الموسوعة التاريخية
علوي عبد القادر السقاف
المجلد السابع
صـــ221 الى صــ 230
(368)
زوال دولة بني رسول في زبيد وعدن.
العام الهجري: 858العام الميلادي: 1454تفاصيل الحدث:
زالت دولة بني رسول في زبيد وعدن في عهد آخر ملوكها المؤيد الحسين واستيلاء أمراء بني طاهر بزعامة الملك الطاهر صلاح الدين عامر الأول بن طاهر، ويذكر أن دولة بني رسول تأسست عام 626 هـ بزعامة عمر بن علي بن رسول.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
فتنة المماليك الظاهرية ومحاولتهم خلع السلطان الأشرف إينال.
العام الهجري: 859الشهر القمري: جمادى الآخرةالعام الميلادي: 1455تفاصيل الحدث:
في يوم الاثنين سلخ جمادى الآخرة كانت وقعة المماليك الظاهرية الجقمقية مع الملك الأشرف إينال، وسبب هذه الفتنة ثورة المماليك الأجلاب أولا، وأفعالهم القبيحة بالناس، ثم عقب ذلك أن السلطان كان عين تجريدة إلى البحيرة، نحوا من خمسمائة مملوك، وعليهم من أمراء الألوف الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح، والأمير قرقماس رأس نوبة النوب، وعدة من أمراء الطبلخانات والعشرات، ورسم لهم السلطان بالسفر في يوم الاثنين، هذا ولم يفرق السلطان على المماليك المكتوبة للسفر الجمال على العادة، فعظم ذلك عليهم، وامتنعوا إلى أن أخذوا الجمال، وسافر الأمير خشقدم في صبيحة يوم الاثنين المذكور، وتبعه الأمير قرقماس في عصر نهاره، وأقاما ببر منبابة تجاه بولاق، فلم يتبعهم أحد من المماليك المعينة معهم، بل وقف غالبهم بسوق الخيل تحت القلعة ينتظرون تفرقة الجمال عليهم، إلى أن انفض الموكب السلطاني ونزلت الأمراء إلى جهة بيوتهم، فلما صار الأمير يونس الدوادار بوسط الرميلة احتاطت به المماليك الأجلاب، وتحقق الغدر، فأمر مماليكه بإشهار سيوفهم ففعلت ذلك، ودافعت عنه، وجرح من المماليك الأجلاب جماعة، وقطع أصابع بعضهم، وشق بطن آخر على ما قيل، فعند ذلك انفرجت ليونس فرجة خرج منها غارة إلى جهة داره، ونزل بها، ورمى عنه قماش الموكب، ولبس قماش الركوب، وطلع من وقته إلى القلعة من أعلى الكبش، ولم يشق الرميلة، وأعلم السلطان بخبره، فقامت لذلك قيامة المماليك الأجلاب، وقالوا: نحن ضربناهم بالدبابيس فضربونا بالسيوف، وثاروا على أستاذهم ثورة واحدة، وساعدهم جماعة من المماليك القرانيص وغيرهم لما في نفوسهم من السلطان لعدم تفرقة الجمال وغيرها، ووقفوا بسوق الخيل وأفحشوا في الكلام في حق السلطان، وهددوه إن لم يسلم لهم الأمير يونس، ثم ساقوا غارة إلى بيت يونس الدوادار، فمنعوهم مماليكه من الدخول إلى دار يونس، فجاؤوا بنار ليحرقوا الباب، فمنعوهم من ذلك أيضا، فعادوا إلى سوق الخيل، فوافوا المنادي ينادي من قبل السلطان بالأمان، فمالوا على المنادي بالدبابيس، فسكت من وقته، وهرب إلى حال سبيله، هذا وقد طلعت جميع أمراء الألوف إلى عند السلطان، والسلطان على حالة السكوت، غير أنه طلب بعض مماليكه الأجلاب الأعيان، وكلمه بأنه يعطي من جرح من الأجلاب ما يكفيه، وأنه يعطي للذي قطعت أصابعه إقطاعا ومائة دينار، فلم يقع الصلح، وانفض الأمر على غير طائل لشدة حر النهار، ولما تفرقت المماليك نزلت الأمراء إلى دورهم، ما خلا الأمير يونس الدوادار، فإنه بات في القلعة، فلما تضحى النهار أرسل إليهم السلطان بأربعة أمراء، وهم: الأمير يونس العلائي أحد مقدمي الألوف، وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش رأس نوبة ثان، ويلباي الإينالي، المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، وبردبك البجمقدار أحد الطبلخانات أيضا ورأس نوبة، فنزلوا إليهم من القلعة؛ فما كان إلا أن وقع بصر المماليك الأجلاب على هؤلاء الأمراء احتاطوا بهم، وأخذوهم بعد كلام كثير، ودخلوا بهم إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح تجاه باب السلسلة، ورسموا عليهم بعضهم، كل ذلك والمماليك الظاهرية الجقمقية وقوف على بعد، لا يختلفون بهم، لينظروا ما يصير من أمرهم، فلما وقع ما ذكرناه تحققوا خروجهم على أستاذهم، وثار ما عندهم من الكمائن التي كانت كامنة في صدورهم من الملك الأشرف إينال لما فعل بابن أستاذهم الملك المنصور عثمان، وحبس خجداشيتهم، وتقريب أعدائهم الأشرفية مماليك الأشرف برسباي، فانتهزوا الفرصة، وانضافوا إلى المماليك الأجلاب، وعرفوهم أن الأمر لا يتم إلا بحضرة الخليفة ولبس السلاح، فساق قاني باي المشطوب أحد المماليك الظاهرية من وقته إلى بيت الخليفة القائم بأمر الله حمزة، وكان في الخليفة المذكور خفة وطيش، فمال إليهم، ظنا أنه يكون مع هؤلاء وينتصر أحدهم ويتسلطن، فيستفحل أمره ثانيا أعظم من الأول، ولما حضر الخليفة عندهم، تكامل لبسهم السلاح، وانضافت إليهم خلائق من المماليك السيفية، وأوباش الأشرفية، وغيرهم من الجياع الحرافيش، فلما رأت الأجلاب أمر الظاهرية، حسبوا العواقب، وخافوا زوال ملك أستاذهم، فتخلوا عن الظاهرية قليلا بقليل، وتوجه كل واحد إلى حال سبيله، فقامت الظاهرية بالأمر وحدهم؛ وما عسى يكون قيامهم من غير مساعدة، وقد تخلى عنهم جماعة من أعيانهم وخافوا عاقبة هذه الفتنة؟!، هذا وقد تعبأ السلطان لحربهم، ونزل من القلعة إلى باب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وتناوش القوم بالسهام، وأرادوا المصاففة، فتكاثر عليهم السلطانية، وصدموهم صدمة واحدة بددوا شملهم، بل كانوا تشتتوا قبل الصدمة أيضا، وهجم السلطانية في الحال إلى بيت الأمير خشقدم أمير سلاح، وأخذوا الأمراء المرسم عليهم، وأخذوا فيمن أخذوا الخليفة معهم، وطلعوا بهم إلى السلطان، فلما رأى السلطان الخليفة وبخه بالكلام الخشن، وتفرقت من يوم ذاك أجلاب السلطان فرقتين: فرقة وهم الذين اشتراهم من كتابية الظاهر جقمق وابنه، وفرقة اشتراهم هو في أيام سلطنته، وقويت الفرقة الذين اشتراهم على الفرقة الظاهرية، ومنعوهم من الطلوع إلى القلعة، والسكنى بالأطباق، ولما انتهت الوقعة أمسك جماعة من المماليك الظاهرية وحبسهم بالبرج من قلعة الجبل، ونفى بعضهم واختفى بعضهم.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
خلع الخليفة العباسي القائم بأمر الله حمزة وتولية أخيه المستنجد بالله يوسف.
العام الهجري: 859الشهر القمري: رجبالعام الميلادي: 1455تفاصيل الحدث:
وقف الخليفة في صف المماليك الظاهرية في فتنتهم ضد السلطان الأشرف إينال ظنا منه أنه يخلع ويزداد بذلك مرتبة فوق التي هو فيها بوقوفه مع هؤلاء المماليك، ولكن لما انكسر أمرهم ومسك السلطان الأشرف إينال الخليفة ووبخه على وقفته هذه أمر بحبسه بالبحرة من قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة بأخيه يوسف في يوم الخميس ثالث شهر رجب ثم سفر الخليفة القائم بأمر الله المذكور في يوم الاثنين سابع رجب إلى سجن الإسكندرية فسجن بها مدة سنين، ثم أطلق من السجن، وسكن بالإسكندرية إلى أن مات بها في أواخر سنة اثنتين وستين وثمانمائة، فأصبح الخليفة هو أبو المحاسن يوسف بن المتوكل ولقب بالمستنجد بالله.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
فتنة المماليك الأجلاب بمصر.
العام الهجري: 860الشهر القمري: جمادى الآخرةالعام الميلادي: 1456تفاصيل الحدث:
في يوم الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة أمسك السلطان الأشرف إينال الأمير زين الدين الأستادار، واستقر عوضه في الأستادارية سعد الدين فرج بن النحال الوزير، فلما سمعت المماليك الأجلاب بهذا العزل والولاية نزلوا من وقتهم غارة إلى بيت الأستادار لينهبوه، فمنعهم مماليك زين الدين، وقاتلوهم وأغلقوا الدروب، فلما عجزوا عن نهب بيت زين الدين نهبوا بيوت الناس من عند بيت زين الدين فأخذوا ما لا يدخل تحت حصر كثرة، واستمروا في النهب من باكر النهار إلى قريب العصر، وفعلوا بالمسلمين أفعالا لا تفعلها الكفرة ولا الخوارج مبالغة، وهذا أعظم مما كان وقع منهم من نهب جوار بيت الوزير فرج، فكانت هذه الحادثة من أقبح الحوادث الشنيعة، ومن ثم دخل في قلوب الناس من المماليك الأجلاب من الرجيف والرعب أمر لا مزيد عليه، لعلمهم أنه مهما فعلوا جاز لهم، وأن السلطان لا يقوم بناصر من قهر منهم، وفي يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر رمضان نودي بالقاهرة من قبل السلطان بعدم تعرض المماليك الأجلاب إلى الناس والباعة والتجار، فكانت هذه المناداة كضرب رباب أو كطنين ذباب، واستمروا على ما هم عليه من أخذ أموال الناس والظلم والعنف حتى غلت الأسعار في سائر الأشياء من المأكول والملبوس والغلال والعلوفات، وصاروا يخرجون إلى ظواهر القاهرة، ويأخذون ما يريدون بأبخس الأثمان، إن أعطوا ثمنا، وإن شاؤوا أخذوه بلا ثمن، ثم شرعوا في نهب حواصل البطيخ الصيفي وغيره، ثم تزايد أمرهم، فغلت جميع الأسعار مع كثرتها عند أربابها، فضر ذلك بحال الناس قاطبة، رئيسها وخسيسها.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
(محمد الفاتح) يتابع معاركه فيحاصر مدينة (بلغراد) ولكنه يعود أدراجه بعد إصابته بجرح بليغ كاد يودي بحياته.
العام الهجري: 861العام الميلادي: 1456تفاصيل الحدث:
التقى السلطان العثماني محمد الفاتح مع هونياد زعيم الصرب في معركة انتهت بقتل هونياد واستيلاء العثمانيين نهائيا على بلاد الصرب وجعلها ولاية عثمانية، ولكن بقيت بلغراد التي حاصرها السلطان ومعه مائة وخمسون ألف مقاتل ومعه مائتا سفينة حربية، ولكنه فشل مع كثرة الغارات وذلك بسبب الجرح الذي أصاب السلطان محمد الفاتح، مما اضطره للعودة عن الحصار، ولكنه فتح في عوده دوقية أثينا التي كانت بيد عائلة من فلورنسة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
فتنة المماليك الأجلاب على السلطان بمصر.
العام الهجري: 861الشهر القمري: صفرالعام الميلادي: 1457تفاصيل الحدث:
في يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا في أمره إلى الغاية، وخبر ذلك أن السلطان لما كان في يوم الخميس المذكور وهو جالس بقاعة الدهيشة، وكانت الخدمة بطالة في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلي السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطان يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات التي وعدهم السلطان بها من الزردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أول الشهر، فتركوه ومضوا، فلقوا الشيخ عليا الخراساني الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان، فاستقبلوه بالضرب المبرح المتلف، وأخذوا عمامته من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطاني حتى نجا، ثم إن الصياح قوي ثانيا فعلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأمير يونس الدوادار، فسألهم يونس المذكور عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا، كل واحد سبعة أشرفية ذهبا في كل شهر، وكانت جامكية الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا: ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أي على ثلاث نفقات كما كانت قديما، ونريد أيضا أن يكون عليقنا السلطاني الذي نأخذه من الشونة مغربلا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينا, فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوه به إلى السلطان، وتربص عن رد الجواب على السلطان حتى يفرغ السلطان من أكل السماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانا مقدم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضا ولم يخبر السلطان بشيء حتى فرغ من أكل السماط، فعند ذلك عرفه الأمير يونس بما طلبوه، فقال السلطان: لا سبيل إلى ذلك، وأرسل إليهم مرجانا المقدم يعرفهم مقالة السلطان، فعاد مرجان ثانيا إلى السلطان بالكلام الأول، وصار يتردد مرجان بين السلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار، وهم مصممون على مقالتهم، والسلطان ممتنع من ذلك، وامتنع الناس من الدخول والخروج إلى السلطان خوفا من المماليك لما فعلوه مع العجمي المحتسب، فلما طال الأمر على السلطان خرج هو إليهم بنفسه، ومعه جماعة من الأمراء والمباشرين، فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم، فلما رأى شدة الرجم، قصد العود إلى الدهيشة، ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم، فامتنعوا إلا أن يوصلوه إلى باب الحريم، فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم، وبقي السلطان في خواصه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابي أحمد، فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة، ووصل إلى باب الجامع أخذه الرجم المفرط من كل جهة، فأسرع في مشيته والرجم يأتيه من كل جانب، وسقط الخاصكي الذي كان حامل ترس السلطان من الرجم، فأخذ الترس خاصكي آخر فضرب الآخر فوقع وقام، وشج دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة، وسقطت فردة نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة، وجلس على الباب قليلا، فقصدوه أيضا بالرجم، فقام ودخل من باب الحريم وتوجه إلى الدهيشة، واستمر وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب، وبات القوم وهم على وجل، والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت؛ فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركة في يوم الجمعة مراعاة لصلاة الجمعة، وأصبح السلطان وصلى الجمعة مع الأمراء على العادة، فتكلم بعض الأمراء مع السلطان في أمرهم بما معناه أنه لابد لهم من شيء يطيب خواطرهم به؛ ووقع الاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأخذونها في السنة مرة واحدة، وكانت قبل ذلك ألفين، فجعلوها يوم ذاك ثلاثة آلاف درهم، وزادوهم أيضا في الأضحية، فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن، فزيدوا رأسا واحدا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك، ثم رسم لهم أن تكون تفرقة الجامكية على ثلاث نفقات في ثلاثة أيام من أيام المواكب، فرضوا بذلك وخمدت الفتنة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
العسكر المصري والشامي يسير لقتال ابن قرمان وأخذهم أربع قلاع.
العام الهجري: 861الشهر القمري: جمادى الآخرةالعام الميلادي: 1457تفاصيل الحدث:
في يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودي في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان، ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة، وأقاموا بالريدانية إلى ليلة الاثنين تاسعه، فاستقلوا فيه بالمسير من الريدانية إلى جهة البلاد الشامية، ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزردكاش، ومعه عدة من الرماة والنفطية وآلات الحصار وهو مريض، ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضا من أنواع الآلات وغيرها للحصار، ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان، وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب، وأنه اجتمع رأي الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة، ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان، وملكوا قلعة دوالي، ونهبوها وأخربوها، وأنهم جهزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان، فصدفوا في مسيرهم عسكرا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم، وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف، بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق، ثم ورد الخبر بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان، وأخربوا غالب قرى ممالكه، وأحرقوا بلاط وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك، حتى إنهم أحرقوا عدة مدارس وجوامع، وذلك من أفعال أوباش العسكر، وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصرية لنفود زادهم، ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد، مع غلو الأسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء، ولولا هذا لاستولوا على غالب بلاد ابن قرمان، وأن ابن قرمان لم يقاتل العسكر السلطاني، بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحصن بها هو وأعيان دولته، وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشي وغيرها مأكلة لمن يأكله، فحصل له بما أخذ له وهن عظيم في مملكته.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
وفاة الكمال ابن الهمام الحنفي.
العام الهجري: 861الشهر القمري: رمضانالعام الميلادي: 1457تفاصيل الحدث:
كمال الدين محمد ابن الشيخ همام الدين عبد الواحد ابن القاضي حميد الدين عبد الحميد ابن القاضي سعد الدين مسعود الحنفي السيرامي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المشهور بابن الهمام، توفي في يوم الجمعة سابع شهر رمضان، ودفن من يومه، وكانت جنازته مشهودة، مع بين علمي المنقول والمعقول، والدين والورع والعفة والوقار واشتغل على علماء عصره إلى أن برع، ولي مشيخة المدرسة الأشرفية سافر إلى مكة، وقد قصد المقام بها إلى أن يموت، فلما حصل له ضعف في بدنه عاد إلى مصر ولزم الفراش إلى أن مات كان إماما يرجع إليه في فقه الأحناف وله مصنفات أشهرها فتح القدير في الفقه الحنفي، وله التحرير في أصول فقه الأحناف، وغيرها من المصنفات.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
حرائق هائلة في ساحل بولاق وفي القاهرة.
العام الهجري: 862الشهر القمري: رجبالعام الميلادي: 1458تفاصيل الحدث:
في يوم الجمعة سادس شهر رجب كان الحريق العظيم بساحل بولاق الذي لم يسمع بمثله في سالف الأعصار إلا قليلا، بحيث إنه أتى على غالب أملاك بولاق من ساحل النيل إلى خط البوصة التي هي محل دفن أموات أهل بولاق، وعجزت الأمراء والحكام عن إخماده، وكان أمر هذا الحريق أنه لما كان صبيحة يوم الجمعة سادس رجب هبت ريح عظيمة وعظمت حتى اقتلعت الأشجار وألقت بعض مبان، واستمرت في زيادة ونمو إلى وقت صلاة الجمعة؛ فلما كان وقت الزوال أو بعده بقليل احترق ربع الحاج عبيد البرددار بساحل البحر، وذهب الربع في الحريق عن آخره ومات فيه جماعة من الناس، كل ذلك في أقل من ساعة رمل، ثم انتقلت النار إلى ربع القاضي زين الدين أبي بكر بن مزهر وغيره، وهبت الرياح وانتشرت النيران على الأماكن يمينا وشمالا، هذا وحاجب الحجاب وغيره من الأمراء والأعيان وكل أحد من الناس في غاية الاجتهاد في تخميد النار بالطفي والهدم، وهي لا تزداد إلا قوة وانتشارا على الأماكن، إلى أن وصلت النار إلى ربع الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص، وإلى الحواصل التي تحته، وأحرقت أعلاه وأسفله، وذهب فيه من بضائع الناس المخزونة فيه ما لا ينحصر كثرة، وسارت النار إلى الدور والأماكن من كل جهة، هذا وقد حضر الحريق جميع أمراء الدولة بمماليكهم وحواشيهم، شيئا بعد شيء، والأمر لا يزداد إلا شدة، إلى أن صار الذي حضر من الناس لأجل طفي النار كالمتفرج من عظم النار والعجز عن إخمادها، وصارت النار إذا وقعت بمكان لاتزال به حتى يذهب جميعه، ويضمحل عن آخره، فعند ذلك فطن كل أحد أن النار تسير من دار إلى دار إلى أن تصل إلى القاهرة، لعظم ما شاهدوا من هولها، والريح يتداول هبوبها من أول النهار إلى نصف الليل؛ ولشدة هبوب الريح صارت رياحا لأنها بقيت تهب من سائر الجهات، فيئس كل من كان له دار تحت الريح، وتحقق زوالها، وشرع في نقل متاعه وأثاثه، واستمر الأمراء والأعيان يشاهدون الحريق، ويطفئون ما قدروا عليه من أطراف المواضع المنفردة؛ وأما الحريق العظيم فلا يستجرىء أحد أن يقربه لعظمه، بل يشاهدونه من بعد، واستمروا على ذلك إلى بعد أذان عشاء الآخرة، ثم ذهب كل واحد إلى داره والنار عمالة إلى نصف الليل، فأخذ أمر الريح في انحطاط، فعند ذلك اجتهد كل أحد في إخمادها، وأقاموا على ذلك أياما كثيرة، والنار موجودة في الأماكن والجدر والحيطان، والناس تأتي لبولاق أفواجا للفرجة على هذا الحريق العظيم، فكان عدة ما احترق فيه من الأرباع زيادة على ثلاثين ربعا، كل ربع يشتمل على مائة سكن وأكثر، وما به من الحوانيت والمخازن ما خلا الدور والأماكن والأفران والحوانيت وغير ذلك، وقد اختلف في سبب هذا الحريق على أقوال كثيرة، منهم من قال: إنها صاعقة نزلت من السماء ومنهم من قال: إن الأرض كأن النار تنبع منها، ثم بعد ذلك بأيام أشيع أن الذي كان يفعل ذلك ويلقي النار في الأماكن هم جماعة من القرمانية ممن أحرق العسكر المصري أمكنتهم لما توجهوا إلى تجريدة ابن قرمان، وشاع القول في أفواه الناس، ثم ظهر للناس بعد ذلك أن الذي صار يحرق من الأمكنة بالقاهرة وغيرها بعد حريق بولاق إنما هو من فعل المماليك الجلبان، لينهبوا ما في بيوت الناس عندما تحرق، فإنه تداول إحراق البيوت أشهرا والله أعلم، ثم تداول الحريق بعد ذلك بخط بولاق والقاهرة، وقوي عند الناس أن الذي يفعل ذلك إنما هو من تركمان ابن قرمان، ثم وقع الحريق أيضا في شعبان بأماكن كثيرة، وتداول الحريق بالقاهرة وظواهرها، وضر ذلك كثيرا بحال الناس، وقد قوي عندهم أن ذلك من فعل القرمانية والمماليك الأجلاب: يعنون بالقرمانية والأجلاب أن القرمانية إذا فعلوا ذلك مرة ويقع الحريق، فتنهب المماليك الأقمشة وغيرها لما يطلدون الدور المحروقة للطفي، فلما حسن ببال المماليك ذلك صاروا يفعلون ذلك.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
الجيش العثماني يفتح المورة وبلغراد وغيرها.
العام الهجري: 863العام الميلادي: 1458تفاصيل الحدث:
إن الجيش العثماني لم يستطع أن يفتح بلغراد بعد أن حاصرها ورجع الجيش بعد أن تعهد ملك الصرب بدفع جزية سنوية، ثم في هذه السنة استطاع الجيش العثماني بقيادة الصدر الأعظم محمود باشا بعد أن حاصر بلغراد وفتحها كما تمكن من فتح بلاد المورة من هذا العام، وفر ملكها إلى إيطاليا، كما فتح الجزر التي في بحر إيجة قرب مضيق الدردنيل، كما عقد صلحا مع اسكندر بك أمير ألبانيا، وكان قبل ذلك يرفض أن يعقد الصلح مع العثمانيين بعد أن هرب منهم، كما فتح ميناء اماستريس بعد أن توجه سرا إلى الأناضول، وهذا الميناء يتبع جنوة وأكثر سكانه من التجار، كما دخل ميناء سينوب واحتل مملكة طرابزون دون مقاومة وهي تابعة للقسطنطينية.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا