
20-11-2025, 04:38 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة :
|
|
رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)

تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول
سورة الفاتحة .
من صــ213 الى صــ 222
الحلقة (22)
إقامته ثم شرع يضعفه والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم وأن كلا من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ولا ينكره ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا كما قال تعالى : "الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا" والقول الثاني يشبه قوله تعالى : "ويوم يقول كن فيكون" والله أعلم .
والملك في الحقيقة هو الله عز وجل قال الله تعالى "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا "أخنع اسم عند الله رجل تسمى بملك الأملاك ولا مالك إلا الله" وفيهما عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟" وفي القرآن العظيم "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" فأما تسمية غيره في الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال تعالى : "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا" "وكان وراءهم ملك" "إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا" وفي الصحيحين "مثل الملوك على الأسرة" .
214 @@@
والدين الجزاء والحساب كما قال تعالى : "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" وقال : "أئنا لمدينون" أي مجزيون محاسبون وفي الحديث "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت" أي حاسب نفسه لنفسه كما قال عمر رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم "يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" .
إياك نعبد وإياك نستعين (5)
إياك نعبد وإياك نستعين
قرأ السبعة والجمهور بتشديد الياء من "إياك" وقرأ عمرو بن فايد بتخفيفها مع الكسر وهي قراءة شاذة مردودة لأن إيا ضوء الشمس وقرأ بعضهم "أياك" بفتح الهمزة وتشديد الياء وقرأ بعضهم هياك بالهاء بدل الهمزة كما قال الشاعر :
فهياك والأمر الذي إن تراحبت ... موارده ضاقت عليك مصادره
ونستعين بفتح النون أول الكلمة في قراءة الجميع سوى يحيى بن وثاب والأعمش فإنهما كسراها وهي لغة بني أسد وربيعة وبني تميم والعبادة في اللغة من الذل يقال طريق معبد وبعير معبد أي مذلل وفي الشرع عبارة عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف.
وقدم المفعول وهو إياك وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك وهذا هو كمال الطاعة .
والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين .
وهذا كما قال بعض السلف الفاتحة سر القرآن وسرها هذه الكلمة "إياك نعبد وإياك نستعين" فالأول تبرؤ من الشرك
215 @@@
والثاني تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى : "فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون" "قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا" "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا" وكذلك هذه الآية الكريمة "إياك نعبد وإياك نستعين" وتحول الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب وهو مناسبة لأنه لما أثنى على الله فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى فلهذا قال : "إياك نعبد وإياك نستعين" وفي هذا دليل على أن أول السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى وإرشاد لعباده بأن يثنوا عليه بذلك ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه كما جاء في الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" .
وفي صحيح مسلم من حديث العلاء بن عبد الرحمن مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريره عن ر²?ول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل إذا قال العبد" الحمد لله رب العالمين "قال الله حمدني عبدي وإذا قال" الرحمن الرحيم "قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال :" مالك يوم الدين" قال الله مجدني عبدي وإذا قال "إياك نعبد وإياك نستعين" قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين "قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما "إياك نعبد" يعني إياك نوحد ونخاف ونرجوك يا ربنا لا غيرك "وإياك نستعين" على طاعتك وعلى أمورنا كلها وقال قتادة "إياك نعبد وإياك نستعين" يأمركم أن تخلصوا له العبادة وأن تستعينوه على
216 @@@
أموركم وإنما قدم "إياك نعبد" على "وإياك نستعين" لأن العبادة له هي المقصودة والاستعانة وسيلة إليها والاهتمام والحزم تقديم ما هو الأهم فالأهم والله أعلم .
فإن قيل : فما معنى النون في قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" فإن كانت للجمع فالداعي واحد وإن كانت للتعظيم فلا يناسب هذا المقام ؟ وقد أجيب بأن المراد من ذلك الإخبار عن جنس العباد والمصلي فرد منهم ولا سيما إن كان في جماعة أو إمامهم فأخبر عن نفسه وعن إخوانه المؤمنين بالعبادة التي خلقوا لأجلها وتوسط لهم بخير ومنهم من قال يجوز أن تكون للتعظيم كأن العبد قيل له إذا كنت داخل العبادة فأنت شريف وجاهك عريض فقل "إياك نعبد وإياك نستعين" وإن كنت خارج العبادة فلا تقل نحن ولا فعلنا ولو كنت في مائة ألف أو ألف ألف لاحتياج الجميع إلى الله عز وجل وفقرهم إليه .
ومنهم من قال إياك نعبد ألطف في التواضع من إياك عبدنا لما في الثاني من تعظيم نفسه من جعله نفسه وحده أهلا لعبادة الله تعالى الذي لا يستطيع أحد أن يعبده حق عبادته ولا يثني عليه كما يليق به والعبادة مقام عظيم يشرف به العبد لانتسابه إلى جناب الله تعالى كما قال بعضهم :
لا تدعني إلا بيا عبدها ... فإنه أشرف أسمائي
وقد سمى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعبده في أشرف مقاماته فقال : "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" "وأنه لما قام عبد الله يدعوه" "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا" فسماه عبدا عند إنزاله عليه وعند قيامه في الدعوة وإسرائه به وأرشده إلى القيام بالعبادة في أوقات يضيق صدره من تكذيب المخالفين حيث يقول "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" وقد حكى الرازي في تفسيره عن بعضهم أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق والرسالة من الحق إلى الخلق قال ولأن الله يتولى مصالح عبده والرسول يتولى مصالح أمته وهذا القول خطأ والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد .
وقال بعض الصوفية العبادة إما لتحصيل ثواب أو درء عقاب قالوا وهذا ليس بطائل إذ
217 @@@
مقصوده تحصيل مقصوده وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى وهذا أيضا عندهم ضعيف بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال قالوا ولهذا يقول المصلي : أصلي لله , ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصلاة وقد رد ذلك عليهم آخرون وقالوا : كون العبادة لله عز وجل لا ينافي أن يطلب معها ثوابا ولا أن يدفع عذابا كما قال ذلك الأعرابي : أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم "حولها ندندن" .
اهدنا الصراط المستقيم (6)
اهدنا الصراط المستقيم
قراءة الجمهور بالصاد وقرئ السراط وقرئ بالزاي قال الفراء وهي لغة بني عذرة وبني كلب .
لما تقدم الثناء على المسئول تبارك وتعالى ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال "فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" وهذا أكمل أحوال السائل أن يمدح مسئوله ثم يسأل حاجته وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله : "اهدنا الصراط المستقيم" لأنه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة ولهذا أرشد الله إليه لأنه الأكمل وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه كما قال موسى عليه السلام "رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير" وقد يتقدمه مع ذلك وصف مسئول كقول ذي النون "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقد يكون بمجرد الثناء على المسئول كقول الشاعر :
218 @@@
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرضه الثناء
والهداية ههنا الإرشاد والتوفيق وقد تعدى الهداية بنفسها كما هنا "اهدنا الصراط المستقيم" فتضمن معنى ألهمنا أو وفقنا أو ارزقنا أو اعطنا "وهديناه النجدين" أي بينا له الخير والشر وقد تعدى بإلى كقوله تعالى : "اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم" "فاهدوهم إلى صراط الجحيم" وذلك بمعنى الإرشاد والدلالة وكذلك قوله : "وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم" وقد تعدى باللام كقول أهل الجنة "الحمد لله الذي هدانا لهذا" أي وفقنا لهذا وجعلنا له أهلا .
وأما الصراط المستقيم فقال الإمام أبو جعفر بن جرير أجمعت الأمة من أهل التأويل جميعا على أن الصراط المستقيم هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه وذلك في لغة جميع العرب فمن ذلك قول جرير بن عطية الخطفي :
أمير المؤمنين على صراط ... إذا اعوج الموارد مستقيم
قال والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصر قال ثم تستعير العرب الصراط فتستعمله في كل قول وعمل ووصف باستقامة أو اعوجاج فتصف المستقيم باستقامته والمعوج باعوجاجه .
ثم اختلفت عبارات المفسرين من السلف والخلف في تفسير الصراط وإن كان يرجع حاصلها إلى شيء واحد وهو المتابعة لله وللرسول فروي أنه كتاب الله قال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثني يحيى بن يمان عن حمزة الزيات عن سعيد وهو ابن المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الصراط المستقيم كتاب الله"
وكذلك رواه ابن جرير من حديث حمزة ابن حبيب الزيات وقد تقدم في فضائل القرآن فيما رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث الأعور عن علي مرفوعا "وهو حبل الله"
219 @@@
المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم "وقد روي موقوفا على علي رضي الله عنه وهو أشبه والله أعلم وقال الثوري عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال الصراط المستقيم كتاب الله."
وقيل هو الإسلام قال الضحاك عن ابن عباس قال : قال جبريل لمحمد عليهما السلام "قل يا محمد اهدنا الصراط المستقيم" يقول ألهمنا الطريق الهادي وهو دين الله الذي لا اعوجاج فيه وقال ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله تعالى : "اهدنا الصراط المستقيم" قال ذاك الإسلام وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي "اهدنا الصراط المستقيم" قالوا هو الإسلام
220 @@@
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر اهدنا الصراط المستقيم قال هو الإسلام أوسع مما بين السماء والأرض .
وقال ابن الحنفية في قوله تعالى : "اهدنا الصراط المستقيم" قال هو دين الله الذي لا يقبل من العباد غيره وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم اهدنا الصراط المستقيم قال هو الإسلام وفي هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا الحسن بن سوار أبو العلاء حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا وداع يدعو من فوق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه - فإنك إن تفتحه تلجه - فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم" .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث الليث بن سعد به.
ورواه الترمذي والنسائي جميعا عن علي بن حجر عن بقية عن بجير بن سعد عن
221 @@@
خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان به .
وهو إسناد حسن صحيح والله أعلم .
وقال مجاهد "اهدنا الصراط المستقيم" قال الحق وهذا أشمل ولا منافاة بينه وبين ما تقدم وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم أنا حمزة بن المغيرة عن عاصم الأحول عن أبي العالية "اهدنا الصراط المستقيم" قال هو النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده قال عاصم فذكرنا ذلك للحسن فقال صدق أبو العالية ونصح .
وكل هذه الأقوال صحيحة وهي متلازمة فإن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر فقد اتبع الحق ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن وهو كتاب الله وحبله المتين وصراطه المستقيم فكلها صحيحة يصدق بعضها بعضا ولله الحمد وقال الطبراني حدثنا محمد بن الفضل السقطي حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال الصراط المستقيم الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولهذا قال الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله والذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أعني "اهدنا الصراط المستقيم" - أن يكون معنيا به وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والانزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبي
222 @@@
صلى الله عليه وسلم ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم.
"فإن قيل" فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك ؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا ؟ فالجواب أن لا ولولا احتياجه ليلا ونهارا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره وازدياده منها واستمراره عليها فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار وقد قال تعالى : "يا أيها آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل" الآية فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان وليس ذلك من باب تحصيل الحاصل لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك والله أعلم .
وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" وقد كان الصديق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرا فمعنى قوله تعالى : "اهدنا الصراط المستقيم" استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره .
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (7)
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
قد تقدم الحديث فيما إذا قال العبد "اهدنا الصراط المستقيم" إلى آخرها أن الله يقول "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" وقوله تعالى : "صراط الذين أنعمت عليهم" مفسر للصراط المستقيم وهو بدل منه عند النحاة ويجوز أن يكون عطف بيان والله أعلم .
والذين أنعم الله عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال تعالى : "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين"
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|