عرض مشاركة واحدة
  #38  
قديم 12-10-2025, 11:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,033
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ


عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت




الحديث 37: «إن الله كتب الحسنات والسيئات...»



عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.

عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربِّه عز وجل قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو هَمَّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً، فإن هو هَمَّ بها فعملها كتبها الله له سيئةً واحدةً»[1].

عباد الله،هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، يبين سعة رحمة الله على عباده وتفضله عليهم من خلال جزاء الحسنات والسيئات؛ حيث لم يجعل جزاءهما واحدًا، حتى يحفز عباده للعمل الصالح وترك الطالح.


فما هي بعض الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من الحديث لواقعنا ما يلي:
1- كتابة الله للحسنات والسيئات: قالصلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك». فالله عز وجل قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والحسنات والسيئات من هذه المقادير في علمه سبحانه وتعالى، وشاء أن تقع بأمره الكوني والشرعي، والله عز وجل كتبها في اللوح المحفوظ، وأمر الملك- والعبد في بطن أمه- أن يكتب أربع كلمات: أجله، وعمله، ورزقه، وشقي أو سعيد. وعمله يشمل الصالح والطالح؛ أي: الحسنات والسيئات. وجعل على العباد في الدنيا ملائكةً يحفظون أعماله ويكتبونها، قال تعالى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].

ولا ينبغي الاحتجاج بتقدير الله للحسنات والسيئات بترك العمل الصالح أو التبرير للعمل السيئ، بل على العكس، يجب أن تكون هذه الكتابة دافعًا لنا لزيادة الحسنات والاجتهاد في الطاعات، وسببًا لترك السيئات والبعد عن المعاصي. فالله عز وجل أمر بالطاعة ونهى عن المعصية وهو أعلم بخلقه، فالذي ينبغي أن يشغلنا هو أن كل إنسان مسؤول عن أفعاله، وعليه أن يجتهد في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، فلم يُطلِعنا الله على علمه وماذا كتب وقدر علينا؟ ولا ينبغي التقول على الله بلا علم، والتبرير للعجز والكسل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم جالسًا وفي يده عود ينكت به، فرفع رأسه فقال: "ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار، قالوا: يا رسول الله، فلمَ نعمل؟ أفلا نتَّكِل؟ قال: لا، اعملوا، فكُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِق له، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ [الليل: 5، 6]، إلى قوله: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 10]"[2].

2- جزاء الهمِّ بالحَسَنة دون فعلها: لقولهصلى الله عليه وسلم: «فمَنْ هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنةً كاملةً». والهَمُّ هو النية وعقد العزم على الفعل. ومثال الهمِّ بالحسنة دون فعلها؛ هممت أن تتصدَّق على فقير، لكنك لم تتمكن من ذلك بسبب نفاذ ما عندك من مال، يكتب لك أجر الصدقة؛ لأنك عزمت على فعل حسنة التصدُّق. أو شخص نوى صيام يوم الاثنين أو الخميس، ولكنه مرض في ذلك اليوم، يكتب له أجر الصيام. أو شخص نوى مساعدة مريض، ولكنه لم يستطع الوصول إليه لظرف طارئ، يكتب له أجر المساعدة.


فاجتهدوا- إخواني- في نوايا الخير، فإنه إن حيل بينكم وبين فعل الخير، تفوزوا بأجر النية، وهو الحسنة الكاملة. وهذا من فضل الرحمن.


3- جزاء الهَمِّ بالحسنة مع فعلها: لقولهصلى الله عليه وسلم: «فإن هو هَمَّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة». قال تعالى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا[الأنعام: 160]، وقال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]. وهذا مثال واضح لمن هَمَّ بالحسنة فعملها، فهؤلاء في نيِّتهم الإنفاق في سبيل الله كتجهيز المجاهدين، أو بناء مسجد، أو إطعام مسكين وغيرها، ثم عزموا على ذلك، ثم قاموا بالفعل، فهؤلاء لهم الأجر المضاعف من عشرة فما فوق، يتفاوتون بحسب إخلاصهم وحجم الإنفاق، ووقت وحاجة المحتاج، وغيرها من الأسباب التي تجعلهم متفاوتين مما لا يعلمه إلا الله.


فاللهم إنا نسألك في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.


الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
عباد الله، نستفيد كذلك:
4- جزاء الهَمِّ بالسيئة دون فعلها: لقولهصلى الله عليه وسلم: «ومن هَمَّ بسيئة فلم يعملها كتَبَها الله له عنده حسنةً كاملةً». فقد يخطر ببالك فعل سيئة ثم تعزم وتُصمِّم على الفعل، ثم تستحضر رقابة الله فتتراجع، فهذا التراجع محمود شرعًا، ومرغوب فيه؛ ولذلك كان الجزاء حسنةً كاملةً، للتحفيز على التراجع عن الأمور المذمومة شرعًا بعد العزم عليها.


ومثال الهم بالسيئة دون فعلها: أن يعزم شخص على السرقة أو القتل أو الغيبة أو الكذب أو شهادة الزور، وغيرها من المحرَّمات والكبائر، ثم يتذكر عاقبة وشناعة هذا الفعل فيتراجع.


ولنا مثال واضح أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحطت عليهم صخرة، فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم، فقال أحدهم: «اللهم إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأةً من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء، فقالت: لا تنال ذلك منها حتى تعطيها مئة دينار، فسعيت فيها حتى جمعتها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركتها»[3]. فهذا عزم على سيئة الزنا- والعياذ بالله- ولما ذُكِّر بالله تذكر واعتبر وتراجع وتاب وترك ما هو عازم عليه من السيئة، وهذا محمود؛ لأن التراجع عن الباطل خيرٌ من التمادي فيه.

5- جزاء الهمِّ بالسيئة مع فعلها: لقولهصلى الله عليه وسلم: «فإن هو هَمٌّ بها فعملها، كتبها الله له سيئةً واحدةً»، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 160].ومثال الهمِّ بالسيئةمع فعلها: ما رأيناه في المثال السابق، فإنه لو زنا ذاك الرجل بالفعل بابنة عمِّه، فقد نفذ سيئة الزنا بالفعل. ومثال آخر: الطالب والتلميذ الذي يعزم على الغش في الامتحان، وأتى بهاتفه وأوراق الغش إلى مركز الامتحان بنية الغش ثم بدأ يتحيَّن الفرصة المواتية للغش، فغش بالفعل، فهذا له وزر الغش وسيئته. وعلى هذا القياس.


عباد الله، اتقوا الله حق تقاته، واعملوا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن"[4]. فمن ظلم نفسه باقتراف السيئات، فليجتهد في فعل الحسنات بعدها، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
فاللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء. آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه البخاري، رقم: 6491. ومسلم رقم: 231.

[2] رواه مسلم، رقم: 2647.

[3] رواه البخاري، رقم: 2215.

[4] صحيح الترمذي، رقم: 1987.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.66%)]