رأب الصدع في تربية الشباب
الشباب ثمار القلوب، وعماد الظهور، وفلذات الأكباد، وزينة الحياة، وقرة العيون، وأنس العيش، وبركة تربيتهم تستجلب الرزق، وتنزل الرحمات؛ ولذلك جاءت الوصية من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بالعناية بهم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة، فارعوا أبناءكم، وأدوا أماناتكم وانصحوا أولادكم، فكلٌّ مسؤول عن رعيته» رواه البخاري من حديث معقل بن يسار.
فالحذر من التفريط في تربيتهم أو التخلي عن المسؤولية.
الشباب قوة الشعوب وحصنها الحصين ودرعها المتين وعزها المجيد، وهم قادة الفتوحات كما نصت عليه كتب السير والمغازي، وهم حماة الوطن، والمدافعون عن أعراضهم، والدعاة والسفراء وطلبة العلم الباحثون عن الحق، ولكن تفاجأنا بأن هناك حرباً لا هوادة فيها لإغواء الشباب وإضلالهم وإفسادهم ورصد الأموال والإعلام والهيئات لصدهم عن سبيل الله.
فتراهم يزينون لهم الباطل ليكونوا أداة للقتل والتفجير والتدريب وتخزين الأسلحة والتكفير والاستيلاء على عقولهم وإقامة البيعات المنحرفة والتبعيات والولاءات المختلفة والتواصل معهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتكوين خلايا وأحزاب لتنتحر عبر الأحزمة الناسفة في المساجد والتجمعات الأمنية، وقد عانت الدول والأسر منهم.
ومشاركة جهلة وظلمة وحاقدين وحاسدين فأصبحوا إمعة في يد دول مجرمة وأنظمة متطرفة، تنصلوا عن دينهم، وتنكروا لدولهم، واهتموا بسفاسف وشبهات وتبرؤوا من أهلهم وتخلوا عن أوطانهم، وانخلعوا عن ربقة الإسلام، فأصبحوا أجسادا خاوية بلا أحاسيس لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم قلوب لا يفقهون بها، تغيرت أفهامهم، وانتكست فطرتهم، وفسدت طبائعهم.
وصنف آخر لا هم له إلا الملذات والبحث عن الشهوات؛ فيتسكعون في الشوارع والمولات، يتشبهون بالساقطين، ويبحثون عن الموضات والقصات والسلاسل والقبعات، يبتدؤون بالتدخين والشيشة وينتهي بهم المطاف إلى المخدرات والمسكرات والمفترات، أشكالهم غريبة، وهيئتهم مريبة، شباب تائهون حائرون، وتصرفاتهم طائشة، وحولوا الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، ولا تسمع إلاّ صخبهم، وإيذاءهم للجار في الطرقات، عاقون للوالدين، همهم المال وتبديده، وانزلقوا في براثن الرذيلة، وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة، ووقعوا في بؤر الإسفاف، ومراتع الاستخفاف، والهروب من المدارس، ولا يؤدون واجباتهم في العمل.
لقد تفاقم وضعهم، وتعاظم أمرهم، وتطاير شرهم، وحار الآباء بين شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، وأصبح هؤلاء الشباب يغضبون لأتفه الأسباب، ولا يريد أن يسمع كلمة لا، ولا يسمع لنصيحة، ويهربون من المسؤولية.
إن المطلوب هو رأب الصدع وترميم جدار التربية، وتداركهم ليس بتكبيلهم بالسلاسل ولا الضرب بالحديد والمناشير ولا السجن في غرف مظلمة، بل الدعاء لهم وإشغالهم بما هو مفيد ومعاملتهم بالحسنى ومصاحبتهم إلى الخير، وتخصيص جدول للمتابعة، والصبر عليهم، واستعمال اللين في موضعه، والشدة في موضعها، وتشجيعهم على الحق والعدل، وربطهم بالمساجد والصلاة والدروس والصحبة الطيبة، قال ابن القيم رحمه الله: «من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الأباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنته، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا أباءهم.
ونعوذ بالله من الضلال بعد الهدى ومن الظلام بعد النور.
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } (الكهف:57).
اعداد: د.بسام خضر الشطي