الخطأ في الفتوى وأثره على حياة المسلمين المعاصرة (الحلقة الثالثة)
- التخفيف في الفتوى أو التشديد فيها دون ضرورة من أخطر المزالق التي تقع في الفتوى
- الْفَقِيه الحَقّ هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَعْهُودِ الْوَسَطِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ فَلَا يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ وَلَا يَمِيلُ بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الِانْحِلَالِ
- من أصول الخطأ في الفتوى أن يفتي المفتي بما يخالف النص إما إعمالًا لعقله مع النص أو استحسانًا أو اتباعًا للهوى
- يَحرُم على العالم تتبع الرخص عندما يفتي الناس وكذلك يحرم على العامي تتبع الرخص والبحث عنها في فتاوى العلماء
ما زال حديثنا مستمرًا عن الانحراف الكبير الذي وقع في باب الفتوى، وحدث بسببه فساد عريض في المجتمع المسلم؛ ولذلك جاء هذا المقال للتنبيه على بعض المزالق والأخطاء في باب الفتيا التي عمت بها البلوى؛ وانتشرت بين الناس، وذكرنا في الحلقة الماضية تعريف الإفتاء، وكيف كان السلف يتورعون عن الفتوى، ثم تحدثنا عن الأمور التي يقع فيها الخطأ في باب الفتوى وذكرنا منها: الإفتاء بغير علم، والجواب عن كل ما يُسأل عنه، واليوم نستكمل ذكر هذه الأخطاء.
5- التيسير في الفتوى أو التشديد فيها
التخفيف في الفتوى أو التشديد فيها دون ضرورة، من أخطر المزالق التي تقع في الفتوى، حتى إنه وُجد علم جديد سمَّوه: (علم فقه التيسير)، وإن شئت قلت: هو علم فقه التحايل على شرع الله -تعالى-، وفي المقابل ظهر فقه جديد يسمى: (الفقه الأحوطي) الذي يقوم على الاحتياط، وهو في غالبه تعنُّت وتنطُّع. وكثير من هؤلاء المفتين يصدرون هذه الفتاوى إما تحت ضغط الجماهير، أو لدنيا يصيبها، أو انتصار لمذهب أو لفكر، أو مُحَابَاة لقريب أو لحبيب، قال ابن القيم: «لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَابِيَ مَنْ يُفْتِيهِ فَيُفْتِيَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ صديقَهُ بِشَيْءٍ وَيُفْتِيَ غَيْرَهُمْ بِضِدِّهِ مُحَابَاةً، بَلْ هَذَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ غَيْرُ الْمُحَابَاةِ». وأمثال هؤلاء كما قال ابن الجوزي: «بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَدُلُّ الرَّكْبَ وَلَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالطَّرِيقِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْأَعْمَى الَّذِي يُرْشِدُ النَّاسَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَبِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالطِّبِّ وَهُوَ يَطِبُّ النَّاسَ، بَلْ هُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ». التحايل على الشرع
وبعض هؤلاء يتحايل على الشرع؛ ليحل حرامًا أو ليحرم حلالًا، ظنًا منه أن هذا من باب التيسير على الناس، أو من باب التشديد عليهم، وهذا الفعل حرام بإجماع المسلمين، قال ابن الصلاح: «وقد يكون تساهله وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو الكراهة، والتمسك بالشبه طلبًا للترخيص على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه، ونسأل الله -تعالى- العافية والعفو»، وقال ابن القيم: «وَهَذَا بَابٌ عَظِيمٌ يَقَعُ فِيهِ الْمُفْتِي الْجَاهِلُ، فَيَغُرُّ النَّاسَ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُغَيِّرُ دِينَهُ، وَيُحَرِّمُ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، وَيُوجِبُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ». بل قد يؤول الأمر بالمفتي إلى الردة والعياذ بالله، فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وهذا عبدالله بن المبارك سمع قصة امرأة أُمرت بِالِارْتِدَاد عن دينها كي تَبِين من زوجها، فحكم ابن المبارك على من أفتاها بالردة، قال ابن القيم: «إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا أرَى الشَّيْطَانُ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ». الْفَقِيه الحَقّ
وعلى هذا فالْفَقِيهِ الحَقَّ الذي يستحق فعلًا أن يتصدر للفتوى «هُوَ الَّذِي يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى الْمَعْهُودِ الْوَسَطِ فِيمَا يَلِيقُ بِالْجُمْهُورِ؛ فَلَا يَذْهَبُ بِهِمْ مَذْهَبَ الشِّدَّةِ، وَلَا يَمِيلُ بِهِمْ إِلَى طَرَفِ الِانْحِلَالِ؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ بِهِ مَذْهَبَ الْعَنَتِ وَالْحَرَجِ بُغِّضَ إِلَيْهِ الدِّينَ، وَأَدَّى إِلَى الِانْقِطَاعِ عَنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ مُشَاهَدٌ، وَأَمَّا إِذَا ذُهِب بِهِ مَذْهَبَ الِانْحِلَالِ كَانَ مَظِنَّةً لِلْمَشْيِ مَعَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْهَوَى، واتباع الهوى مهلك، والأدلة كثيرة». عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقّ الْفَقِيهِ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مَكْرَ اللَّهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ، وَلَا خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، وَلَا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ». وفي واقعنا المعاصر الأمثلة على التساهل أو التشديد في الفتوى كثيرة، تملأ الصحف والمجلات وشاشات الفضائيات، من متصدِّرين غرُّوا الناس بأشكالهم ودرجاتهم العلمية وجلوسِهم خلف الشاشات والفضائيات، وَهَذَا الضَّرْبُ إنَّمَا يُسْتَفْتَونَ بِالشَّكْلِ لَا بِالْفَضْلِ، وَبِالْمَنَاصِبِ لَا بِالْأَهْلِيَّةِ؛ قَدْ غَرَّهُمْ عُكُوفُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ عَلَيْهِمْ، وَمُسَارَعَةُ مَنْ أَجْهَلُ مِنْهُمْ إلَيْهِمْ، تَعجُّ مِنْهُمْ الْحُقُوقُ إلَى اللَّهِ -تعالى- عَجِيجًا، وَتَضجُّ مِنْهُم الْأَحْكَامُ إلَى مَنْ أَنْزَلَهَا ضَجِيجًا». 6- تتبُّع الرخص والأخذ بالأقوال الشاذة
من أصول الخطأ في باب الفتوي: تتبع المفتي للرخَص، والأخذ بالأقوال الشاذة في المذاهب، فيختار من كل مذهب الأهونَ والأسهلَ حتى ولو كان قولًا شاذًّا في هذا المذهب، فنجد البعض يتتبع زلات العلماء وهناتهم، ويأتي بالأقوال الشاذة والضعيفة في كل مذهب باسم الترخّص والتيسير، ويصل الأمر أحيانًا إلى التلفيق بين هذه الأقوال؛ ليخرج بقول جديد لم يأتِ به أحد قبلَه، قال ابن القيم: «لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي تَتَبُّعُ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ، وَلَا تَتَبُّعُ الرُّخَصِ لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، فَإِنْ تَتَبَّعَ ذَلِكَ فَسَقَ، وَحَرُمَ اسْتِفْتَاؤُهُ». التيسير المحمود
أما التيسير المحمود في الفتوى فله شروط وضوابط وضعها أهل العلم منها: - أن يكون التيسير وفق أصول الشريعة وأدلتها.
- أن يكون المقتضي للتيسير متحققًا من دفع مشقة عامة أو خاصة.
- ألا يفضي إلى ترك الواجبات وانتهاك المحرمات.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ. الشريعة كلها يسر وسماحة
فالشريعة كلها يسر وسماحة، ولم يجعل الله علينا في الدين من حرج، ولم يكلفنا فوق ما نطيق، ولم يحرم علينا ما فيه مصلحة راجحة لنا. فالتيسير هو الأخذ بما جاءت به الشريعة السمحة، القائمة على اليسر ورفع الحرج، وليس بتحليل المحرمات، أو التحلل من الواجبات، وإنما هو الأخذ بالدليل: تخفيفًا في موضع التخفيف، وتكليفًا في موضع التكليف. ترك الراجح البيّن
وأما ترك الراجح البيّن في المسائل الخلافية، والأخذ بالأقوال المرجوحة الشاذة الموافقة لأهواء الناس وانحرافاتهم، والزعم بأن هذا أيسر على الناس، وأن دين الله يسر، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما خيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، فهذا تلاعب بدين الله، واتباع للهوى، وترك للحق والهدى والشريعة. قال الذهبي: «وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ، كَمَا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ المَكِّيِّيْنَ فِي المُتْعَةِ، وَالكُوْفِيِّيْنَ فِي النَّبِيذِ، وَالمَدَنِيِّينَ فِي الغِنَاءِ، وَالشَّامِيِّينَ فِي عِصْمَةِ الخُلَفَاءِ، فَقَدْ جَمَعَ الشَّرَّ. وَكَذَا مَنْ أَخَذَ فِي البُيُوْعِ الرّبَوِيَّةِ بِمَنْ يَتَحَيَّلُ عَلَيْهَا، وَفِي الطَّلاقِ وَنِكَاحِ التَّحْلِيْلِ بِمَنْ تَوسَّعَ فِيْهِ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلانحِلالِ، فَنَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ وَالتَّوفِيْقَ». رَوَى أَبُو العَبَّاسِ بن سُرَيْج عَنْ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المُعْتَضِد، فَدَفَعَ إِليَّ كِتَابًا، فنظرتُ فِيْهِ، فَإِذَا قَدْ جَمَعَ لَهُ فِيْهِ الرُّخَص مِنْ زلل العُلَمَاء، فَقُلْتُ: مُصَنِّفُ هَذَا زِنْدِيْقٌ. فَقَالَ: أَلم تَصِحَّ هَذِهِ الأَحَادِيْث؟! قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ المُسْكر لَمْ يُبح المُتْعَة، وَمَنْ أَبَاحَ المُتْعَة لَمْ يُبِحِ الغِنَاء، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّة، وَمن أَخَذَ بِكُلِّ زَلَل العُلَمَاء ذهبَ دِينُه؛ فَأَمَرَ بِالكِتَابِ فَأُحْرِق. حرمة تتبع الرخص
وكما أنه يحرم على العالم تتبع الرخص عندما يفتي الناس، فكذلك يحرم على العامي تتبع الرخص والبحث عنها في فتاوى العلماء، فهذا يؤدي إلى الزندقة والرقة في الدين، قال المرداوي: «يحرم على الْعَاميّ تتبع الرُّخص، وَهُوَ أَنه كلما وجد رخصَة فِي مَذْهَب عمل بهَا وَلَا يعْمل بغَيْرهَا فِي ذَلِك الْمَذْهَب، بل هَذِه الفعلة زندقة من فاعلها، كَأَن الْقَائِل بِهَذِهِ الرُّخْصَة فِي هَذَا الْمَذْهَب لَا يَقُول بِالرُّخْصَةِ بِتِلْكَ الرُّخْصَة الْأُخْرَى». 7- الفتوى بما يخالف النص الشرعي
ومن أصول الخطأ في الفتوى: أن يفتي المفتي بما يخالف النص؛ إما إعمالًا لعقله مع النص، أو استحسانًا، أو اتباعًا للهوى، ومن أمثلة ذلك: ما ذكره الشاطبي قال: «حَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ اتَّفَقَ لِعبدالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ أنه وطئ فِي نهار رَمَضَانَ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَفَّارَتِهِ. فَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: يُكَفِّرُ ذَلِكَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَمَّا بَرَزَ ذَلِكَ مِنْ يَحْيَى سَكَتَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ. فَقَالُوا لِيَحْيَى: مَا لَكَ لَمْ تُفْتِهِ بِمَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّعَامِ وَالصِّيَامِ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَوْ فَتَحْنَا لَهُ هَذَا الْبَابَ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ وَيُعْتِقَ رَقَبَةً، وَلَكِنْ حَمَلْتُهُ عَلَى أَصْعَبِ الْأُمُورِ لِئَلَّا يَعُودَ. فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَكَانَ كَلَامُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ». أمثلة على هذه القاعدة
قال ابن القيم: «لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ»، ثم ساق العديد من الأمثلة على هذه القاعدة مثل: «أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ: هَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ أَمْ لَا؟ فَيَقُولَ: لَا يُتِمُّهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ»، وَمِثْل أَنْ يُسْأَلَ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا: هَلْ يُتِمُّ صَوْمَهُ؟ فَيَقُولَ: لَا يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ: «فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ»، وَمِثْل أَنْ يُسْأَلَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ: هَلْ هُوَ حَرَامٌ؟ فَيَقُولَ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ»، وَمِثْل أَنْ يُسْأَلَ عَنْ الْوَاهِبِ: هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؟ فَيَقُولَ: نَعَمْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَالِدًا أَوْ قَرَابَةً فَلَا يَرْجِعُ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ». وَمِثْل أَنْ يُسْأَلَ: هَلْ يَجُوزُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَيَقُولَ: لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «إذَا خَشِيَتْ الصُّبْحَ فَأُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ»، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الطَّيِّبُ يَشْتَدُّ نَكِيرُهُمْ وَغَضَبُهُمْ عَلَى مَنْ عَارَضَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ أَوْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَيَهْجُرُونَ فَاعِلَ ذَلِكَ، وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَضْرِبُ لَهُ الْأَمْثَالَ، وَلَا يُسَوِّغُونَ غَيْرَ الِانْقِيَادِ لَهُ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّلَقِّي بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ».
اعداد: د. حماد عبدالجليل البريدي