عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27-10-2025, 03:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,769
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(مقدمة كتاب الأيمان)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (543)

صـــــ(1) إلى صــ(14)


شرح زاد المستقنع - باب جامع الأيمان
من المسائل التي تواجه الناس في حياتهم اليومية مسائل الأيمان، لذا فلابد لهم من معرفة أحكام أيمانهم، وما يجب عليهم منها، وما لا يجب، وقد فصل العلماء في أحكام الأيمان تفصيلا دقيقا، فبينوا حكم نية الحالف، وسبب اليمين، وأحكام تعيين الشيء المحلوف عليه، وغير ذلك من الأحكام التي يكثر احتياج الناس إلى معرفتها؛ ليقوموا بحق الله عليهم فيها.
ما يرجع إليه في الأيمان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد:
الرجوع إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ
فيقول المصنف رحمه الله: [باب جامع الأيمان: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ] .
أي: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف وقصده؛ لأن الله تعالى يقول: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة:225] وقال سبحانهه في الآية الأخرى: {بما عقدتم الأيمان} [المائدة:89] فإذا كانت اليمين في الأصل لا تنعقد إلا إذا قصد الشخص عقدها، فإذا لم يقصد عقدها بأن جرت على لسانه كانت لغوا ساقطة، دل هذا على قوة تأثير النية، فإذا كانت اليمين لا تنعقد إلا عند القصد والتوجه والنية، فمن باب أولى أن لا تنعقد في الألفاظ والكلمات ما دام أن اللفظ محتمل ويرجع إلى نيته.
والأصل في ذلك حديث عمر رضي الله عنه في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) والأعمال شاملة للأقوال والأفعال، واليمين قول، فتدخل تحت هذا العموم، فدل على أنه لابد من الرجوع إلى نية الحالف.
وصورة المسألة: لو قال: والله لا أركب السيارة.
فالسيارة لفظ عام يشمل السيارة الصغيرة والكبيرة والباص وغيره، فلو قال: قصدت السيارة -أل للعهد- الفلانية أو سيارة فلان.
فحينئذ ينتقل من العموم إلى الخصوص.
والعكس، لو أن شخصا جاراه في السيارة فقال: والله لا أشتري السيارة.
فظاهر الحال أنه لا يشتري السيارة هذه، لكن قال: نيتي جميع السيارات، يعني: جنس السيارة لا أشتريها، فحينئذ النية تتحكم في اللفظ، بشرط أن يكون ذلك اللفظ محتملا؛ لأن (أل) في السيارة تحتمل الجنس وهذا للعموم، وتحتمل العهد وهذا للخصوص، قال تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا * فعصى فرعون الرسول} [المزمل:15 - 16] قيل: إن أل في الرسول للاستغراق؛ لأن من عصى رسولا واحدا فكأنما عصى الرسل كلهم، والأشبه أن هذا عهد ذهني.
فهناك شرط في اعتبار النية مؤثرة في اللفظ: وهو أن يكون اللفظ محتملا، بمعنى: أن وضعه اللغوي يحتمل معنيين فأكثر، فالنية تحدد المراد، أما إذا كان اللفظ لا يحتمل ولا علاقة له بما نوى في وضع اللغة وأصلها، وليس هناك عرف جار به، فنيته لغو، كأن يقول: والله لا آكل البرتقال.
ولكن قصد بالبرتقال التفاح، ومعلوم أنه لا يطلق البرتقال على التفاح فحينئذ تسقط نيته ويعتد ويعتبر بظاهره، فما دام أنه تلفظ بهذا اللفظ يؤاخذ به، ويحكم بوجوب الكفارة عليه إن أكل ذلك المسمى.
وهذا مقرر على مسألة مشهورة عند علماء الأصول، وهي: مسألة وضع اللغة، والصحيح أن الله عز وجل هو واضع اللغات، ومن هنا لو تحكم الشخص في اللغة وقال: والله لا أصعد الجبل، وقيل له: ماذا تريد بالجبل؟ قال: السيارة.
لا يوجد أحد يطلق الجبل على السيارة لا لغة ولا عرفا، ولا توجد مناسبة بين السيارة والجبل، فهو يضع دلالة من عنده لهذا اللفظ، مع أن الجبل من حيث هو موضوع على دلالة معينة، فهو فحينئذ يسقط اعتبار النية بشرط احتمال اللفظ، وهذا أصل صحيح مقرر عند العلماء.
الرجوع إلى سبب اليمين عند انعدام النية
قال رحمه الله: [فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها] فأول شيء النية ثم هناك السبب، وسبب اليمين يسمونه: السبب المهيج.
وبعض فقهاء الحنابلة يطلق ويقول: سبب اليمين، وعند المالكية وبعض الفقهاء يسمونه: بساط اليمين.
وبعضهم يعبر عنه: بموجب اليمين، والمراد من ذلك الباعث على اليمين.
ونحن نمثل بأشياء موجودة الآن؛ لأن القديم موجود في كتب العلماء فإذا رجع إليه طالب العالم فإنه يفهم.
مثال: لو أن شخصا اختصم مع شخص وجرى بينهم لجاج، فقال: تركب معي سيارتي.
فقال له: والله لا أركب سيارتك.
فقوله: (لا أركب سيارتك) في الأصل يقتضي أن كل سيارة يملكها الشخص أنه لا يركبها، ولكن بساط اليمين، وموجب اليمين، والباعث على اليمين، والسبب المهيج لليمين، هو الخصومة عن سيارة معينة.
فحينئذ نقول: هذا العموم ينصرف إلى خاص، فلا يحنث إذا ركب سيارة أخرى يملكها ذلك الشخص، إلا إذا نوى، فإن النية مؤثرة، لكن كلامنا هنا عن الشخص الذي قال: والله لا أركب سيارتك.
قلنا له: هل نويت العموم؟ قال: لا ما نويت العموم، بل خرج مني هذا اللفظ بناء على قوله لي: اركب معي سيارتي، فقلت: لا أريد أن أركب.
فقال لي: لابد أن تركب.
فأحرجني فأردت أن أقطع قوله: فقلت: والله لا أركب سيارتك.
نقول له: إن ركبت أي سيارة غير هذه السيارة فإنك حينئذ لا تحنث؛ لأن السبب المهيج يقتضي التخصيص.
الرجوع إلى التعيين في اليمين عند انعدام النية والسبب
قال رحمه الله: [فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين] إذا: هناك ثلاثة أشياء: - النية.
-
السبب.

-
التعيين.

والتعيين: أن يعين الشيء، وهو ضد الإبهام، فإذا قال: والله لا آكل هذا اللحم.
والله لا ألبس هذا الثوب.
والله لا أكلم هذا الرجل لا أكلم هذا الصبي لا أكلم هذه الجارية.
فهذا تعيين، والمعين لا ينصرف إلى غيره؛ لأن مرادهم بعينه وذاته، وعين الشيء ذاته.
قوله: [فإذا حلف: لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه] أي: لو حلف على ذلك الشيء بعينه كأن يقول: لا لبست هذا القميص، ومادة القميص من القماش، إذا انصب عليها اليمين، فلو أن هذا القميص غير وفصل سروالا حنث بلبسه؛ لأنه قال: هذا، فاختص بالتعيين وتقيد به؛ لأن اليمين بالتعيين، فمهما تغير في شكله فذاته موجودة، وانصب المنع على الذات، وحينئذ لو تغيرت إلى أي حال فإنه يبقى الحكم معلقا بها، فيحنث إذا لبسه على أي صورة.
وكذلك لو جعل هذا القميص رداء أو عمامة، فإنه يحنث بلبسه، والعكس إذا جعل السروال قميصا، فالمادة موجودة والحكم واحد في هذا.
قوله: [أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا] أو صار رجلا لأن الحكم متعلق بعين الصبي ولا يختلف.
قوله: [أو زوجة فلان هذه، أو صديقه فلانا، أو مملوكه سعيدا، فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم] لو قال: والله لا أكلم زوجتك.
فليس كقوله: والله لا أكلم هذه الزوجة.
فلو قال: لا أكلم زوجتك.
فقوله: زوجتك لفظ عام، فإذا لم تكن هناك نية وأخذناه على ظاهر اللفظ، فكل زوجة يتزوجها هذا الرجل بمجرد أن يعقد عليها وتدخل في عصمته، فإنه يحنث بكلامه معها بأقل ما يصدق أنه كلام.
فكل امرأة عقد عليها ذلك الشخص فإنه يحنث بكلامه لها، وبمجرد أن تخرج من عصمته وتنتقل عنها، فحينئذ إذا كلمها لا يحنث؛ لأن الوصف متعلق بكلام زوجة هذا الرجل، وحينئذ متى ما كانت زوجة لهذا الرجل حنث بكلامها، وإذا زالت هذه الصفة من الزوجة لم يحنث، أما إذا قال: لا أكلم زوجتك هذه.
صار الأمر متعلقا بالزوجة بعينها، فلو طلقها أو بانت منه، فإنه في هذه الحالة لو كلمها فإن اليمين ما زالت منعقدة فيحنث بكلامها، حتى لو تزوجت غيره فإنه لا زال اليمين متعلقا بالعين فيحنث بكلامها.
قوله: (أو مملوكه سعيدا) .
لو قال: لا أكلم مملوكا لك.
فهذا عام، أي: كل عبد يملكه هذا الشخص، فبمجرد ما يشتريه يحنث بكلامه بأقل ما يصدق عليه أنه كلام، لكن لو قال: لا أكلم مملوكك سعيدا وعين، أو مملوكك هذا وعين وخصص، فحينئذ كما ذكرنا، لو أنه أعتقه ما زال الحكم متعلقا بعين المملوك، فيحنث بكلامه.
قوله: (فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم) الأصل أنه يحنث حتى بعد زوال هذه الأشياء كما ذكرنا وفصلنا.
قوله: [أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا] .
لأن اليمين متعلقة بلحم الحمل، فحتى إن أكله بعد أن صار كبشا، فإنه يحنث؛ لأنه قد انصبت اليمين على لحمه.
قوله: [أو هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا] .
لو جيء لشخص برطب فقال: والله لا آكل رطبا.
فرفع هذا الرطب ثم صار تمرا بالحرارة وبالتأخر وجيء به إليه، فقيل له: كل.
فأكل، فإنه لا يحنث؛ لأن الأمر متعلق بالوصف الذي هو رطب، ولو قال: والله لا آكل الرطب وقيل له: على هذه النخلة رطب اصعد وكله.
قال: أنا حلفت أن لا آكل الرطب، ثم صبر حتى صار تمرا فصعد وأكل، فإنه يحنث لو صعد وهو رطب وأكل منه، ولا يحنث في الثانية؛ لأنه أكل تمرا؛ ولأنه حلف على الرطب، لكن لو قال: والله لا آكل هذا الرطب، فإنه في هذه الحالة يحنث إن أكله رطبا أو تمرا.
[أو هذا اللبن فصار جبنا أو كشكا أو نحوه ثم أكله حنث في الكل] وهكذا بالنسبة للبن، يعني يستوي أن ينتقل عن حاله بفعل المكلف أو ينتقل بطبعه، كما ذكرنا في الرطب والتمر، حنث في الكل [إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة] إذا النية من أقوى ما تكون، ونحن لا نتكلم هنا على قوة السبب.
وعلى هذا يحنث في الكل كما ذكرنا؛ لأنه قصد عين المحلوف عليه.
وإذا كانت له نية فقال: والله لا أكلم زوجتك فلانة، وهذا لأنه رأى أن الرجل متضايق منه بسبب خصومة أو شيء، فقصد في نيته أن هذه المرأة سيئة تسبب مشاكل، فقال: والله لا أكلم هذه الزوجة، وهو يقصد مدة كونها زوجة له، فحينئذ هناك تعيين في السبب، ولكن النية أخص من السبب؛ لأنه لم يقصد عين المرأة، وحينئذ إذا زالت الزوجية يجوز له أن يكلمها ولا يحنث.
الرجوع في اليمين إلى ما يتناوله الاسم عند عدم النية والسبب والتعيين
قال رحمه الله: [فصل: فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم] .
إذا أول شيء النية، ثم السبب، أي: لابد أول شيء أن تكون هناك نية؛ لأن مقاصد المكلفين معتبرة، وقد أجمعت على ذلك نصوص الكتاب والسنة والقاعدة المشهورة: على أن الأمور بمقاصدها، ثم السبب الذي يهيج اليمين.
قوله: (رجع إلى ما يتناوله الاسم) أي: هذا اللفظ يدل على ماذا؟ وهذا عين العدل في الشريعة الإسلامية، فينظر إلى دلالة اللفظ اللغوية والعرفية والشرعية، هذه ثلاثة أنواع من الدلالات، فإذا قال: والله لا أصعد الجبل، والله لا أجلس تحت السماء، والله لا أعبر نهرا ولا أركب بحرا، والله لا أصلي، والله لا أصوم، فكل هذه ألفاظ فيها دلالة لغوية وفيها دلالة شرعية وفيها دلالة عرفية، فحينئذ لابد من النظر في اللفظ، هذا إذا قال: ليست عندي نية في شيء معين، وليس هناك سبب هيج على اليمين، فحينئذ ينظر في دلالة اللفظ.
أقسام الحقائق ومتى يرجع إليها في اليمين
قال رحمه الله: [وهو ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي] .
هذه يسمونها.
الحقائق، وهي: - الحقيقة اللغوية.
-
الحقيقة الشرعية.

-
الحقيقة العرفية.

فالحقيقة اللغوية: مصطلح يكون في أصل التخاطب في لسان العرب، فإذا قالوا: السماء، فهم يعنون بها السماء المعروفة، وإذا قالوا: الأرض، الجبل، الشجر، فهذه أسماء على مسميات معينة وضعت في لغة ولسان العرب، فهذه يسمونها: حقيقة لغوية، وهي ما يدل عليه اللفظ في وضع اللغة.
الحقيقة الشرعية: فالشرع قد ينقل هذا الاسم من عموم إلى خصوص، وقد ينقل هذا الاسم إلى دلالة ليس فيها لا عموم ولا خصوص، وإنما يكون لها معنى جديد، فالشرع يتصرف في المسميات.
الحقيقة العرفية: العرف يجمع الناس على لفظ له دلالة لغوية فيأخذه الناس، مثلا السيارة الآن، السيارة: لها معنى في اللغة، وهي في لغة القرآن موجودة: {وجاءت سيارة} [يوسف:19] {يلتقطه بعض السيارة} [يوسف:10] .
لكن هل تلك السيارة التي كانت عندهم هي السيارة الموجودة عندنا الآن؟
الجواب لا، السيارة في القديم لها معنى، والسيارة في وضع اللغة لها معنى، وفي عرفنا اليوم لها معنى.
ونحن نمثل بشيء موجود: الكتابة في القديم لها معنى، ومعناها اللغوي معروف، وهو الخط باليد، لكن في زماننا الآن يضرب بأصابعه على الآلة ومع ذلك يوصف بكونه كاتبا، فلو قال شخص: والله لا أكتب على الآلة، وهو يختصم مع شخص على أن يطبع له، إذا يوجد معنى عرفي الآن.
كذلك الوضوء له معنى لغوي، وله معنى شرعي، والصلاة والزكاة والصوم والهبة والصدقة والإجارة كلها حقائق فيها معان لغوية وفيها معان شرعية.
ولذلك لما استفتحنا أبواب العلم كنا نقول: في اللغة وفي الشرع، في اللغة: أي: حقيقة لغوية، وفي الشرع: أي حقيقة شرعية، فهذه تسمى: بالحقائق، فإذا تلفظ المكلف فإنه ينظر فيها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]