عرض مشاركة واحدة
  #56  
قديم يوم أمس, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,926
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي


الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى
المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي
(ت ٤٨٣ هـ)
عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس)
المجلد الثالث
صـــ 100 الى صـــ 109
(56)






(قال): وإذا أكل الصائم الطين، أو الجص، أو الحصاة متعمدا فعليه القضاء ولا كفارة عليه وقد بينا هذا ومراده طين الأرض فأما إذا أكل الطين الأرمني تلزمه الكفارة رواه ابن رستم عن محمد رحمهما الله تعالى؛ لأن هذا مما يتداوى به فإنه والغاريقون سواء.
(قال) ابن رستم: قلت لمحمد فإن أكل من هذا الطين الذي يقلى ويؤكل، قال: لا أدري ما هذا والصحيح أنه تلزمه الكفارة؛ لأنه يؤكل تفكها ويؤكل على سبيل التداوي فقد ينفع المرطوب.
(قال): ويكره للصائم مضغ العلك ولا يفطره؛ لأن مضغ العلك، يدبغ المعدة ويشهي الطعام ولم يأن له فهو اشتغال بما لا يفيد، والناظر إليه من بعد يظن أنه يتناول شيئا فيتهمه ولا يأمن أن يدخل شيئا منه حلقه فيكون معرضا صومه للفساد، ولكن لا يفطره؛ لأن عين العلك لا تصل إلى حلقه إنما يصل إليه طعمه، وهذا إذا كان العلك مصلحا ملتئما فأما إذا لم يكن ملتئما فمضغه حتى صار ملتئما يفسد صومه؛ لأنه تتفتت أجزاؤه فيدخل حلقه مع ريقه
(قال): ولا بأس بأن تمضغ المرأة لصبيها طعاما إذا لم تجد منه بدا؛ لأن الحال حال الضرورة، ويجوز لها الفطر لحاجة الولد فلأن يجوز مضغ الطعام كان أولى فأما إذا كانت
تجد من ذلك بدا يكره لها ذلك؛ لأنها لا تأمن أن يدخل شيء منه حلقها فكانت معرضة صومها للفساد، وذلك مكروه عند عدم الحاجة قال: - صلى الله عليه وسلم - «من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» والله تعالى أعلم بالصواب
[باب صدقة الفطر]
(الأصل) في وجوب صدقة الفطر حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا صاعا من تمر وصاعا من شعير» وحديث عبد الله بن ثعلبة العدوي ويقال العبدري الذي بدأ به محمد - رحمه الله تعالى - الباب فقال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير» وحديث «ابن عباس - رضي الله عنه - أنه خطب بالبصرة فقال: أدوا زكاة فطركم فنظر الناس بعضهم إلى بعض فقال: من هنا من أهل المدينة قوموا رحمكم الله فعلموا إخوانكم فإنهم لا يعلمون كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا في هذا اليوم أن نؤدي صدقة الفطر عن كل حر وعبد نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير» ثم الشافعي - رحمه الله تعالى - أخذ بحديث ابن عمر وقال: أنها فريضة بناء على أصله أنه لا فرق بين الواجب والفريضة، وعندنا هي واجبة؛ لأن ثبوتها بدليل موجب للعمل غير موجب علم اليقين، وهو خبر الواحد وما يكون بهذه الصفة يكون واجبا في حق العمل، ولا يكون فرضا حتى لا يكفر جاحده إنما الفرض ما ثبت بدليل موجب للعلم، وقيل في قوله تعالى {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] {وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 15] أي تطهر بأداء زكاة الفطر، وصلى صلاة العيد بعده
ثم سبب وجوب صدقة الفطر رأس يمونه بولايته عليه قال: - صلى الله عليه وسلم - «أدوا عمن تمونون» وحرف عن للانتزاع من الشيء فيحتمل أحد وجهين: إما أن يكون سببا ينتزع منه الحكم أو محلا يجب عليه ثم يؤدي عنه، وبطل الثاني لاستحالة الوجوب على العبد والكافر فتعين الأول؛ ولأنه يتضاعف بتضاعف الرءوس فعلم أن السبب هو الرأس، وإنما يعمل في وقت مخصوص، وهو وقت الفطر، ولهذا يضاف إليه فيقال: صدقة الفطر والإضافة في الأصل، وإن كان إلى السبب فقد يضاف إلى الشرط مجازا فإن الإضافة تحتمل الاستعارة فأما التضاعف بتضاعف الرءوس لا يحتمل الاستعارة ثم هي عبادة فيها معنى
المؤنة ولهذا لا يشترط لوجوبه كمال الأهلية ومعنى المؤنة يرجح الرأس في كونه سببا على الوقت.
واذا كان الوجوب في وقت الفطر من رمضان، وهو عند طلوع الفجر من يوم الفطر يستحب أداؤه كما وجب قبل الخروج إلى المصلى لحديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «كان يأمرهم أن يؤدوا صدقة الفطر قبل أن يخرجوا إلى المصلى وقال: اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم» والمعنى أنه إذا أدى قبل الخروج تفرغ قلب الفقير عن حاجة العيال فتفرغ لأداء الصلاة، وقيل في يوم الفطر يستحب للمرء ستة أشياء أن يغتسل ويستاك ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويؤدي فطرته ويتناول شيئا ثم يخرج إلى المصلى
(قال): وعلى المسلم الموسر أن يؤدي زكاة الفطر عن نفسه أما اشتراط الإسلام فلأن في آخر حديث ابن عمر - رضي الله عنه - قال: «من المسلمين» وقال: - صلى الله عليه وسلم - «في زكاة الفطر طهرة للصائمين من اللغو والرفث» وقال: عمر - رضي الله عنه - الصوم محبوس بين السماء والأرض حتى تؤدى زكاة الفطر؛ ولأنها عبادة فلا تجب إلا على من هو أهل لثوابها، وهو المسلم، وأما اشتراط اليسار فقول علمائنا، وقال الشافعي: - رحمه الله تعالى - من ملك قوت يومه وزيادة بقدر ما يؤدي زكاة الفطر فيؤدي زكاة الفطر؛ لأنه ذكر في آخر حديث ابن عمر - رضي الله عنه - «غني أو فقير»؛ ولأنه واجد لما يتصدق به فضلا عن حاجته فيلزمه الأداء كالموسر وهذا؛ لأن صدقة الفطر تشبه الكفارة دون الزكاة حتى لا يعتبر فيها الحول وفي الكفارة يعتبر تيسير الأداء دون الغنى فكذلك في زكاة الفطر.
(ولنا) قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا صدقة إلا عن ظهر غنى» ولأن الفقير محل الصرف إليه فلا يجب عليه الأداء كالذي لا يملك إلا قوت يومه وهذا؛ لأن الشرع لا يرد بما لا يفيد فلو قلنا بأنه يأخذ من غيره ويؤدي عن نفسه كان اشتغالا بما لا يفيد وحديث ابن عمر - رضي الله عنه - محمول على ما كان في الابتداء ثم انتسخ بقوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الصدقة ما كانت عن ظهر غنى أو ما أبقت غنى» أو هو محمول على الندب فإنه قال في آخره «أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيعطيه الله أفضل مما أعطى» ثم اليسار المعتبر لإيجاب زكاة الفطر أن يملك مائتي درهم أو ما يساوي مائتي درهم من الدراهم التي تغلب النقرة فيها على الغش فضلا عن حاجته ويتعلق بهذا اليسار أحكام ثلاثة حرمة أخذ الصدقة ووجوب زكاة الفطر والأضحية.
وكما يؤدي عن نفسه فكذلك يؤدي عن أولاده الصغار؛ لأن رأس أولاده في معنى رأسه فإنه يمونهم بولايته وقد بينا أن سبب الوجوب هذا يؤدي عن مماليكه للخدمة
لأنه يمونهم بولايته عليهم القن والمدبر وأم الولد في ذلك سواء فإن ولايته عليهم لا تنعدم بالتدبير والاستيلاد إنما تستحيل المالية بهذا ولا عبرة للمالية فإنه يؤدي عن نفسه وعن أولاده الصغار ولا مالية فيهم ما خلا مكاتبيه فإنه لا يؤدي عنهم؛ لأن ولايته عليهم قد اختلت بسبب الكتابة فإن المكاتب صار بمنزلة الحر في حق اليد والتصرف وحكي عن عطاء أنه يؤدي عنهم لقوله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا عن كل حر وعبد»، وقال: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ولكنا نستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا عمن تمونون» وهو لا يمون المكاتب وعن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يؤدي زكاة الفطر عن جميع مماليكه إلا المكاتبين له.
وليس على المكاتب أن يؤدي عن نفسه ولا عن مماليكه إلا على قول مالك - رحمه الله تعالى - فإنه يجعل المكاتب مالكا لكسبه بناء على أصله أن المملوك من أهل ملك المال إذا ملكه المولى، وعندنا المملوك مال ليس من أهل ملك المال للتضاد بين المالكية، وبين المملوكية، والمكاتب ليس بمالك لكسبه على الحقيقة، وقد بينا أن شرط الوجوب الغنى، وذلك لا يثبت بدون حقيقة الملك، والدليل عليه إباحة الأخذ له، وإن كان في يده كسب
(قال): ويؤدي المسلم عن مملوكه الكافر عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: لا يؤدي عنه، وهذه المسألة تنبني على أصل وهو أن الوجوب عندنا على المولى عن عبده فتعتبر أهلية المولى وعنده الوجوب على العبد ثم يتحمل المولى عنه فيعتبر كون العبد أهلا للوجوب عليه، وهو يستدل لإثبات هذا الأصل بحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد»؛ ولأنها طهرة للصائم، ووجوب الصوم على العبد وقيل صدقة الفطر للصوم كسجود السهو للصلاة، والسجود يجب على المصلي لا على غيره وقال ابن عمر في صدقة الفطر ثلاثة أشياء: قبول الصوم والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر.
(ولنا) قوله - عليه الصلاة والسلام - «أدوا عمن تمونون» فإنما الوجوب على من خوطب بالأداء وجعله بمنزلة النفقة ونفقة المملوك على المولى فكذلك صدقة الفطر عنه ثم هذه الصدقة واجبة باعتبار ملكه فكانت عليه ابتداء كزكاة المال عن عبد التجارة وهذا؛ لأن حال العبد دون حال فقير لا يملك شيئا؛ لأن ذلك الفقير من أهل الملك، والعبد لا فإذا لم تجب على الفقير الذي لا يملك شيئا فلأن لا تجب على العبد أولى، والدليل عليه أنه لا يخاطب بالأداء بحال بخلاف الصغير الذي له مال فإنه يخاطب بالأداء بعد البلوغ إذا لم يؤده عنه وليه وحرف على في حديث ابن عمر بمعنى
حرف عن قال الله تعالى {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} [المطففين: 2] أي عن الناس ولا معتبر بالصوم فإنه يجب على الرضيع ولا صوم عليه وعلى سبيل الابتداء في المسألة لنا حديث نافع عن ابن عمر، ومقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أدوا عن كل حر وعبد يهودي أو نصراني أو مجوسي» وهو نص ولكنه شاذ وقد بينا أن السبب رأس يمونه بولايته عليه، وذلك لا يختلف بكفر المملوك وإسلامه
ولا يؤدي الكافر عن مملوكه المسلم أما عندنا؛ فلأن الوجوب على المولى والمولى ليس بأهل له، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - تحمل المولى عن عبده يستدعي أهلية أداء العبادة والكافر ليس بأهل له، والوجوب على العبد عنده باعتبار تحمل المولى الأداء عنه فإذا انعدم ذلك في حق المملوك لم يجب أصلا
(قال): وإذا كان للولد الصغير مال أدى عنه أبوه من مال الصغير في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وكذلك يضحي عنه من ماله استحسانا في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ذكره في كتاب الحيل وقال محمد وزفر رحمهما الله تعالى يؤدي من مال نفسه، ولو أدى من مال الصغير ضمن وكذلك الخلاف في الوصي إلا أن عند محمد وزفر رحمهما الله تعالى الوصي لا يؤدي عنه أصلا والقياس ما قالا؛ لأنها زكاة في الشريعة كزكاة المال فلا تجب على الصغير؛ ولأنها عبادة والصبي ليس بأهل لوجوب العبادة عليه فإن الوجوب ينبني على الخطاب واستحسن أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فقالا: فيها معنى المؤنة بدليل الوجوب على الغير بسبب الغير فهو كالنفقة ونفقة الصغير في ماله إذا كان له مال ثم هذه طهرة شرعية فتقاس بنفقة الختان وهذا؛ لأنا لو لم نوجب عليه احتجنا إلى الإيجاب على الأب فكان في الإيجاب في ماله حفظ حق الأب وهو إسقاط عنه، ومال الصبي يحتمل حقوق العباد، وبه فارق الزكاة ثم على قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى كما يؤدى عن الصغير من ماله فكذلك عن مماليك الصغير يؤدى من مال الصغير وعند محمد لا يؤدى عن مماليكه أصلا والمعتوه والمجنون في ذلك بمنزلة الصغير.
وروي عن محمد - رحمه الله تعالى - أن الأب إنما يؤدي عن ابنه المعتوه والمجنون إذا بلغ كذلك فأما إذا بلغ مفيقا ثم جن فليس عليه أن يؤدي عنه من مال نفسه ولا من مال ولده؛ لأنه إذا ولد مجنونا بقي ما كان واجبا ببقاء ولايته فأما إذا بلغ مفيقا فقد سقط عنه لزوال ولايته فلا يعود بعد ذلك، وإن عادت الولاية لأجل الضرورة وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى السبب رأس يمونه بولايته عليه، وذلك لا يختلف بالجنون الأصلي.
والطارئ
(قال): وليس على الرجل أن يؤدي عن أولاده الكبار وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: إن كانوا زمنى معسرين فعليه الأداء عنهم وإن كانوا أصحاء معسرين في عياله فله فيه وجهان، واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا عمن تمونون» وهو يمون ولده الزمن والمعسر وأصحابنا قالوا: بأن السبب رأس يمونه بولايته عليه ليكون في معنى رأسه ولا ولاية له على أولاده الزمنى إذا كانوا كبارا وبدون تقرر السبب لا يثبت الوجوب
(قال): ولا يؤدي الجد عن نوافله الصغار وإن كانوا في عياله وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أن عليه الأداء عنهم بعد موت الأب وهذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الأب في ظاهر الرواية ولا يخالف في رواية الحسن: أحدها: وجوب صدقة الفطر والثاني التبعية في الإسلام والثالث جر الولاء والرابع الوصية لقرابة فلان وجه رواية الحسن أن ولاية الجد عند عدم الأب ولاية متكاملة، وهو يمونهم فيتقرر السبب في حقه ووجه ظاهر الرواية أن ولاية الجد منتقلة من الأب إليه فهو نظير ولاية الوصي، وهذا؛ لأن السبب إنما يتقرر إذا كان رأسه في معنى رأس نفسه باعتبار الولاية، وذلك لا يتقرر في حق الجد؛ لأن ثبوت ولايته بواسطة وولايته على نفسه ثابتة بدون الواسطة.
(قال): ولا يؤدي الزوج زكاة الفطر عن زوجته، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى: يجب عليه الأداء عنها لقوله - عليه الصلاة والسلام - «أدوا عمن تمونون» وهو يمون زوجته وملكه عليها نظير ملك المولى على أم ولده فإنه يثبت به الفراش وحل الوطء فكما يجب عليه الأداء عن أم ولده فكذلك عن زوجته.
(ولنا) أن عليها الأداء عن مماليكها ومن يجب عليه الأداء من غيره لا يجب على الغير الأداء عنه وهذا؛ لأن نفسها أقرب إليها من نفس مماليكها ثم النفقة على الزوج باعتبار العقد فلا يكون موجبا للصدقة كنفقه الأجير على المستأجر، وهذا؛ لأن في الصدقة معنى العبادة وهو ما تزوجها ليحمل عنها العبادات، وقد بينا أن مجرد المؤنة بدون الولاية المطلقة لا ينهض سببا وبعقد النكاح لا يثبت له عليها الولاية فيما سوى حقوق النكاح بخلاف أم الولد فإن للمولى عليها ولاية مطلقة بسبب ملك الرقبة فإن أدى الزوج عن زوجته بأمرها جاز، وإن أدى عنها بغير أمرها لم يجز في القياس كما لو أدى عن أجنبي، ويجوز استحسانا في رواية عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى -؛ لأن العادة أن الزوج هو الذي يؤدي فكان الأمر منها ثابتا باعتبار العادة فيكون كالثابت بالنص
(قال): وليس على الرجل أن يؤدي عن أبويه ولا عن أحد من قرابته وإن كانوا في عياله؛ لأنه لا ولاية له
عليهم؛ ولأنه متبرع في الإنفاق عليهم فهو كمن تبرع بالإنفاق على الغير فلا يجب عليه الصدقة عنهم باعتباره.
(قال): ويؤدي صدقة الفطر عن نفسه حيث هو، ويكره له أن يبعث بصدقته إلى موضع آخر لحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - «من نقل عشره وصدقته عن مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته في مخلاف عشيرته» وأما عن رقيقه فإنما يؤدي صدقة الفطر حيث هو وإن كانوا في بلد آخر، وحكى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه رجع عن هذا القول فقال: يؤدي عنهم حيث هم، وجعله قياس زكاة المال، ولا خلاف أن المعتبر هناك موضع المال لا موضع صاحبه فهنا كذلك، ووجه ظاهر الرواية أن الوجوب على المولى في ذمته، ورأس المماليك في حقه كرأسه فكما أن في أداء الصدقة عن نفسه يعتبر موضعه فكذلك عن مماليكه بخلاف الزكاة فإن الواجب جزء من المال حتى يسقط بهلاك المال، وهنا لا يسقط بهلاك المماليك بعد الوجوب على المولى.
(قال): رجلان بينهما مملوك للخدمة لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنه عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يجب عليهما، وهو بناء على الأصل الذي تقدم بيانه فإن عنده الوجوب على العبد، وهو كامل في نفسه، وعندنا الوجوب على المولى عن عبده، وكل واحد منهما لا يملك ما يسمى عبدا فإن نصف العبد ليس بعبد، وعلى سبيل الابتداء هو يستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - «أدوا عمن تمونون» وهما يمونانه فإن نفقته عليهما فكذلك الصدقة عنه.
(ولنا) أن السبب رأس يمونه بولايته عليه ولا ولاية لواحد منهما عليه حتى لو أراد أن يزوجه لا يملك ذلك وبمجرد وجوب النفقة لا يكون عليه وجوب الصدقة فإن النفقة تجب باعتبار ملك سائر الحيوانات، ولا تجب الصدقة ما لم يتقرر السبب وهو رأس يمونه بولايته عليه
(قال): فإن كان بينهما مماليك للخدمة فعلى قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يجب على واحد منهما صدقة الفطر عنهم، وعند محمد - رحمه الله تعالى - يجب على كل واحد منهما الصدقة في حصته إذا كان كاملا في نفسه حتى إذا كان بينهما خمسة أعبد يجب على كل واحد منهما الصدقة عن عبدين، ومذهب أبي يوسف - رحمه الله تعالى - مضطرب ذكر في بعض روايات هذا الكتاب كقول محمد - رحمه الله تعالى -، والأصح أن قوله كقول أبي حنيفة وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - مر على أصله فإنه لا يرى قسمة الرقيق جبرا فلا يملك كل واحد منهما ما يسمى عبدا ومحمد مر على أصله فإنه يرى قسمة الرقيق جبرا وباعتبار القسمة ملك كل واحد منهما
في البعض متكامل وكذلك مذهب أبي يوسف إن كان قوله كقول محمد، وإن كان قوله كقول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فعذره أن القسمة تنبني على الملك فأما وجوب الصدقة فينبني على الولاية لا على الملك حتى تجب الصدقة عن الولد الصغير، وليس لواحد منهما ولاية متكاملة على شيء من هذه الرءوس.
(قال): فإن كان بينهما جارية فجاءت بولد فادعياه ثم مر يوم الفطر فلا صدقة على واحد منهما عن الأم لما بينا فأما على الولد يجب على كل واحد منهما صدقة كاملة في قول أبي يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى تجب عليهما صدقة واحدة عنه ولا رواية فيه عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فمحمد يقول: الأب أحدهما في الحقيقة وصدقة الفطر عليه وليس أحدهما بأولى من الآخر فجعلناها عليهما نصفين ألا ترى أنهما يرثانه ميراث ابن واحد وأبو يوسف - رحمه الله تعالى - يقول: هو ابن لكل واحد منهما بكماله؛ لأن البنوة لا تحتمل التجزيء ألا ترى أنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل فكذلك يجب على كل واحد منهما عنه صدقة كاملة.
(قال): وليس عليه صدقة الفطر في مماليك التجارة عندنا وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يجب وهو بناء على الأصل الذي بينا فإن عنده الوجوب على العبد وزكاة التجارة على المولى فلا يمنع ذلك وجوب زكاة الفطر على العبد وعندنا الوجوب على المولى كزكاة التجارة فلا يجتمع زكاتان على ملك واحد على رجل واحد.
(قال): وله أن يجمع صدقة نفسه ومماليكه فيعطيها مسكينا واحدا لقوله - صلى الله عليه وسلم - «اغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم» والإغناء يحصل بصرف الكل إلى واحد فوق ما يحصل بالتفريق؛ ولأن المعتبر القدر المنصوص عليه وصفة الفقر في المصروف إليه، وذلك لا يختلف بالتفريق، والجمع فجاز الكل وهذا بخلاف الكفارة فإنه لو صرف الكل إلى مسكين واحد جملة لا يجوز؛ لأن العدد في المصروف إليه منصوص عليه فلا بد من وجوده صورة ومعنى
(قال): فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا؛ لأن المعتبر حصول الغنى وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يجوز، وأصل الخلاف في الزكاة وكان أبو بكر الأعمش - رحمه الله تعالى - يقول: أداء الحنطة أفضل من أداء القيمة؛ لأنه أقرب إلى امتثال الأمر وأبعد عن اختلاف العلماء فكان الاحتياط فيه، وكان الفقيه أبو جعفر - رحمه الله تعالى - يقول: أداء القيمة أفضل؛ لأنه أقرب إلى منفعة الفقير فإنه يشتري به للحال ما يحتاج إليه، والتنصيص على الحنطة والشعير كان؛ لأن البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها فأما في
ديارنا البياعات تجرى بالنقود، وهي أعز الأموال فالأداء منها أفضل.
(قال): ومن مات من مماليكه وولده ليلة العيد فلا صدقة عليه عنهم، ومن مات بعد الصبح فالصدقة واجبة عنهم.
ولا خلاف أن وجوب الصدقة يتعلق بالفطر من رمضان: وإنما الخلاف في وقت الفطر من رمضان عندنا وقت الفطر عند طلوع الفجر من يوم الفطر، وعنده وقت غروب الشمس من الليلة التي يهل بها هلال شوال حجته لإثبات هذا الأصل أن حقيقة الفطر عند غروب الشمس وكذلك انسلاخ شهر رمضان يكون عن رؤية هلال شوال، وذلك عند غروب الشمس، وحجتنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنهاكم عن صوم يومين يوم تفطرون فيه من صومكم ويوم تأكلون فيه لحم نسككم»؛ ولأن حقيقة الفطر عند غروب الشمس كما يكون في هذا اليوم كذلك فيما قبله، والفطر من رمضان إنما يتحقق بما يكون مخالفا لما تقدم، وذلك عند طلوع الفجر؛ لأن فيما تقدم كان يلزمه الصوم في هذا الوقت، وفي هذا اليوم يلزمه الفطر، وهذا اليوم يسمى يوم الفطر فينبغي أن يكون الفطر من رمضان فيه ليتحقق هذا الاسم كيوم الجمعة تجب فيه الجمعة، وتؤدى فيه ليتحقق هذا الاسم فيه إذا عرفنا هذا فنقول كل من أسلم من الكفار ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا؛ لأن وقت الوجوب جاء، وهو مسلم وكل من يولد ليلة الفطر فعليه صدقة الفطر عندنا؛ لأنه جاء وقت الوجوب، وهو منفصل ومن مات من أولاده ومماليكه ليلة الفطر فليس عليه الصدقة عنه؛ لأنه جاء وقت الوجوب وهو ميت ومن مات بعد طلوع الفجر منهم فعليه الصدقة عنه؛ لأن وقت الوجوب جاء، وهو حي وصدقة الفطر بعد ما وجبت لا تسقط بموت المؤدى عنه بخلاف الزكاة فإن الواجب هناك جزء من المال وبهلاكه يفوت محل الواجب، وهنا الصدقة تجب في ذمة المؤدي فبموت المؤدى عنه لا يفوت محل الواجب فلهذا لا تسقط حتى روي عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في الأمالي أن من قال: لعبده إذا جاء يوم الفطر فأنت حر فعليه صدقة الفطر عنه؛ لأنه إنما عتق بعد طلوع الفجر فلا تسقط به الصدقة الواجبة عنه والدليل على أن وقت الوجوب عند طلوع الفجر حديث ابن عمر «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بأداء صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى» والمقصود بهذا الأمر المسارعة إلى الأداء لا التأخير عن وقت الوجوب
(قال) واذا مر وقت الفطر وفي يد الرجل مملوك قد اشتراه وفي البيع خيار لأحد المتبايعين فإنما الصدقة على من يستقر له الملك عندنا وعند زفر - رحمه الله تعالى -
على من له الخيار وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - على من له ملك العبد وقت الوجوب هو يقول هذه مؤنة بسبب الملك فتكون نظير النفقة والنفقة تجب على من له الملك وقت الوجوب فكذلك الصدقة وزفر - رحمه الله تعالى - يقول: الولاية لمن له الخيار على المشتري، ووجوب الصدقة باعتبار الولاية على الرأس.
(ولنا) أن البيع بشرط الخيار إذا تم يثبت الملك للمشتري من وقت العقد حتى يستحق الزوائد المتصلة والمنفصلة وإذا فسخ عاد إلى قديم ملك البائع فحكم الملك والولاية موقوف فيه فكذلك ما ينبني عليه وما يجب عليه بسبب الملك مقابل بما يستحقه بسبب الملك وهو الزوائد فكما توقف حكم استحقاقه فكذلك حكم الاستحقاق عليه إلا أن النفقة لا تحتمل التوقف؛ لأنها تجب لحاجة المملوك للحال فإذا جعلناها موقوفة مات المملوك جوعا فلأجل الضرورة اعتبرنا فيه النفقة للحال بخلاف الصدقة وكذلك الخلاف في زكاة التجارة إن كان اشتراه للتجارة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.23 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]