الاعتداء الفعلي على العرض بالزنا ونحوه
الفعلية: {الزانية والزاني} [النور:2] ، يستفتح بها سورة، ويجعلها أول تنبيه من الله عز وجل في سورة النور التي تعلقت بصفة من صفات الله عز وجل: {الله نور السموات والأرض} [النور:35] ، إذا بها تستفتح بذكر هذا الذنب العظيم والإثم الكبير، وهو جريمة الزنا، اعتداء على الأعراض، وإذا بالله عز وجل يبين عقوبة الزنا، ولكن بأسلوب يثمر القناعة، ويحصل منه الزجر والتخويف: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور:2] .
أي: الزاني أيا كان، شريفا أو وضيعا، قويا أو ضعيفا: {فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ، ثم يقول تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} [النور:2] ، فجعل العقوبة دينا لله عز وجل يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى.
هذا الأسلوب في كونه أول شيء يعاقب على الذنب، وثانيا: كونه سبحانه وتعالى يمنع من الرأفة بهما، إذا به يعقب ذلك، ويقول: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور:2] ، وفي ذلك التشهير، والتشهير بالعقوبة يؤثر على الفاعل للذنب، ويؤثر على من يراه، ومن رأى زانيا يجلد إذا كان بكرا أو رأى زانيا ثيبا يرجم، قل أن يفارقه إلا وقد اتعظ، ولن يستطيع أن يرفع حجرا يرميه إلا وزجر نفسه عن أن يفعل فعله، وخاف من الله عز وجل أن يرجم غيره وهو مثله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور:2] .
{الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} [النور:3] ، قيل: لا ينكح: لا يطأ ولا يزني، لا يفعل الزنا إلا زان أو مشرك، زان من فساق المسلمين أو كافر، {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} [النور:3] ، فجاء التحريم بعدها.
وهذا أسلوب من أساليب التنفير من الذنب والجريمة، أعني أسلوب الخطاب بالتحريم، وإذا بالشرع يزيد على هذا في تحريم الزنا بقوله تعالى: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء:32] .
والله ما تأمل أحد هذه الآية بإيمان وصدق فيزني أبدا، فإنه قال: (( ولا تقربوا )) : ما قال: لا تزنوا، والنهي عن القرب من الشيء أبلغ من النهي عن فعله.
ثم قوله الله: (( ولا تقربوا )) أي: ذكورا وإناثا، أغنياء وفقراء، شرفاء ووضعاء، خاطب الله عز وجل الأمة كلها: (( ولا تقربوا الزنى )) .
وهل الزنا هو الفعل فقط؟ لا، بل النهي عن الزنا بجميع صوره، فكل ما سماه الله ورسوله زنا يتقى، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فزنا العين النظر، وزنا اليد اللمس، وزنا الرجل المشي، وزنا القلب بعد ذلك بأن يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، حتى تنتهي الجريمة الكبيرة وهي فعل الزنا واقترافه والعياذ بالله.
هذا النهي (لا تقربوا الزنا) تشريع، والتعبير بصيغة (لا تقرب) أبلغ في التحريم.
ثم انظر كيف الله عز وجل يقول: (( إنه )) بصيغة التوكيد، ونحن لا نشك في شيء يخبرنا الله عز وجل عنه أبدا، فلا أصدق من الله حديثا ولا أصدق من الله قيلا، فكيف إذا أكد الله ذلك بصيغة التوكيد، فهذه الصيغة تحتاج إلى تأمل! (( إنه )) الضمير عائد إلى الزنا بجميع صوره، وإلى وسائل الزنا وفعل الزنا كله: {إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء:32] . الاعتداء الفعلي على العرض بالنظر ونحوه
الزنا فاحشة بالنظر، فاحشة بالسمع، فاحشة باللمس، فاحشة بجميع صوره.
البعض يظن أن الفحش أن يفعل الزنا، نعم هذا فحش، وما علم أن الزنا فاحشة إذا نظر بعينه، ولذلك كل من تكون عنده جرأة على أن يزني بعينه يكون من أهل الفاحشة، فتجده جريئا على حدود الله في نظره، والله تعالى يطمس من عينه نور البصيرة، ولا تزال ترتع عينه في حرمات المؤمنين، وأعراضهم حتى يرفع منها نور الفراسة، ولا يزال يرتع بعينه والعياذ بالله في حرمات المؤمنين حتى يشهد الناس عليه أنه زان بعينه، فهو قد يبدأ بخيانة الأعين يسرق النظرات، ثم بعد ذلك تجد الفحش في عينه، حتى لربما نظر إلى المرأة وهي مع زوجها وأومض بعينه إشارة إلى الخنا والفجور.
ومن هنا تجد من يزني بعينه، ربما يسير في الشارع فلا يقف على عورة من عورات المسلمين إلا أرسل النظر إليها، ولا ينظر إلى بيت إلا وجدته خائنا في نظره فاحشا متفحشا في بصره، ينظر إلى باب البيت، ينظر إلى النافذة، ينظر إلى خلل البيت يبحث عن الأماكن الخفية، بل حتى لربما لو وقف بجوار سيارة يقلب نظره في السيارة يمنة ويسرة يريد أن ينظر إلى عورة من عورات المسلمين! وهذا فاحش! وكل النفوس تمقته، وكل الناس تزدريه وتشمئز منه، تأتيه المرأة -وهي عورة من عورات المسلمين- وهو بائع أو طبيب أو في أي عمل من الأعمال، لمصلحة من المصالح، فإذا به ينظر إليها فيومض عينه ومض الخنا والفجور، فلا تملك أمة الله إلا أن تكره ذلك الشيء الذي تريده منه، ولربما كرهت وخرجت من عنده، وإذا صبرت خرجت بقلب مجروح لما اقترف من محارم الله فيها.
من هذا الفاحش الذي لا يخاف الله عز وجل حينما يرسل النظر، كلما جاء إلى عورة من عورات المسلمين تجده يسترسل في النظر إليها؟! الاعتداء القولي على العرض بالفحش والنميمة والقذف ونحوها
ثم تجد زنا اللسان، اللسان يزني بالكلمات الفاحشة البذيئة، بالتسلط على عورات المسلمين بالمغازلة، يكلم أمة من إماء الله عز وجل يستدرجها إلى الحرام، إلى الفواحش والآثام، فتجد الفاحشة في لسانه، ولذلك قل أن تجد أحدا ممن يسترسل في أذية النساء بلسانه فيرزق القول السديد؛ لأن ذنب اللسان لا يجتمع معه نور القول والعمل، فنور الإيمان لا يجتمع مع معصية الله عز وجل، فتجده لا يوفق في كلامه، ولا يوفق في قوله، ولا يرزق القول السديد.
وتجده فاحشا في قوله، حتى لربما يجلس مع بعض إخوانه فتجد زلات اللسان واضحة لا يستطيع أن يتحكم: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [المطففين:14] ، {وما ظلمهم الله) [آل عمران:117] ، ذلك بما قدمت يداك} [الحج:10] ، {فبما كسبت أيديكم} [الشورى:30] ، من الفحش وغيره.
كذلك يقول: {إنه كان فاحشة} [الإسراء:32] ، يعني الزنا، فهو إذا تسلط على عورات المسلمين بالكلام، لا يمكن أن يحول بين نفسه وبين الفحش.
وإذا تسلط على عورات المسلمين بالمشي، (وزنا الرجل المشي) كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فتجده يخرج في ظلمات الليل وفي مظان الريب، من أجل أن يبحث عن عورة من عورات المسلمين.
والمرأة الفاسدة والعياذ بالله تجدها أفحش، ولذلك بدأ الله في الزنا بالنساء؛ لأن المرأة لو استعصمت بعصمة الله ما وقعت في الحرام ولا وقع منها الزنا، ولذلك قال: (( الزانية والزاني )) ، فبدأ بها، ولما كانت السرقة غالبا تأتي من القوي وهو الرجل قال: {والسارق والسارقة} [المائدة:38] ، فقدم النساء في الزنا وقدم الرجال في السرقة، وكل له ما يناسبه وما يشاكله.
فالمرأة إذا زنت أصبحت تحب سماع الخنا والفجور، تجدها والعياذ بالله متفحشة، لا تريد أن تسمع إلا كلاما بذيئا ساقطا، وتستعذب ذلك، وليأتين عليها يوم تتجرع فيه مرارة ما كسبت، إما عاجلا أو آجلا.
يقول الله عز وجل: {إنه كان فاحشة} [الإسراء:32] ، هذا في مقدمات الزنا، فكيف بفعل الزنا، والذي يقع في الزنا والعياذ بالله أفحش ويكون بلغ الفحش به غايته؛ فتجده لا يتورع عن حرام من سيئات الفرج، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) .
في هذه الآية يقول الله تعالى: {إنه كان} [الإسراء:32] ، وقع التعبير بكان التي تدل على الدوام والاستمرار، فالتصق الزنا مع الفحش ولا يمكن أن يفارق الزنا الفحش، {إنه كان فاحشة وساء سبيلا} [الإسراء:32] أي: ساء طريقا.
فمن سلك طريق الزنا بكت عيناه وتقرح قلبه، وإن لم يتب إلى الله عز وجل فلربما قاده ذلك إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله، وكما يقول: ساء سبيلا، فمن يزني بإماء الله ويتعرض لعورات المسلمين؛ ليبكينه الله في الدنيا أو يبكينه في الآخرة أو يجمع له بين البكائين في الدنيا والآخرة، فمن تسلط على عورات المسلمين واستدرج الغافلات، واستدرج النساء، وأوقعهن في حبائله وأمنياته المكذوبة فلابد وأن يسوء سبيله وتسوء خاتمته، ولذلك تجد من يستمرئ هذه العادة في أسوء الأحوال، وما سميت السيئة سيئة إلا لأنها تسيء إلى صاحبها.
ولقد رأيت بعيني رجلا كان فاحشا متفحشا بذيئا، متسلطا على عورات المسلمين، وجاءني أكثر من شخص يشتكي منه، وكان معنا في الدراسة، ووعظته أكثر من مرة ولم أستطع أن أقول له: بلغنا عنك كذا وكذا؛ لأنني لا أستطيع أن أتهم الناس، ولكني ذكرته بالله بما ظهر لي من حال، فما كان إلا أن استهزأ واستخف، فوالله الذي لا إله غيره! ولا رب سواه! لقد رأيته في حادث فكانت خاتمته من أسوأ الخواتم، وكان جريئا على استدراج البرآء وضعفاء الصغار ونحو ذلك إلى الفساد والعياذ بالله، فلا يحسب أحد أن الكون همل وأن عورات المؤمنين سهلة، فمنهم من يبتلى بالشرود الذهني، ومنهم من يبتلى بشتات النفس، ومنهم من يبتلى بالفقر، ومنهم من تضرب عليه الذلة والعياذ بالله، ومنهم من ينطفئ نور الإيمان في وجهه، إلخ.
{وساء سبيلا} ، والعاقل الحكيم لا يمكن أن يستدرج نفسه إلى عواقب السوء والعياذ بالله (وساء سبيلا) : نكرة، أي: ساء طريقا على أي كان هذا الزنا.
كذلك الاعتداء على العرض كما يكون بالزنا؛ يكون بالقذف: {إن الذين يرمون المحصنات} تعبير بالتوكيد: إن {الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} [النور:23] ، وعيد شديد! كون الله سبحانه وتعالى ينظر إلى النساء الصالحات الغافلات المؤمنات، ويغار عليهن سبحانه من فوق سبع سماوات، فلا يظنن أحد أن أعراض المسلمين رخيصة، ولا يظنن أحد أن اللسان لا سلطان عليه، والله سبحانه وتعالى قد حذر من الوقوع في حقوق الناس، ولذلك تجد أن العواقب الوخيمة في إضاعة حقوق الناس أليمة في الدنيا والآخرة، وجاءت الصيغ في القرآن والسنة في المنهيات، من حقوق الناس من أبلغ ما تكون، ولذلك تجد مثلا في النميمة، وهي نقل الحديث بين الناس: يمر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فيقول: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فقد كان يمشي بالنميمة ... ) ، نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، الذي يقول الله له يوم العرض الأكبر: (ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع) ، فيشفع في الأولين والآخرين، ولم يستطع أن يشفع في رفع العذاب عن نمام، إنما قال: (لعله أن يخفف عنه ما لم تيبسا) ، لا يرفع العذاب وإنما يخفف فقط؛ لأن حقوق الناس أمرها عظيم.
وهذا نذير من الله عز وجل؛ فإن استطعت أن تخرج من الدنيا ولم تسب مسلما ولم تتهم مسلما في عرضه، ولم تتهمه في فكره ومنهجه وعقيدته، وتخرج وأنت خفيف الظهر والحمل من حقوق المسلمين، فافعل ذلك رحمك الله، وإلا لتندمن وليطولن ندمك، ولتندمن حين لا ينفع الندم.
فهنا في القذف يقول الله عز وجل: {لعنوا في الدنيا والآخرة} [النور:23] ، فلهم لعنة الدنيا ولهم لعنة الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.
{ولهم عذاب عظيم} [النور:23] ، وصف العذاب بكونه عظيما، وكأن سائلا سأل: ما هو هذا العذاب العظيم يا رب؟! متى يكون؟ وأين يكون؟ فإذا به يقول: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} [النور:24] ، التي كانت لا تبالي بأعراض المسلمين، هذه الألسنة التي كانت سليقة حادة: {سلقوكم بألسنة حداد} [الأحزاب:19] ، هذه الألسنة التي لا تبالي بحرمة، إذا به سبحانه يخبر أن هذه الألسنة التي أذنبت تشهد، {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [يس:65] .
ورد في بعض الآثار أن العبد يقول حينما تشهد عليه الملائكة (يا رب! لا أرضى حتى تقيم علي شاهدا من نفسي، فيقول: من نفسك؟ قال: نعم، فيختم الله عز وجل على فيه، ويتكلم فرجه، وتتكلم رجله، وتتكلم يده) ، في يوم يسوؤه كلام ويسوؤه ما يسمعه، فإذا به يخبر الله عز وجل أنه تشهد عليهم ألسنتهم بما رتعوا في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وما استحلوا من محارم الله.
كم من أمة من إماء الله عز وجل سهرت ليلها تبكي، وأصبحت نهارها متقرحة القلب تشتكي إلى جبار السماوات والأرض من المظالم في اتهامها في عرضها، وكم من طالب علم وعالم وداعية وصالح يتهم في فكره ومنهجه، فلا يحسب أحد أن أعراض المسلمين رخيصة، وإن هذا اللسان الذي يرتع ليعاقب به العبد إذا كان يرتع في العرض؛ فكيف بالدين؟ وكيف بالفكر؟ وكيف بالمنهج؟ جعل الله عز وجل هذه الجرائم محل المقت في قلوب المسلمين، وليس هناك أحد هذب أخلاق المسلمين وقوم سلوكهم وسدد وصوب اتجاههم، مثل ما جاء في كتاب الله عز وجل.
ومن هنا يتضح لنا كيف بين الله عز وجل عظم الاعتداء عن العرض، وكيف حذر من هذا الذنب. التحذير من الاعتداء على الأموال
الاعتداء على الأموال: الله سبحانه وتعالى بين حد السرقة وحد الحرابة، وهذه العقوبة بقطع اليد التي هي من أبلغ ما تكون ألما، ومن أبلغ ما تكون زجرا للفاعل وزجرا لمن يرى هذه العقوبة.
قل أن تجد أحدا يرى سارقا تقطع يده فيفكر في السرقة، يقول أحد العلماء: جاءني رجل كان مبتلى بالنصب والسرقة والعياذ بالله، بل الأسرة عنده مبتلاة بهذا ونشأ في هذا الانحراف، يقول: ولا يستطيع أن يتركه، قال له: اطلب العلم لعل الله سبحانه وتعالى أن يكسر قلبك بزواجر التنزيل وتتعلم، وكان من بيئة ضعيفة.
فابتدأ طلب العلم، وصار يسرق طلاب العلم، فصارت المصيبة أكبر، ذكره بالله وخوفه بالله عز وجل، وإذا به يقول: لا أستطيع؛ لأنه مبتلى بهذا البلاء، فشاء الله يوما من الأيام أن قال له موعظة، قال له: أنا أوصيك بوصية، وهي: أن تحرص أن ترى سارقا تقطع يده، ترى بعينك فقط وتعتبر، وشاء الله عز وجل بعد فترة وإذا به يقام حد سرقة، فجاء ووقف على السارق تقطع يده ورأى الدم ورأى اليد تفصل، ورأى حال من قطعت يده فأغمي عليه، ومن بعدها لم يمد يده إلى مال حرام، فقضاء الله عز وجل فيه زجر، والله أعلم بالنفوس، الله أعلم بما يزجر عباده وبما يصلحهم.
هذه مجمل التشريعات الواردة وأسلوب النهي فيها.
الأسباب التي تعين على وجود الوازع الديني، جعلها الله عز وجل في التشريعات التي تقوي الإيمان، وتسلم بها عقيدة المسلم ويصلح بها عمله.
وهناك جوانب أخر، جعل الله عز وجل فيها السلامة من الجرائم، ونبه عباده على أنها علاج للجريمة، وسبب في ترك الجريمة والسلامة منها، والتي منها الإيمان بالله، وإقام الصلاة، والصوم، والذكر؛ فهذه أسباب كلها تقوي جذوة الإيمان، وينتج عنها البعد أو مقارفة الجرائم والوقوع فيها.
سنتحدث إن شاء الله في الأسبوع القادم عن جوانب من التشريعات الإلهية التي أعانت الناس على اتقاء الجرائم وعدم الوقوع في هذه المحرمات التي دلت نصوص الكتاب والسنة على تعظيم أمرها وعلى وجوب تركها والبعد عنها، نسأل الله العظيم أن ييسر ذلك وأن يرزقنا القول السديد، إنه ولي ذلك وهو الحميد المجيد، والله تعالى أعلم.
الأسئلة
المعاصي علامة على ضعف الوازع الديني
السؤال المسلم يذنب ويرتكب المعاصي، هل هذا يدل على أنه ليس له وازع ديني أو خوف من الله؟ أثابكم الله.
الجواب الناس ووقوعهم في المعاصي -وهذا سننبه عليه- على أحوال: منهم من يقع في المعصية، ولا إشكال أنه لا يقع في المعصية إلا بضعف إيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) ، فمن كمل إيمانه بالله كملت استقامته على طاعة الله بفعل ما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر.
وأما من ضعف إيمانه فعلى العكس، وعلى هذا: فلا شك أن الإيمان مؤثر في هذا، وله أثر على سلوك الإنسان، ولكن بالنسبة للتلبس بالمعاصي فهو على أحوال؛ فهناك أسباب تدعو إلى المعاصي، ومنها ما يكون من الشخص نفسه، من النفس السيئة وغلبة الهوى وغلبة الشهوة، ومنها ما يكون من قرناء السوء، ومنها ما يكون في بيئته، ويدل على ذلك حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، وأتم المائة فأمره العالم أن يترك بيئته وأن يخرج، وقال له: إن في قرية كذا أناسا صالحين، وأوصاه أن يترك قرية السوء، وكان في ذلك علاج له، والسنة أقرت هذا، وهذا يدل على أن المعاصي قد تكون بسبب البيئة.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.