عرض مشاركة واحدة
  #37  
قديم 12-10-2025, 11:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,955
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة شرح الأربعين النووية

سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ


عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت



الحديث 36: «من نفَّس عن مؤمن كربةً...»



عناصر الخطبة:
رواية الحديث.
المعنى الإجمالي للحديث.
المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبةالأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]،أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بَطَّأَ به عملُه، لم يُسْرِع به نسبه»[1].

عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، جامع لأنواع العلوم والقواعد والآداب، كما قال الإمام النووي عليه رحمة الله في شرحه لصحيح مسلم[2]: وفيه الترغيب بحقوق الأخوة الإيمانية، والاهتمام والعناية بطلب العلم وقراءة القرآن.


فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟


نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
الحث على الأخوة الإيمانية والترغيب فيها: ومنها في هذا الحديث:
تنفيس كربة أخيك المؤمن: لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نفَّس عن مؤمن كُرْبةً من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كُرْبةً من كُرَب يوم القيامة». والكُرْبة هي الضائقة والأزمة التي يمرُّ منها المسلم أو المسلمة. فمن حرص على المساعدة المادية لإخوانه في غزة بفلسطين في محنتهم هذه الأيام، لشراء ما يحتاجون إليه من طعام، ودواء، وغيرها، وتقديم ما يستطيع من العون بحسب طاقته، لهو من أعظم التنفيس عن الكُرْبة التي يعيشونها ويفرضها المحتل الذي فقد كل معاني الإنسانية. ومثله من يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة ولا يملك مالًا أو شفاعةً لإجرائها، فساهمت من مالك أو توسَّطْت له للنظر في حالته المستعجلة فهذا تنفيس للكربة. ويتعدَّى تنفيس الكرب الجانب المادي إلى الجانب المعنوي والنفسي، فقد لا تملك حلًّا لمشاكل إخوانك، ولكنك تملك التخفيف عنهم بالكلمة الطيبة التي تدخل السرور عليهم، وترفع معنوياتهم، وتساعدهم في اتخاذ القرار، وتواسيهم بالحضور، وغيرها.


وليبشر من يفعل هذا في الدنيا بأن ينفس الله عنه كُرْبةً من كُرَب يوم القيامة، ومهما تكن من كُرْبة في الدنيا فلا تداني كُرَب ذلك اليوم.


التيسير على المعسر:لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة». ولنعطي مثالًا في مجال الديون، فقد تكون ميسورًا تقرض إخوانك قرضًا حسنًا، فأنت بهذا نفَّست كُرْبةً من كُرَب الدنيا- كما رأينا- ثم إذا كان هذا المقترض معسرًا، حضر الأجل ولم يستطع الوفاء، فزدته في الأجل دون رِبًا، أو وضعت عنه شطرًا من قيمة الدَّيْن، أو وضعته كله، فأنت بهذا يسَّرت على أخيك؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]، فأبشر بالتيسير عليك في الدنيا والآخرة.

ستر أخيك المؤمن: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة». الكمال لله وحده، وكلنا نخطئ، ومن حقوق أخيك إذا رأيته في معصية ألَّا تُعين الشيطان عليه بالتشهير والتشنيع، بل استر عليه ما دام يستخفي بمعصيته ولم يستعلن بها، وانصحه سرًّا بينك وبينه، عسى أن يرحمَه ربُّه ويمنَّ عليه بالتوبة النصوح، فلا يُعيَّر بعدها بالذنب القديم، ومن منهج النبيصلى الله عليه وسلم: "إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟"[3]. وكم ستر الله علينا ولم يفضحنا.


قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وهو الحيي فليس يفضح عبده
عند التجاهر منه بالعصيان
لكنه يلقي عليه ستره
فهو الستير وصاحب الغفران


فأبشر يا من هذا خلقه بستر الله عليك في الدنيا والآخرة.


عون أخيك المؤمن:لقولهصلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». ومن أمثلته ما رأيناه في الحديث السادس والعشرين من الأربعين، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «... ويُعين الرجل على دابَّتِه فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة...»[4]. فإذا أعنت رجلًا على ركوب سيارته، أو أعنته على رفع متاعه وغيرها من أوجه التعاون، فأبشر بمعونة الله لك في جميع أمورك.


فاللهم بصِّرْنا بحقوق إخواننا، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
من المستفادات في هذا الحديث:
الترغيب في طلب العلم: لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة». والعلم المقصود هو العلم الموصِّل إلى معرفة الله والإيمان به واتِّباع شريعته، وكثير ممن له شواهد مرموقة في تخصُّصات شتى، تجده ملحدًا، أو لا يصلي، أو لا يتورَّع عن منكر، بل يسخر علمه في المكر والخداع.


فهذا علمه لا ينفعه، فالعلم الموصل إلى الجنة هو العلم المقرون بالعمل المورث للخشية، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

الأعمال هي التي تنفع يوم القيامة: لقولهصلى الله عليه وسلم: «ومن بَطَّأ به عَمَلُه، لم يُسْرِع به نَسَبُه». فالذي ينفع العبد يوم القيامة هو العمل والقلب السليم، قال تعالى:﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]. وقالصلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله»[5]. فالنَّسَب لا يغني عن العمل، فلنحذر- إخواني- من الغرور، الاغترار بالمال أو النَّسَب أو القبيلة وغيرها مما يتفاخر الناس به في الدنيا، فكلها إلى زوال، ولا يثبت إلا العمل الصالح، فغدًا يقول من أوتي كتابه بشماله: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ[الحاقة: 25 - 29]. فاغتنموا أوقاتكم في تقديم ما ينفعكم بين يدي ربكم.

فاللهم إنا نسألك العلم النافع والزيادة منه، واجعلنا من أهل القرآن، ونسألك العمل الصالح. آمين. (تتمة الدعاء).

[1] رواه مسلم، رقم: 2699.

[2] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 17/21.

[3] صحيح أبي داود، رقم: 4788.

[4] رواه البخاري، رقم: 2989. ومسلم، رقم: 1009.

[5] رواه البخاري، رقم: 2989. ومسلم، رقم: 1009.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]