عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 15-10-2025, 01:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,962
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فقه التعامل مع نصوص الشريعة وأثره على قضايا الاعتقاد

فقه التعامل مع نصوص الشريعة وأثـره على قضـايا الاعتقاد .. الحلقة الثانية ..


  • كم من باب شر فُتح على الأمَّة بسبب الفهم الخطأ لبعض الأدلة وهل خرج من خرج على عثمان رضي الله عنه إلا بفهم خطأ لنصوص الكتاب والسُنَّة؟
  • النصوص الشرعية نزلت بلسان عربي مبين فمدلولات ألفاظ النصوص الشرعية هي بحسب قواعد اللغة العربية ودلالاتها اللغوية والشرعية والعرفية
  • من الأصول النافعة والواجبة في فهم النصوص فهمها والتعامل معها على طريقة السلف الأولين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من الأئمة المتبوعين
من الأمور المقرَّرة عند أهل العلم، أنه ليس كل ما يُعلم يقال، والعامة إنما يُدعون للأمور الواضحة من الكتاب والسُنَّة، بخلاف دقائق المسائل، سواء أكانت من المسائل الخبرية، أو من المسائل العملية، وما يسع الناس جهله ولا يكلفون بعلمه أمر نسبيٌّ يختلف باختلاف الناس، وهو في دائرة العامة أوسع منه في دائرة طلبة العلم، وشاهد ذلك قول عَلِيٌّ - رضي الله عنه -: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ؛ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟». هذا الأثر بوَّب عليه البخاري بقوله: «بَابُ مَنْ خَصَّ بِالعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا»، قال ابن حجر: والمراد بقوله: (بما يعرفون) أي: يفهمون، وزاد آدم بن أبي إياس في كتاب العلم له عن عبدالله بن داود عن معروف في آخره: (ودعوا ما ينكرون) أي: يشتبه عليهم فهمه، وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: «مَا أَنت بمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً».
وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن ضوابط فهم النصوص الشرعية وذكرنا منها: تعظيم النصوص الشرعية والتسليم لها، التأكد من ثبوت النص الذي ينبني عليه الحكم، وعرض النص المراد فهمه على النصوص الشرعية، وفهم ألفاظ النصوص الشرعية وفق أساليب اللغة العربية، واليوم نستكمل الحديث عن تلك الضوابط
(5) عدم تأويل النص بصرفه عن ظاهره
فإنه لا يجوز تأويل النص بصرفه عن ظاهره إلى معنى آخر إلا إذا توافرت للتأويل شروطه المعتبرة، فيكون التأويل بذلك صحيحًا مقبولًا، وإن لم تتوافر تلك الشروط كان التأويل فاسدًا مردودًا، ومن هذه الشروط:
  • الشرط الأول: أن يكون اللفظ المراد تأويله قابلًا للتأويل بحسب وضعه اللغوي.
  • الشرط الثاني: أن يستند التأويل إلى دليل صحيح يدل على صرف اللفظ عن معناه إلى غيره، وأن يكون هذا الدليل أقوى من الظاهر؛ لأن الأصل في عبارات الشارع حملها على ظاهرها، والعمل بهذه الظواهر، إلا إذا قام دليل على العدول عنها إلى غيرها، فحمل اللفظ على حقيقته إذا تجرد عن القرائن هو الظاهر، ولا يُحمل على مجازه إلا بدليل، والعام على عمومه هو الظاهر، ولا يُعدل عن هذا الظاهر إلى التخصيص إلا بدليل يدل على إرادة هذا التخصيص، والمطلق على إطلاقه هو الظاهر، ولا يعدل عن هذا الظاهر الشائع إلى التقييد إلا بدليل يدل على إرادة هذا القيد، وظاهر الأمر الوجوب، فيجب العمل بالظاهر، ولا يُحمل الأمر على الندب أو الإرشاد إلا بدليل، وكذلك النهي ظاهره التحريم، فلا يتحقق مدلوله إلا بالكف عن الفعل، ولا يحُمل النهي على الكراهة إلا بدليل.
  • الشرط الثالث: أن يكون المعنى الذي أُوّل إليه النص من المعاني التي يحتملها اللفظ نفسه ويدل عليها، أما إذا كان المعنى الذي صُرف إليه اللفظ من المعاني التي لا يحتملها اللفظ ولا يدل عليها بوجه من الوجوه، فلا يكون التأويل مقبولًا، ويُردّ على صاحبه، ومن التأويلات المرفوضة: تأويلات الباطنية، ومتأوّلي الصفات، وتأويلات المعتزلة، وفلاسفة الصوفية.
  • الشرط الرابع: ألا يتعارض التأويل مع النصوص القطعية الدلالة، أو مع القواعد الشرعية الكلية المقررة المعلومة من الدين بالضرورة؛ لأن التأويل طريقه الاجتهاد الظني، والظني لا يقوى على معارضة الدليل القطعي.
  • الشرط الخامس: أن يكون التأويل مقتصرًا على نصوص الأحكام الشرعية العملية، فالنصوص المتعلقة بأمور العقائد وأصول الدين وكل ما يتّصل بعالم الغيب وأحوال الآخرة، فالذي عليه السلف ألا نخوض في تأويلها بغير بيّنة ونكلها إلى عالمها، ولا نتكلف علم ما لم نعلم.
(6) فهم النص في ضوء دلالة سبب نزوله أو وروده
فالكثير من نصوص الكتاب والسُنَّة النبوية أحاطت بها ظروف وشروط ومناسبات، ولابد من إدراكها أثناء عملية التنزيل للنص على الواقع، ومراعاة تلك الأسباب التي ورد النص لأجلها؛ لأن ذلك يساعد على سداد الفهم واستقامته، ولأن النص إذا بُتر عن سبب وروده قد يضطرب مفهومه، ويترتب عليه نتائج خاطئة.
(7) فهم النصوص بفهم الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين
من الأصول النافعة والواجبة في فهم النصوص: فهمها والتعامل معها على طريقة السلف الأولين من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان من الأئمة المتبوعين، وهذا أصل عظيم في التعامل مع النصوص الشرعية، وقد جاءت النصوص المتواترة المتكاثرة في الكتاب والسُنَّة والآثار تدعو إلى الالتزام بمنهج الصحابة عِلْمًا وعَمَلًا، فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - النجاةَ في اتّباع منهج الصحابة -رضي الله عنهم-، فقال - صلى الله عليه وسلم - في بيان المنهج الواجب الاتباع: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». والله -سبحانه وتعالى- قد رضي عن الصحابة وعمّن اتبع سبيلهم، قال -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100)، كما أنّه قد غضب على من انحرف عن سبيلهم فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «من كان منكم مُسْتَـنًّا فليستنَّ بمن قد مات؛ فإنّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، كانوا أفضل هذه الأمّة، وأبرّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلّها تكلّفًا، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضْلَهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسّكوا بما استطعتم مِن أخلاقهم ودينهم، فإنّـهم كانوا على الهدى المستقيم»، وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: إذا صحّ عندنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء لَزِمَنَا الأخذُ به، فإن لم نجد عنه ووجدنا عن الصحابة فكذلك، فإذا جاء قول التابعين زاحمناهم. وقال الإمام الشافعي -رحمه الله-: قد أثنى الله -تبارك وتعالى- على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنّأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدَّوا إلينا سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامًّا وخاصًّا وعزمًا وإرشادًا، وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كلّ علم واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمدُ وأولى بنا من رأينا لأنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سنّة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول ولم نخرج من أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله.
(8) لا تُعارض النصوص بالرأي أو بالعقل
لا يجوز معارضة النصوص بالرأي المجرّد مهما كان قائله، ولا سيما حين التنازع، فالردُّ حينئذ للوحي المعصوم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59)، وقد أجمع أئمة المذاهب وغيرهم على تقديم النصّ على أقوالهم، ودَعَوا أتباعهم إلى ترك أقوالهم إذا عارضت النصوص. قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: «إذا قلتُ قولًا يخالف كتابَ الله تعالى وخبر الرسول -[- فاتركوا قولي»، وقال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: «إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكلُّ ما وافق الكتاب والسُنَّة فخذوه، وكلُّ ما لم يوافق الكتاب والسُنَّة فاتركوه»، وقال ابن أبي العز: وَهَذَا -أي: تعارض العقل مع النقل- لَا يَكُونُ قَطُّ، لَكِنْ إِذَا جَاءَ مَا يُوهِمُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا فَذَلِكَ الَّذِي يُدَّعَى أَنَّهُ مَعْقُولٌ إِنَّمَا هُوَ مَجْهُولٌ، وَلَوْ حَقَّقَ النَّظَرَ لَظَهَرَ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ النَّقْلُ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَعَارَضَ عَقْلٌ صَرِيحٌ وَنَقْلٌ صَحِيحٌ أَبَدًا.
آثار الفهم الخطأ للنصوص الشرعية
كم من باب شر فُتح على الأمَّة بسبب الفهم الخطأ لبعض الأدلة! وهل خرج من خرج على عثمان - رضي الله عنه - إلا بفهم خطأ لنصوص الكتاب والسُنَّة؟ وهل خرجت الخوارج على علي - رضي الله عنه - وقتلوا من قتلوا من المسلمين قديمًا وحديثًا إلا بفهم خطأ للكتاب والسُنَّة؟! لذا لابد أولًا من توضيح ضوابط فهم النص الشرعي، ثم بعد ذلك نسوق أمثلة لنصوص شرعية فُهمت على غير المراد منها، أو وُضعت في غير موضعها، وهذا ما سنقوم على تقريره إن شاء الله.


اعداد: د. حماد عبدالجليل البريدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.87 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]