عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 26-09-2025, 05:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آفاق التنمية والتطوير




آفاق التنمية والتطوير .. الذكاء الاصطناعي بين الشريعة وتحديات الثورة الرقمية


  • لا يجوز للذكاء الاصطناعي أن يتدخل في العبادات أو الفتوى دون إشراف بشري إسلامي فالقرآن اكتمل نزوله، والرسالة بُيّنت ولا يُترك أمر الاجتهاد لآلة ينقصها الإحاطة والشمول بمقاصد الشريعة وروح الفقه وقد يعتريها الخلل
  • يجب إنشاء ميثاق إسلامي للأخلاقيات الرقمية ولاسيما تطبيقات الذكاء الإصطناعي مستندًا إلى القرآن والسنة
نسعد بلقائكم عبر هذه النافذة (آفاق التنمية والتطوير)؛ لنقدم لكم آفاقًا جديدة من التفكير والتطوير؛ وذلك قيامًا بواجب نشر العلم وحمل الأمانة لإعمار الأرض، وتطوير نمط الحياة بما يحقق التنمية المستدامة، ونسعد بتلقي اقتراحاتكم وتعليقاتكم على بريد المجلة.
المدخل:
كان الذكاء الاصطناعي قبل عقد من الزمان مجرد مصطلح نظري يردده الباحثون في الجامعات ومراكز الدراسات، أما اليوم، فقد تسلل إلى كل زاوية من حياتنا؛ فالذكاء الاصطناعي أصبح يحدد خوارزمية محرك البحث الذي يوجهنا إلى ماذا نقرأ؟ ويرشح لنا ماذا نشتري؟ وأصبحت الكاميرات الذكية تراقب شوراعنا، ويحرر البرامج والأخبار بسرعة تفوق قدرة البشر، ووسط هذا الزحف المتسارع، تبرز الأسئلة: أين يقف الإسلام من هذه التقنية؟ وما معايير الاستفادة منها دون الوقوع في محاذيرها؟
المنطلق الفقهي.. الإباحة بضوابط:
يؤكد علماء الشريعة أن القاعدة الشرعية العامة هي: «الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم»؛ فالذكاء الاصطناعي كأي أداة مستحدثة سلاح ذو حدّين، إذا ما أحسن استعماله، فإنه يفيد البشرية، لكنه قد يصبح محظورًا إذا أُسيء استخدامه، تمامًا كالسيف الذي يمكن أن يكون أداة دفاع أو أداة ظلم؛ فإذا استُخدم الذكاء الاصطناعي في الخير كتطوير الأبحاث وعلاج المرضى أو محاربة الفقر، فهو تعاون على البر والتقوى؛ أما إذا وُظف في التضليل الإعلامي أو صناعة الأسلحة الفتاكة، أو نشر الباطل أو تزييف الحقائق والثوابت؛ فإنه يكون بذلك من باب التعاون المحرّم على الإثم والعدوان.
المقاصد الخمسة ميزان الحكم:
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية أقامت بنيانها على مقاصد خمسة تتمثل في: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، ومن هنا نستطيع أن نجعل هذه المقاصد معيارًا لتقييم أي استخدام للذكاء الاصطناعي وغيره.
المعيار الأول: حفظ الدين
لا يجوز للذكاء الاصطناعي - أو من يقوم على توظيفه واستخدامه- أن يتدخل في العبادات أو الفتاوى دون إشراف بشري؛ فالقرآن اكتمل نزوله، والرسالة بُيّنت، ولا يُترك أمر الاجتهاد لآلة ينقصها الإحاطة والشمول بمقاصد الشريعة وروح الفقه، وقد يعتريها الخلل والهلوسة - بمفهوم أهل التقنية، وقد لاحظنا أحيانا أنه عند إيراد بعض الآيات والأحاديث يكون هناك أخطاء!
المعيار الثاني:حفظ النفس
ومن هذا الباب يحرم كل ما من شأنه أن يتسبب في إزهاق الأرواح من خلال مساعدة المجرمين على سبيل المثال بالمعلومات الضارة؛ فقد قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الأنعام: 151).
المعيار الثالث: حفظ العقل
ومن ذلك منع استخدام الذكاء الاصطناعي في التضليل الإعلامي أو نشر الأكاذيب عبر «الصور والفيديوهات المزيفة العميقة» بتقنية (Deepfake)؛ وذلك مصداقا لقوله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا}.
المعيار الرابع: حفظ النسل
ومن ذلك رفض التطبيقات والمحتوى الرقمي الذي قد يروّج للفاحشة أو يهدد كيان الأسرة، مثل بعض المنصات التي تستغل الأطفال، وتحرض الفتيات على الرذيلة.
المعيار الخامس: حفظ المال
يحرّم الإسلام الغش والاحتيال؛ بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من غشّ فليس منا»؛ لذا لا يجوز استغلال الذكاء الاصطناعي في التلاعب بالأسواق أو الاحتيال المالي.
العدالة والخصوصية في عصر الخوارزميات:
قد يقع الذكاء الاصطناعي في التحيز؛ فإذا برمجته جهة منحازة، فإنه قد يظلم إنسانًا على حساب آخر إذا استخدم في مجال القضاء، والإسلام يرفض الظلم قطعًا كما في قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} (النحل: 90). كما إن حماية البيانات والخصوصية أصبحت تحديًا عالميًا؛ وهنا نجد أن القرآن سبق القوانين الدولية حين قال: {وَلَا تَجَسَّسُوا} ؛ ولذلك فإن انتهاك الخصوصية عبر خوارزميات تتبع السلوك الرقمي أو بيع بيانات المستخدمين يعدّ مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية.
ضوابط المسؤولية.. من يتحمل الخطأ؟
لو أخطأ نظام ذكي في تشخيص طبي أو تسبب في حادث سير، فمن يتحمل المسؤولية؟ هنا يقرر الإسلام قاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»؛ فلا يجوز ترك الأخطاء بلا محاسبة؛ بل ينبغي أن تحدد المسؤولية بين المبرمج، والشركة، أو المستخدم، ولعل هذه الجدلية لا تزال قائمة ولم تحسم إلى الآن.
بين الرؤية الإسلامية والغربية:
إذا كان الغرب يضع معايير مثل: الشفافية، وعدم التمييز، وحماية الخصوصية من خلال الأنظمة والمنظمات العالمية (EU AI Act - UNESCO Ethics)، فإن الإسلام يضيف بعدًا دينيا وأخلاقيا من خلال الالتزام بقواعد الحلال والحرام، والمسؤولية أمام الله، والحرص على تحقيق مقاصد الشريعة، والنتيجة في ذلك أن الرؤية الإسلامية أكثر شمولًا؛ لأنها لا تكتفي بحماية الإنسان في الدنيا؛ بل تراعي حسابه في الآخرة أيضًا.
أهم التوصيات:
  • إنشاء ميثاق إسلامي للأخلاقيات الرقمية مستند إلى القرآن والسنة.
  • تأسيس هيئات مشتركة شرعية وتقنية لمراقبة تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
  • تضمين التربية الرقمية الأخلاقية في المناهج المدرسية والجامعية.
  • تشجيع الدول الإسلامية على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بضوابط شرعية.
  • تطوير منصات فتوى تقنية بإشراف العلماء لضبط الاستعمال الديني.
الخلاصة:
وهكذا يتضح لنا أن الذكاء الاصطناعي وسيلة مباحة في أصلها، وهي أداة وليست غاية، ونحن هنا رغم هذه التحذيرات فإننا ندعو إلى حسن استخدامه واستثماره في خدمة البحث العلمي والشرعي والطبي؛ فالذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدّين؛ يمكن أن يصبح وسيلة لنهضة الأمة، أو أداة استعباد لها، والفارق في ذلك ليس في التقنية ذاتها؛ بل في القصد والنية والمآل، والضابط الشرعي، والوعي الأخلاقي، ولا شك أن صياغة ميثاق إسلامي عالمي لاستخدام الذكاء الاصطناعي يعد ضرورة حضارية؛ لحماية الهوية والقيم الإنسانية، مع المراجعة المستمرة للأمور الشرعية والتقنية لمواكبة التطور المتسارع.


اعداد: ذياب أبو سارة





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]