لا يرجعون قال ابن عباس أي لا يرجعون إلى هدى وكذا قال الربيع بن أنس : قال السدي بسنده "صم بكم عمي فهم لا يرجعون" إلى الإسلام .
وقال قتادة فهم لا يرجعون أي لا يتوبون ولا هم يذكرون.
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19)
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين
هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخرى فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم "كصيب" والصيب المطر قاله ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخراساني والسدي والربيع بن أنس .
وقال الضحاك : هو السحاب والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق

ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى "يحسبون كل صيحة عليهم" وقال "ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون" "والبرق" هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال "يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين" أي ولا يجدى عنهم حذرهم شيئا لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال "هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط" بهم .
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير (20)
يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير
ثم قال "يكاد البرق يخطف أبصارهم" أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يكاد البرق يخطف أبصارهم" يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "يكاد البرق يخطف أبصارهم" أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه وإذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله تعالى "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به" وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" أي يعرفون

الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخلص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا" وقال في حق المؤمنين "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار" الآية وقال تعالى "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير" "ذكر الحديث الوارد في ذلك" قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات" الآية ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول "من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين بصنعاء ودون ذلك حتى"
إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه "رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن داود القطان عن قتادة بنحوه وهذا كما قال المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل"




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]