عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 20-11-2025, 04:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)



تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول

سورة البقرة
من صــ273 الى صــ 282

الحلقة (28)






فهذه الآيات الأربع عامات في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي من إنسي وجني وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى بل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والزكاة إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من قبله من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين والإيقان بالآخرة كما أن هذا لا يصح إلا بذاك وقد أمر الله المؤمنين بذلك كما قال "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل" الآية .
وقال تعالى "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد" الآية .
وقال تعالى "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم" وقال تعالى "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم" وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك فقال تعالى "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" وقال تعالى "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم" إلى غير ذلك من الآيات الدالة على جميع أمر المؤمنين بالإيمان بالله ورسله وكتبه لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية وذلك أنهم يؤمنون بما بأيديهم مفصلا فإذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به مفصلا كان لهم على ذلك الأجر مرتين وأما غيرهم فإنما يحصل له الإيمان بما تقدم مجملا كما جاء في الصحيح "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تكذبوهم ولا تصدقوهم ولكن قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم"

ولكن قد يكون إيمان كثير من العرب بالإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أتم وأكمل وأعم وأشمل من إيمان من دخل منهم في الإسلام فهم وإن حصل لهم أجران من تلك الحيثية فغيرهم يحصل له من التصديق ما ينيف ثوابه على الأجرين اللذين حصلا لهم والله أعلم .
أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (5)
أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
يقول الله تعالى أولئك أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق من الذي رزقهم الله والإيمان بما أنزل الله إلى الرسول ومن قبله من الرسل والإيقان بالدار الآخرة وهو مستلزم الاستعداد لها من الأعمال الصالحة وترك المحرمات على هدى أي على نور وبيان وبصيرة من الله تعالى وأولئك هم المفلحون أي في الدنيا والآخرة وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أولئك على هدى من ربهم أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم به وأولئك هم المفلحون أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا وقال ابن جرير وأما معنى قوله تعالى أولئك على هدى من ربهم فإن معنى ذلك فإنهم على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديده إياهم وتوفيقه لهم وتأويل قوله تعالى "وأولئك هم المفلحون أي المنجحون المدركون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله من الفوز بالثواب والخلود في الجنات والنجاة مما أعد الله لأعدائه من العقاب ."
وقد حكى ابن جرير قولا عن بعضهم أنه أعاد اسم الإشارة في قوله تعالى أولئك على

هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون إلى مؤمني أهل الكتاب الموصوفين بقوله تعالى "والذين يؤمنون بما أنزل إليك" الآية على ما تقدم من الخلاف.
وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله تعالى : "والذين يؤمنون بما أنزل إليك" الآية على ما تقدم من الخلاف .
وعلى هذا فيجوز أن يكون قوله تعالى "والذين يؤمنون بما أنزل إليك" منقطعا مما قبله وأن يكون مرفوعا على الابتداء وخبره أولئك هم المفلحون واختار أنه عائد إلى جميع من تقدم ذكره من مؤمني العرب وأهل الكتاب لما رواه السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الذين يؤمنون بالغيب فهم المؤمنون من العرب والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هم المؤمنون من أهل الكتاب .
ثم جمع الفريقين فقال "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" وقد تقدم من الترجيح أن ذلك صفة للمؤمنين عامة والإشارة عائدة عليهم والله أعلم .
وقد نقل عن مجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وقتادة رحمهم الله وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة حدثني عبيد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم واسمه سليمان بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ من القرآن فنكاد أن نيأس أو كما قال : قال "أفلا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار" قالوا بلى يا رسول الله .
قال الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - إلى قوله تعالى - المفلحون هؤلاء أهل الجنة "قالوا إنا نرجو أن نكون"

هؤلاء ثم قال "إن الذين كفروا سواء عليهم - إلى قوله - عظيم" هؤلاء أهل النار "قالوا لسنا هم يا رسول الله ."
قال : "أجل" .
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)
إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون
يقول تعالى "إن الذين كفروا" أي غطوا الحق وستروه وقد كتب الله تعالى عليهم ذلك سواء عليهم إنذارك وعدمه فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به .
كما قال تعالى "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم" وقال تعالى في حق المعاندين من أهل الكتاب "ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك" الآية أي أن من كتب الله عليه الشقاوة فلا مسعد له ومن أضله فلا هادي له فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وبلغهم الرسالة فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر ومن تولى فلا تحزن عليهم ولا يهمنك ذلك "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل" وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاوة في الذكر الأول وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "إن الذين كفروا" أي بما أنزل إليك وإن قالوا إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" أي إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق وقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا وقد كفروا بما عندهم من علمك وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال نزلت هاتان الآيتان في

قادة الأحزاب وهم الذين قال الله فيهم "ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها" والمعنى الذي ذكرناه أولا وهو المروي عن ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة أظهر ويفسر ببقية الآيات التي في معناها والله أعلم .
وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديثا فقال : حدثنا أبي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة حدثني عبد الله بن المغيرة عن أبي الهيثم عن عبد الله بن عمرو قال قيل يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس فقال "ألا أخبركم" ثم قال "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" هؤلاء أهل النار "قالوا : لسنا منهم يا رسول الله."
قال "أجل" وقوله تعالى "لا يؤمنون" محله من الإعراب أنه جملة مؤكدة للتي قبلها "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم" أي هم كفار في كلا الحالين فلهذا أكد ذلك بقوله تعالى "لا يؤمنون" ويحتمل أن يكون لا يؤمنون خبرا لأن تقديره إن الذين كفروا لا يؤمنون ويكون قوله تعالى "سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم" جملة معترضة والله أعلم .
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (7)
ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم
قال السدي ختم الله أي طبع الله وقال قتادة في هذه الآية استحوذ عليهم الشيطان إذ أطاعوه فختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون هدى ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون .
وقال ابن جريج : قال مجاهد ختم الله على قلوبهم : قال الطبع ثبتت

الذنوب على القلب فحفت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه فالتقاؤها عليه الطبع والطبع الختم .
قال ابن جريج الختم على القلب والسمع قال ابن جريج : وحدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفال والإقفال أشد من ذلك كله .
وقال الأعمش : أرانا مجاهد بيده .
فقال : كانوا يرون أن القلب في مثل هذه يعني الكف فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه وقال بإصبعه الخنصر هكذا فإذا أذنب ضم وقال بإصبع أخرى فإذا أذنب ضم .
وقال بإصبع أخرى وهكذا حتى ضم أصابعه كلها .
ثم قال : يطبع عليه بطابع وقال مجاهد كانوا يرون أن ذلك الرين ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن الأعمش عن مجاهد بنحوه قال ابن جرير وقال بعضهم إنما معنى قوله تعالى "ختم الله على قلوبهم" إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقال إن فلانا أصم عن هذا الكلام إذا امتنع عن سماعه ورفع نفسه عن تفهمه تكبرا قال وهذا لا يصح لأن الله تعالى قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم "قلت" وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما رده ابن جرير هاهنا وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جدا وما جرأه على ذلك إلا اعتزاله لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده يتعالى الله عنه في اعتقاده ولو فهم قوله تعالى "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" وقوله "ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون" وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق وهذا عدل منه تعالى حسن وليس بقبيح فلو أحاط عالما بهذا لما قال ما قال والله أعلم.
قال القرطبي وأجمعت الأمة على أن الله عز وجل قد وصف نفسه بالختم والطبع على قلوب

الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال "بل طبع الله عليها بكفرهم" وذكر حديث تقليب القلوب "ويا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك" وذكر حديث حذيفة الذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مرباد كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا" الحديث .
قال ابن جرير والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما حدثنا به محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي قال الله تعالى" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ""

هذا الحديث من هذا الوجه قد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة والليث بن سعد وابن ماجه عن هشام بن عمار عن حاتم بن إسماعيل والوليد بن مسلم ثلاثتهم عن محمد بن عجلان به وقال الترمذي حسن صحيح ثم قال ابن جرير فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع فلا يكون للإيمان إليها مسلك ولا للكفر عنها مخلص فذلك هو الختم والطبع الذي ذكر في قوله تعالى "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم" نظير الختم والطبع على ما تدركه الأبصار من الأوعية والظروف التي لا يوصل إلى ما فيها إلا بفض ذلك عنها ثم حلها فكذلك لا يصل الإيمان إلى قلوب من وصف الله أنه ختم على قلوبهم وعلى سمعهم إلا بعد فض خاتمه وحله رباطها عنها.
واعلم أن الوقف التام على قوله تعالى "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم" وقوله "وعلى أبصارهم غشاوة" جملة تامة فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع والغشاوة وهي الغطاء يكون على البصر كما قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم" فلا يعقلون ولا يسمعون يقول وجعل على أبصارهم غشاوة يقول على أعينهم فلا يبصرون وقال ابن جرير حدثني محمد بن سعد حدثنا أبي حدثني عمي الحسين بن الحسن

عن أبيه عن جده عن ابن عباس "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم" والغشاوة على أبصارهم.
قال : وحدثنا القاسم حدثنا الحسين يعني ابن داود وهو سنيد حدثني حجاج وهو ابن محمد الأعور حدثني ابن جريج قال : الختم على القلب والسمع والغشاوة على البصر قال الله تعالى "فإن يشأ الله يختم على قلبك" وقال "وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة" قال ابن جرير ومن نصب غشاوة من قوله تعالى وعلى أبصارهم غشاوة يحتمل أنه نصبها بإضمار فعل تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة ويحتمل أن يكون نصبها على الإتباع على محل وعلى سمعهم كقوله تعالى "وحور عين" وقول الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا ... حتى غدت همالة عيناها
وقال الآخر :
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
تقديره وسقيتها ماء باردا ومعتقلا رمحا لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ثم عرف حال الكافرين بهاتين الآيتين شرع تعالى في بيان حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس أطنب في ذكرهم بصفات متعددة كل منها نفاق كما أنزل سورة براءة فيهم وسورة المنافقين فيهم وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور تعريفا لأحوالهم لتجتنب ويجتنب من تلبس بها .
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (8)
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين
النفاق هو إظهار الخير وإسرار الشر وهو أنواع : اعتقادي وهو الذي يخلد صاحبه في النار وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى وهذا

كما قال ابن جريج : المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه من الناس من كان يظهر الكفر مستكرها وهو في الباطن مؤمن فلما هاجر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى المدينة وكان بها الأنصار من الأوس والخزرج وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة مشركي العرب وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم وكانوا ثلاث قبائل بنو قينقاع حلفاء الخزرج وبنو النضير وبنو قريظة حلفاء الأوس فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله عنه ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة تخاف بل قد كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء العرب حوالي المدينة فلما كانت وقعة بدر العظمى وأظهر الله كلمته وأعز الإسلام وأهله قال عبد الله بن أبي بن سلول وكان رأسا في المدينة وهو من الخزرج وكان سيد الطائفتين في الجاهلية وكانوا قد عزموا على أن يملكوه عليهم فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه فبقي في نفسه من الإسلام وأهله فلما كانت وقعة بدر قال هذا أمر قد توجه فأظهر الدخول في الإسلام ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته وآخرون من أهل الكتاب فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها من الأعراب فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد يهاجر مكرها بل يهاجر فيترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار الآخرة .
قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" يعني المنافقين من الأوس والخزرج ومن كان على أمرهم وكذا فسرها بالمنافقين من الأوس والخزرج أبو العالية والحسن وقتادة والسدي ولهذا نبه الله سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر وهذا من المحذورات الكبار أن يظن لأهل القبور خير فقال تعالى "ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" أي يقولون ذلك قولا ليس وراءهم شيء آخر كما قال تعالى





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]