عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 13-11-2025, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,729
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير)




تفسير القرآن العظيم
(تفسير ابن كثير)

إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء الاول
من صــ73 الى صــ 82

الحلقة (8)




وفي مسند الإمام أحمد -أيضا-عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومن أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" (9) وابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود، وكان يعرف بذلك.
ثم قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا همام، حدثنا قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن
(1)
صحيح البخاري برقم (5000) .

(2)
صحيح البخاري برقم (5001) .

(3)
في جـ: "ما نزلت" .

(4)
صحيح البخاري برقم (5002) .

(5)
فضائل القرآن (ص 225) .

(6)
المسند (1/ 25 ، 26) .

(7)
سنن الترمذي برقم (169) وسنن النسائي الكبرى برقم (8256) .

(8)
مسند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للمؤلف (ص 171- 173) وقال: "وهذا الحديث لا يشك أنه محفوظ، وهذا الاضطراب لا يضر صحته، والله أعلم" .

(9)
المسند (2/ 446) .

جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. ورواه مسلم من حديث همام (1) .
ثم قال البخاري: تابعه الفضل، عن حسين بن واقد، عن ثمامة، عن أنس (2) .
حدثنا معلى بن أسد، حدثنا عبد الله بن المثنى قال: حدثني ثابت البناني وثمامة عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه (3) .
فهذا الحديث ظاهره أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى هؤلاء الأربعة فقط، وليس هذا هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين أيضا، ولعل مراده: لم يجمع القرآن من الأنصار؛ ولهذا ذكر الأربعة من الأنصار، وهم أبي بن كعب في الرواية الأولى المتفق عليها وفي الثانية من أفراد البخاري: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، وكلهم مشهورون إلا أبا زيد هذا، فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث، وقد اختلف في اسمه فقال الواقدي: اسمه قيس بن السكن بن قيس بن زعواء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار (4) .
وقال ابن نمير: اسمه سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية من الأوس. وقيل: هما اثنان جمعا القرآن، حكاه أبو عمر بن عبد البر، وهذا بعيد وقول الواقدي أصح لأنه
74@@@
خزرجي؛ لأن أنسا قال: ونحن ورثناه، وهم من الخزرج، وفي بعض ألفاظه (5) وكان أحد عمومتي. وقال قتادة عن أنس: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت.
فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
فهذا كله يدل على صحة قول الواقدي، وقد شهد أبو زيد هذا بدرا، فيما ذكره غير واحد. وقال موسى بن عقبة عن الزهري: قتل أبو زيد قيس بن السكن يوم جسر (6) أبي عبيدة على رأس خمس عشرة (7) من الهجرة، والدليل على أن (8) من المهاجرين من جمع القرآن أن الصديق، رضي الله عنه، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه (9) إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" (10) فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم. هذا مضمون ما قرره
(1)
صحيح البخاري برقم (5003) وصحيح مسلم برقم (2465) .

(2)
في جـ: "أنس بن مالك" .

(3)
صحيح البخاري برقم (5004) .

(4)
انظر: الإصابة (3/ 240) .

(5)
في ط: "الألفاظ" .

(6)
في ط: "خيبر" .

(7)
في ط: "عشرة سنة" .

(8)
في ط: "أنه" .

(9)
في جـ، ط: "زمنه" .

(10)
رواه مسلم في صحيحه برقم (672) من حديث أبي مسعود الأنصاري.

الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، وهذا التقرير لا يدفع ولاشك (1) فيه، وقد جمع الحافظ ابن السمعاني في ذلك جزءا، وقد بسطت تقرير ذلك في كتاب مسند الشيخين، رضي الله عنهما. ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة -كما سنذكره-وعلي بن أبي طالب يقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل، وقد قدمنا هذا. ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال: ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت (2) ؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه. ومنهم سالم مولى أبي حذيفة، كان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا. ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، وقد تقدم عن مجاهد أنه قال: قرأت القرآن على ابن عباس مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنها
75@@@
ومنهم عبد الله بن عمرو، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأه في شهر" . وذكر تمام الحديث (4) .
ثم قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } [البقرة: 106] (5) .
وهذا يدل على أن الرجل الكبير قد يقول الشيء يظنه صوابا وهو خطأ في نفس الأمر؛ ولهذا قال الإمام مالك: ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر، أي: فكله مقبول، صلوات الله وسلامه عليه. ثم ذكر البخاري فضل فاتحة الكتاب وغيرها، وسنذكر فضل كل سورة عندها ليكون ذلك أنسب. ثم قال:
(1)
في ط: "ولا يشك" .

(2)
في طـ: "أنزلت" .

(3)
في ط: "الرسول" .

(4)
سنن النسائي الكبرى برقم (64 80) وسنن ابن ماجة برقم (1346) .

(5)
صحيح البخاري برقم (5005) .

نزول السكينة والملائكة عند القراءة
وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أسيد بن الحضير قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت (1) فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأ يا بن حضير، اقرأ يا بن حضير" . قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى وكان منها قريبا، فرفعت رأسي وانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة، فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها قال: "أو تدري (2) ما ذاك؟" . قال: لا قال: "الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت"
(1)
في جـ، ط: "فجالت الفرس" .

(2)
في ط: "وتدري" .

ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم ". قال ابن الهاد: وحدثني هذا الحديث عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري عن"
76@@@
أسيد بن الحضير (1) .
هكذا أورد البخاري هذا الحديث معلقا، وفيه انقطاع في الرواية الأولى، فإن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي المدني تابعي صغير لم يدرك أسيدا لأنه مات سنة عشرين، وصلى عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما. ثم فيه غرابة من حيث إنه قال: وقال الليث: حدثني يزيد بن الهاد ولم أره بسند متصل عن الليث بذلك، إلا ما ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر في الأطراف أن يحيى بن عبد الله بن بكير رواه عن الليث كذلك (2) .
وقد رواه الإمام أبو عبيد في فضائل القرآن فقال: حدثنا عبد الله بن صالح ويحيى بن بكير، عن الليث، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أسيد بن حضير، فذكر الحديث إلى آخره، ثم قال: [قال] (3) ابن الهاد: وحدثني عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، عن أسيد بن حضير بهذا (4) .
وقد رواه النسائي في فضائل القرآن، عن محمد بن عبد الله بن [عبد] (5) الحكم عن شعيب بن الليث، وعن علي بن محمد بن علي، عن داود بن منصور، كلاهما عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يزيد بن عبد الله، وهو ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، عن أسيد، به (6) . ورواه يحيى بن بكير، عن الليث كذلك أيضا، فجمع بين الإسنادين. ورواه في المناقب عن أحمد بن سعيد الرباطي، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، الحديث. ولم يقل: عن أسيد، ولكن ظاهره أنه عنه، والله أعلم (7) .
وقال أبو عبيد: حدثني عبد الله بن صالح، عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن كعب بن مالك، عن أسيد بن حضير: أنه كان على ظهر بيته يقرأ القرآن وهو حسن الصوت، ثم ذكر مثل هذا الحديث أو نحوه (8)
77@@@
حدثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أسيد بن حضير قال: "قلت: يا رسول الله، بينما أنا أقرأ البارحة بسورة، فلما انتهيت إلى آخرها سمعت"
(1)
صحيح البخاري برقم (5018) .

(2)
انظر: تحفة الأشراف للمزي (1/ 72) .

(3)
زيادة من ط.

(4)
فضائل القرآن (ص 26) .

(5)
زيادة من ط.

(6)
سنن النسائي الكبرى برقم (8074) .

(7)
سنن النسائي الكبرى برقم (8244) .

(8)
فضائل القرآن (ص 27) .

وجبة من خلفي، حتى ظننت أن فرسي تطلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ أبا عتيك" [مرتين] (1) قال: فالتفت إلى أمثال المصابيح ملء بين السماء والأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ أبا عتيك" . فقال: والله ما استطعت أن أمضي فقال: "تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن، أما إنك لو مضيت لرأيت الأعاجيب" "(2) ."
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق سمع البراء يقول: بينما رجل يقرأ سورة الكهف ليلة إذ رأى دابته تركض، أو قال: فرسه يركض، فنظر فإذا مثل الضبابة أو مثل الغمامة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تلك السكينة نزلت للقرآن، أو تنزلت على القرآن" (3) . وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة (4) . والظاهر أن هذا هو أسيد بن الحضير، رضي الله عنه، فهذا ما يتعلق بصناعة الإسناد، وهذا من أغرب تعليقات البخاري، رحمه الله، ثم سياق ظاهر فيما ترجم عليه من نزول السكينة والملائكة عند القراءة.
وقد اتفق نحو هذا الذي وقع لأسيد بن الحضير لثابت بن قيس بن شماس كما قال أبو عبيد:
حدثنا عباد بن عباد عن جرير بن حازم، عن عمه جرير بن زيد (5) أن أشياخ أهل المدينة حدثوه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألم تر ثابت بن قيس بن شماس لم تزل داره البارحة تزهر مصابيح؟ قال: "فلعله قرأ سورة البقرة" . قال: فسئل ثابت فقال: قرأت سورة البقرة (6) .
وفي الحديث المشهور الصحيح: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم عن أبي هريرة (7)
78@@@
ولهذا قال الله تبارك وتعالى: { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } [الإسراء: 78] ، وجاء في بعض التفاسير: أن الملائكة تشهده. وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون "(8) ."
(1)
زيادة من ط.

(2)
فضائل القرآن (ص227) .

(3)
مسند الطيالسي برقم (714) .

(4)
صحيح البخاري برقم (3614) وصحيح مسلم برقم (795) .

(5)
في ط، م: "يزيد" .

(6)
فضائل القرآن (ص 27) .

(7)
صحيح مسلم برقم (2699) .

(8)
صحيح البخاري برقم (555) وصحيح مسلم برقم (632) .

من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس، فقال له شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين. قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين.
تفرد به البخاري (1) ومعناه: أنه، عليه السلام، ما ترك مالا ولا شيئا يورث عنه، كما قال عمرو بن الحارث أخو جويرية بنت الحارث: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا (2) . وفي حديث أبي الدرداء: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (3) .
79@@@
ولهذا قال ابن عباس: وإنما ترك ما بين الدفتين يعني: القرآن، والسنة مفسرة له ومبينة وموضحة له، فهي تابعة له، والمقصود الأعظم كتاب الله تعالى، كما قال تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } الآية [فاطر: 32] ، فالأنبياء، عليهم السلام، لم يخلقوا للدنيا يجمعونها ويورثونها، إنما خلقوا للآخرة يدعون إليها ويرغبون فيها؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة" (4) وكان أول من أظهر هذه المحاسن من هذا الوجه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، لما سئل عن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر عنه بذلك، ووافقه على نقله عنه، عليه السلام، غير واحد من الصحابة؛ منهم عمر وعثمان وعلي والعباس وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وأبو هريرة وعائشة وغيرهم، وهذا ابن عباس يقول -أيضا-عنه عليه السلام؟ رضي الله عنهم أجمعين.
(1)
صحيح البخاري برقم (5019) .

(2)
رواه البخاري في صحيحه برقم (2739، 4461) .

(3)
رواه أبو داود في السنن برقم (3641) وابن ماجة في السنن برقم (223) وابن حبان في صحيحه برقم (80) "موارد" .

(4)
رواه البخاري في صحيحه برقم (3093) ومسلم في صحيحه برقم (1758) .

فضل القرآن على سائر الكلام
حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد، حدثنا همام، حدثنا قتادة، حدثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها" (1) . وهكذا رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة من طرق عن قتادة به (2)
80@@@
ووجه مناسبة الباب لهذا الحديث: أن طيب الرائحة دار مع القرآن وجودا وعدما، فدل على شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر. ثم قال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أجلكم في أجل من خلا"
(1)
صحيح البخاري برقم (5020) .

(2)
صحيح البخاري برقم (5059 ، 5427 ) وصحيح مسلم برقم (797) وسنن أبي داود برقم (4830) وسنن الترمذي برقم (2865) وسنن النسائي (8/ 124، 125) وسنن ابن ماجة برقم (214) .

من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت "(1) ."
تفرد به من هذا الوجه، ومناسبته للترجمة: أن هذه الأمة مع قصر مدتها فضلت الأمم الماضية مع طول مدتها، كما قال تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس } [آل عمران: 110] .
وفي المسند والسنن عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله" (2) . وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطا قيراطا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفى ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ فقال: هل
81@@@
ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلى أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى: { ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } [الحديد: 28، 29] .
(1)
صحيح البخاري برقم (5021) .

(2)
المسند (5/ 3) وسنن الترمذي برقم (3001) وسنن ابن ماجة برقم (4287، 4288) وقال الترمذي: "حديث حسن" .

الوصايا بكتاب الله
حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا طلحة بن مصرف قال: "سألت عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوص؟ قال: أوصى بكتاب الله، عز وجل" (1) .
وقد رواه في مواضع أخر مع بقية الجماعة، إلا أبا داود من طرق عن مالك بن مغول به (2) وهذا نظير ما تقدم عن ابن عباس: "ما ترك إلا ما بين الدفتين" ، وذلك أن الناس كتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } [البقرة: 180] . وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يترك شيئا يورث عنه، وإنما ترك ماله صدقة جارية من
(1)
صحيح البخاري برقم (5022) .

(2)
صحيح البخاري برقم (2740 ،4460) وصحيح مسلم برقم (1634) وسنن الترمذي برقم (2119) وسنن النسائي (6/ 0 24) وسنن ابن ماجة برقم (2696) .

بعده، فلم يحتج إلى وصية في ذلك ولم يوص إلى خليفة يكون بعده على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق؛ ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (1) وكان كذلك، وإنما أوصى الناس باتباع كتاب الله تعالى. من لم يتغن بالقرآن وقول الله تعالى:
{ أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [العنكبوت: 51] .
82@@@
حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يأذن الله لشيء، ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" ، وقال صاحب له: يريد يجهر به فرد من هذا الوجه. ثم رواه عن علي بن عبد الله بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري به (2) . قال سفيان: تفسيره: يستغنى به، وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة (3) ومعناه: أن الله ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك.
وهو، سبحانه وتعالى، يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة، رضي الله عنها: سبحان الله الذي وسع سمعه الأصوات (4) . ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم، كما قال تعالى: { وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه } الآية [يونس: 61] ، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذن هاهنا بالأمر، والأول أولى لقوله: "ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي أن يتغنى بالقرآن" أي: يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى: { إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت } [الانشقاق: 1-5] أي: وحق لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن هو الاستماع؛ ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد أذنا إلى الرجل (5) الحسن الصوت بالقرآن [يجهر به] (6) من صاحب القينة إلى قينته" (7) .










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 20-11-2025 الساعة 12:12 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.57 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]