الموضوع: مكارم الأخلاق
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 29-10-2025, 01:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,984
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق .. ترك الجدال

لأكثر من اثنتي عشرة سنة، اعتزلت (الدواوين) العامة، وهي مجالس اشتهر بها أهل الكويت، يجتمعون مرة أو مرتين في الأسبوع، يتحدثون عن كل شيء، والكل يدلي بدلوه في القضايا العامة والأحداث المحلية والإقليمية والعالمية، وفي نهاية الأمر يذهب كل واحد إلى حال سبيله! كانت الدواوين سابقا -أعني قبل ثلاثين أو أربعين سنة- محدودة، وتقتصر على فئة لها ثقلها في المجتمع، أما الآن فأصبح كل مجموعة من الشباب يجتمعون كل أسبوع في مجلس أحدهم، يلعبون، ويشاهدون المباريات، ويتجادلون، وربما يقضون الليل كله إلى ما بعد الفجر، دون فائدة.
في هذه المجالس، تجد دائما نمطا للحاضرين، بعضهم يستمع لا يتحدث، وبعضهم يكثر من النكت ليضحك الآخرين، وبعضهم يناقش ويجادل في المواضيع المطروحة، ولا يرضى إلا أن يثبت صواب رأيه، وبعضهم يتحدث فيما يعلم ويسكت فيما لا يعلم، وبعضهم يحضر للأكل والشرب.
صاحبي من النوع الثالث، يجادل في كل شأن، حتى أقعده المرض، فاعتزل هذه المجالس في السنتين الأخيرتين، زرته في منزله وكان قد أخذ الجرعة الثانية من العلاج الكيماوي! - هل تعرف يا (أبا معاذ) أكثر ما أندم عليه؟! أندم على الساعات الطويلة التي كنت أقضيها في جدال الآخرين، بالحق والباطل، في فترة مرضي استمعت إلى القرآن والأحاديث، ولاسيما في السنة الأولى التي قضيتها في العلاج، وأتحسر كم فاتني من الأجر! وكم جمعت من الوزر! - لا عليك يا (أبا ناصر)، كنت تنقل كلام من تسمعهم من مختصين يحضرون للتسجيل في برنامجك الإذاعي.
- هذا صحيح، ولكن الجدال لا ينبغي، سمعت شيخا يذكر حديثا صحيحا عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه».
- نعم هذا الحديث في صحيح أبي داود وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة.
- وأنا ربما كنت أكثر الحضور جدالا مع الأسف! أسأل الله العفو والمغفرة، لقد كان طبعا سيئا، حتى مع إخواني وربما مع والدي ووالدتي أحيانا، أجادلهم في كل شيء، ولكن الله نبهني قبل فوات الأوان، فمنذ عرفت بمرضي، عاهدت الله -تعالى- أن أترك كل ما لا يرضيه، وألتزم بما يرضيه، قدر استطاعتي، وإني صادق -إن شاء الله-.
- إن الله يعلم صدقك، ويقبل عذرك، وأسأله أن يتم عليك الشفاء والعافية، والأحاديث في ترك الجدال كثيرة، ولاسيما في القضايا الشرعية؛ فلا ينبغي أن يجادل فيها الإنسان أو يماري إلا أن يكون نقاشا علميا على أسس شرعية، يقول عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه -: «لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله فإنه يدوم ويبقى وينفد ما سواه».
وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}» (صحيح الترغيب).
وفي اللغة (المراء)، من مريت الشاة، إذا حلبتها واستخرجت لبنها، و(الجدل)، اللد في الخصومة والقدرة عليها وجادله أي خاصمه، قال الجرجاني: «الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد بحجة أو شبهة»، و(المراء) الجدال: والمماراة المجادلة على مذهب الشك والريبة، وهو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه والباعث على ذلك الترفع. قاطعني (أبو ناصر).
- هذه الأخيرة أظنها الأقرب إلى الصواب؛ لأن دافع كل طرف أن يبين غلط الآخر، ويترفع عليه! وأسأل الله العفو والمغفرة.
- وفي الحديث الآخر، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المراء في القرآن كفر» (صحيح الترغيب).
وعن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه» (متفق عليه).
قال النووي: «والأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمود عند العلماء على اختلاف لا يجوز أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز، كاختلاف في القرآن نفسه أو في معنى منه لا يسوغ الاجتهاد فيه، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة أو خصومة أو شجار أو نحو ذلك». وفي تفسير السعدي عند قوله -تعالى-: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} (الكهف:22).
أي لا تجادل وتحاج فيها إلا مبنيا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة: أن المماراة المبنية على الجهل والرجم بالغيب أو التي لا فائدة منها ولا تحصل فائدة دينية بمعرفتها كعدد أصحاب الكهف ونحو ذلك، فإن كثرة النقاش فيها تضييع للوقت.
وقد كان السلف الصالح يحذرون جدال أهل البدع والجلوس إليهم! أما الدعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان الحق لبيان الحق لا لمحض الجدال والمغالبة، فإن ذلك مطلوب ليس مذموما، ولكن ينبغي أن يكون بالأسلوب الأفضل، كما أرشد القرآن الكريم إليه {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125)، {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (العنكبوت: 46), وهكذا كان أسلوب النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كل من يدعوه من قريش وغيرهم كما هو معلوم.
وفي الحديث عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» (السلسلة الصحيحة).



اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.16 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.34%)]