شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(مقدمة كتاب الحدود)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (537)
صـــــ(1) إلى صــ(13)
شرح زاد المستقنع - علاج الجريمة في الشريعة الإسلامية
شرع الله الحدود والعقوبات والزواجر التي تردع عن حدوده ومحارمه، وقد امتازت الشريعة الإسلامية في هذا المجال بميزات عظيمة تدل على سمو منهجها، وحكمة الله عز وجل العظيمة ولطفه بخلقه، ومما امتازت به الشريعة الإسلامية إلى جانب معاقبة المقترف للجريمة، أنها وضعت الحلول لمنع اقتراف الجرائم بداية وذلك بمنع أسبابها ودواعيها. التدابير الوقائية
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: التدابير كثيرة، لكن يمكن أن نلخص جوانب منها ونتكلم عنها، وهي تبرز القليل من الكثير، والغيض من الفيض، ومن ذا الذي يستطيع أن يكشف تلك الأسرار والعلوم والمعارف التي هي تنزيل من حكيم حميد؟! من يستطيع أن يصل إلى هذه الأسرار والحكم والفوائد التي حار فيها العلماء، وحار فيها الحكماء، وكشف كنوزها أولو العلم وأولو البصيرة والراسخون في التفاسير وشروح الأحاديث، وبينوا الحكم والأسرار والفوائد؟! لكننا نستطيع أن نجمل شيئا منها في ثلاثة جوانب مهمة، فهناك تدابير وقائية جعلها لله عز وجل للمسلم: إما أن تكون للإنسان في نفسه.
أو تكون في أقرب الناس منه، وهم أهله وذووه والداه وولده، وزوجته ومن هو مسئول عنهم.
وإما أن تكون فيمن يخالط، وهي البيئة والمجتمع. الوازع الديني
هذه الثلاثة الجوانب تبدأ بنفسية الإنسان، هذه النفسية المؤمنة التي خاطبها الله عز وجل فأيقظها من منامها، ونبهها من غفلتها وأرشدها من ضلالتها، وهداها من غوايتها، هذه التدابير المتعلقة بالنفس تدور حول قضية حساسة جدا، وهي القضية التي تسمى بالوازع الديني.
فليس هناك سياج أعظم ولا أكمل ولا أتم من هذا السياج الذي وضعه الله عز وجل بينه وبين عبده، إذ هو سر في القلوب لا يطلع عليه إلا الله جل جلاله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الوازع الديني هو القوة الإيمانية الرهيبة التي لو خلا العبد معها بحد من حدود الله عز وجل؛ ما استطاع أن يفكر في اقترافه فضلا عن أن تمتد له يد، أو تلتبس جارحة من جوارحه بذلك الحد الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الوازع الديني قوة خفية في الإنسان وهي خشية الغيب، كخشية الشهادة، فخشية الغيب تظهر إذا خلا العبد بحرمة من حرمات الله عز وجل؛ فإن هذه الخشية تحمله على أن يتركها؛ كما لو أنه على رءوس الأشهاد، وخشية الغيب هي التي لم تكن معها خائنة عين.
هذا الوازع الديني ما فتئت نصوص الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحركه، وتوقظه وتنبهه، وتجعله أمينا على ولي الله المؤمن، وعلى الأمة من إماء الله عز وجل أن تخون أمانتها أو تضيع رسالتها ودينها وشرفها وعرضها وكرامتها، هذا الوازع الديني، تضافرت نصوص الكتاب والسنة على إحيائه وإذكاء جذوته، ولذلك تجد المسلمين في سائر العصور والدهور يمتازون بهذه القضية، وفي جميع العصور والدهور لن تجد أطهر ولا أنقى ولا أتقى ولا أفضل ولا أكمل من مجتمعات المسلمين، حتى ولو فسدت مجتمعات الأرض فإنك تجد أقرب المجتمعات إلى الخير وأحسنها وأفضلها -بالنسبة لغيرها- مجتمعات المسلمين.
وكلما قوي باعث هذا الوازع وكلما قويت جذوته في النفوس؛ استحكم الإيمان في القلب، وكلما عظمت الهيبة للرب سبحانه أصبح الإنسان بعيدا عن مقارفة الذنب والتلبس بالعيب. تنمية الوازع الديني
الوازع الديني له روافد تغذيه، وقد غرسه الله ونماه في نفس المؤمن في كل حد من الحدود التي مضت معنا، بل في كل حرمة من حرمات الله عز وجل، لن تقرأ آية في كتاب الله، ولن تسمع بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا وجدت إشارة تحكي ذلك المعنى الخفي العظيم.
لو بدأنا مثلا بالنصوص في الكتاب والسنة، وكيف حركت في النفوس وازع الدين في اتقاء هذه الجرائم، والبعد عن التلبس بالجريمة، وكيف أن القرآن خاطب بأحسن الخطاب ووجه بأكمل التوجيه ووعظ بأحسن الوعظ: {إن الله نعما يعظكم به} [النساء:58] ، وكيف تمت كلمة ربك صدقا وعدلا، تقيم الإنسان على هذا المنهج الذي ينفر بسببه ويبتعد عما حرم الله.
ميزة هذا الوازع الديني أنه يثمر شيئا ينتهي إلى شيء، فالوازع الديني يثمر القناعة الذاتية، والقناعة الذاتية تنشأ عنها النفرة، وهي من أعظم الأسباب التي تحول بين العبد وبين حدود الله ومحارمه، فالذي عنده وازع ديني وقويت فيه جذوة الإيمان والدين -ولا يمكن أن تقوى إلا بالإيمان ولا يقوى الإيمان إلا مع قناعة- وصحبه قناعة ذاتية؛ فعندها لا يستطيع أن يصغي بأذنه أو ينظر بعينه أو يمد يدا أو يخطو خطوة إلى شيء حرمه الله عز وجل عليه.
هذه الأمور كلها اجتمعت في عبارات النصوص في الكتاب والسنة، أروع وأجمل وأجل وأكمل ما أنت راء وسامع من خطاب يوجه إلى عبد أو إلى أمة لكي يحال بينه وبين حرمة الله عز وجل. التحذير من الاعتداء على النفس المحرمة
خذ -مثلا- جريمة القتل، إذا أخذت جريمة القتل ونظرت كيف خاطب الله عز وجل عباده بتعظيم النفس المحرمة، وكيف جاءت النصوص في القرآن تربي ذلك الوازع الديني العظيم وتذكي جذوته في النفوس، علمت أنها أصدق عبارة وأصدق كلمة، وأتم بيان يكون في التوجيه وفي الوعظ: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء:93] ، أي مؤمن يقرأ هذه الآية ويتأمل هذا الكلام من الله سبحانه وتعالى يتعظ.
(( ومن )) : صيغة من صيغ العموم، أي: ولو كان أغنى الناس في الأرض، وأشرف الناس، وأعلى الناس، ولفظ: (مؤمن) نكرة، أي: ولو كان أفقر خلق الله، (( ومن يقتل مؤمنا )) ، ولم يفرق الله بين الناس، لا بأحسابهم ولا بأنسابهم ولا بصورهم ولا بأشكالهم ولا بمراتبهم ولا بوظائفهم.
وعبر بالإيمان الذي هو حرمة من حرمات الله عز وجل ويجب أن تتقى.
(( متعمدا )) أي: قاصدا الجريمة وطالبا إزهاق نفس بدون حق.
(( فجزاؤه )) ليس له جزاء إلا هذا الجزاء، وانظر! كيف جاء التعبير بالجزاء؛ لأنه عندما تأتي كلمة (جزاء) فالنفوس دائما تطمع، فلما تأت العقوبة في سياق تطميع يكون هذا مثل الصدمة.
(( فجزاؤه جهنم )) أي: ما له جزاء إلا هذا، وهذا فيمن استحل قتل المؤمن، {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} [النساء:93] ، ولا يخلد إلا من استحل، فالمستحل يكفر، وعندها يكون من الخالدين أبدا، لكن لو أنه لم يستحل، وتعمد القتل فهو إلى مشيئة الله: إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، كما دلت على ذلك النصوص، وهو مذهب أهل السنة والجماعة في مرتكبي الكبائر.
(( فجزاؤه جهنم )) ، وليس هذا فحسب؛ بل (( خالدا فيها )) ، تصور مؤمنا كلما ذكر النار طار فزعا منها، وكلما مر عليه اسم النار فزع وخاف، ما الذي أبكى عيون الصالحين، وأسهر جفونهم في جوف الليل: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا} [السجدة:16] ، خوفا من جهنم، خوفا من النار، فإذا بالله عز وجل يأتي بها جزاء في القتل، هذه جهنم التي وصف الله أغلالها وعذابها، وشدتها وبلاءها وكربها، فما رأت عين ولا سمعت أذن أعظم ولا أشد من عذاب الله في جهنم.
قال تعالى: {فجزاؤه جهنم خالدا فيها} [النساء:93] ، وليس الجزاء أنه خالد فيها فقط، بل: {وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء:93] ، الغضب: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} [طه:81] ، ولعنه: {ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} [النساء:52] اللهم إنا نعوذ بك من لعنتك.
فإذا أصابت اللعنة قلبا ختم عليه والعياذ بالله، إلا أن يتداركه الله برحمته.
{وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} [النساء:93] ، قف عند قوله: (( وأعد )) ، وقف عند قوله: (( عذابا )) نكرة، و (( عظيما )) ، والعظيم من الله عظيم! فالنفس المؤمنة التي تقرأ هذه الآية، ماذا يحدث لها؟ ثم يخاطب الله عباده في هذه الجريمة أفرادا وجماعات شبابا وشيبا؛ ذكورا وإناثا: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} [الأنعام:151] ، أسلوب آخر من أساليب الزجر، يقول الله تعالى: (( ولا تقتلوا )) ، ما قال: لا تقتل، فما خاطب خطاب الفرد، بل خاطب خطاب الجماعة حتى يشمل طبقات المجتمع كلها ويشمل الصغير والكبير، وأن تعلم أن العزيز والذليل في حكم الله سواء.
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله} [الأنعام:151] ، العبد حينما يتذكر كلمة (حرمة) يعرف أنها من أعظم الأشياء والحرمة لها حرمة، قال سبحانه: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} [الحج:30] فهو خير له في دينه ودنياه وآخرته، فكون الله عز وجل يحرم القتل، ويجعل القتل لشيء محرم له حرمة، تنفر النفس بمجرد ما تقرأ هذا الشيء، وتحس أن بينك وبينه حواجز تنبني عليها تقوى الله والخوف منه جل وعلا، ثم يقول الله عز وجل في آية ثالثة: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء:29] ، وأسلوب النهي يتضمن التحريم.
(لا تقتلوا أنفسكم)، ما قال: لا تذبحوا، وإنما قال: لا تقتلوا؛ لأن القتل أعم من الذبح؛ لأن الذبح يكون بالإضجاع ولكن القتل يكون على أية صورة، سواء قتل قائما، أو قاعدا، أو مضطجعا، بسكين، أو برمي، أو غيره، كله يسمى قتلا: (( ولا تقتلوا أنفسكم )) .
وما أبلغه من تعبير بقوله: (أنفسكم) جعل الله المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة، فمن قتل مؤمنا فكأنما قتل المؤمنين، {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة:32] .
هذا الأسلوب الرباني في النهي عن هذه الجريمة التي تتعلق بالاعتداء على النفس، من شأنه أنه إذا قرأه الإنسان متأملا متدبرا اقتنع بالحكم، وحصل عنده وراء هذه القناعة ما نريده من النفرة مما حرم الله.
وكون هذه الخطابات: تشريعا، ووصفا، وبيان عاقبة، فهذه الثلاث الأسس ما اكتملت في خطاب ولا توجيه؛ إلا كان له أطيب الأثر في النفوس، فجاء الحكم بالتحريم: (( ولا تقتلوا )) ، فإنه نهي يقتضي التحريم، وجاء الخطاب بوصف النفس المقتولة: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله} [الأنعام:151] ، {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء:29] ، وهذا يجعل عند الإنسان تعظيما لهذه النفس المحرمة، ثم بيان العاقبة.
فأنت حينما تنهى، وتصف المنهي عنه بأن له حرمة، وتصف أن اقتراف هذه الحرمة يعود بالعواقب الوخيمة والنهايات الأليمة، فإن ذلك أبلغ ما يكون تأثيرا في النفوس، إذ هو {تنزيل من حكيم حميد} [فصلت:42] ، فلذلك جاء الأسلوب لهذه الجريمة في هذه الآيات، وأما في السنة، فهناك أحاديث كثيرة، لكن سنقتصر على آيات القرآن في حد جريمة القتل. التحذير من الاعتداء على العقل
جريمة الاعتداء على العقل: أعز ما مع الإنسان بعد نفسه ودينه؛ عقله، الذي هو نور يميز به بين الحق والباطل، والهدى والضلال؛ الاعتداء عليه إما بشرب المسكرات والمخدرات، وإما بغيرها.
فكلما هم بها العبد إذا بالقرآن يأتي بأبلغ العبارة وأصدق الإشارة ويهز القلوب هزا؛ فتحصل الاستجابة ويعمل على التخلص من الخمور، ويسعى للإقلاع عن المسكرات وتجنب سبيلها.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} [المائدة:90] ، فكون الآية تصدر بخطاب فيه وصف التشريف والتكريم فما ذلك إلا لأنه أدعى للاستجابة؛ لأنه لا يستجيب لربك الاستجابة التامة الكاملة إلا أهل الإيمان، ولذلك خصهم الله بندائه، وشرفهم بدعوته.
(( يا أيها الذين آمنوا )) : لأن المؤمن ينظر إلى الآخرة، ينظر إلى الحساب إلى العذاب إلى الجنة إلى النار.
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر} [المائدة:90] : أسلوب الحصر والقصر، كأنه يقول: هذه الخمر، ما فيها إلا كذا، بخلاف أن يقول: الخمر كذا وكذا، وابتدأ بها قبل الميسر والأوثان، فقال: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} [المائدة:90] ، فجعلها قبل الشرك لأنها طريق إليه؛ ولأنها أم الخبائث، ومن فقد عقله فإنه قد يشرك بالله عز وجل ويرتد ويسب الدين، وينتهك الحرمات ويسفك الدماء المحرمة، ولربما قتل أمه وأباه، والعياذ بالله.
فإذا: هي أم الخبائث، فقدمها قائلا: (( إنما الخمر )) ، قبل الشرك بالله عز وجل والميسر، والأنصاب والأزلام: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} [المائدة:90] ، فجاءت نكرة، والعرب إذا جاءت بالنكرة فإنها تشير بذلك إلى استغراق الشيء في الوصف، أي: إنها الرجس كله، فعندما تقول: فلان رجل، يعني جميع صفات الرجولة فيه، فلما قال الله: الخمر رجس، فجميع صفات الأرجاس الحسية فيها، فليس هناك أخبث منها، ولا أنتن منها، والأرجاس المعنوية التي فيها الكفر بالله عز وجل وسب الدين وفيها قتل النفس المحرمة، فالأرجاس القولية والفعلية كلها في الخمر.
{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} ثم يقول تعالى: {من عمل الشيطان} [المائدة:90] ، والمؤمن بينه وبين الشيطان نفرة؛ لأن الله قال له: {إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} [الإسراء:53] ، وإذا علمت أن هذا من عدوك فهل ترضى به؟ {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة:90] ، أمر باجتنابه، ولم يقل: لا تشربوا الخمر، وإنما قال: (( فاجتنبوه )) ، ومعنى المجانبة ألا يشرب من باب أولى، فهذا نهي عن الاقتراب منها، بخلاف ما إذا قال: لا تشربها، فإنه قد يطلي بها، وقد يتعطر بها، لكن قال: (( فاجتنبوه )) ، فجاء النهي عاما بالترك، وعدم التلبس بهذه الخمرة التي حرمها الله ورسوله.
{فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة:90] ، كونه يرتب الفلاح على ترك الخمر، فوالله ما ترك الخمر عبد لله مؤمنا موقنا صادقا مستجيبا لله عز وجل إلا أفلح وأنجح.
{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة:91] ، وهذا من بيان الآثار السيئة للجريمة: {أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء} ، والله عز وجل يريد القلوب أن تجتمع وأن تأتلف، والأرواح أن تتصافى، وكل نصوص القرآن والسنة تجمع المؤمنين ولا تفرقهم، وتحبب بعضهم إلى بعض ولا تبغضهم ولا تبغض المؤمن للمؤمن.
{إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} [المائدة:91] ، فما شربت الخمر إلا سب شاربها ولعن وقذف، ووقع في حدود الله عز وجل وانتهكها، فقال الله: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة:91] ، لما قال: {ويصدكم عن ذكر الله} ، جاء الله عز وجل بوصفين خبيثين في الخمر: الأول: يضر بالناس، وفيه إضاعة لحقوق الناس، والثاني: يضر بحق الله وفيه إضاعة لحق الله، {أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء} ، {ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة} ، فجمع الله فيها بين الشرين، فيما بين العبد وربه وفيما بينه وبين الناس.
{فهل أنتم منتهون} ؟! عبارة جميلة وأسلوب بلاغي رفيع، ما ملك الصحابة حينما سمعوا هذه الآية إلا أن صاحوا وصاح عمر رضي الله عنه: انتهينا انتهينا، ورد في رواية أنه جثا على ركبتيه وقال: انتهينا يا رب! انتهينا يا رب! فهذه الخمر التي كانت مفتونة بها النفوس استلت بالآيات البينات من كتاب الله عز وجل؛ فما بال الذي يقترف معصية من المعاصي ويقال: يا أخي! اتق الله واترك، فيقول: لا أقدر! كان بعض الصحابة يشرب الخمر، والخمر من أشد ما يكون فطم الإنسان عنها، ولكن قال الله: اتركها فتركها، وقال الله: اجتنبها فاجتنبها، كمال الاستجابة من كمال التوحيد وكمال الإيمان. التحذير من الاعتداء على العرض
الاعتداء على الأعراض: الله عز وجل يعظم حرمات العرض في جريمة الاعتداء على العرض القولية والفعلية.