عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-10-2025, 12:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,745
الدولة : Egypt
افتراضي الموازنة بين دعائه صلى الله عليه وسلم لأمته وبين دعاء كل نبي لأمته

الموازنة بين دعائه صلى الله عليه وسلم لأمته وبين دعاء كل نبي لأمته

د. أحمد خضر حسنين الحسن


ورد في هذا الخصوص حديثٌ رواه البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل نبي سأل سؤلًا أو قال لكل نبي دعوة قد دعا بها، فاستُجيب، فجعَلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة).

وفي رواية أخرى عند البخاري أيضًا: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأُريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة).

وفي رواية في صحيح مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا).

اختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لكلِّ نبي دعوة مستجابة يدعو بها) على قولين:
القول الأول: أن تلك الدعوة إنما تُستجاب له في أمته خاصة، وذهب إلى هذا القول العلامة ملا علي قارئ رحمه الله، فقال: (لكل نبي دعوة مستجابة)؛ أي: في حق مخالفي أمته جميعهم بالاستئصال.

(فتعجل كل نبي دعوته)؛ أي: استعجل في دعوته، كما أن نوحًا دعا على أمته بالهلاك، حتى غرقوا بالطوفان، وصالحًا دعا على أمته، حتى هلكوا بالصيحة)؛ اهـ[1].

القول الثاني: ﻣﻌﻨﻰ ﻗﻮﻟﻪ: (ﻟﻜﻞ ﻧﺒﻲ ﺩﻋﻮﺓ ﻣﺴﺘﺠﺎﺑﺔ): (ﻳﺮﻳﺪ أﻥ ﻟﻜﻞ نبي ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺭﻓﻴﻊ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ ﻭﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ - ﺃﻥ ﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮﻩ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺣﺐ ﻣﻦ الأﻣﻮﺭ، ﻭﻳﺒﻠﻐﻪ ﺃﻣﻨﻴﺘﻪ، ﻓﻴﺪﻋﻮ في ﺫﻟﻚ ﻭﻫﻮ ﻋﺎﻟﻢ ﺑﺈﺟﺎﺑﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﻪ: (ﺃﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ، ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ ﺃﻥ ﻳﺤﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻚ ﺟﺒﺎﻝ ﺗﻬﺎﻣﺔ ذهبًا ﻓﻌﻞ)، وخيَّره ﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ نبيًّا عبدًا، ﻭﺑﻴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ نبيًّا ملكًا، ﻓﺎﺧﺘﺎﺭ الآﺧﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺟﺔ لأﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﻣﺮﻭﺍ ﺑﺎﻟﺪﻋﺎﺀ ﺭﺍﺟﻴﻦ الإﺟﺎﺑﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﻃﻌﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ؛ ﻟﻴﻘﻔﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻮﻑ)؛ اهـ [2].

وقد أشار ملا على قاري إلى هذا القول - ولكن ضعَّفه - فقال: (وقيل: معناه أن لكل نبي دعوة متيقنة الإجابة، بخلاف بقية دعواته، فإنها على طمع الإجابة، فتعجل كل نبي دعوته لنفسه)[3].

وقال ابن حجر رحمه الله في شرحه:
قوله صلى الله عليه وسلم: (وأُريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة)، وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة الآتية في التوحيد: "فأريد إن شاء الله أن أختبئ"، وزيادة "إن شاء الله" في هذا للتبرك، ولمسلم من رواية أبي صالح عن أبي هريرة: "وإني اختبأت"، وزاد أبو صالح: "فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا"، وقوله: "مَن مات"؛ أي: شفاعتي نائلة من مات غير مشركٍ، وكأنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يؤخِّرها، ثم عزم ففعل ورجا وقوعَ ذلك، فأعلمه الله به فجزَم به.

وقد استشكل ظاهر الحديث بما وقع لكثيرٍ من الأنبياء من الدعوات المجابة، ولا سيما نبينا - صلى الله عليه وسلم - وظاهره أن لكل نبي دعوة مستجابة فقط، والجواب أن المراد بالإجابة في الدعوة المذكورة القطع بها، وما عدا ذلك من دعواتهم، فهو على رجاء الإجابة، وقيل معنى قوله: "لكل نبي دعوة"؛ أي أفضل دعواته، ولهم دعوات أخرى.

وقيل: لكل منهم دعوة عامة مستجابة في أمته؛ إما بإهلاكهم وإما بنجاتهم، وأما الدعوات الخاصة، فمنها ما يُستجاب ومنها ما لا يستجاب.

وقيل: لكل منهم دعوة تَخُصه لدنياه أو لنفسه؛ كقول نوح: ﴿ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، وقول زكريا ﴿ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي ﴾ [مريم: 5، 6]، وقول سليمان: ﴿ وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35]؛ حكاه ابن التين.

وقال بعض شُراح مشكاة المصابيح - ما لفظه -: "اعلم أن جميع دعوات الأنبياء مستجابة، والمراد بهذا الحديث أن كل نبي دعا على أمته بالإهلاك، إلا أنا فلم أدعُ فأُعطيت الشفاعة عوضًا عن ذلك للصبر على أذاهم، والمراد بالأمة أمة الدعوة لا أمة الإجابة، وتعقَّبه الطيبي في نسخة القرطبي بأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على أحياء من العرب، ودعا على أناس من قريش بأسمائهم، ودعا على رعل وذكوان، ودعا على مضر، قال: والأولى أن يقال: إن الله جعل لكل نبي دعوة تُستجاب في حق أمته، فنالها كلٌّ منهم في الدنيا، وأما نبينا فإنه لما دعا على بعض أمته نزل عليه ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم، فبَقِيَت تلك الدعوة المستجابة مدَّخرة للآخرة، وغالب من دعا عليهم لم يرد إهلاكهم، وإنما أراد ردعهم ليتوبوا، وأما جزمه أولًا بأن جميع أدعيتهم مستجابة، ففيه غفلة عن الحديث الصحيح: سألت الله ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة؛ الحديث".

قال ابن بطال رحمه الله: في هذا الحديث بيان فضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - على سائر الأنبياء؛ حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة، ولم يجعلها أيضًا دعاءً عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم.

وقال ابن الجوزي: هذا من حُسن تصرفه - صلى الله عليه وسلم - لأنه جعل الدعوة فيما ينبغي، ومن كثرة كرمه؛ لأنه آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره؛ لأنه جعلها للمذنبين من أمته لكونهم أحوج إليها من الطائعين.

وقال النووي: (فيه كمالُ شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم، واعتناؤه بالنظر في مصالحهم، فجعل دعوته في أهم أوقات حاجتهم، وأما قوله: "فهي نائلة"، ففيه دليلٌ لأهل السنة أن من مات غير مشرك لا يُخلَّد في النار ولو مات مصرًّا على الكبائر)[4].

وقد دعا صلى الله عليه وسلم لأمته في الدنيا بدعوات تدل على رحمته وشفقته بهم، ومن ذلك:
1- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ»، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟»، فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ»؛ رواه ابن حبان في صحيحه، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 2254 )، كما حسنه الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان.

2- ما ورد عن ‏عبد الله بن عمرو بن العاص ‏أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏تلا قول الله عز وجل في ‏إبراهيم: (﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [إبراهيم: 36]، وقال ‏عيسى ‏عليه السلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]، ‏فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي، وبكى فقال الله عز وجل: (يا ‏جبريل، ‏اذهَب إلى ‏محمد - ‏وربك - أعلم - فسَلْه ما يُبكيك)، فأتاه ‏جبريل ‏فسأله، فأخبره رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم ‏بما قال - وهو أعلم- فقال الله: (‏يا ‏‏جبريل، ‏‏اذهب إلى ‏‏محمد ‏فقل: إنَّا ‏سنُرضيك في أمتك ولا نَسوءك)؛ [رواه مسلم 302].

3- و‏عن ‏عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‏ ‏قال: قال لنا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم: (‏أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة)، قال: فكبَّرنا، ثم قال: (أما ترضون أن تكونوا ثُلث أهل الجنة)، قال: فكبَّرنا، ثم قال: (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وسأُخبركم عن ذلك ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود، أو كشعرة سوداء في ثور أبيض)؛ [رواه مسلم324].

4- وعن ‏عائشة ‏رضي الله عنها ‏زوج النبي‏ صلى الله عليه وسلم، ‏حدَّثته ‏أنها قالت للنبي ‏صلى الله عليه وسلم: ‏هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم ‏أُحد ‏قال: ‏"‏لقد لقيت من قومك ما لقيتُ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم ‏العقبة؛ ‏إذ عرضت نفسي على ‏ابن عبد ياليل بن عبد كلال، ‏فلم يُجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا ‏بقرن الثعالب، ‏فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها ‏جبريل، ‏فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمُره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلَّم عليَّ، ثم قال: يا ‏محمد، ‏فقال ذلك فيما شئت: إن شئت أن أُطبق عليهم ‏الأخشبين، ‏فقال النبي‏ صلى الله عليه وسلم: ‏(‏بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يَعبُد الله وحده لا يُشرك به شيئًا)؛ [رواه البخاري 2992].


[1] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – حديث رقم 2223.

[2] شبكة الألوكة - شرح مائة حديث (12).

[3] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح – حديث رقم 2223

[4] فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الدعوات - باب لكل نبي دعوة مستجابة .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.01 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]