الموضوع: مكارم الأخلاق
عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 08-10-2025, 11:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,030
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مكارم الأخلاق

مكارم الأخلاق (١٤) الرجوع إلى الحق


  • قليل من الناس من يتراجع عن مواقفه، إن كانت خطأ، حتى بعد أن تقام عليه الحجة البينة، ويعد ذلك نوعا من (الضعف)، الذي لا يرضاه لنفسه.
  • بل هو (الكبر)، والعياذ بالله، بصريح حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الكبر بطر الحق وغمط الناس»، عن ابن مسعود (رواه مسلم). لو أقسم المسلم على أمر ورأى خيرا منه، يرجع عن قسمه كما في الحديث المتفق عليه: «وإذا حلفت على فإنه يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير». هكذا هو هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم - وشريعتنا، (الرجوع إلى الحق، وقبوله، والعمل بمقتضاه).
  • مع الأسف، يغفل عن هذا من يأخذ الدين تقليدا، وعادة دون علم وتربية وفق شريعة الله -تعالى-.
كنت وصاحبي نتحاور بعد أن أخبرني أن أحد معارفه حلف ألا يجتمع مع إخوانه، ولا يدخل بيتهم؛ لأن والدته تنازلت عن منزلها لأصغر الإخوان، وأتمت نقل ملكيته قبل وفاتها!
  • إن المرء قد يجانب الحق جهلا، فإذا ذكّر وتعلم رجع، ولكن من يترك الحق كِبرا، لا يرجع وإن ذكر، تعرف حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح مسلم عن ذاك الرجل الذي أكل بشماله عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «كُل بيمينك»؛ فقال الرجل: لا أستطيع (قالها تكبرا) فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا استطعت»، فما رفعها إلى فيه (فمه)، شلت يده.
  • أعوذ بالله من التمادي في الباطل والإعراض عن الحق، كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (النمل)، هذا العناد، أدى بهم إلى الكفر، ثم الخلود في جهنم والعياذ بالله-. هل حاولت التواصل مع ذاك الذي قاطع إخوانه؟! - نعم، والحادثة مضى عليها أكثر من عام كامل، وهو مُصرٌّ على موقفه، يقول: «لن أكسر كلمتي»! مع أنه لا يترك صلاة، ولا تفوته جمعة!
  • عسى الله أن يهديه، ويشرح صدره للحق، والرجوع إليه، فإن الإصرار على الباطل، خلق سيئ يذهب الحسنات، ويبعد المرء عن طاعة الله، وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» (متفق عليه)، وهنا تحضرني خاطرة في واقعة الإفك التي برأ الله فيها أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، ذلك أن أحد الذين شاركوا في نشر تلك الأقوال الباطلة، مسطح بن أثاثة، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ينفق عليه، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه بعد ما نزل من القرآن في براءة ابنته، فنزل قول الله -تعالى-: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22)، فقال - رضي الله عنه -: «بلى والله إني لأحب أن يغفر لي»، وكفرّ عن يمينه وأرجع النفقة إلى مسطح وقال: «والله لا أنزعها منه أبدا».
  • لا شك أن الصحابة وقافون عند كتاب الله -تعالى- وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا رباهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ففي البخاري أن عيينة بن حصن نزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر - رضي الله عنه -؛ فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير فتستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: فاستأذن لعيينة؛ فلما دخل عليه قال: يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر - رضي الله عنه - حتى همّ بأن يقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله -تعالى- قال لنبيه {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف:199)، وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله»، وهكذا كان جميع الصحابة -رضي الله عنهم-، ربما يغفل أحدهم ولكنه إذا ذكر رجع إلى الحق، ولم يتعداه. إن التسليم بالخطأ شاق على النفس، يحتاج إلى تجرد لله وصدق وإخلاص، وتذكير بالأجر والثواب، والإثم والعقاب، وتعوذ من الشيطان الرجيم، الذي يغوي ابن آدم ويغريه، ألا يتنازل عن مواقفه.
  • إن كتاب الله -تعالى- وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مليئة بأمثلة للرجوع إلى الحق، والاعتراف بالذنب، فهذا أبونا آدم وزوجه، اعترفا بالخطيئة وتابا: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف:23)، وهذا نبي الله يونس -عليه الصلاة والسلام- يعترف بخطئه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء:87)، وسحرة فرعون لما تبين لهم الحق، سجدوا مباشرة، إيمانا بالله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} (الشعراء) مع أنهم قبل ذلك قالوا. {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} (الشعراء:44).
أما الكفار والمعاندون والجاحدون فلا يرجعون إلى الحق، وإن تبين لهم بل قوله كما في سورة الأنفال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31) وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال)، وكان الأولى والأعقل والمنطقي أن يقولوا: «إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه واشرح صدورنا له»! وأمثله ذلك في السنة النبوية كثيرة جدا؛ فها هو ذا النبي - صلى الله عليه وسلم - معلم البشرية ومربيها -على مثل هذه الآداب والفضائل - يرجع إلى قول امرأة يهودية، بعد أن تبين له بالوحي صحة قولها: «بأن أهل القبور يفتنون في قبورهم، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي امرأة من اليهود وهي تقول: هل شعرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: «إنما تفتن يهود». قالت عائشة: فلبثنا ليالي. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هل شعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟» قالت عائشة: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد يستعيذ من عذاب القبر» (رواه مسلم)، وعندما رأى ابن مسعود - رضي الله عنه - خبابا - رضي الله عنه - وعليه خاتم من ذهب - قال له: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ فقال خباب: أما إنك لن تراه علي بعد اليوم فألقاه» (رواه البخاري). كان خباب - رضي الله عنه - يعتقد أن النهي عن لبس الرجال خاتم الذهب للتنزيه ، فنبهه ابن مسعود - رضي الله عنه - على تحريمه، فرجع إليه مسرعا. ومثل هذا؛ ما جاء من رجوع عمر - رضي الله عنه - وتسليمه بحديث الاستثذان ثلات، فإن أذن لك؛ وإلا فارجع» (رواه البخاري). بعد أن أنكره على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، فلما تثبّت عُمرُ من الخبر، وجاءه أبو سعيدٍ - رضي الله عنه - وأخْبره بِصِحة ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال عُمرُ - رضي الله عنه -: «ما كُنْتُ علِمْتُ هذا» (صحيح - رواه الترمذي).


اعداد: د. أمير الحداد





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]