
25-09-2025, 03:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,745
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
الحديث 33: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث. • المعنى الإجمالي للحديث. • المستفادات من الحديث والربط بالواقع. الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بعدُ:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أعاذني الله وإياكم من النار.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعَى رجالٌ أموالَ قومٍ ودماءهم، ولكن البيِّنة على المدَّعي، واليمين على من أنكر» [1].
عباد الله، هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ومن الأحاديث التي يدور عليها الفقه، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام. وضع أسس الحكم بين الناس حتى تُصان الحقوق، وتُحفظ الأعراض، ويُقام العدل، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- بعض تطبيقات القاعدة في مجال الدعوة إلى الله: من ذلك:
تأييد الله رسله بالبينات والمعجزات:الله عز وجل أرسل الرسل، ومن طبيعة البشر طلب البينة على الدعوى؛ دعوى الرسالة، فأيَّد الله رُسُلَه بالبيِّنات حتى يصدقهم الناس؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ [الحديد: 25]؛ ولذلك طلب فرعون من موسى البينة، فقال: ﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 106]، فأيَّده الله بالعصا وغيرها. وصالح عليه السلام قال لقومه: ﴿ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ﴾ [الأعراف: 73]. ورسولنا صلى الله عليه وسلم أعطاه الله القرآن كدليل وبرهان على رسالته، وتحدَّى قومه بأن يأتوا بمثله، أو بسورة، أو آية؛ فلم يستطيعوا، قال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة"[2]. فالله عز وجل أيَّدهم بالبينات الدالة على صدق دعواهم بالرسالة، فالبينة على المدعي.
وعلى الدعاة إلى الله عز وجل التسلُّح بالعلم والحجة والبينة والدليل في مخاطبة الناس؛ حتى يكون لكلامهم صدق وقوة وجاذبية، فإذا أرادوا تقرير عقيدة البعث، أو تحريم شيء من المحرمات؛ كالربا والخمر وغيرهما، أيَّدوا كلامهم بالأدلة من القرآن والسُّنَّة، والاستعانة بالأدلة العقلية كذلك؛ حتى يستطيعوا تفنيد الشبهات، واستمالة الناس بقوة الحجة والبيان.
بطلان دعوى من لا بينة له، ومن ذلك:
بطلان دعوى أدعياء النبوَّة: هناك أدعياء النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ كمسيلمة الكذَّاب، والأسود العنسي، وغيرهما، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يبعث دجَّالون كذَّابون، قريبًا من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله"([3]). والمقرر في عقيدتنا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء؛ قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ﴾ [الأحزاب: 40]، ولأن هؤلاء دجَّالون كذَّابون فقد عجزوا عن إثبات دعواهم بالبيِّنة، وإنما دفعهم لذلك الهوى وحب الزعامة والسلطة وغيرها من الأسباب. وقد قبض على أحدهم يدَّعي النبوَّة، فقيل له: لمن بعثت؟ فأجاب: ما تركتموني حتى أبعث، بعثت في الصباح وقبضتم عليَّ في المساء! فهؤلاء وأمثالهم أحقر من أن يقيموا البينة على دعواهم.
بطلان دعوى اليهود والنصارى: نقرأ في القرآن الكريم بعض ادِّعاءات اليهود والنصارى، وهي ادعاءات باطلة ومرفوضة؛ لأنها غير مسنودة بالبينة والدليل، ومن ذلك مثلًا قول اليهود والنصارى كما حكى الله عنهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾ [المائدة: 18]، وهذه دعوى تحتاج إلى بينة ودليل؛ ولذلك أمر الله رسوله بالرد عليهم فقال له: ﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18]، فالله عز وجل لا يعذب من أحب؛ بل أنتم بشر كالبشر، من أحسن منكم جازاه بالجنة، ومن أساء منكم عاقبه بالنار. كما ادعى اليهود أن عزيرًا ابنُ الله، وادعت النصارى أن عيسى ابنُ الله، وادعوا أنهم لن تمسهم النار إلا أيامًا معدودات، وهذا وغيره من ادعاءاتهم الباطلة المذكورة في القرآن؛ لأنه لا بيِّنة لهم فيها، بل كذَّبها الله عز وجل فيما كذَّب من تحريفاتهم لكتبهم.
فاللهم إنا نعوذ بك من الادعاء والتقوُّل عليك، وعلى نبيِّك بغير علم ولا حق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
من المستفادات في الحديثكذلك:
2- بعض تطبيقات القاعدة في مجال الفقه والقضاء: فمن اتهم رجلًا أو امرأةً بالزنا فعليه أن يقيم البينة على دعواه، وإلا عُدَّ قاذفًا؛ فيطبق عليه الحد، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4]، فلا بد من أربعة شهود من الرجال لإثبات شهادة الزنا. والزاني أو الزانية إذا اعترافا فهو بينة، أو ظهر حمل المرأة.
ويطلب القاضي شهادة رجلين في الحدود؛ كالقتل والسرقة والخمر وغيرهما؛ قال تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ [الطلاق: 2].
وفي الحقوق المالية؛ كالبيع والقرض، فلا بد من شاهدين أو شاهد وامرأتين؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴾ [البقرة: 282].
وفي الأمور التي لا يطَّلِع عليها إلا النساء تقبل شهادتهن بشرط أن تكون المرأة ثقةً؛ كأمور الرضاع والولادة والبكارة وغيرها. فإذا قالت المرأة أنها أرضعت فلانًا أو فلانة يسمع لها؛ لأن ذلك له أثر في الزواج، وغيرها من الأحكام.
والمدعى عليه إذا لم يستطع المدعي إقامة الحجة، فإنه يحلف؛ لأن اليمين أقل حجةً من البينة، قال صلى الله عليه وسلم: «واليمين على من أنكر». والحلف يكون بالله، وإذا رفض المدعى عليه الحلف فهو اعتراف وإقرار بدعوى المدعي.
عباد الله، اعلموا ما لهذه الشهادة وما لهذا الحلف واليمين من عواقب وخيمة في زمن انتشرت فيه شهادة الزور، وفسدت الذمم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجالٌ أموالَ قومٍ ودماءهم". واستهان كثير من الناس في هذا الزمان بأمر الحلف؛ نتيجة ضعف إيمانهم ودينهم. وأدوا الشهادة كاملةً من غير زيادة أو نقصان، ولا تحلفوا على الكذب والزور والبهتان، فهي يمين غموس تغمس صاحبها في النار؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 77]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين صَبْرٍ (أي: يترتب عليها الحكم)، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان»[4].
وعلى قضاتنا ومن يتولى الحكم بين شخصين تحرِّي الصواب بالاجتهاد، وعدم الجور في الحكم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة؛ رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار»[5]. وعليهم زجر ووعظ الشهود قبل أداء الشهادة، ووعظ الحالف قبل حلفه، بتذكيره بعاقبة الأيمان الكاذبة.
فاللهم أصلح قضاتنا وولاة أمرنا، واجعلنا ممن يخشاك في الغيب والشهادة، ويقول كلمة الحق في الرضا والغضب. آمين.
(تتمة الدعاء)...
[1] رواه البيهقي في الكبرى، رقم: 21201. وحسنه النووي في الأربعين.
[2] رواه البخاري، رقم 4981.
[3] رواه البخاري، رقم 3609.
[4] رواه البخاري، رقم: 6676.
[5] صحيح ابن ماجه، رقم:1887.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|