عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18-10-2025, 12:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,757
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي


لزوم العدة في النكاح الفاسد
قال المصنف رحمه الله: [حتى في نكاح فاسد فيه خلاف، وإن كان باطلا وفاقا لم تعتد للوفاة] .
تقدم معنا النكاح الفاسد وهو الذي اختلف العلماء فيه فقال بعض العلماء: إنه فاسد، وقال بعض العلماء: إنه صحيح، ومن أمثلة ذلك: النكاح بدون ولي فإن الحنفية -رحمهم الله- يصححونه والجمهور يبطلونه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عباس رضي الله عنه: (لا نكاح إلا بولي) - فهذا نكاح فاسد فيه خلاف، فلو نكح نكاحا فاسدا فيه خلاف لزمت العدة، فمن حيث الأصل الأنكحة التي فيها خلاف بين العلماء، إذا عقد شخص معتمدا على القول الثاني الذي لا تراه فنكاحه صحيح، لأنه لا إنكار في المختلف فيه.
لكن لو أنك سئلت عن هذا النكاح.
يعني: طلب منك القضاء في مثل هذا العقد ورفع إليك ورضيا بك، فحينئذ تحكم ابتداء لا استئنافا؛ لأن الاستئناف تصحيح عقود المسلمين التي مضت على أحد قولي العلماء رحمهم الله، وهذا سيأتينا -إن شاء الله- في كتاب القضاء، هذا في مسائل الفروع المختلف فيها، هل من حق القاضي أن ينقض القضاء أو لا؟ والذي عليه العمل عند العلماء: أنه لا ينقض حكم غيره بناء على اجتهاد الغير إلا إذا خالف نصا قطعيا في كتاب الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو الإجماع، أما إذا كان من المختلف فيه فلا ينقض، لكن لو ترافعا إليه قضى بما ترجح في نظره، فالقاضي يقضي بما ترجح عنده لا بما ترجح عند الخصوم، وبناء على ذلك: يحكم بفساد هذا العقد أو بصحته ولا يوجب الحد على الزوجين؛ لأن لهما شبهة شرعية، وبناء على ذلك: لو رفع إليه هذا النوع من النكاح الذي يراه فاسدا فإنه تثبت العدة إذا حكم بفسخه.
والفائدة التي نستفيدها من هذا: أن العدة تكون في نكاح صحيح وفي نكاح فاسد، بخلاف بعض العقود الشرعية التي إذا فسدت فسدت آثارها، وبعض الأحيان يفسد العقد ويبقى الأثر، ويحكم ببعض الآثار المترتبة عليه كالعقد الصحيح، مثل مسألة: العدة، حيث تبقى كالعقد الصحيح ويثبت المهر بما استحل من فرجها، وفي بعض الأحيان يحكم بفساد العقد وما يترتب عليه من آثار، كما إذا كان حكم بأن البيع فاسد للربا؛ فإنه يبطل من أصله ويرد الثمن والمثمن، ويرد الطرفان النقدين إذا تصارفا على وجه الربا، ويبطل ما ترتب على ذلك، فلو أن الذهب الذي اشتراه بصفقة ربوية أصبح يساوي أضعافه فلا يأخذ المشتري الربح؛ فهذا يفسد وتفسد آثاره، كذلك في العبادات في بعض الأحيان يفسدها الشرع ويحكم بفسادها وفساد آثارها، ولا تلزم الآثار، ولا يلزم ضمان الإخلالات، وبعض الأحيان تفسد العبادة ويلزم ضمان الأخطاء التي تقع فيها كالصحيح، ومن أمثلة ذلك مثلا: الصلاة، فإذا حكمنا بفسادها كما لو صلى ثم تكلم كلاما أفسد صلاته، فإن الصلاة تبطل كلية ولا يلزمه سجود سهو إن كان قد سها قبل الإفساد، ولا يلزمه ضمان ما فيها من أخطاء.
ولو أنه حج حجا فأفسده بجماع قبل الوقوف بعرفة، فإننا نقول له: أتم هذا الحج الفاسد، ولو وقع منه أي محظور آخر لزمه ضمانه، فنحكم بفساده ولزوم الضمان كالصحيح، فيشبه الفاسد من وجه ويشبه الصحيح من وجه آخر، وهكذا -مثلا- في العمرة، لو أنه أحرم بالعمرة وجامع زوجته قبل الطواف بالبيت أو قبل السعي بين الصفا والمروة -بين الطواف والسعي- حكم بفساد عمرته، ثم لو أنه بعد أن جامعها تطيب أو قص أظفاره أو قلم أظفاره أو قص شعره لزمه ضمان مثل هذا بالفدية.
إذا: هناك أشياء يحكم الشرع بفسادها وتترتب آثار عليها كالصحيحة، وهناك أشياء إذا حكم بفسادها حكم بفساد ما يترتب عليها، فهنا حكمنا بفساد العقد ولكن تترتب العدة؛ لأنها لبراءة الرحم فيستوي فيه العقد الصحيح والعقد الفاسد، وحتى في الزنا -والعياذ بالله- إذا وطئت المرأة بالزنا وأرادت أن تتزوج بعد هذا الزنا فلا يجوز لها أن تتزوج حتى تستبرئ رحمها، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى.
عدم لزوم عدة الوفاة في النكاح الباطل
(وإن كان -النكاح- باطلا وفاقا) يعني: ما اتفق العلماء على إبطاله، هل تعتد فيه للوفاة؟! العدة هي في الأصل متفرعة عن حرمة الزوجية وشرعيتها، أما إذا كان النكاح باطلا كنكاح المتعة فهو باطل بالاتفاق، فلو نكحها نكاح متعة وظنه نكاحا شرعيا، فنقول: تلزم العدة إذا طلقها، أو فارقها، أو فسخ القاضي عقد النكاح من أجل فساد العقد، ثم بعد ذلك نقول،: لا تعتد لو توفي عنها؛ لأنه ليس هناك حرمة زوجية؛ لأن عدة الوفاة في حق الزوج وحرمة الزوجية وهي ليست قائمة في مثل هذه الحال، لكن بالنسبة للعدة من جهة الفسخ قالوا: إنها مترتبة لبراءة الرحم أو لشبهة، ولذلك في العدة -كما سيأتي معنا- أن الحكمة عقلا: براءة الرحم ونحوها، وفيها جانب التعبد، فأنت ترى الرجل كبير السن ربما يبقى عشرات السنين في آخر عمره مع زوجته لا يطؤها ولا يأتيها، ومع ذلك إذا توفي تعتد، وإذا طلقها تعتد مع أنه لا وطء، لكن الشرع يحكم بالعدة في هذا، فهذا جانب تعبدي، مع أن التعليل المعقول هو براءة الرحم، ودل عليه قوله سبحانه: {طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب:49] ، فنبه على أن العلة فيها براءة الرحم، وقال في آية العدة: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} [البقرة:228] ، فجعل الحكمة من العدة: براءة الرحم.
عدم لزوم العدة عند صغر الزوج أو عدم حصول الخلوة
قال رحمه الله: [ومن فارقها حيا قبل وطء وخلوة أو بعدهما أو أحدهما وهو ممن لا يولد لمثله، أو تحملت بماء الزوج، أو قبلها أو لمسها بلا خلوة فلا عدة] .
قال رحمه الله: (ومن فارقها حيا قبل وطء وخلوة) .
أي: إذا فارق الزوج زوجته وطلقها قبل أن يختلي بها فإنه لا عدة له عليها؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب:49] ، فنص الله تبارك وتعالى على إلغاء العدة إن وقع الطلاق قبل الدخول، فبين المصنف رحمه الله أن هذه الحالة لا عدة فيها، وهذا محل إجماع بين أهل العلم رحمهم الله.
والخلوة فيها تفصيل بين أهل العلم رحمهم الله، لكن الجماهير على أن المراد بالخلوة: الدخول، فإذا دخل بها ووطئها؛ فإنه حينئذ تثبت له العدة وإلا فلا مانع.
(ومن فارقها حيا قبل وطء وخلوة أو بعدهما أو أحدهما).
من فارقها حيا قبل الدخول فلا عدة له عليها، أي: قبل أن يحصل الوطء وقبل أن تحصل الخلوة، وبناء على ذلك فإذا حصل الوطء أو حصلت الخلوة فإن له عليها العدة.
(وهو ممن لا يولد لمثله).
إن حصل الفراق بعدهما -بعد الخلوة والوطء- وهو ممن لا يولد لمثله فلا عدة له عليها.
(أو تحملت بماء الزوج).
قالوا: في الحالة الأولى مثل: الصغير لو أنه خلا بامرأة، أو وطء المرأة فإن هذا لا يولد لمثله، ففي هذه الحالة لا يثبت له الاعتداد في حال مفارقته لها، وكذلك أيضا إذا تحملت بماء الزوج.
وقد اختلف العلماء -رحمهم الله- في المرأة إذا أدخلت مني زوجها هل في هذه الحالة تثبت العدة، أو لا تثبت؟ وجهان لأهل العلم رحمهم الله: فالشافعية يرون أنها إذا تحملت بماء الزوج تثبت العدة، والجمهور: على أنه لا تثبت العدة.
وقول الجمهور فيه إعمال للأصل، وقول الشافعية -رحمهم الله- فيه الاحتياط، وهو أشبه من جهة النظر، إلا أن الأصول ترجح مذهب الجمهور؛ لأن العبرة بالدخول والوطء الذي هو طريق العادة والغالب، والنادر لا يعلق الشرع الحكم عليه.
(أو قبلها أو لمسها بلا خلوة).
يعني: إذا حصلت منه المقدمات من تقبيل أو لمس.
فلو أن رجلا عقد على امرأة فلمسها، أو قبلها ثم طلقها بعد ذلك؛ فإنه لا عدة له عليها، لأن اللمس لا يعتبر دخولا، ولا يعتبر جماعا، والله تبارك وتعالى اشترط للعدة وجود الجماع، وبناء على ذلك: إن حصل منه طلاق بعد تقبيل أو لمس، فإن العدة لا تثبت بمثل هذا.
الأسئلة




العدة من النكاح الباطل
السؤال من نكح أخته من الرضاع ثم فرق بينهما فهل يجب عليها العدة؟
الجواب بسم الله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد: فهذا السؤال فيه حكم وفيه تنبيه، أما من جهة التنبيه: فينبغي لأهل الرضيع والمرضعة أن يعلموا وأن يحتاطوا في هذا الرضاع على وجه لا يحصل فيه الخلل بهذه الصورة الشنيعة، لدرجة أن الرجل يتزوج أخته من الرضاع ولا يجد المرضعة تنبهه ولا أختها ولا أقرباءها، وهذا سببه الإهمال وعدم التنبيه على الرضاعة، فأمر الرضاعة أمر عظيم تترتب عليه أحكام شرعية، فيجب على المرأة المرضعة أن تحتاط، وعلى أهل الرضيع أن يحتاطوا وأن يتقوا الله عز وجل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فواجب علينا أن نمتثل شرع الله عز وجل، وأن نحفظ هذه الأنفس من الوقوع في الخطأ، فإذا كان هذا لازما فإنه يلزم أن يحتاط بالإعلام والإخبار، حتى لا يطأ الرجل أخته من الرضاع أو عمته من الرضاع أو خالته من الرضاع.
ثانيا: إذا تحقق أن الرضاع مؤثر وأنه بلغ العدد المعتبر شرعا وهو خمس رضعات معلومات، لقول عائشة رضي الله عنها كما في الصحيح: (كان فيما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن: بخمس معلومات وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يتلى من القرآن) ، فأثبتت الخمس رضعات.
فإذا ثبت الرضاع على وجه معتد به شرعا فإنه يفرق بينهما، أما لو لم يثبت الرضاع وفيه شبهة كأن يأتي الإخبار من عدو أو ممن يكذب، أو تكون المرأة التي ادعت الإرضاع معروفة بالكذب وبإفساد البيوت، واحتفت قرائن تدل على بعد هذا الشيء فلا إشكال؛ لأن الأصل صحة العقد حتى يدل الدليل على بطلانه.
إذا: لابد من أمور: أولا: صيانة الرضيع ومن ارتضع معها.
ثانيا: لا بد من التحقق من أن الرضاع مؤثر.
ثالثا: أن يفرق بينهما إذا ثبت الرضاع على الوجه المعتبر شرعا.
رابعا: أنه تعتد استبراء لرحمها كما سيأتي -إن شاء الله- بيان حد ما يجب أن تستبرئ به من الحيض، والله تعالى أعلم.
كيفية مسح النساء على الرأس للوضوء
السؤال بعض نساء تجمع شعر رأسها إلى الخلف وتلفه، فهل يجب عليها عند الوضوء حل الشعر الملفوف أم يجزئها المسح عليه؟
الجواب هذه المسألة فيها جانب يتعلق بالعبادة، وجانب يتعلق بغير العبادة، أما جانب المسح على الرأس: فالأصل أنها تمسح الشعر الذي يحاذي محل الفرض؛ لأن الله فرض على المرأة أن تمسح رأسها كاملا والرأس من الناصية في مقدمه إلى منابت الشعر في القفا عند حدوده قبل القذال قبل الرقبة، فهذا القدر من جهة الطول، أما من جهة العرض، فمن عظم الصدغ إلى عظم الصدغ، فهذا القدر هو الذي يجب مسحه، والأذنان من الرأس، لقول عليه الصلاة والسلام: (الأذنان من الرأس) فلو مسحت من رأسها هذا القدر فلا يجب عليها مسح ما استرسل من الشعر؛ لأن العبرة بمحل الفرض وما حاذاه، والصحيح: أنه يجب مسح جميع الرأس ولا يجب مسح بعضه كما يقول الشافعية والحنفية -رحمهم الله- والمالكية في رواية الثلث، فيجب عليها أن تمسح جميع رأسها بكفيها، وتأخذ بالسنة بالإقبال والإدبار على أحد الوجهين عند أحد العلماء، لحديث عبد الله بن زيد ومعوذ بن عفراء رضي الله عنهما.
فإذا مسحت الفرض وما يحاذيه أجزأ، ولذلك قالت أم سلمة رضي الله عنها كما في الصحيحين: (يا رسول الله! إني امرأة أشد ظفر شعر رأسي، أفأنقضه إذا اغتسلت من الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين الماء على جسدك فإذا أنت قد طهرت) فهي تقول: (إني امرأة أشد ظفر شعر رأسي) تظفر شعر رأسها وسألت عن الظفائر هل تنقضها أو لا؟ قال: (لا، إنما يكفيك) يعني: يجزئك (أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات) فدل على أن العبرة بأصل الرأس؛ لأنه من الترؤس والارتفاع، ومحل الفرض هو العبرة، فإذا حثت الماء ثلاث حثيات وروت أصول الشعر فقد غسلت الموضع المأمور بغسله وهو أعلى الرأس، والشعر الزائد على ذلك ليس بمحل للفرض ولا بمحاذ لمحل الفرض ولذلك سقط عنها حل الظفائر، ويستوي في ذلك غسل الجنابة وغسل الحيض على أصح قولي العلماء كما تقدم معنا في أحكام غسل الجنابة.
المسألة الثانية: جمع الشعر إذا كانت داخل البيت مع زوجها وبين أولادها جائز، لكن إذا خرجت في الخارج وجمعت شعر رأسها في أعلى الرأس حتى يكون كالسنام، فهذا فيه وعيد شديد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) -نسأل الله السلامة والعافية- فأحد الأوجه عند العلماء: هو جمع الشعر في أعلى الرأس، فتجعل الشعر مجموعا في أعلى رأسها، والأصل أنها تحل ضفائر شعرها وترسلها، وهذا هو الأكمل والأبعد عن لفت النظر والإغراء بنظر الغير إليها، والله تعالى أعلم.
حكم صلاة المرأة على الميت في بيته
السؤال هل يجوز للمرأة أن تصلي على الميت في بيته قبل أن يصلى عليه ويدفن؟
الجواب هذا الأمر لا أعرف له أصلا، لكن من ناحية العموم فإنه يصلى على كل ميت، ولكن كونه لم يفعله السلف الصالح رحمهم الله، ولا ثبت أن الزوجات والنساء يجتمعن يصلين صلاة خاصة، وإنما كان يشهد ذلك في مشاهد المسلمين عامة وتصلي المرأة عموما مع الرجال، ولذلك صلت أمهات المؤمنين مع عموم الصحابة رضوان الله عليهم، وعائشة رضي الله عنها سئلت: هل تدخل المسجد للصلاة على الميت كي تصلي مع الناس؟ ولم تأمر أن تخصص، ولو كان هذا مشروعا لكان أمهات المؤمنين صلين على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه، فهذا الشيء لا أعرف له أصلا من حيث فعل السلف رحمهم الله، والأشبه: أن المرأة لا تصلي عليه صلاة مستقلة، خاصة وأن المرأة لا تخرج من بيتها وأنها ملزمة بعدة الوفاة، ومعلوم أن المرأة لا تخرج من بيتها في عدة الوفاة بأصل شرعي، لتظافر النقل أن كل زوجة تصلي على زوجها قبل خروجه، فهذا يدل على أنه مقتصر في الصلاة على الصلاة الشرعية، ولا شك أنها تقتصر على الدعاء له والاستغفار والترحم عليه، وجوز بعض مشايخنا -رحمة الله عليهم- خروجها للصلاة على زوجها؛ لأنه يراه من الحاجة، ولا يرى في ذلك بأسا، والله تعالى أعلم.
حكم الصلاة عن شمال الإمام إذا ضاق المكان في المصلى
السؤال ما حكم الصلاة في الجانب الأيسر من الإمام إذا ضاق المكان في المصلى؟
الجواب هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله: قال بعض العلماء: من صلى عن يسار الإمام بطلت صلاته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف ابن عباس عن يساره كما في الصحيحين، (قال: فأخذني وأدارني عن يمينه) قالوا: فكونه عليه الصلاة والسلام يأخذ ابن عباس ويديره عن يمينه وهي حركه داخل الصلاة لا تستباح إلا من أجل صحة الصلاة، فلو كانت الصلاة صحيحة لما تكلف هذه الحركة، ورد الآخرون وقالوا: هذا الحديث حجة على صحة الصلاة؛ لأن ابن عباس كبر تكبيرة الإحرام وهي ركن الصلاة ووقعت عن يسار الإمام، فلو كانت الصلاة باطلة لنبهه النبي صلى الله عليه وسلم على قطع صلاته واستئنافها، ولكن كونه عليه الصلاة والسلام لم يأمره بذلك دل على أن صلاته صحيحة، فرد الأولون وقالوا: هذا العذر للتكليف؛ لأنه زمان التشريع، وفعل ابن عباس على البراءة الأصلية فصحت صلاته بالبراءة الأصلية، فقالوا لهم: إذا صححتموها لعذر فإنها تصح عند وجود الحاجة والعذر؛ لأنه لا يصلي أحد عن يسار الإمام إلا عند وجود الحاجة والعذر، فالسؤال الذي ورد أنه إذا ضاق المكان ولم يجد مكانا فصف عن يسار الإمام، فالذي يظهر -والله أعلم- صحة الصلاة، لكنني أنبه على أنه ينبغي على المسلم التقي الورع أن لا يدخل في الإشكالات، فالصلاة أمرها عظيم، فهذه المواقف المشتبه فيها والتي فيها خلاف يخرج الإنسان من الشبهة ويصلي في آخر المسجد، ولذلك لا داعي أن يحرج نفسه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نترك ما فيه ريبة، وأن نفعل ما لا ريبة فيه، فيرجع المسلم ويتقي ربه ويصلي وراء الإمام، لكن إذا ضاق المكان فلا بأس أن يصلى عن يساره، والله تعالى أعلم.
حكم زيادة (وبحمده) في تسبيح السجود
السؤال قول المصلي في سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده، زيادة (وبحمده) هل هي صحيحة؟
الجواب لا أحفظ -الحقيقة- بالنسبة للسجود، إلا عموم قول عائشة في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} [النصر:3] ،كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك ربي اغفر لي) وهذا أصل عام يدل على مشروعية الدعاء به، ولا أعرف أحدا من العلماء منع من هذه الزيادة في السجود، ولا أعرف أحدا من العلماء بدع هذه الزيادة؛ لأن التعظيم والتمجيد لله عز وجل في السجود مشروع، والأفضل والأكمل فيه أن يكون بالوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى:1] ، فلما نزلت قال صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها في سجودكم) فالتسبيح يكون باسم الله عز وجل الأعلى، بعض العلماء يقول: هو قوله: (سبحان ربي الأعلى) والبعض قالوا: إنه مطلق التسبيح، ولذلك إذا سبح بمطلق التسبيح سقط عنه الواجب، والله تعالى أعلم.

حكم الزيادة على الشاتين في العقيقة للمولود الذكر
السؤال هل الزيادة على شاتين في العقيقة للولد وشاة للبنت مخالف للسنة؟
الجواب هذا فيه تفصيل: من زادها يعتقد شرعيتها فقد ابتدع، ومن زادها صلة للرحم وإكراما للضيف، وإحسانا للإخوان فهو مأجور غير موزور.
مثلا: جاء في العقيقة عدد كبير جدا فذبح الشاتين ثم ذبح شاتين أخريين فلا بأس وهو مأجور، وهذا من إكرام الضيف ومن محاسن الأعمال التي يحبها الله عز وجل ويرضاها، وهكذا لو أنه دعى الناس إلى عقيقة فذبح الشاتين ثم ذبح جزورا؛ لأن ضيفه كثير فلا بأس بذلك ولا يعتقد أن الجزور تابع للعقيقة، إنما يقصد به الوفاء والإكرام لضيفه وإخوانه وصلة رحمه، فهو مأجور على ذلك، والله تعالى أعلم.

حكم تزويج الولي موليته رجلا وهي في عصمة آخر

السؤال رجل خطب امرأة وعقد عليها دون أن يدخل بها، ثم قام والدها بتزويجها لآخر دون أن يطلقها الأول، فهل نكاح الثاني يعتبر باطلا أم يفتقر أيضا إلى طلاق؟

الجواب العقد الأول إذا توفرت فيه الشروط المعتبرة في صحته بأن عقد عليها عقدا صحيحا فالزوجة زوجته، والزوج الثاني لاغ نكاحه ولا صحة لعقده؛ لأن المحصنة المعقود عليها لا يصح أن يتزوجها شخص ما دامت في عصمة الأول، فالنكاح الثاني باطل ولا يمكن أن يصحح حتى يفارق الأول، وهذه امرأة منكوحة ولا تحل للزوج الثاني، والنكاح الثاني فاسد، وعلى ولي المرأة هذا أن يتقي الله، فإن كان الأب هو الذي زوج فإن القاضي يعزره تعزيرا بليغا، وإذا كان الزوج الثاني عقد على المرأة ودخل بها وهو يعلم أنها في عصمة الأول وأن الأول لم يطلقها فإنه زان، وإذا كان محصنا فإنه يرجم من ناحية الحكم الشرعي؛ لأنها لا تحل له إلا إذا طلقها الأول وخرجت من عصمته، وبناء على ذلك فلا يجوز التلاعب في حدود الله عز وجل، وهذا الأب ظالم معتد على حدود الله، وهذا لا شك من الاعتداء والانتهاك لحرمات الله عز وجل ويفضي إلى الزنا الذي حرمه الله عز وجل، فإذا علم أنها لا تحل للثاني وتلاعب بهذا، فإنه يعزر تعزيرا بليغا ويزجر، وبعض العلماء يسقط ولاية هذا الأب في النكاح، أي: لا يجعل له ولاية على هذه المرأة؛ لأنه بهذا الفعل فسق في النكاح نفسه، وعند طائفة من العلماء أن الأب أو الولي -ولي النكاح- إذا كان فسقه في نفس النكاح -يتلاعب بشروطه- فإنه لا تثبت له ولاية، وتنتقل إلى أقرب قريب من بعده من العصبة، وإذا كان أخوها موجودا تنتقل الولاية إليه وتسقط ولاية الأب إذا أقر واعترف أنه يزوجها من أزواج عديدين، أو من أكثر من زوج، وبناء على ذلك ينبغي رفع هذا الأمر إلى القضاء للفصل فيه، والله تعالى أعلم.

حكم قول: (رب اغفر لي ولوالدي) في الجلوس بين السجدتين

السؤال ما حكم قول: (ربي اغفر لي ولوالدي) في الجلسة بين السجدتين؟

الجواب ما أحسنه وأجمله وأعظمه برا للوالدين وإحسانا لهما، والأئمة والعلماء نصوا وذكروا أنه مما يستحب للابن: أن يدعو لوالديه في صلاته، وإن تعذر في حق النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى؛ لأنه منع من الاستغفار لوالديه فلا تمتنع سائر الأمة من ذلك، والإنسان مأمور أن يشرك والديه في الاستغفار، وأما تبديع من قال بين السجدتين: ربي اغفر لي ولوالدي، فإني لم أجد أحدا من أهل العلم مع التتبع والتقصي نص على هذا التبديع أبدا، والله عز وجل أمر بالدعاء للوالدين، لكن إذا ألزم وقال: يجب أن يدعو لوالديه، نقول: هذا ليس له أصل، أما التبديع لمطلق الدعاء للوالدين فإنني لا أعرف أحدا من أهل العلم يقول هذا، وقد كان الأئمة -رحمهم الله- من السلف يقولون في قوله تعالى: {رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} [النمل:19] يؤخذ من هذه الآية: الاستحباب للولد أن يشرك والديه بالدعاءفي صلاته، وأن هذا من أعظم البر؛ لأن الله تعالى أمر بالاستغفار والترحم على الوالدين، وجعل هذا من البر حتى بعد وفاتهما كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! هل بقي من بري لوالدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: الصلاة عليهما، والاستغفار لهما) ولا شك أن الصلاة التي هي الدعاء عليهما والاستغفار للوالدين أرجى ما تكون إذا كانت في الصلاة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي الدعاء أسمع، قال: أدبار الصلوات المكتوبات) فجعل الصلاة محلا لاستجابة الدعاء، فإذا دعا لوالديه بين السجدتين، أو في السجود، أو في التشهد، امتثالا لأمر الله عز وجل ببرهما والإحسان إليهما فقد أحسن، وأسأل الله العظيم أن يعظم أجره ومثوبته إذ لم ينس والديه في هذه المواطن الشريفة التي ترجى فيها الإجابة، وأما إذا اعتقد وجوب هذه اللفظة ولزومها بين السجدتين فهذا ليس له أصل، والإلزام بدعاء مخصوص في موضع مخصوص خاصة في العبادات يفتقر إلى دليل ونص، أما إذا كان مندرجا تحت أصل عام فلا غبار عليه، وأما أنه امتنع في حقه عليه الصلاة والسلام فلا يمتنع في حق غيره، وقد دلت النصوص على الحث عليه والأمر به، فلا مانع أن يكون بين السجدتين، أو يكون في السجود، أو يكون في الدعاء بعد التشهد، والله تعالى أعلم.
حكم إلقاء الكلمات بعد خطبة الجمعة
السؤال يقوم بعض الناس يوم الجمعة بعد إلقاء الخطبة وأداء الصلاة بالتعليق على موضوع الخطبة أو ينبه على مسألة ما، فما حكم هذا الفعل؟
الجواب الحقيقة أن هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل في بعض الأحيان، فقد يحتاج إلى تعليق على الخطبة إذا كان أمرا لازما كخطأ في حكم شرعي أو في مسألة اعتقادية فلابد من التنبيه عليها، أو أن خطيبا أخطأ الجادة فأحل حراما وحرم حلالا -وإن شاء الله الخطباء أبعد عن هذا، لكن على فرض أنه قد يوجد شيء من هذا- فلابد أن يقوم الإنسان، لأنه إذا لم يتدارك بعد الخطبة، فأين يتداركهم؟!! وهؤلاء ينبغي إعلامهم أن هذا الأمر ليس من شرع الله عز وجل، لكن ينبغي أن يكون الأمر أمرا متفقا بين العلماء على خطئه، أما لو كان أمرا خلافيا والخطيب يرى فيه قولا لعلماء وأئمة، فلا يأتي واحد بعد أن ينتهي يعقب عليه أو يكتب ويقول: لي عليك ملاحظة، فهذا أمر مخالف لمنهج السلف الصالح رحمهم الله، خاصة الأئمة والعلماء، فإذا خطبوا أو بينوا أمرا، أو دليلا أو صححوا ما ضعف الغير، أو ضعفوا ما صححه الغير، وقالوا بما ترجح عندهم، فهم ومن تبعهم يتقربون إلى الله بهذا، فلا يأتي أحد يشوش عليهم؛ لأنك إذا فعلت ذلك ساغ للغير أن يأتي لشيخك ويخطئه كما خطأت أنت شيخه، ويفتح على الناس بلاء عظيم، وقد نبه العلماء على هذه المسألة في مسألة: العذر بالخلاف ومراعاة آداب الخلاف، فتكلموا عليها في كتب الأصول، وكان أئمة العلم ودواوينه يسيرون على هذا.
إذا: التعقيب على الخطيب لا يكون إلا عند الضرورة؛ لأنه سيؤثر في نفسية الخطيب، ويؤثر في نفسية الناس، وينزع ثقة الناس به، خاصة إذا كانت المسائل مختلف فيها، وخاصة إذا كان الذي يعقب صفيق الوجه سليط اللسان لا يتقي الله عز وجل، ولا يراعي الحرمة، ونقول هذا؛ لأنه في هذا الزمان كثرت الجرأة على أهل العلم، وهذا ليس بغريب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) ولكن لا شك أن الله سبحانه وتعالى يعلي قدر الإنسان ويعظم أجره، ودواوين العلم كلهم ابتلوا بهذا، وما سلم أحد من أئمة العلم من هذا البلاء، لكن إذا وجدت الضرورة ووجدت الحاجة كالرد على شخص يدعو الناس إلى بدعة متفق على التبديع فيها، أو يدعوهم إلى تحليل حرام وتحريم حلال أحله الله عز وجل، أو إذا قام الناس من المسجد ولا يمكن أن تجمعهم فقمت وحمدت الله وتكلمت وبينت، أو إذا كان الخطيب عنده استعداد أن تنبه وتنصح حيث تأتي وتنبه الناس وتنصحهم، أو تنصحه بينك وبينه، والإنسان الذي عنده استعداد أن يصحح خطأه، يستر ما أمكن، وإذا جئته بالملاحظة وكانت صحيحة ومتفقا على الخطأ الذي وقع فيها قبلها منك فهذا تنصحه فيما بينك وبينه، وهو يتولى نصح الناس؛ لأن نزع ثقة الناس فيه والكلام في العلماء والأئمة -خاصة ممن لهم قدم صدق في نصح الناس وتوجيههم- مفسدة أعظم، وخاصة عند العوام فإن ثقتهم تنزع منه وتحدث بلبلة وتشويش، فهذه أمور ينبغي أن تضبط بضوابط شرعية وعلى كل من يريد أن يقوم بهذا الأمر أن يرجع إلى أهل العلم، والأشبه والأولى في مثل هذه المسائل أن يفتي في كل مسألة بحدودها حتى يكون أضبط وأرعى للحقوق الشرعية؛ لأن هذا أمر فيه حقوق منها: أولا: حق المتكلم؛ لأن الواجب على الناس عموما عالمهم وجاهلهم أن يكرموا كل من يدعو إلى الله عز وجل؛ لأن الله أكرمه وشهد من فوق سبع سموات أنه لا أحسن قولا ممن يدعو إليه سبحانه وتعالى، والخطيب داعية إلى الله، وليعلم كل مسلم أن لهؤلاء الذين تصدروا لتوجيه الناس في المساجد من الخطباء والأئمة -جزاهم الله خيرا- والدعاة المخلصين، أن لهم حقا عظيما على المسلمين، وأنهم على ثغر من ثغور الإسلام، وأن هؤلاء عن طريقهم يرغب في الدين، وعن طريقهم يحبب في الطاعات، وعن طريقهم بإذن الله عز وجل ينفر الناس من معصية الله وانتهاك حدوده عز وجل، فإذا أصيبت الأمة في أمثال هؤلاء فإنه مقتل عظيم، فالواجب علينا أن نعلم أن كل مسلم مطالب بتهيئة الأسباب للمطالبة بهذا الحق، وتجد السلف الصالح -رحمهم الله- حفظوا لأئمتهم ولعلمائهم ودواوين العلم حقوقهم ولم يرضوا لأحد أن يثلبهم أو ينتقصهم أو يجرحهم لما في ذلك من التوهين في الدين، ومن هنا قال بعض العلماء: إن الإساءة للقاضي في مجلس القضاء أو الكلام فيه أو في علمه لا يسقط فيه الحق ولو سامح القاضي.
ومن جفا القاضي فالتأديب أولى وذا لشاهد مطلوب قالوا: لأن القاضي إذا سامح عن نفسه بقي حق الشرع، والداعية إذا تكلم فيه وقال: سامحتك، بقي حق الدعوة؛ لأنه كم من أناس نفروا من هذا الداعية ونفروا من هذا الخطيب وقام وراءه في الخطبة وتكلم فيه أو جرحه أو تطاول في عرضه -نسأل الله السلامة والعافية- إذا: هناك ضوابط لمن أراد أن يقوم يتكلم، ما الكلام الذي يقوله؟ وما الذي ينبغي عليه مراعاته؟ ولذلك نقول: كل مسألة ينبغي أن تحد بنازلتها وأن يفتى فيها بأمرها؛ لأن الأمر يحتاج إلى انضباط، فإذا أراد أن يتكلم، وتكلم في حق هذا العالم أو الخطيب أو الداعية أو الناصح وأساء إليه أو انتهك حرمته، فإنه في هذه الحالة لو سامح الخطيب والداعية عن نفسه بقي حق الشرع، فإن هذا الشخص تسمى باسم الدعوة، ولذلك لو أن حارسا يحرس عمارتك أو بيتك فجاء شخص فضربه وهو يحرس عمارتك لاعتبرت ذلك إساءة إليك كما هو إساءة إليه، ولله المثل الأعلى، فكيف بمن قام على حدود الله أن تنتهك؟ ومحارم الله أن تعتدى؟ وذكر بالله ووعظ بالله، أترى ربك لا يفي بعهده ووعده؟ ولذلك قل أن تجد أحدا تصدر لأهل العلم وأهل الفضل إلا وجدت دلائل عقوبة الله عز وجل -خاصة إذا استطال في أعراضهم- العاجلة والآجلة، ومن شاء صدق ومن شاء كذب، فالله عز وجل بالمرصاد وهو عزيز ذو انتقام، فهذا الأمر نضيق فيه ونشدد؛ لأننا نعلم أن هذه الأمة قامت على التربية والأدب، وما استقام أمرها إلا بالأدب، وهذا عمر بن الخطاب مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه عند أبي بكر دليل وعنده دليل ويقول رضي الله عنه: كيف تقاتل قوما يشهدون أن لا إله إلا الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) ومع ذلك يصر أبو بكر ويقول: إنها لقرينتها بكتاب الله، ولأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة -هذا له دليل وهذا له دليل- ويقول عمر: (فما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر.
وهذا كله على الأدب، قال: فعلمت أنه الحق) وما ذكر حجة ودليل، قال: رأيت الله شرح صدر أبي بكر.
يعني: هو أعلم منه، والله عز وجل وفقه فرضي بعلمه وفضله، ولذلك كنا مع العلماء وكنا مع المشايخ نجلس في مجالسهم ونسمع من كلامهم، وفي بعض الأحيان ربما تعرضوا للمسألة بدليل واحد وفيها عشرات الأدلة، فيأتي الشيطان ويحاول أن ينتقص العالم وهذا طبيعي جدا؛ كذلك الإمام لو صلى ونسي أو أخطأ في القراءة وله قدم راسخة -فهذا لحكمة من الله عز وجل- هل إذا صلى الإمام ونسي آية في قصار السور وهو من حفاظ القراءات يطعن فيه أو ينقص من قدره؟ كلا والله، فهذه حكم من الله عز وجل أنه ربما تحصل الزلة ويحصل الشيء اليسير فيدخل الشيطان، فعلى الإنسان أن يحفظ قلبه من انتقاص أمثال هؤلاء سرا وجهرا، ونشدد في هذا؛ لأننا وجدنا الأمة قامت واستقامت أمورها على الأدب، ووالله ثم والله إننا سنلقى الله يوم نلقاه وقد ربينا الناس على حمل حرمات العلماء ولا نربيهم على جرحهم وانتهاك حرماتهم وثلبهم والتشهير بهم، فهذا أمر ينبغي أن يوضع في نصابه، يرضى من يرضى، ويسخط من يسخط؛ لأن علينا أن نرضي الله عز وجل، فالواجب على العلماء والخطباء وطلاب العلم حتى بعضهم مع بعض أن يربي بعضهم بعضا على تعظيم حرمة المسلم فضلا عن الداعية إلى الله، فما قامت أمور هذه الأمة إلا بحفظ هذه الحقوق ورعايتها وصيانتها، والخوف من الله سبحانه وتعالى في ذلك، نسأل من الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]