الموضوع: سوانح تدبرية
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم يوم أمس, 12:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,100
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سوانح تدبرية

سوانح تدبرية من سورة يوسف

أيمن الشعبان



|2| الر تلك آيات الكتاب المبين



الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، وَبَعْدُ:
فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْحِكَمِ وَالْغَايَاتِ مِنْ إِنْزَالِ الْآيَاتِ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ وَاسْتِخْرَاجُ الدُّرَرِ وَالْمَكْنُونَاتِ، قال تعالى: { {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}} [ص:29].
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (1/450): فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (زاد المسير في علم التفسير، 2/370): إِنَّمَا آيَاتُ الْقُرْآنِ خَزَائِنُ، فَإِذَا دَخَلْتَ خِزَانَةً فَاجْتَهِدْ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْهَا حَتَّى تَعْرِفَ مَا فِيهَا.
الْعَيْشُ مَعَ الْقُرْآنِ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ، وَنُورٌ لِلْبَصِيرَةِ، وَرُشْدٌ لِلطَّرِيقِ؛ فَمَا أَصْفَى الْأَوْقَاتِ وَأَبْرَكُهَا حِينَ يَخْلُو الْإِنْسَانُ بِكِتَابِ اللهِ، يَتَأَمَّلُ آيَاتِهِ الْبَاهِرَاتِ، وَيَتَدَبَّرُ أَعْظَمَ الْقَصَصِ وَأَحْسَنَهَا، فَيَسْتَشْعِرُ مَعِيَّةَ اللهِ وَرِعَايَتَهُ وَلُطْفَهُ وَكَرَمَهُ.
فَكُلُّ قِصَّةٍ فِي الْقُرْآنِ نَافِذَةٌ تُطِلُّ عَلَى أَعْمَاقِ الرُّوحِ، تَغْرِسُ مِنْ خِلَالِهَا جُذُورَ الْإِيمَانِ، وَتُبْنَى بِهَا الْأَخْلَاقُ وَالسُّلُوكُ الرَّاسِخُ، وَتَفْتَحُ لِلْقَلْبِ بِهَا آفَاقَ الْفَهْمِ وَالنُّورِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
قال تعالى: {{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)}}
افْتَتَحَ اللهُ سُبْحَانَهُ هَذِهِ السُّورَةَ الْكَرِيمَةَ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْوَاضِحِ مِنْ جِهَةِ أَحْكَامِهِ، وَأَلْفَاظِهِ، وَسَائِرِ مَا حَوَاهُ مِنْ صُنُوفِ مَعَانِيهِ، الْبَيِّنِ صِدْقُهُ، الَّذِي يُفْصِحُ عَمَّا أُبْهِمَ وَيُبَيِّنُهُ. (التفسير المحرر).
فوائد ووقفات وهدايات وتأملات:
1- افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ دَلِيلٌ عَلَى إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَبَيَانِهِ؛ فَهٰذَا الْكِتَابُ الْعَظِيمُ مُؤَلَّفٌ مِنْ حُرُوفٍ يَعْرِفُهَا الْعَرَبُ، وَمَعَ ذٰلِكَ عَجَزُوا عَنْ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَذٰلِكَ أَبْلَغُ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ.
2- افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ تَنْبِيهٌ لِلْأَسْمَاعِ وَإِثَارَةٌ لِلِانْتِبَاهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُتَحَدِّثِ أَنْ يَسْتَفْتِحَ كَلَامَهُ بِمَا يُوقِظُ الأَسْمَاعَ وَيَشُدُّ الانْتِبَاهَ.
3- دِينُنَا قَائِمٌ عَلَى التَّسْلِيمِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِقُدْسِيَّةِ تِلْكَ الْحُرُوفِ وَإِنْ جَهِلْنَا مَعْنَاهَا.
قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65].
4- كُلُّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا الانْتِصَارُ لِلْقُرْآنِ، وَبَيَانُ إِعْجَازِهِ وَعَظَمَتِهِ.
5- مَا أَعْظَمَ بَيَانَ الْقُرْآنِ! فَهُوَ صِدْقٌ وَبُرْهَانٌ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَجْهَلُونَ، وَيُعَرِّفُهُمْ قَصَصَ الأَنْبِيَاءِ وَعِبَرَهَا.
6- {الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، أَيِ الْمُبِينُ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ، وَحُدُودَهُ وَأَحْكَامَهُ وَهُدَاهُ وَبَرَكَتَهُ.
7- تَدَبُّرُ هَذِهِ الْآيَةِ يَدْعُو إِلَى تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ كَامِلًا بِتَأَنٍّ وَحِرْصٍ، لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْهِدَايَةَ الْوَاضِحَةَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ حَيَاتَهُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ.
8- يُذَكِّرُنَا الْقُرْآنُ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنَ الْقِصَصِ نَفْسِهَا؛ فَفِي حِينِ يَسْتَمْتِعُ الْقَارِئُ بِجَمَالِ قِصَّةِ يُوسُفَ، يُؤَكِّدُ اللهُ فِي مُسْتَهِلِّ السُّورَةِ عَلَى قُدْسِيَّةِ كِتَابِه.
9- الإشارةُ بضميرِ البعيدِ "تِلْكَ" في قولِهِ تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} تُفِيدُ تعظيمَ الآياتِ، وتَدُلُّ على سُمُوِّ مَقامِ القرآنِ ورِفْعَةِ قَدْرِهِ؛ فَهُوَ بَعِيدٌ في شَرَفِهِ، قَرِيبٌ في هُداهُ وبَصِيرَتِهِ.
10- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} بَيَانٌ لِغَايَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ رَفِيعُ الْمَنْزِلَةِ، دَلَائِلُهُ قَاطِعَةٌ تُسَدِّدُ الْعَقْلَ وَتَهْدِي إِلَى الْحَقِّ.
11- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}، إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ عِبَرٍ وَمُعْجِزَاتٍ، دَالَّةٍ عَلَى شُمُولِهِ وَعَظَمَتِهِ.
12- فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.
13- تَسْمِيَةُ الْقُرْآنِ بِالْكِتَابِ تَنْوِيهٌ بِمَقَامِهِ وَعَظَمَتِهِ، فَهُوَ الْمُهَيْمِنُ وَالْحَافِظُ لِمَقَاصِدِهِ وَهُدَاهُ، وَكَثْرَةُ أَسْمَائِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَلالِهِ.
14- في ذِكْرِ "الكِتابِ" تَحْرِيضٌ على العِلْمِ والتَّعَلُّمِ، ودَعْوَةٌ إلى تَعَلُّمِ القِراءةِ والكِتابةِ، إذْ هما أساسُ الحَضارةِ والرُّقِيِّ، وأفضلُ العُلومِ عِلْمُ القُرآنِ الكريمِ.
15- فِي الآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَعْوَةٌ إِلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ وَحِفْظِهِ وَتَدَبُّرِهِ، فَكَما قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
16- وَصْفُ الْكِتَابِ بِالْمُبِينِ فِي بِدَايَةِ السُّورَةِ يُوَضِّحُ أَنَّ آيَاتِ سُورَةِ يُوسُفَ بَيِّنَةٌ، قَابِلَةٌ لِلْفَهْمِ لِكُلِّ قَارِئٍ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَفْسِيرٍ عَمِيقٍ.
17- القُرْآنُ واضِحٌ لا غُمُوضَ فيه، قال تعالى: {{الْكِتَابِ الْمُبِينِ}} ، فيَجِبُ أن لا نَضَعَ بينَنا وبينَ كَلامِ اللهِ حَواجِزَ أو صُعوباتٍ، فهو مُبينٌ واضِحٌ لا لَبْسَ فيه، ومُيَسَّرٌ لِمَن أَقبَلَ عليه وتَدبَّرَهُ، {{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}} [القمر:15].
18- قَوْلُهُ تَعَالَى: {{الْكِتَابِ الْمُبِينِ} } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ وَاضِحٌ فِي هِدَايَتِهِ، ظَاهِرٌ فِي مَعَانِيهِ، بَيِّنٌ فِي دَلَائِلِهِ، يُمَيِّزُ بِيَقِينٍ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ فَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ.
19- إِذَا كَانَ الْوُضُوحُ مِنْ أَهَمِّ صِفَاتِ الْقُرْآنِ، فَلِمَاذَا يُصِرُّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى نَهْجِ الْغُمُوضِ فِي حَيَاتِهِمْ وَسُلُوكِهِمْ، وَحَتَّى فِي كِتَابَاتِهِمْ؟
20- مَنْ أَرَادَ الوُضُوحَ فِي حَيَاتِهِ فَلْيَلْتَزِمْ كِتَابَ اللهِ؛ فَالْقُرْآنُ هُوَ الْمِنْهَاجُ الَّذِي يُخْرِجُ مِنَ الحَيْرَةِ، وَيُصْلِحُ الأَخْلَاقَ، وَيَهْدِي إِلَى الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
21- وَصْفُ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ {{مُبِينٌ}} يَعْنِي أَنَّهُ يَكْشِفُ وَيُوَضِّحُ وَيَهْدِي وَيَشْرَحُ؛ فَهُوَ يُزِيلُ الشُّبُهَاتِ، وَيُعَالِجُ ظُلُمَاتِ النَّفْسِ.
22- فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ بِالْمُبِينِ تَأْكِيدٌ لِوَصْفِهِ بِالْحَكِيمِ، فَالْحِكْمَةُ لا تَكُونُ حِكْمَةً إِلَّا إِذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً وَمُشْرِقَةً.
23- الْقُرْآنُ مُبِينٌ فِي نَفْسِهِ وَمُبِينٌ لِغَيْرِهِ؛ فَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُحْكَمُ اللَّفْظِ، وَاضِحُ الْمَعْنَى، وَيُبَيِّنُ لِغَيْرِهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيُظْهِرُ سُنَنَ اللهِ فِي الْكَوْنِ وَالنَّاسِ وَالْأَحْدَاثِ.
24- فِي قوله تعالى: {{الْكِتَابِ الْمُبِينِ}} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَيِّنٌ لِلْحَقِّ فِي الْعَقَائِدِ وَالْعِبَادَاتِ وَالشَّرَائِعِ وَالشُّعَائِرِ وَالأَخْلَاقِ، وَفِيهِ بَيَانُ مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
25- وَصْفُ الْقُرْآنِ بِالْبَيَانِ فِي مُقَدِّمَةِ السُّورَةِ يُمَهِّدُ لِسَرْدِ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَى نَحْوٍ جَلِيٍّ وَاضِحٍ؛ فَهِيَ قِصَّةٌ زَاخِرَةٌ بِالدُّرُوسِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ، وَيَعْرِضُهَا الْقُرْآنُ بِأُسْلُوبٍ بَيِّنٍ لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا تَحْرِيفَ.
26- كُلُّ مَا صَعُبَ أَوْ أُبْهِمَ عَلَيْكَ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، الَّذِي يُفْصِحُ عَنِ الْأُمُورِ الْمُبْهَمَةِ مِنْ حَقَائِقِ الدِّينِ.
27- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}} ذِكْرُ الآيَاتِ هِيَ جَمْعُ آيَةٍ أي عَلامَةٌ، وَيُشِيرُ إِلَى ضَرُورَةِ اسْتِخْرَاجِ الْهَدَاياتِ وَالْعَجَائِبِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي ثَنَايا الْقِصَّةِ.
28- كُلُّ شَاعِرٍ وَمُؤَلِّفٍ يَعْتَذِرُ فِي بِدَايَةِ كِتَابِهِ، أَمَّا اللَّهُ فَقَالَ عَنْ كِتَابِهِ: {{لَا رَيْبَ فِيهِ}} ، {{الْكِتَابُ الْمُبِينُ}} ، فَلا نَقْصَ وَلا تَقْصِيرَ، بَلْ تَحَدٍّ وَنُورٌ وَدَلِيلٌ قَاطِعٌ.
29- ذِكْرُ الكِتابِ أو آياتِه بعدَ الحروفِ المقطعةِ يُظهِرُ الصِّلَةَ بينَ هذه الحُروفِ وبِناءِ القُرآنِ المُعجِزِ، فهي أَساسُ تكوينِ الآياتِ المُبِينَةِ، وفي ذلكَ دَليلٌ على الإعجازِ والوُضوحِ في الرسالةِ.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]