الموسوعة التاريخية
علوي عبد القادر السقاف
المجلد السابع
صـــ171 الى صــ 180
(363)
قتال بين سلطان العثمانيين مراد وبين ابن دلغار نائب أبلستين.
العام الهجري: 840الشهر القمري: جمادى الآخرةالعام الميلادي: 1437تفاصيل الحدث:
جهز الأمير سليمان بن ناصر الدين محمد بن دلغادر إلى مراد بن محمد بن بايزيد بن عثمان، فلقيه على مدينة غاليبولي، وترامى عليه، وكان ابن قرمان المذكور قد قاتل حاكم مدينة أماية فقتله، فغضب مراد ابن عثمان وتحركت كوامن العداوة التى بين القرمانية والعثمانية، وعزم على المسير إلى أخذ ابن قرمان، وبرز من غاليبولي يريد مدينة بورصا فلما قدم عليه سليمان بن دلغادر جهز معه عسكرا، وأنعم عليه بالمال والسلاح، وندب معه حاكم مدينة توقات لمحاصرة مدينة قيصرية، وأخذها من ابن قرمان، وجهز أيضا الأمير عيسى أخا إبراهيم بن قرقمان على عسكر آخر، وبعثه إلى بلاد قرمان ليسير هو من وراء العسكرين، فأهم السلطان الأشرف برسباي هذا الخبر، وجهز إلى كل من عنتاب وملطية وكختا وكركر المال والسلاح، وكتب إلى تركمان الطاعة، بمعاونة إبراهيم بن قرقمان على عدوه.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
طاعون حاد في الشام.
العام الهجري: 841الشهر القمري: محرمالعام الميلادي: 1437تفاصيل الحدث:
كثر الوباء بالطاعون بحلب وأعمالها، حتى تجاوزت عدة الأموات بمدينة حلب في اليوم مائة، وفي شهر ربيع الآخر شنع الوباء بحماة، حتى تجاوزت عدة الأموات عندهم في كل يوم ثلاثمائة إنسان، ولم يعهدوا مثل ذلك في هذه الأزمنة، وفي شهر جمادى الأولى فشا الموت في الناس بمدينة حماة وأعمالها، حتى تجاوز عدة من يموت في كل يوم مائة وخمسين إنسانا، وفي شهر جمادى الآخر وقع الوباء بدمشق، وفشا الموت بالطاعون الوحى، ثم كثر بدمشق، وشنع بحلب وأعمالها، فأظهر أهلها التوبة، وأغلقوا حانات الخمارين، ومنعوا البغايا الواقفات للبغاء، والشباب المرصدين لعمل الفاحشة، بضرائب تحمل لنائب حلب وغيره من أرباب الدولة فتناقص الموت وخف الوباء، حتى كاد يرتفع، ففرح أهل حلب بذلك، وجعلوا شكر هذه النعمة أن فتحوا الخمارات، وأوقفوا البغايا والأحداث للفساد بالضرائب المقررة عليهم، فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة إنسان، وإستمر الوباء الشنيع، والموت الذريع فيهم، رجب، وشعبان، وما بعده، ثم شنع الوباء بدمشق في شعبان ومات من الغرباء الذين قدموا من بغداد وتبريز والحلة والمشهد وتلك الديار فرارا من الجور والظلم الذى هنالك وسكنوا حلب وحماة ودمشق عالم عظيم، لا يحصرهم العاد لكثرتهم.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
وقعة بين النصارى البرتغال وبين المسلمين في سبتة.
العام الهجري: 841الشهر القمري: ربيع الأولالعام الميلادي: 1437تفاصيل الحدث:
وقدم الخبر بأن ملك البرتغال صاحب مدينة شلب من الأندلس سار يريد مدينة طنجة، فنزل على سبتة في المحرم، ومضى منها وهى بيده في البر والبحر، ومعه فيما يقال ثمانية عشر ألف رام، وستة آلاف فارس، حتى نزل على طنجة فحصرها مدة شهر إلى أن أتته جموع المسلمين من فاس ومكناسة وأصيلا في شهر ربيع الآخر، فكانت بينهم وبين البرتغال من النصارى حروب عظيمة، نصر الله فيها المسلمين، وقتل نحو الثلثين من النصارى، والتجأ باقيهم إلى محلتهم فضايقهم المسلمون حتى طلبوا الأمان على أن يسلموا المسلمين مدينة سبتة، ويفرجوا عن سبعمائة أسير من المسلمين، ويدفعوا ما بأيديهم من آلات الحرب للمسلمين فأمنوهم، وبعثوا برهائنهم على ذلك، فصار المسلمون يأخذون النصارى ويوصلونهم إلى أسطولهم بالبحر، فحسد أحمد اللحيانى القائم بتدبير مكناسة الأزرق وهو أبو زكريا حى بن زيان بن عمر الوطاسى القائم بتدبير مدينة فاس وقتل عدة من النصارى، ورحل، فحنق النصارى، من ذلك، وحطموا على المسلمين حطمة قتل فيها جماعة، وخلصوا إلى أسطولهم وبقى ابن ملكهم في يد المسلمين، فلما وصلوا إلى بلادهم، لم يرض أكابرهم بتسليم سبتة للمسلمين، وبعثوا في فداء ابن الملك بمال، فلم يقع بينهم وبين الرسول اتفاق، وسجنوه مع ابن الملك المرتهن عند صالح بن صالح بن حمو، بطنجة فيقول المكثر أن الذى قتل من النصارى في هذه الواقعة خمسة وعشرون ألفا، وغنم المسلمون منهم أموالا كثيرة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
فتنة بين العبيد وبين مماليك السلطان في مصر.
العام الهجري: 841الشهر القمري: رجبالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
جرت في ليلة الاثنين ويوم الاثنين خامس رجب شنائع وذلك أن مماليك السلطان سكان الطباق بالقلعة نشأوا على مقت السلطان لرعيته، مع ما عندهم من بغض الناس، فنزل كثير منهم في أول الليل، وأخذوا في نهب الناس، وخطف النساء والصبيان للفساد، واجتمع عدد كثير من العبيد السود، وقاتلوا المماليك فقتل من العبيد خمسة نفر، وجرح عدة من المماليك، وخطف من العمائم وأخذ من الأمتعة شىء كثير، فكان ذلك من أقبح ما سمع به، ثم أخذ المماليك في تتبع العبيد، فقتلوا منهم جماعة، ففر كثير منهم من القاهرة، وإختفى كثير منهم، فلما نودى بذلك سكن ذلك الشر، وأمن الناس على عبيدهم، بعد خوف شديد، ثم نودي بألا يحمل أحد من العبيد السلاح، ولا سيفا ولا عصى، ولا يمشي بعد المغرب، وأن المماليك لا تتعرض لأحد من العبيد، ثم رسم بمنع المماليك من النزول من طباقهم بالقلعة إلى القاهرة، وذلك أنهم صاروا ينزلون طوائف طوائف إلى المواضع التى يجتمع بها العامة للنزهة، ويتفننوا في العبث والفساد، من أخذ عمائم الرجال واغتصاب النساء والصبيان، وتناول معايش الباعة، وغير ذلك، فلم يتم منعهم، ونزلوا على عادتهم السيئة.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
طاعون حاد في مصر.
العام الهجري: 841الشهر القمري: رجبالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
في هذا الشهر رجب وقع الوباء بالطاعون ببلاد الصعيد من أرض مصر، وفي شهر رمضان كانت عدة الأموات التى رفعت بها أوراق مباشرى ديوان المواريث بالقاهرة ثمانية عشر إنسانا، وتزايدت عدتهم في كل يوم حتى فشا في الناس الموت بالطاعون في القاهرة ومصر، لاسيما في الأطفال والإماء والعبيد، فإنهم أكثر من يموت موتا وحيا سريعا، ثم شنعت الأخبار بكثرة من يموت، وسرعة موتهم، وشناعة الموتان أيضا ببلاد الواحات من أرض مصر، ووقوعه قليلا بصعيد مصر، وقد شنع الموت بالدور السلطانية في أولاد السلطان الذكور والإناث، وفي حظاياه وجواريه، وجوارى نسائه، وفي الخدام الطواشية، وشنع الموت في مماليكه سكان الطباق، حتى لقد مات منهم في هذا الوباء نحو آلاف ومات من الخدام الخصيان مائة وستون طواشي، ومات من الجوارى بدار السلطان زيادة على مائة وستين جارية، سوى سبع عشرة حظية وسبعة عشر ولدا، ذكورا وإناثا، وشنع الموت أيضا في الناس بالقاهرة ومصر وما بينهما، وفي سكان قلعة الجبل، سوى من ذكرنا، وفي بلاد الواحات والفيوم، وبعض بلاد الصعيد، وبعض الحوف بالشرقية، ووقع الطاعون في الغنم والدواب، ووجد في النيل سمك كثير طاف قد مات من الطاعون، وأما الطاعون فإنه ابتدأ بالقاهرة من أول شهر رمضان، وكثر في شوال حتى تجاوز عدة من يصلى عليه في مصلى باب النصر كل يوم أربعمائة ميت، سوى بقية المصليات وعدتها بضع عشرة مصلى، ومع ذلك فلم تبلغ عدة من يرفع في أوراق ديوان المواريث قط أربعمائة، وسببه أن الناس أعدوا توابيت للسبيل، ومعظم من يموت إنما هم الأطفال والإماء والعبيد، فلا يحتاج أهلهم إلى إطلاقهم من الديوان، وفي شهر ذي الحجة والذى قبله فشا الموت بالطاعون في الإسكندرية، ودمياط، وفوه، ودمنهور، وما حول تلك الأعمال، فمات بها عالم كبير، وتجاوزت عدة من يموت بالإسكندرية في كل يوم مائة إنسان.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
هدم دير المغطس للنصارى في مصر.
العام الهجري: 841الشهر القمري: رمضانالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
في هذا الشهر شعبان هدم للنصارى دير المغطس عند الملاحات، قريب من بحيرة البرلس وكانت نصارى الإقليم قبليا وبحريا تحج إلى هذا الدير كما يحجون إلى كنيسة القيامة بالقدس، وذلك في عيده من شهر بشنس، ويسمونه عيد الظهور.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
وفاة السلطان الأشرف برسباي وقيام ابنه العزيز يوسف.
العام الهجري: 841الشهر القمري: ذو الحجةالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
في يوم الثلاثاء رابعه عهد السلطان إلى ولده المقام الجمالى يوسف، ثم جلس الخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود، وقضاة القضاة الأربع على مراتبهم، والأمير الكبير جقمق العلاى أتابك العساكر، ومن تأخر من أمراء الألوف والمباشرون، ماعدا كاتب السر فإنه شديد المرض، ثم قام القاضى زين الدين عبد الباسط وفتح باب الكلام في عهد السلطان من بعد وفاته لابنه المقام الجمالى بالسلطنة وقد حضر أيضا مع أبيه، فاستحسن الخليفة ذلك وأشار به، فتقدم القاضى شرف الدين الأشقر بالعهد إلى بين يدى السلطان، فأشهد السلطان على نفسه بأنه عهد إلى ولده الملك العزيز جمال الدين أبى المحاسن يوسف من بعد وفاته بالسلطة فأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، ثم ظل المرض يتزايد بالسلطان إلى أن خارت قواه وأصبح يهذي أحيانا حتى لما كان شهر ذي الحجة مات عصر يوم السبت ثالث عشره، وفي الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة والأمير الكبير جقمق العلائي وسائر أمراء الدولة، وسلطنوا المقام الجمالي يوسف ولقبوه بالملك العزيز يوسف جمال الدين أبي المحاسن وعمره يومئذ أربع عشرة سنة وسبعة أشهر، ثم أخذ الأمراء في تجهيز السلطان، فجهز وغسل وكفن بحضرة الأمير إينال الأحمدي الفقيه الظاهري برقوق أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال كان الأشرف دفعه إليه في حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه، ولما انتهى أمر تجهيز الملك الأشرف حمل من الدور السلطانية إلى أن صلي عليه بباب القلعه من قلعة الجبل، وتقدم للصلاة عليه قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر، ثم حمل من المصلى على أعناق الخاصكية والأمراء الأصاغر، إلى أن دفن بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة، وحضرت أنا الصلاة عليه ودفنه، وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، ولم يقع في يوم موته اضطراب ولا حركة ولا فتنة، ونزل إلى قبره قبيل المغرب، وكانت مدة سلطنته بمصر سبع عشرة سنة تنقص أربعة وتسعين يوما.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
حصار آقشهر وأرزكان وعودهما إلى الطاعة.
العام الهجري: 841الشهر القمري: ذو الحجةالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
قدم الخبر بأن اسكندر بن قرا يوسف نزل قريبا من مدينة تبريز فبرز إليه أخوه جهان شاه، المقيم بها من قبل القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك ملك المشرق، فكانت بينهما وقعة إنهزم فيها إسكندر إلى قلعة يلنجا من عمل تبريز، فنازله جهان شاه، وحصره بها، وأن الأمير حمزة بن قرايلك متملك ماردين وأرزنكان أخرج أخاه ناصر الدين على باك من مدينة آمد، وملكها منه، فقلق السلطان من ذلك، وعزم على أن يسافر بنفسه إلى بلاد الشام، وكتب بتجهيز الإقامات بالشام ثم أبطل ذلك، ثم رسم بخروج تجريدة إلى بلاد الشام، وعين من الأمراء المقدمين ثمانية، وكتب لنائب الشام الأمير أينال الجكمى، أن يتوجه، ممن معه صحبة الأمراء إلى حلب، ويستدعوا حمزة باك ابن قرايلك صاحب ماردين وأرزنكان، فإن قدم إليهم خلع عليه بنيابة السلطة فيما يليه، وإلا مشوا بأجمعهم عليه وقاتلوه وأخذوه، ثم رحل الأمراء المجردون من أبلستين، ومعهم نواب الشام وعساكرها من غزة إلى الفرات، وجميع تركمان الطاعة، وتوجهوا في جمع كبير يريدون مدينة آقشهر، حتى نزلوا عليها وحصروها، وكان من خبرهم أن العسكر المجرد لما قصد مدينة آقشهر تلقاهم سلطان أحمد بن قليج أرسلان صاحب تلى صار وقد رغب في الطاعة السلطانية وسار معهم حتى نازلوا مدينة أقشهر في أول ذي الحجة، فهرب متملكها حسن الأيتاقى في ليلة الثلاثاء ثانيه إلى قلعة برداش، فملك العسكر المدينة وقلعتها، وقبضوا على عدة من أعيانها، وبعثوا بسلطان أحمد بن قليج أرسلان على عسكر، فملك قلعتي فارس وتمشلي، فأقروه على نيابة السلطة بهما، وساروا لمحاصرة حسن بقلعة برداش ففر منها إلى قلعة بزطلش، فنزل من العسكر عليها حتى أخذها في ثامن عشره الأمير قرقماس أمير سلاح، بعد أن قاتل أهلها بضعة عشر يوما، ثم هدمها حتى سوى بها الأرض، وقد فر منها حسن أيتاقي، ثم سار الأمير قرقماس، ممن معه مع بقية العساكر يريدون أرزنكان، فقدم عليهم الأمير مرزا بن الأمير يعقوب ابن الأمير قرايلك رسولا من أبيه يعقوب صاحب أرزنكان وكماخ وقد خرج عن أرزنكان ونزل كماخ، وقدم مع مرزا زوجة أبيه وعدة من القضاة والأعيان بأرزنكان، يسألون العفو عن الأمير يعقوب وإعفائه من قدومه إليهم وأن يجهز لنيابة السلطنة بأرزنكان الأمير جهان كير ابن الأمير ناصر الدين على باك بن قرايلك، فأجيبوا إلى ذلك كله، وخلع على الأمير مرزا، ودفع إليه خلعة لأبيه الأمير يعقوب، وأعيد وصحبته الأمير جهان كير، وقد خلع عليه بنيابة أرزنكان، وساروا وقد جهز إلى أرزنكان بالأمير سودون النوروزى دوادار نائب حلب، ومعه نائب دوركى ونائب بهنسنى، فتسلموا أرزنكان بلا مانع، وأقاموا بها، ثم توجه القاضي معين الدين عبد اللطيف ابن القاضي شمس الدين الأشقر كاتب السر بحلب، حتى حلف أهل أرزنكان بالإقامة على طاعة السلطان، ثم سارت العساكر من أقشهر في ثاني عشرينه حتى نزلت على أرزنكان، وعسكروا هناك، فخرج إليهم أهلها، وباعوا عليهم ما أرادوا منهم، وفتحت أبواب المدينة، والعساكر يدخل منها المدينة من أراد ذلك، من غير ضرر ولا نهب، واستمروا على ذلك إلى آخر الشهر.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
خلع السلطان العزيز يوسف وتسلطن الظاهر جقمق.
العام الهجري: 842الشهر القمري: ربيع الأولالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
بعد أن أصبح السلطان العزيز يوسف بن برسباي سلطانا أصبح الأمير الكبير جقمق هو نظام الملك فله الأمر والنهي وبيده كل شيء وليس للسلطان سوى الاسم، وكان في هذه السنة حصلت فتن بين المماليك الأشرفية التابعون للسلطان وبين الأمير جقمق ومن معه من الأمراء والمماليك الظاهرية والمؤيدية فعزز الأمير جقمق مركزه وعلا شأنه حتى لما كان يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول قام الأمير الكبير جقمق بخلع السلطان العزيز يوسف بعد أن دام في السلطنة مدة أربعة وتسعين يوما، وذلك باتفاق الأمراء وأعيان المملكة على سلطنته ولما تم أمره استدعي الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة الأربعة والأمير قرقماس أمير سلاح وسائر الأمراء وجميع أعيان الدولة إلى الحراقة بباب السلسلة من الإسطبل السلطاني، وجلس كل واحد في مجلسه، فافتتح الأمير قرقماس بالكلام مع الخليفة والقضاة بأن قال السلطان صغير، والأحوال ضائعة لعدم اجتماع الكلمة في واحد بعينه ولابد من سلطان ينظر في مصالح المسلمين وينفرد بالكلمة، ولم يكن يصلح لهذا الأمر سوى الأمير الكبير جقمق هذا فقال جقمق هذا لا يتم إلا برضا الأمراء والجماعة فصاح الجميع نحن راضون بالأمير الكبير فعند ذلك مد الخليفة يده وبايعه بالسلطنة ثم بايعه القضاة والأمراء على العادة، ثم قام من فوره إلى مبيت الحراقة، ولبس الخلعة الخليفتية السوداء، وتقلد بالسيف، وخرج ركب فرسا أعد له بأبهة السلطنة وشعار الملك، فأصبح السلطان الجديد هو السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد جقمق العلائي الظاهري الشركسي، ويذكر في أصله أنه أخذ من بلاده صغيرا فاشتراه خواجا كزلك وجلبه إلى الديار المصرية فابتاعه منه الأتابك إينال اليوسفي، وقيل ولده أمير علي بن إينال وهو الأصح، ورباه عنده، فطلبه الملك الظاهر منه في سرحة سرياقوس، وأخذه وأعطاه لأخيه جاركس، وقد اختلفت الأقوال في أمر عتقه فمن الناس من قال إن أمير علي كان أعتقه قبل أن يطلبه الملك الظاهر منه، فلما طلبه الملك الظاهر سكت أمير علي عن عتقه لتنال جقمق السعادة بأن يكون من جملة مشتروات الملك الظاهر، وكان كذلك وهذا القول هو الأقوى والمتواتر بين الناس.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا
فتنة الأمير الكبير قرقماس ومحاولته خلع السلطان الظاهر جقمق.
العام الهجري: 842الشهر القمري: ربيع الثانيالعام الميلادي: 1438تفاصيل الحدث:
بعد أن تسلطن الظاهر جقمق أصبح الأمير قرقماس هو أتابك العساكر وهو الأمير الكبير، ثم في ربيع الآخر ثارت عدة من المماليك القرانصة الذين قاموا مع السلطان العزيز يوسف بن برسباي قبل ذلك على الأشرفيه وطلبوا الآن من السلطان الزيادة في مرتباتهم، فنزل إليهم الأمير قرقماس ووعدهم بأن يكلم السلطان بذلك ولكنهم أبوا إلى أن يقاتلوا السلطان واستطاعوا أن يقنعوا الأمير قرقماس بأن يكون معهم ضد السلطان فلبسوا سلاحهم ولبس هو الآخر أيضا، وأتاه كثير من الأشرفية وساروا به حتى وقف بالرميلة تجاه باب السلسلة، وهم في إجتماعهم مختلفة آراؤهم، وعندما وقف تجاه باب السلسلة من القلعة سار بعض أتباعه ونادى في القاهرة على لسانه بمجيء المماليك إلى الأمير قرقماس، وأنه ينفق فيهم مائتي دينار لكل واحد، وبمجيء الزعر إليه وأنه يعطى كل واحد منهم عشرين دينارا، فعظم جمعه، بحيث توهم كثير من الناس أن الأمر له، وكان السلطان عند ذلك في نفر قليل، فبادر بنزوله من القصر إلى المقعد الذي بجانب باب السلسلة، ومعه المال، وبعث بجماعة للقتال، فوقعت الحرب بين الفريقين مرارا، والجراح فاشية فيهم، وقد قتل جماعة وتعين الغلب لقرقماس ومن معه، إلا أن عدة من الأمراء فروا عنه، وصعدوا من باب السلسلة إلى السلطان، فسر بهم، ثم أقبل أيضا من جهة الصليبة عدة أمراء، ووقفوا تجاه قرقماس، في هيئة أنهم جاءوا ليقاتلوا معه ثم ساقوا خيولهم بمن معهم، ودخلوا باب السلسلة، وصاروا مع السلطان، فإزداد بهم قوة، هذا وقد دقت الكوسات السلطانية حربيا بالطبلخاناه من القلعة، وقامت ثلاثة مشاعلية على سور القلعة تنادى من كان في طاعة السلطان فليحضر وله من النفقة كذا وكذا، ونثر مع ذلك السلطان من المقعد على العامة ذهبا كثيرا، وصار يقف على قدميه ويحرض أصحابه على القتال، فأقبلت الفرسان نحوه شيئا بعد شىء داخلة في طاعته، وتركت قرقماس، والحرب مع هذا كله قائمة بين الفريقين ضربا بالسيوف، وطعنا بالرماح إلا أن الرمي من القلعة على قرقماس ومن معه بالنشاب كثير جدا، مع رمى العامة لهم بالحجارة في المقاليع لبغضها في قرقماس وفي الأشرفية، فتناقص جمعهم، وتزايد جمع السلطان إلى قبيل العصر، فتوجه بعض الأشرفية وأخذوا في إحراق باب مدرسة السلطان حسن ليتمكنوا من الرمي على القلعة من أعلاها، فلم يثبت قرقماس، وفر وقد جرح، فثبتت الأشرفيه وقاتلت ساعة، حتى غلبت بالكثرة عليها، فإنهزمت بعدما قتل من الفرسان والرجالة، جماعة، وجرح الكثير، فمن جرح من السلطانية الأمير تغرى بردى المؤذى حاجب الحجاب من طعنة برمح في شدقه، والأمير أسنبغا الطيارى الحاجب في آخرين فكانت هذه الوقعة من الحروب القوية بحسب الوقت، إلا أن قرقماس جرى فيها على عادته في العجلة والتهور، ففاته الحزم، وأخطأه التدبير من وجوه عديدة، ليقضى الله أمرا كان مفعولا {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له} وعندما انهزم القوم ندب السلطان الأمير أقبغا التمرازى أمير سلاح في جماعة لطلب المنهزمين، فتوجه نحو سرياقوس خشية أن يمضوا إلى الشام، فكانوا أعجز من ذلك، ولم يجد أحدا فعاد، ثم قبض على الأمير قرقماس، ثم سجن بالإسكندرية، ثم قتل بعد عدة أشهر.
(تنبيه): التاريخ الميلادي تقريبي نظرا لاشتماله على أكثر من عام هجري أحيانا