
08-09-2025, 06:58 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,745
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
الحديث 28: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً»
عناصر الخطبة:
• رواية الحديث.
• المعنى الإجمالي للحديث.
• المستفادات من الحديث والربط بالواقع.
الخطبة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإياكم من النار.
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، ثم وعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؟ فأوصنا. فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة»[1].
عباد الله: هذا الحديث له أهمية عظيمة؛ لأنه من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم. اشتمل على وصية عظيمة جامعة شاملة، أوصى فيها بتقوى الله، وطاعة أولي الأمر، والاعتصام بالسُّنَّة، والتحذير من البدعة، لأجل سعادة الدارين.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحديث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- أهمية الوعظ والإرشاد الديني: قال العرباض بن سارية: «صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، ثم وعظنا موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقال قائل: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع؟ فأوصنا". وقال تعالى آمرًا نبيه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾[النحل: 125]، فالوعظ مهمة نبوية، ومهمة العلماء الدعاة من بعده، وهكذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخولهم بالموعظة والنصيحة بعد الصلاة، أو في مناسبات، ولا يكثر مخافة السآمة عليهم.
وعلينا إحياء هذه السُّنَّة؛ سُنَّة الوعظ، وتوظيف الوسائل المعاصرة في التواصل للوصول إلى أكبر عدد من الناس، مع مراعاة الأسلوب البليغ وباللغة المفهومة للفئات المستهدفة، واختيار الأوقات المناسبة، والمواضيع المهمة، والحرص على الاختصار والإتقان، وأن تكون مؤثرة. والدال على تأثير هذه الموعظة النبوية؛ أن عيونهم ذرفت، وقلوبهم وجلت، حتى قال قائل منهم: كأنها موعظة مودع؟
وليحرص الواعظ على فهم موضوع موعظته جيدًا، مؤمنًا ومطبقًا لما يقول، قدوة لسامعيه في القول والفعل، مستحضرًا قول شعيب عليه السلام: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾[هود: 88].
2- الوصية بتقوى الله: قال صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله"، ورأينا في الحديث الثامن عشر من الأربعين قوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت". والتقوى طاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وهي وصية الله للأوَّلين والآخرين، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾[النساء: 131]، فاتقوا الله عباد الله بفعل ما يجلب رضاه، وابتعدوا عن كل ما يجلب سخطه تفلحوا وتسعدوا.
3- الوصية بطاعة أولي الأمر: قال صلى الله عليه وسلم: "(أوصيكم بـ) السمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا"، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[النساء: 59]. وطاعة ولي الأمر مشروطة بالمعروف، فلا طاعة له إذا أمر بمعصية الله أو معصية رسوله. قالصلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف"[2]. فأطيعوا عباد الله ولاة أموركم، فإن عدم طاعتهم بالمعروف مجلبة للفتن والفوضى، وقد عشنا حتى رأينا هذه الفوضى الناتجة عن الخروج عن ولي الأمر بدون مسوغ شرعي كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتجنبوا التعصُّب لشخص أو شيخ أو عالم أو مذهب أو حاكم أو مسؤول مهما علت مكانته، وضعوا الحق نصب أعينكم تعرفوا أهله، فالرجال يُعرَفون بالحق، ولا يُعْرَف الحق بالرجال.
فاللهم اجعلنا من الواعظين المتعظين، ومن عبادك المتقين، والطائعين لولاة أمورهم في المعروف، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن لآثارهم اقتفى، أما بعد:
أوصى النبي صلى الله عليه وسلم كذلك بـ:
4- الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة ونبذ الخلاف والفرقة: قال صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ"، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾[الحشر: 7]. والاعتصام بالسُّنَّة؛ يعني التمسك بها، واتِّباعها، والعمل بها، وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم. وهو واجب على كل مسلم، وسبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة. قال صلى الله عليه وسلم: "إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله، وسُنَّة نبيِّه"[3]. وقال الإمام مالك: "السُّنَّة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق"[4]. فأين قول مالك رحمه الله ممن يدعون أنفسهم (بالقرآنيين)، والقرآن منهم براء؟ فيدعون إلى الاكتفاء بالقرآن فقط كمصدر للتشريع وإهمال السُّنَّة. هؤلاء يريدون إغراق سفينة الأمة، والنظر إلى الدين بعين واحدة. والنبي صلى الله عليه وسلمقال: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله"[5]. فاجتهدوا- إخواني- في تعلم سُنَّة نبيِّكم، وتطبيقها، والتأسي بها في حياتكم، والذود والدفاع عنها.
5- التحذير من الابتداع في الدين: أما في أمور الدنيا والحياة فالواجب الاجتهاد، والاختراع، والإبداع، حتى يتفوق المسلمون على غيرهم. أما في الدين فقال صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". ومحدثات الأمور أو البدعة تعني تحريم استحداث أي أمر في الدين لم يشرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتحذير من الوقوع فيها، بعد الكمال والتمام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. والبدعة خروج عن المنهج الصحيح واتباع للهوى، وهي مردودة على صاحبها؛ قال صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو ردٌّ"[6]، فمن اعتزل الناس لأجل التعبُّد وترهبن فقد ابتدع؛ قال تعالى: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾[الحديد: 27]، ومن زاد في شرع الله ما ليس منه في الكيفية والعدد كمن زاد ركعة في الصلاة دون سهو؛ فهو مبتدع، ومن أتى بقول مخالف لإجماع المسلمين كما سبق معنا عن (القرآنيين)، فهو مبتدع، وعلى هذا القياس. فالمبتدع نصب نفسه معاندًا للشرع ويتهمه بالنقصان وعدم الكمال؛ قال تعالى:﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾[الشورى: 21].
فاللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك وسُنَّة نبيِّك، المجتنبين للمحدثات البدائع في الدين. آمين. (تتمة الدعاء).
[1] رواه الدارمي في مسنده، رقم: 96. وأبو داود، رقم: 4607. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: 2735.
[2] رواه البخاري، رقم: 7257.
[3] رواه الحاكم، رقم: 318.
[4] تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 8/308.
[5] رواه أبو داود، رقم: 4604.
[6] رواه البخاري، رقم:2697.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|