عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 20-11-2025, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول

سورة البقرة
من صــ283 الى صــ 292

الحلقة (29)






"إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله" أي إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر ولهذا يؤكدون الشهادة بأن ولام التأكيد في خبرها .
أكدوا أمرهم قالوا آمنا بالله وباليوم الآخر وليس الأمر كذلك كما كذبهم الله في شهادتهم وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم بقوله تعالى "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون" وبقوله "وما هم بمؤمنين" .
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
وقوله تعالى "يخادعون الله والذين آمنوا" أي بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذاك نافعهم عنده وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين كما قال تعالى "يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله" وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون "يقول وما يغرون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى" إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم "ومن القراء من قرأ" وما يخدعون إلا أنفسهم "وكلا القراءتين ترجع إلى معنى واحد ."
قال ابن ²?رير فإن قال قائل : كيف يكون المنافق لله وللمؤمنين مخادعا وهو لا يظهر بلسانه خلاف ما هو له معتقد إلا تقية ؟ قيل : لا تمتنع العرب أن تسمي من أعطى بلسانه غير الذي في ضميره تقية لينجو بما هو له خائف مخادعا فكذلك المنافق سمي مخادعا لله وللمؤمنين بإظهاره ما أظهر بلسانه تقية بما يخلص به من القتل والسبي والعذاب العاجل وهو لغير ما أظهره مستبطن وذلك من فعله وإن كان خداعا للمؤمنين في عاجل الدنيا فهو لنفسه بذلك من فعله خادع لأنه يظهر لها بفعله ذلك بها أنه يعطيها أمنيتها ويسقيها كأس سرورها وهو موردها حياض عطبها ومجرعها به كأس عذابها ومزبرها من غضب الله وأليم عقابه ما لا قبل لها به فذلك خديعته نفسه ظنا منه مع إساءته إليها في أمر معادها أنه إليها محسن كما قال تعالى

"وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" إعلاما منه عباده المؤمنين أن المنافقين بإساءتهم إلى أنفسهم في إسخاطهم عليها ربهم بكفرهم وشركهم وتكذيبهم غير شاعرين ولا دارين ولكنهم على عمى من أمرهم مقيمين.
وقال ابن أبي حاتم أنبأنا علي بن المبارك فيما كتب إلي حدثنا زيد بن المبارك حدثنا محمد بن نور عن ابن جريج في قوله تعالى يخادعون الله قال يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دماءهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك .
وقال سعيد عن قتادة "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" نعت المنافق عند كثير : خنع الأخلاق يصدق بلسانه وينكر بقلبه ويخالف بعمله يصبح على حال ويمسي على غيره ويمسي على حال ويصبح على غيره ويتكفأ تكفأ السفينة كلما هبت ريح هبت معها .
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون
قال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية "في قلوبهم مرض" قال شك فزادهم الله مرضا قال شكا .
وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال شك .
وكذلك قال مجاهد وعكرمة والحسن البصري وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة .
وعن عكرمة وطاوس في قلوبهم مرض يعني الرياء .
وقال الضحاك عن ابن عباس في قلوبهم مرض قال نفاق فزادهم الله مرضا

قال نفاقا وهذا كالأول .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قلوبهم مرض قال هذا مرض في الدين وليس مرضا في الأجساد وهم المنافقون والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام فزادهم الله مرضا قال زادهم رجسا وقرأ "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادهم رجسا إلى رجسهم" قال شرا إلى شرهم وضلالة إلى ضلالتهم وهذا الذي قاله عبد الرحمن رحمه الله حسن وهو الجزاء من جنس العمل وكذلك قاله الأولون وهو نظير قوله تعالى أيضا "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" وقوله "بما كانوا يكذبون" وقرئ يكذبون وقد كانوا متصفين بهذا وهذا فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب يجمعون بين هذا وهذا .
وقد سئل القرطبي وغيره من المفسرين عن حكمة كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين مع علمه بأعيان بعضهم وذكروا أجوبة عن ذلك منها ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه "أكره أن يتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه" ومعنى هذا خشية أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام ولا يعلمون حكمة قتله لهم وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون إن محمدا يقتل أصحابه .
قال القرطبي وهذا قول علمائنا وغيرهم كما كان يعطي المؤلفة مع علمه بسوء اعتقادهم .
قال ابن عطية وهي طريقة أصحاب مالك نص عليه محمد بن الجهم والقاضي إسماعيل والأبهري وعن ابن الماجشون .
ومنها : ما قال مالك إنما كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين ليبين لأمته أن
الحاكم لا يحكم بعلمه قال القرطبي : وقد اتفق العلماء عن بكرة أبيهم على أن القاضي لا يقتل بعلمه وإن اختلفوا في سائر الأحكام قال : ومنها ما قال الشافعي إنما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم لأن ما يظهرونه يجب ما قبله.
ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المجمع على صحته في الصحيحين وغيرهما "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" ومعنى هذا أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهرا فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الدار الآخرة وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا وكونه كان خليط أهل الإيمان "ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله" الآية فهم يخالطونهم في بعض المحشر فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم "وحيل بينهم وبين ما يشتهون" ولم يمكنهم أن يسجدوا معهم كما نطقت بذلك الأحاديث ومنها ما قاله بعضهم أنه إنما لم يقتلهم لأنه كان يخاف من شرهم مع وجوده عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم يتلو عليهم آيات الله مبينات فأما بعده فيقتلون إذا أظهروا النفاق وعلمه المسلمون قال مالك : المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم "قلت" وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا أو يتكرر منه ارتداده أم لا أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه ؟ على أقوال متعددة موضع بسطها وتقريرها وعزوها كتاب الأحكام .
"تنبيه" قول من قال كان عليه الصلاة والسلام يعلم أعيان بعض المنافقين إنما مستنده حديث حذيفة بن اليمان في تسمية أولئك الأربعة عشر منافقا في غزوة تبوك الذين

هموا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلماء الليل عند عقبة هناك عزموا على أن ينفروا به الناقة ليسقط عنها فأوحى الله إليه أمرهم فأطلع على ذلك حذيفة ولعل الكف عن قتلهم كان لمدرك من هذه المدارك أو لغيرها والله أعلم .
فأما غير هؤلاء فقد قال الله تعالى "وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم" الآية وقال تعالى : "لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا" ففيها دليل على أنه لم يغر بهم ولم يدرك على أعيانهم وإنما كان تذكر له صفاتهم فيتوسمها في بعضهم كما قال تعالى "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول" وقد كان من أشهرهم بالنفاق عبد الله بن أبي بن سلول وقد شهد عليه زيد بن أرقم بذلك الكلام الذي سبق في صفات المنافقين ومع هذا لما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وشهد دفنه كما يفعل ببقية المسلمين وقد عاتبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه فقال "إني أكره أن تتحدث العرب أن محمدا يقتل أصحابه" وفي رواية في الصحيح "إني خيرت فاخترت" وفي رواية "لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر له لزدت" .
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11)
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الطبيب الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" قال هم المنافقون أما لا تفسدوا في الأرض قال الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "وإذا قيل لهم لا"

تفسدوا في الأرض "قال يعني لا تعصوا في الأرض وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وقال ابن جريج عن مجاهد" وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض "قال إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون ."
وقال وكيع وعيسى بن يونس وعثام بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن سلمان الفارسي "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" قال سلمان لم يجيء أهل هذه الآية بعد .
وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن الأعمش عن زيد بن وهب وغيره عن سلمان الفارسي في هذه الآية قال ما جاء هؤلاء قال ابن جرير يحتمل أن سلمان رضي الله عنه أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فسادا من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد قال ابن جرير فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه وتضييعهم فرائضه وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك

والريب ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلا فذلك إفساد المنافقين في الأرض وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها .
وهذا الذي قاله حسن فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء كما قال تعالى "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا" ثم قال "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا" فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين فكان الفساد من جهة المنافق حاصل لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ووالى الكافرين على المؤمنين ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح وأنجح ولهذا قال تعالى "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب .
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)
ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
يقول ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فسادا .
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13)
وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون
يقول تعالى : وإذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كإيمان الناس بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به وعنه وأطيعوا الله ورسوله في امتثال الأوامر وترك الزواجر .
"قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء" يعنون - لعنهم الله - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم قاله أبو العالية والسدي في تفسيره بسنده عن ابن عباس وابن مسعود وغير واحد من الصحابة وبه يقول الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم يقولون أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة وهم سفهاء ؟

والسفهاء جمع سفيه لأن الحكماء جمع حكيم والحلماء جمع حليم والسفيه هو الجاهل الضعيف الرأي القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضار ولهذا سمى الله النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما" قال عامة علماء التفسير هم النساء والصبيان وقد تولى الله سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال "ألا إنهم هم السفهاء" فأكد وحصر السفاهة فيهم "ولكن لا يعلمون" يعني ومن تمام جهلهم أنهم لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل وذلك أردى لهم وأبلغ في العمى والبعد عن الهدى.
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون (14)
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون
يقول تعالى وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا : آمنا وأظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة غرورا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم "وإذا خلوا إلى شياطينهم" يعني إذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم فضمن خلوا معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر والفعل الملفوظ به .
ومنهم من قال "إلى" هنا بمعنى "مع" والأول أحسن وعليه يدور كلام ابن جرير.
وقال السدي عن أبي مالك خلوا يعني مضوا وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم ورؤساؤهم من أحبار اليهود ورءوس المشركين والمنافقين .
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا خلوا إلى شياطينهم" يعني هم رؤساءهم في الكفر .
وقال الضحاك عن ابن عباس وإذا خلوا إلى أصحابهم وهم شياطينهم :

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وإذا خلوا إلى شياطينهم" من يهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد : وإذا خلوا إلى شياطينهم وإلى أصحابهم من المنافقين والمشركين .
وقال قتادة وإذا خلوا إلى شياطينهم قال إلى رءوسهم وقادتهم في الشرك والشر وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس .
قال ابن جرير وشياطين كل شيء مردته ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" وفي المسند عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن" فقلت يا رسول الله أو للإنس شياطين ؟ قال "نعم" وقوله تعالى "قالوا إنا معكم" قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أي أنا على مثل ما أنتم عليه "إنما نحن مستهزءون" أي إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم .

وقال الضحاك عن ابن عباس قالوا إنما نحن مستهزءون ساخرون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15)
الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون
وكذلك قال الربيع بن أنس وقتادة .
وقوله تعالى جوابا لهم ومقابلة على صنيعهم "الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون" وقال ابن جرير أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب "الآية وقوله تعالى" ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما "الآية قال فهذا وما أشبهه من استهزاء الله تعالى ذكره وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به عند قائل هذا القول ومتأول هذا التأويل قال : وقال آخرون بل استهزءوه بهم توبيخه إياهم ولومه لهم على ما ركبوا من معاصيه والكفر به قال : وقال آخرون هذا وأمثاله على سبيل الجواب كقول الرجل لمن يخدعه إذا ظفر به أنا الذي خدعتك ."
ولم يكن منه خديعة ولكن - قال ذلك إذا صار الأمر إليه قالوا وكذلك قوله تعالى "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" و "الله يستهزئ بهم" على الجواب والله لا يكون منه المكر ولا الهزء .
والمعنى أن المكر والهزء حاق بهم - وقال آخرون قوله تعالى "إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم" وقوله "يخادعون الله وهو خادعهم" وقوله "فيسخرون منهم سخر الله منهم" و "نسوا الله فنسيهم" وما أشبه ذلك إخبار من الله تعالى أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء ومعاقبهم عقوبة الخداع فأخرج خبره عن جزائه إياهم وعقابه لهم مخرج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقوا العقاب في اللفظ وإن اختلف المعنيان كما قال تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله" وقوله تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه" فالأول ظلم والثاني عدل فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]