
اليوم, 03:45 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,895
الدولة :
|
|
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي

الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الثالث
صـــ 140 الى صـــ 149
(60)
فأما إذا لم يكن بالسماء علة فلا تقبل شهادة الواحد والمثنى حتى يكون أمرا مشهورا ظاهرا في هلال رمضان، وهكذا في هلال الفطر في رواية هذا الكتاب وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال: تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين بمنزلة حقوق العباد والأصح ما ذكر هنا فإن في حقوق العباد إنما تقبل شهادة رجلين إذا لم يكن هناك ظاهر يكذبهما، وهنا الظاهر يكذبهما في هلال رمضان، وفي هلال شوال جميعا؛ لأنهما أسوة سائر الناس في الموقف والمنظر وحدة البصر وموضع القمر فلا تقبل فيه الشهادة إلا أن يكون أمرا مشهورا ظاهرا وقد بينا اختلاف الأقاويل في ذلك في كتاب الصوم.
(قال): ولو أن رجلا جامع امرأته ناسيا في رمضان فتذكر ذلك، وهو مخالطها فقام عنها أو جامعها ليلا فانفجر الصبح، وهو مخالطها فقام عنها من ساعته فلا قضاء عليه في الوجهين جميعا، وقال زفر - رحمه الله تعالى - عليه القضاء في الوجهين لوجود جزء من المجامعة بعد التذكر وانفجار الصبح إلى أن نزع نفسه منها، وذلك يكفي لإفساد الصوم ولكنا نقول: ذلك مما لا يستطاع الامتناع عنه، ومما لا يمكن التحرز عنه فهو عفو وأصل هذه المسألة فيما إذا حلف لا يلبس هذه الثوب، وهو لابسه فنزعه من ساعته فهو حانث في القياس، وهو قول زفر - رحمه الله تعالى - لوجود جزء من اللبس بعد اليمين وفي الاستحسان لا حنث؛ لأن
ما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو يوضحه أن نزع النفس كف عن المجامعة والكف عن المجامعة ركن الصوم فلم يوجد منه بعد انفجار الصبح ولا بعد التذكر إلا ما هو ركن الصوم، وذلك غير مفسد لصومه ألا ترى أن اللقمة لو كانت في فيه فألقاها بعد التذكر أو بعد انفجار الصبح لم يفسد صومه إلا أن زفر - رحمه الله تعالى - يفرق فيقول: الموجود هناك جزء من إمساك اللقمة في فيه إلى أن يلقيها، وذلك غير مفسد للصوم والموجود هنا جزء من الجماع، وذلك مفسد للصوم وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - قال: في الناسي لا يفسد صومه إذا نزع نفسه كما تذكر، وإذا انفجر الصبح فعليه القضاء، وإن نزع نفسه؛ لأن آخر الفعل من جنس أوله وأول الفعل من الناسي غير مفسد للصوم مع مصادفته وقت الصوم فكذلك آخره وأول الفعل في حق الذي انفجر له الصبح عمد مفسد للصوم إذا صادف وقت الصوم فكذلك آخره يوضحه أن الشروع في الصوم يكون عند طلوع الفجر فاقتران المجامعة بطلوع الفجر يمنع صحة الشروع في الصوم فيلزمه القضاء وفي حق الناسي شروعه في الصوم صحيح، ولم يوجد بعده ما يفسد الصوم فلهذا لا يلزمه القضاء، ولم يذكر في الكتاب أنه بعد ما نزع نفسه لو أمنى هل يلزمه القضاء أم لا؟
قال: - رضي الله عنه - والصحيح أنه لا يفسد صومه؛ لأن مجرد خروج المني لا يفسد الصوم، وإن كان على وجه الشهوة كما لو احتلم ولم يوجد بعد التذكر وطلوع الفجر إلا ذلك وإذا أتم الفعل بعد التذكر وطلوع الفجر فعليه القضاء دون الكفارة عندنا، وعلى قول الشافعي - رحمه الله تعالى - عليه القضاء والكفارة لوجود المجامعة بعد التذكر وطلوع الفجر والموجب للكفارة عنده الجماع المعدم للصوم، وقد وجد فأما عندنا الموجب للكفارة هو الفطر على وجه تتكامل به الجناية، وذلك لم يوجد فيما إذا طلع الفجر، وهو مخالط لأهله فدوام على ذلك؛ لأن شروعه في الصوم لم يصح مع المجامعة، والفطر إنما يكون بعد الشروع في الصوم، ولم يوجد ولئن كان الموجب للكفارة الجماع المعدم للصوم فالجماع هو إدخال الفرج في الفرج، ولم يوجد منه بعد التذكر ولا بعد طلوع الفجر إدخال الفرج في الفرج، وإنما وجد منه الاستدامة، وذلك غير الإدخال ألا ترى أن من حلف لا يدخل دار فلان، وهو فيها لم يحنث، وإن مكث في الدار ساعة فهذا مثله، ولو أنه نزع نفسه ثم أولج ثانيا فعليه الكفارة بالاتفاق؛ لأنه وجد منه ابتداء المجامعة بعد صحة الشروع في الصوم مع التذكر يكون عليه القضاء والكفارة، وهذا على الرواية الظاهرة فيما إذا جامع ثانيا، وهو يعلم أن
صومه لم يفسد به ثم أفطر بعد ذلك متعمدا فإنه تلزمه الكفارة فأما على الرواية التي رويت عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه لا يلزمه الكفارة، وإن كان عالما لشبهة القياس فهنا أيضا يقول: لا تجب الكفارة.
(قال): ولو أن صائما ابتلع شيئا كان بين أسنانه فلا قضاء عليه سمسمة كانت أو أقل منها؛ لأن ذلك مغلوب لا حكم له كالذباب يطير في حلقه، وإن تناول سمسمة وابتلعها ابتداء فهو مفطر؛ لأن هذا يقصد إبطال صومه، ومعنى هذا أنه إذا أدخل سمسمة في فمه فابتلعها فقد وجد منه القصد إلى إيصال المفطر إلى جوفه، وذلك مفسد لصومه فأما إذا كان باقيا بين أسنانه فلم يوجد منه القصد إلى إيصال المفطر إلى جوفه، والذي بقي بين أسنانه تبع لريقه، ولو ابتلع ريقه لم يفسد صومه فهذا مثله يوضح الفرق أنه لا يمكنه التحرز عن اتصال ما بقي بين أسنانه إلى جوفه خصوصا إذا تسحر بالسويق وما لا يمكنه التحرز عنه فهو عفو ألا ترى أن الصائم إذا تمضمض فإنه يبقى في فمه بلة ثم تدخل بعد ذلك حلقه مع ريقه وأحد لا يقول: بأن ذلك يفطره وذكر الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه لو بقي لحم بين أسنان الصائم فابتلعه فعليه القضاء قال: وهذا إذا كان قدر الحمصة أو أكثر فإن كان دون ذلك فلا قضاء عليه فبهذه الرواية يظهر الفرق بين القليل الذي لا يستطاع الامتناع عنه وبين الكثير الذي يستطاع الامتناع عنه ثم في قدر الحمصة أو أكثر إذا ابتلعه فعليه القضاء دون الكفارة عند أبي يوسف - رحمه الله تعالى -، وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى أيضا وعند زفر - رحمه الله تعالى - عليه القضاء والكفارة؛ لأن ذلك مما يتغذى به ولو أدخله في فيه وابتلعه كان عليه القضاء والكفارة فكذلك إذا كان باقيا بين أسنانه فابتلعه، وليس فيه أكثر من أنه متغير، وذلك لا يمنع وجوب الكفارة عليه كما لو أفطر بلحم منتن، ولكنا نقول: ما بقي بين الأسنان مما لا يتغذى به ولا يتداوى به في العادة ولا مقصودا فالفطر به لا يوجب الكفارة كالفطر بتناول الحصاة يوضحه أنه لم يوجد منه ابتداء الأكل في حالة الصوم؛ لأن ابتداء الأكل بإدخال الشيء في فيه وإتمامه بالاتصال إلى جوفه وحين أدخل هذا في فيه لم يكن فعله جناية على الصوم فتتمكن الشبهة في حقه في فعله والكفارة تسقط بالشبهة.
ولو أن مسافرا صام في رمضان عن واجب آخر أجزأه من ذلك الواجب في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وعليه قضاء رمضان وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يقع صومه عن رمضان ولا يكون عن غيره بنيته مريضا كان أو مسافرا، ولم يذكر قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -
في المريض نصا، ولكن أطلق الجواب في حق من كان مقيما أنه يكون صومه عن فرض رمضان، وهو الصحيح؛ لأنه لا فرق في ذلك بين المريض والصحيح؛ لأن المريض إنما يباح له الترخص بالفطر إذا كان عاجزا عن الصوم فأما إذا كان قادرا على الصوم فهو والصحيح سواء فيكون صومه عن فرض رمضان.
وأما المسافر إذا نوى التطوع في رمضان فلا إشكال في قولهما أنه يكون صومه عن فرض رمضان وعن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فيه روايتان وجه قولهما أن المسافر إنما يفارق المقيم في الترخص بالفطر فإذا ترك هذا الترخص كان هو والمقيم سواء، وصوم المقيم لا يكون إلا عن رمضان؛ لأنه لم يشرع في هذا الزمان إلا هذا الصوم فنيته جهة أخرى تكون لغوا فكذلك في حق المسافر ولأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - حرفان أحدهما: أن أداء صوم رمضان غير مستحق على المسافر في هذا الوقت ولكنه مخير بين الصوم والفطر مع قدرته على الصوم كالمقيم في شعبان ثم هناك يتأدى صومه عما نوى فكذلك هنا، وعلى هذا الطريق يقول: إذا نوى التطوع يكون صومه عن التطوع، والطريق الآخر أنه ما ترك الترخص حين نوى واجبا آخر كان مؤاخذا به، ولكنه صرف صومه إلى ما هو أهم عليه؛ لأن الواجب الآخر دين في ذمته لو مات قبل إدراك عدة من أيام أخر كان مؤاخذا به فيكون هو مترخصا بصرف الصوم إلى ما هو الأهم فإنه في رمضان لو مات قبل إدراك عدة من أيام أخر لم يكن مؤاخذا به، وعلى هذا الطريق يقول: إذا نوى التطوع كان صائما عن الفرض؛ لأنه ترك الترخص حين لم يصرف الصوم إلى ما هو الأهم عنده وإذا ترك الترخص كان هو والمقيم سواء فيكون صومه عن رمضان.
ولو قال: لله علي أن أصوم هذا اليوم شهرا فعليه أن يصوم ذلك اليوم كلما دار إلى تمام ثلاثين يوما منذ قال هذا القول فيكون صومه في أربعة أيام أو خمسة أيام من الشهر؛ لأن معنى كلامه لله علي أن أصوم هذا اليوم كلما دار في شهر ويتعين له الشهر الذي يعقب نذره بمنزلة ما لو أجر داره شهرا ولو قال: لله علي أن أصوم هذا الشهر يوما كان عليه أن يصوم ذلك الشهر متى شاء، وهو في سعة ما بينه وبين أن يموت؛ لأن معنى كلامه لله علي أن أصوم هذا الشهر وقتا من الأوقات فيكون موسعا عليه في مدة عمره وحقيقة الفرق أن اليوم قد يكون بمعنى الوقت قال الله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره} [الأنفال: 16] والمراد منه الوقت، والرجل يقول: أنتظر يوم فلان أي وقت إقباله أو إدباره وقد يكون عبارة عن بياض النهار
على ضد الليل، وهذا ظاهر فإذا قرنه بذكر الصوم عرفنا أن المراد بياض النهار؛ لأنه وقت للصوم ومعيار له ففي المسألة الأولى قرن اليوم بالصوم فقال: أصوم هذا اليوم فحملناه على بياض النهار ثم ذكر الشهر لبيان مقدار الأيام التي تناولها نذره وفي المسألة الثانية قرن الشهر بذكر اليوم فصار مقدار الصوم بذكر الشهر معلوما ثم ذكر اليوم بعد ذلك من غير أن يجعله معيارا للصوم فعرفنا أن المراد به الوقت فجعلنا كأنه قال: أصوم هذا - الشهر وقتا.
(قال): ولو قال: لله علي صوم هذا اليوم غدا فإن قال هذا قبل الزوال ولم يكن أكل فيه شيئا فعليه صوم هذا اليوم، وإن قال: بعد الزوال أو بعد ما أكل فلا شيء عليه ولو قال: لله علي صوم غد اليوم كان عليه الصوم غدا؛ لأنه ذكر الوقتين من غير أن يذكر بينهما حرف العطف فيكون المعتبر من كلامه أول الوقتين ذكرا ويلغو آخر الوقتين ذكرا وقد بينا هذا الأصل في الطلاق إذا قال لامرأته: أنت طالق اليوم غدا فهي طالق اليوم ولو قال غدا اليوم تطلق غدا ففي المسألة الأولى المعتبر من كلامه ذكر اليوم فكأنه اقتصر على قوله لله علي صوم هذا اليوم فإن كان قبل الزوال ولم يكن أكل صح نذره وإلا فلا، وفي المسألة الثانية المعتبر من كلامه قوله غدا فيكون ملتزما صوم الغد بنذره وذلك صحيح فإن أفطر في الغد فعليه القضاء.
(قال): ولو قال: لله علي صوم الأيام ولا نية له ففي قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - عليه صوم عشرة أيام، وفي قولهما عليه صوم سبعة أيام؛ لأن حرف اللام حرف العهد، والمعهود هي الأيام السبعة التي تدور عليها الشهور والسنون كلما مضت عادت فإليها ينصرف مطلق لفظه وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: ذكر الألف واللام دليل الكثرة فإنما ينصرف كلامه إلى أكثر ما يتناوله اسم الأيام في اللغة مقرونا بالعدد، وذلك عشرة أيام؛ لأنه يقال لما بعد العشرة أحد عشر يوما وإنما قلنا إن الألف واللام دليل الكثرة؛ لأنهما لاستغراق الجنس وقد بينا هذا في كتاب الأيمان وعلى هذا الأصل إذا قال: لله علي صيام الشهور فعليه في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - عشرة أشهر؛ لأنه أكثر ما يتناوله لفظ الجمع مقرونا بالعدد فإنه يقال: عشرة أشهر أو شهور ثم يقال: لما بعده أحد عشر شهرا وعندهما يلزمه صوم اثني عشر شهرا باعتبار المعهود قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا} [التوبة: 36] وهي التي تدور عليها السنون، وإن قال: لله علي صيام شهور فعليه صيام ثلاثة أشهر؛ لأنه أدنى ما يتناوله اسم الجمع؛ لأنه ليس في كلامه حرف العهد ولا ما يدل على الكثرة
ولو قال: لله علي صوم الجمع فعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -
هذا على عشر جمع وعندهما على جمع العمر ولو قال: لله علي صوم جمع هذا الشهر فعليه أن يصوم كل جمعة تمر عليه في ذلك الشهر؛ لأن الجمع جمع جمعة، وهو اسم لليوم الذي تقام فيه صلاة الجمعة وقد روي عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه يلزمه صوم جميع ذلك الشهر؛ لأن الجمعة تذكر بمعنى الأسبوع في العادة يقول الرجل لغيره لم ألقك منذ جمعة وإنما يريد به الأسبوع قال - رضي الله عنه - والأصح ما ذكر في ظاهر الرواية؛ لأنه لا يلزمه بالنذر إلا القدر المتيقن به وكل واحد من هذين المعنيين من محتملات كلامه فيلزمه المتيقن.
ولو قال لله علي صوم أيام الجمعة كان عليه صوم سبعة أيام؛ لأن الأيام اسم جمع فيه يتبين أن مراده الأسبوع دون اليوم الذي تقام فيه الجمعة خاصة ولو قال لله علي صوم جمعة فهذا على وجهين قد يقع على أيام الجمعة السبعة وقد يقع على الجمعة بعينها فأي ذلك نوى عملت نيته، وإن لم تكن له نية فهذا على أيام الجمعة سبعة أيام، وهذا يؤيد رواية أبي يوسف - رحمه الله تعالى - وفي الفصل الأول فإنه لم يعتبر المتيقن هنا واعتبر ما تعارفه الناس ولكن الفرق بينهما في ظاهر الرواية أن هنا ذكر الجمعة مطلقا ولو كان المراد بهذا اللفظ اليوم الذي تقام فيه الجمعة لقيد بذكر اليوم فترك التقييد هنا دليل على أن مراده الأيام السبعة وفي الفصل الأول، وإن لم يذكر اليوم ففي لفظه ما يدل على أنه هو المراد؛ لأنه أضاف الجمع إلى الشهر فذلك دليل على أن مراده أيام الجمعة التي تدور في الشهر
(قال) ولو قال لله علي صوم كذا كذا يوما فإن نوى عددا هو من محتملات لفظه كان على ما نوى، وإن لم يكن له نية فهو على أحد عشر يوما؛ لأن كذا اسم لعدد مبهم فقد ذكر عددين مبهمين ليس بينهما حرف العطف وأقل عددين مفسرين ليس بينهما حرف العطف أحد عشر فعلى ذلك يحمل ما ذكر من العددين المبهمين ولو قال كذا وكذا يوما لزمه صوم أحد وعشرين يوما؛ لأنه ذكر حرف العطف بين العددين المبهمين وأقل عددين مفسرين بينهما حرف العطف أحد وعشرون فعلى ذلك يحمل مبهم كلامه إذا لم ينو شيئا آخر
(قال) ولو قال لله علي صوم بضعة عشر يوما لزمه صيام ثلاثة عشر يوما؛ لأن البضع أدناه الثلاثة على ما روي أنه «لما نزل قوله تعالى {وهم من بعد غلبهم سيغلبون} [الروم: 3] {في بضع سنين} [الروم: 4] خاطر أبو بكر مع قريش على أن الروم تغلب فارس في ثلاث سنين إلى أن قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كم تعدون البضع فيكم فقال من الثلاث إلى سبع فقال - عليه الصلاة والسلام - زد في الخطر وأبعد في الأجل» فقد بين أن أدنى ما
يتناوله اسم البضع ثلاثة فإنما يلزمه القدر المتيقن فلهذا كان عليه صيام ثلاثة عشر يوما
(قال) ولو قال لله علي صوم السنين فهو على عشر سنين في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - للأصل الذي بينا له وفي قولهما إن نوى شيئا فهو على ما نوى، وإن لم يكن له نية فهو على جميع العمر؛ لأنه ليس في السنين شيء معهود فيحمل لفظه على استغراق الجنس وذلك جميع عمره في حقه
(قال) ولو قال لله على صوم زمان أو صوم الزمان فهذا على ستة أشهر؛ لأن الزمان والحين يستعملان استعمالا واحدا فإن الرجل يقول لغيره لم ألقك منذ زمان لم ألقك منذ حين ولفظ الحين يتناول ستة أشهر سواء قرن به الألف واللام أو لم يقرن فكذلك لفظ الزمان وإنما حملنا لفظ الحين على ستة أشهر لقوله تعالى {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} [إبراهيم: 25] قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - المراد ستة أشهر ثم لفظ الحين في كتاب الله تعالى ورد بمعنى أشياء بمعنى الوقت قال الله تعالى {حين تمسون وحين تصبحون} [الروم: 17] والمراد وقت الصلاة وبمعنى أربعين سنة قال الله تعالى {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} [الإنسان: 1] والمراد أربعون سنة وبمعنى قيام الساعة قال الله تعالى {فذرهم في غمرتهم حتى حين} [المؤمنون: 54] يعني قيام الساعة وقد علمنا أنه لم يرد بنذره ساعة واحدة ولا أربعين سنة؛ لأن بقاء الآدمي إلى هذه المدة الطويلة للصوم فيها نادر فعرفنا أن المراد ستة أشهر، وهو المتوسط في هذه الأعداد وخير الأمور أوسطها
ولو قال لله علي صوم أبد أو الأبد فهو على جميع العمر؛ لأن الأبد ما لا غاية له ولكن علمنا أنه لم يرد به زيادة على مدة عمره، وإن قال صوم الدهر فأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - لم يوقت فيه شيئا وقال لا أدري ما الدهر وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى جعلا لفظ الدهر كلفظ الحين والزمان وقد بينا ذلك في كتاب الأيمان والنذور والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
[كتاب الحيض والنفاس]
بسم الله الرحمن الرحيم (قال) : الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - رحمه الله تعالى - إملاء: اعلم بأن ما اختصره الحاكم من تصنيف محمد بن الحسن في الحيض قاصر مبهم لا يتم المقصود به فوقعت الحاجة لهذا إلى الاستعانة بما خرجه المشايخ، وما
اختاروا من الأقاويل فيه فذكرت ذلك في شرح الكتاب فوقع في البيان بعض البسط لهذا فنقول وبالله التوفيق الحيض في اللغة: هو الدم الخارج، ومنه يقال حاضت الأرنب وحاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر، وفي الشريعة: اسم لدم مخصوص، وهو أن يكون ممتدا خارجا من موضع مخصوص وهو القبل الذي هو موضع الولادة والمباضعة بصفة مخصوصة فإن وجد ذلك كله، فهو حيض
وإلا، فهو استحاضة. والاستحاضة استفعال من الحيض «قالت فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - لرسول الله: - صلى الله عليه وسلم - إني أستحاض فلا أطهر فقال: - صلى الله عليه وسلم - ليس ذلك دم حيض إنما هو عرق امتد أو داء اعترض توضئي لكل صلاة» أشار إلى أنه فاسد لا يتعلق به ما يتعلق بالصحيح والفرق بين الصحيح والفاسد من الدماء من أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب فنقول: الفاسد من الدماء أنواع فمنها ما نقص عن أقل مدة الحيض؛ لأن التقدير الشرعي يمنع أن يكون لما دون المقدار حكم المقدر، وينبني على هذا اختلاف العلماء في أقل مدة الحيض عندنا ثلاثة أيام ولياليها وقال ابن سماعة: عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى يومان، والأكثر من اليوم الثالث وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى ثلاثة أيام بما يتخللها من الليالي، وذلك ليلتان، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يوم وليلة وقال مالك - رحمه الله تعالى - بقدر ما يوجد ولو ساعة احتج بأن هذا نوع حدث فلا يتقدر أقله بشيء كسائر الأحداث أقربها دم النفاس لكنا نقول: في الفرق بينهما أن دم النفاس يخرج عقيب خروج الولد فيستدل بما تقدمه على أنه من الرحم فلا حاجة إلى التقدير فيه بالمدة، فأما الحيض فليس يسبقه علامة يستدل بها على أنه من الرحم فجعلنا العلامة فيه الامتداد ليستدل به على أنه ليس بدم عرق ثم قدره الشافعي - رحمه الله تعالى - بيوم وليلة تحرزا عن الكبر فقال: لما استوعب السيلان جميع الساعات عرفنا أنه من الرحم فلا حاجة إلى الاستظهار بشيء آخر ونحن قدرنا بثلاثة أيام بالنص، وهو ما روى أبو أمامة الباهلي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام» وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وعثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - والمقادير لا تعرف قياسا فما نقل عنهم كالمروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن الأكثر من اليوم الثالث يقام مقام الكمال لمعنى، وهو أن الدم من المرأة لا يسيل على الولاء لأن ذلك يضنيها ويجحفها ولكنه يسيل تارة، وينقطع أخرى وجه رواية
الحسن - رحمه الله تعالى - أن في الآثار ذكر التقدير بالأيام فجعلنا الثلاثة من الأيام أصلا وما يتخللها من الليالي يتبعها ضرورة.
ومن الدماء الفاسدة أن يتجاوز أكثر مدة الحيض فإن أكثره مقدر شرعا فلا يكون لما زاد عليه حكمه إذ يفوت به فائدة التقدير الشرعي، وإليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله «المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها» وعلى هذا ينبني اختلافهم في أكثر مدة الحيض فعندنا عشر أيام ولياليها لما روينا من الآثار وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: خمسة عشر يوما لقوله - صلى الله عليه وسلم - في نقصان دين المرأة «تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي» والمراد زمان الحيض والحيض والطهر يجتمعان في الشهر عادة، ولهذا جعل الله تعالى عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيتعين شطر كل شهر للحيض وذلك خمسة عشر يوما، ولكنا نقول: ليس المراد حقيقة الشطر ففي عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس ولا تحيض في شيء من ذلك فعرفنا أن المراد ما يقارب الشطر وإذا قدرنا بالعشرة فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضا فأما أقل مدة الطهر خمسة عشر يوما عندنا والشافعي - رحمه الله تعالى - وقال عطاء: تسعة عشر يوما قال: لأن الشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة، وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما فإذا كان أكثر الحيض عشرة بقي الطهر تسعة عشر، ولكنا نقول: أن مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إن تعيد ما كان سقط من الصوم والصلاة قد ثبت بالأخبار أن أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما فكذلك أقل مدة الطهر، ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض بثلاثة أيام اعتبارا بأقل مدة السفر فإن كل واحد منهما يؤثر في الصوم والصلاة وقد ثبت لنا أن أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها فكذلك هذا.
فأما أكثر مدة الطهر فلا غاية له إلا إذا ابتليت بالاستمرار حتى ضلت أيامها، ووقعت الحاجة إلى نصب العادة لها فحينئذ فيه اختلاف قال أبو عصمة سعد بن معاذ المروزي: لا يتقدر أكثر طهرها بشيء ولا تنقضي عدتها أبدا؛ لأن نصب المقادير بالتوقيف لا بالرأي، وكان محمد بن إبراهيم الميداني يقول: يتقدر أكثر الطهر في حقها بستة
أشهر إلا ساعة قال: لأن الطهر المتخلل بين الدمين دون مدة الحبل عادة وأدنى مدة الحبل ستة أشهر فقدرنا أكثر مدة الطهر بستة أشهر إلا ساعة فإذا طلقها زوجها تنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون الطلاق في أول الحيض، وهذه الحيضة لا تحسب من العدة فتحتاج إلى عشرة أيام وثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر إلا ساعة وثلاث حيض كل حيضة عشرة أيام وكان الزعفراني يقول: أكثر الطهر يتقدر في حقها بسبعة وعشرين يوما؛ لأن الشهر يشتمل على الحيض والطهر وأقل الحيض ثلاثة فبقي الطهر سبعة وعشرين يوما، وكان أبو سهل الغزالي يقول: بأنه يتقدر أكثر الطهر في حقها بشهرين فقد لا ترى المرأة الحيض في كل شهر عادة.
ومن الدماء الفاسدة ما جاوز أكثر مدة النفاس، وينبني عليه اختلاف العلماء في أكثر مدة النفاس فعندنا أربعون يوما. وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - ستون يوما، وقال مالك - رحمه الله تعالى - سبعون يوما، وإنما قدرنا بالأربعين لحديث عبد الله بن باباه - رضي الله عنه - وكان من التابعين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تقعد النفساء ما بينها وبين أربعين يوما إلا أن ترى طهرا قبل ذلك» وفي حديث أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تنتظر النفساء ما بينها وبين أربعين صباحا إلا أن ترى طهرا قبل ذلك» وفي الحقيقة بيننا وبين الشافعي - رحمه الله تعالى - اتفاق؛ لأن أكثر النفاس أربعة أمثال أكثر الحيض إلا أن عنده أكثر الحيض خمسة عشر يوما فأربعة أمثاله ستون يوما وعندنا أكثر الحيض عشرة فأربعة أمثاله أربعون يوما.
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الحامل فقد ثبت لنا أن الحامل لا تحيض، وذلك مروي عن عائشة - رضي الله عنها - وعرف أنها إذا حبلت انسد فم رحمها فالدم المرئي ليس من الرحم فيكون فاسدا.
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الصغيرة جدا؛ لأنه سبق أوانه فلا يعطى له حكم الصحة إذ لو جعلناه حيضا حكمنا ببلوغها به ضرورة، وذلك محال في الصغيرة جدا واختلف مشايخنا في أدنى المدة التي يجوز الحكم فيها ببلوغ الصغيرة فكان محمد بن مقاتل الرازي - رحمه الله تعالى - يقدر ذلك بتسع سنين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى بعائشة - رضي الله عنها -، وهي بنت تسع سنين والظاهر أنه بنى بها بعد البلوغ، وكان لأبي مطيع البلخي ابنة صارت جدة، وهي بنت تسعة عشرة سنة حتى قال: فضحتنا هذه الجارية، ومن مشايخنا من قدر ذلك بسبع سنين لقوله - صلى الله عليه وسلم - «مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا» والأمر حقيقة للوجوب وذلك بعد البلوغ وسئل أبو نصر محمد بن سلام رحمهما الله تعالى عن ابنة ست سنين إذا رأت الدم هل يكون حيضا؟ فقال: نعم، إذا تمادى بها مدة الحيض ولم يكن نزوله لآفة وأكثر المشايخ على ما قاله محمد بن مقاتل - رحمه الله تعالى -؛ لأن رؤية الدم فيما دون ذلك نادر ولا حكم للنادر.
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الكبيرة جدا إلا أن محمدا - رحمه الله تعالى - ذكر في نوادر الصلاة أن العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة
الحيض كان حيضا وكان محمد بن مقاتل الرازي - رحمه الله تعالى - يقول: هذا إذا لم يحكم بإياسها أما إذا انقطع عنها الدم زمانا حتى حكم بإياسها، وكانت بنت تسعين سنة أو نحو ذلك فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا، وكان محمد بن إبراهيم الميداني - رحمه الله تعالى - يقول: إن رأت دما سائلا كما تراه في زمان حيضها، فهو حيض، وإن رأت بلة يسيرة لم يكن ذلك حيضا بل ذلك بلل من فم الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض فهذا بيان أنواع الدماء الفاسدة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|