عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 11-11-2005, 03:54 PM
الصورة الرمزية عاشق الجنان
عاشق الجنان عاشق الجنان غير متصل
مشرف سابق
 
تاريخ التسجيل: Nov 2005
مكان الإقامة: أرض الرباط
الجنس :
المشاركات: 560
افتراضي

تفنيد الادعاء الصهيوني بالحق التاريخي

أولا: الأسبقية التاريخية
إذا كنا سنضع أسبقية الإقامة التاريخية في فلسطين كميزان للحق في ملكية الأرض، فإنه من الواضح أن القبائل الكنعانية التي انحدر منها العرب أسبق على أي قبيلة أو حضارة أخرى بما في ذلك القبائل العبرانية. أي أن العرب أسبق تاريخيا إلى فلسطين وتعود ملكيتها في النهاية لهم. والتوراة التي بين أيدي الصهاينة الآن تؤكد هذه الأسبقية. تقول التوراة في العديد من المواقع أن الكنعانيين كانوا متواجدين في البلاد قبل سيدنا إبراعيم وأنهم استمروا فيها.

لكن الصهيونية تقول أن الأسبقية حضارية وليست زمنية بمعنى أن بني إسرائيل أقاموا دولة منظمة وحققوا إنجازات حضارية في مجالات التطور الاقتصادي والفن والعمران، بينما لم يحقق غيرهم إنجازات مماثلة. وهذا القول عبارة عن ادعاء غير صحيح ولا يستند على أي مبرر تاريخي، فالكنعانيون شيدوا المدن وطوروا حياة الزراعة وكانوا أكثر استقرارا من قبائل بني إسرائيل التي اعتادت حياة التنقل. وطور الكنعانيون أدوات زراعية مختلفة وطوروا فنونا مختلفة كما تظهر الحفريات، وظهرت عندهم صناعة الخزف والبرونز والزجاج والأقمشة. صحيح أن الكنعانيين لم يقيموا دولة مركزية إلا أنهم أقاموا دولا صغيرة مركزها المدن. وهذا ينطبق على العبرانيين الذين لم يتوحدوا تحت راية واحدة إلا بقوة السلاح، وسرعان ما تجزأت دولتهم واندثرت مع غياب القوة.

ومن ناحية استمرارية العيش في فلسطين، فالكنعانيون لم يغادروا البلاد مذ دخلوها على الرغم من الغزوات المتكررة التي تعرضت لها. أما العبرانيون فاستمروا في الترحال وتعرضوا للسبي، وبالتالي لم يكن بقاؤهم في البلاد متواصلا أو مكثفا إلا في فترات متقطعة وفي أجزاء محددة. ولهذا فإن أثر التراث الكنعاني في البلاد بقي أكثر خلودا ورسوخا من الأثر التراثي للعبرانيين.

ثانيا: مصداقية التوراة
يلاحظ قارئ التوراة الموجودة حاليا أنها تغطي فترة زمنية طويلة وتؤرخ لأنبياء وملوك بني إسرائيل. وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون كاتبها واحد أو مجموعة عاشت في فترة زمنية واحدة إذا كان لها أن تعكس الحقيقة. لكن أغلب المؤرخين يعتقدون أنها كتبت في فترة متأخرة، أي لم يكتبها الأنبياء الذين تؤرخ لهم. فهناك اعتقاد أنها كتبت في القرن السادس قبل الميلاد من قبل الذين تم سبيهم إلى بلاد ما بين النهرين. وحيث أن المسببين كانوا يريدون العودة إلى أرض الميعاد، كتبوا التوراة بطريقة تتمشى مع رغباتهم وأمانيهم وليس مع الحقيقة. كتبت بطريقة تمتدح بني إسرائيل وتؤكد تفوقهم على البشر وتؤكد حب الله لهم.

وإذا كانت هناك محاولات لكتابة الحقيقة، أي حقيقة التشريعات التي أوحي بها للأنبياء، فهذه المحاولات اعتمدت على الروايات الشفوية المعتمدة على الذاكرة. ولكن الذاكرة، وخاصة البعيدة والمتناقلة عن أجيال، معرضة للنسيان والتشويه والتشكك والإضافات والاختزالات. ولهذا فإنه لم يكن بالإمكان كتابة الحقيقة حتى لو كانت النية تتجه نحو ذلك. وعليه فإنه لا يمكن الاعتماد على التوراة كمرجع تاريخي أو ديني يوثق به.

ثالثا: أصالة الصهاينة

تقول الحركة الصهيونية أن اليهود الموجودين اليوم في العالم ينحدرون من الأصل السامي العبري، وحيث أنهم من أصالة عرقية واضحة فإنه يتوجب عودتهم إلى الأرض التي أنبتتهم.
إنه من الصعب التأكيد على النقاء العرقي لليهود الذين تتحدث عنهم الصهيونية. فهؤلاء موزعين في مختلف بقاع الأرض، وتعرضوا لظروف متباينة جعلت من الصعب عليهم عدم الاختلاط والتزاوج مع الشعوب الأخرى. فعلى مر مئات السنين فقد هؤلاء الأصالة التي يمكن أن تجمعهم. هذا فضلا عن أنه من المعروف تاريخيا أن قبائل الخزر التي أتت من الشرق الأقصى وسكنت منطقتي الفولجا والقوقاس قد تهودت، أي اعتنقت الديانة اليهودية. فهذه القبائل قد تواجدت في المنطقة بين القرن السابع الميلادي والقرن العاشر، واستطاعت أن تقيم دولة لها. لكن دولتها تحطمت بعد تعرضها لهجوم روسي في منتصف القرن العاشر الميلادي. تشتتت بعدها القبائل في مناطق مختلفة من العالم وخاصة في أوروبا الشرقية. وهذا بالضبط ما يمكن أن يفسر تميز العديد من اليهود الآن بالبشرة البيضاء والعيون الزرقاء. وهذا يعني أن النقاء العرقي ليس موجودا، بل من الممكن جدا أن يكون أغلب يهود اليوم خزريين.

رابعا: الأرضية الدينية
تقول التوراة أن إبراهيم هو جد العبرانيين. من الناحية التاريخية، هذه مقولة ليست صحيحة تماما لأنها تتجاهل حقيقة أن إبراهيم هو والد إسماعيل أيضا والذي يعتبر أحد أجداد العرب والمسلمين. ومن الناحية الدينية، فإن إبراهيم ليس جد أنبياء إسرائيل وإنما أب الأنبياء جميعا، وهو الذي أقام في الحجاز وأرسى حجر المقدسات الإسلامية هناك. يقول تعالى في القرآن الكريم: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا* واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى* وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود." (البقرة، 126) ويؤكد القرآن الكريم قيام إبراهيم ببناء البيت في مكة: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". (البقرة، 128). ويشير القرآن إلى أن إبراهيم ليس يهوديا وإنما مسلم: "… ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين". (آل عمران، 67). ويحض القرآن الناس على اتباع دين إبراهيم فيقول: " ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا * واتخذ الله إبراهيم خليلا." (

والقرآن لا يعتبر أن إبراهيم فقط لم يكن يهوديا أو نصرانيا، بل أن الأنبياء جميعا لم يكونوا كذلك. إذ تقول الآية: "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون." (البقرة، 141). والمسلم يؤمن بالأنبياء وبما أتوا به حيث تنص الآية القرآنية: " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون." (البقرة، 137).

من الواضح أن القرآن لا يميز بين الأنبياء على أسس عرقية أو قبلية، بل لا يميز بينهم إطلاقا. كلهم رسل من عند الله، وكلهم أتوا بتعاليم سماوية يؤمن المسلم بها ويسلم أمره لها. وبهذا ينفي الإسلام الروح العنصرية التعصبية عن الأنبياء والتي تحاول التوراة تكريسها. فما داموا جميعا رسل الله، فلا بد أنهم يتمتعون بالحكمة والفضيلة وحب الخير والانتصار للعدالة. ولهذا لا يمكن لشعب من الشعوب أن يدعي ملكية نبي أو استحواذه.
ثم إن الإسلام يعتبر الأنبياء ورسالاتهم مقدمات نحو إتمام الدين الإسلامي. لقد نزلت الرسالات السماوية لترفع من الإنسان وتصحح أخطاءه وتسير به نحو حياة أفضل حتى يصل إلى أفضل حياة في ظل الشريعة الإسلامية. وإذا كان المسلمون الآن لا يركزون على تعاليم الأنبياء السابقين فذلك لأن الشعوب التي كان من المفروض أن تحافظ على الأمانة حرفت التعاليم وشوهتها وأبعدتها عن نصوصها الأصلية. ولهذا فإن المسلم لا يسلّم بالطرح الصهيوني أو التوراة بأن إبراهيم هو عبراني ونبي لبني إسرائيل وحدهم. إنه مسلم جد المسلمين وأب الأنبياء.

خامسا: التفضيل والتمييز
لا تقدم التوراة ولا الحركة الصهيونية سببا منطقيا للحب الجارف الذي يقال أن الرب يختزنه لبني إسرائيل. ولا تفسران بناء على أسس يقبلها العقل لماذا يخصص الرب لبني إسرائيل قطعة أرض دون غيرهم من البشر، ويصر على استمرارية هذا التخصيص. إنه لا يوجد تفسير قوي لهذا التصرف.

قد يُفهم أن الله أراد في فترة ما لفكرة ما أن تسود، أو أراد لتعاليمه التي أوحى بها إلى بعض الأنبياء أن تنتشر وعمل بالتالي على تهيئة الأسباب التي تؤدي إلى الانتشار. ويُفهم أن بني إسرائيل كانوا في وقت ما حملة رسالة، وبالتالي كان من الضروري توفير مكان آمن لهم يعملون من خلاله على نشر التعاليم الإلهية. ولهذا وعدوا بالأمن والاطمئنان في أرض كنعان التي تفيض لبنا وعسلا. لكن التوراة والصهيونية تخرجان عن هذه النظرية المنطقية وتصران على أن العبرانيين وحدهم هم شعب الله، وأن الشعوب الأخرى ليست إلا بهائم بصورة بشر لا تخدم أي غرض سوى استخدام الرب لها لمعاقبة بني إسرائيل عندما يخطئون أو يشذون عن التعاليم السماوية أو لجعلها مطية الانتصارات العسكرية عندما يكونون في طاعة الرب. إن هذه النظرة عنصرية لا يمكن أن يقبلها الرب الذي يفترض فيه الكمال وحب العدالة وعدم التمييز بين الذين خلقهم.

وفي الحقيقة أن القرآن يذكر مسألة التفضيل، تفضيل بني إسرائيل؛ لكن يذكرها كحدث تاريخي كان له ما يبرره في الماضي. تقول الآية: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين". (البقرة، 47). وقد أتى اللفظ "وأني" لتأكيد تاريخية الهدف وليس استمراره. وإلا فكيف يتم التوفيق بين النظرة العنصرية وبين التأكيد على إقامة العدالة؟ لقد حمل العرب رسالة سماوية وأحاط الله المسلمين بالعناية. لكن الإحاطة لم تكن لأنهم عرب بل لأنهم حملة رسالة يعملون على نشرها. ثم لم يقم الله بمعاقبة سكان الهند أو سكان إنجلترا لأنهم ليسوا عربا أو مسلمين، بل دعا المسلمين إلى مخاطبة الناس بالحسنى علهم يؤمنون. هذه هي الروح السمحة الصحيحة بعكس روح العنصرية والشعور بالتميز.

سادسا: سذاجة طرح الحق التاريخي
تميزت العصور الغابرة خاصة تلك التي سبقت عهود الاستقرار المدني المكثف بتنقل القبائل المختلفة المتواصل. ولم تكن القبائل، أو حياة البداوة، تعرف حدودا أو استملاكا للأرض. فكانت تحط في أي أرض تشاء وترحل عنها في أي وقت تشاء. وتميزت تلك العصور أيضا بالغزوات والحروب، فكانت الشعوب والحضارات تتعاقب على مختلف المناطق. هذا الكلام صحيح جدا بالنسبة لمنطقة غرب آسيا وبالتحديد لبلاد الشام. فهذه البلاد ملتقى قارات ثلاث تنازعت حضاراتها وحاولت كل حضارة أن تسيطر عليها لتتمكن من غيرها من الحضارات. وهي أيضا محط أنظار القبائل البدوية التي تبحث عن ملجأ من القحط والبؤس. ولهذا بقيت البلاد تاريخيا تحت تأثير الحروب المتواصلة والانتقال من حكم إلى آخر. وتحت تأثير القبائل المهاجرة .

فإذا كان هناك ما يبرر الادعاء بالحق التاريخي فلربما يبعث الله بالكلدانيين والفراعنة والبابليين من قبورهم ليطالبوا بهذه البلاد. ولربما يطالب بها أهل اليونان أو سكان روما أو أحفاد الصليبيين. وربما يريدها الفرس أو الأتراك. إنه من السخف أن يطالب كل من دخل هذه البلاد بحق فيها. إن هذا السخف سيقود إلى حروب متواصلة وإلى معانيات وقهر كما هو حاصل الآن بسبب الغزو الصهيوني. فهذه البلاد فقط من حق من عمروها عبر آلاف السنين واستمروا فيها يبنون ويشيدون ويقيمون فيها تراثا خاصا متميزا.

ثم ماذا يحصل في العالم إذا طالبت كل أمة بالأرض التي حل بها أجدادها أو احتلتها؟ لا شك أن حروبا شرسة ستبقى مستمرة إلى الأبد. فعلى الأتراك مثلا أن يعودوا إلى أواسط آسيا ويشعلوها حربا هناك. وعلى الأمريكيين أن يعودوا إلى أوروبا، وعلى الألمان أن يغادروا إلى مواطنهم القديمة وهكذا. فماذا يبقى من العالم بعدئذ؟
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.19 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]