عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 09-08-2025, 12:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,407
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب النكاح)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (458)

صـــــ(1) إلى صــ(15)



شرح زاد المستقنع - كتاب الظهار [2]
مما قد يقع فيه العبد المسلم الظهار، وهو أمر خطير، ولابد أن يدرك المسلم مدى عظم هذا الأمر عند الله، وأدلة حرمته من الكتاب والسنة، ومقاصد الشرع من تحريم هذا الأمر، وما يلتحق به من الأحكام التي ينبغي معرفتها.
أدلة تحريم الظهار من الكتاب والسنة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الظهار] تقدم معنا بيان بعض المقدمات المتعلقة بكتاب الظهار، وبينا حقيقة الظهار وأركان الظهار، ونبهنا على بعض المسائل المتعلقة بتلك المقدمات.
ثم شرع المصنف رحمه الله في بيان حكم الظهار، فقال: [وهو محرم] .
أجمع العلماء رحمهم الله على أنه محرم، والأصل في تحريمه كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة وإجماع أهل العلم رحمهم الله، كما أن دليل العقل يدل على تحريمه.
فأما دليل الكتاب فإن الله سبحانه وتعالى بين أن الظهار منكر من القول وزور، كما قال تعالى: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} [المجادلة:2] ، والمنكر والزور محرمان، فلما وصف الله عز وجل هذا القول بهذا الوصف أشعر بالتحريم، وبين أنه غير جائز شرعا، فعند علماء الأصول أنه إذا ورد الذم للشيء في الكتاب أو السنة فإن هذا يدل على حرمته، خاصة إذا كان الذم قويا مرتقيا إلى درجات الكراهة التحريمية.
والذم ينقسم إلى قسمين: الذم الشرعي، والذم الطبعي.
فهنا ذم شرعي؛ لأن الوصف بكونه منكرا وزورا مذموم شرعا، فدل على أنه محرم، وهذا أولا.
ثانيا: أن الله سبحانه وتعالى بين وجوب الكفارة على من قال الظهار وأراد أن يعود، فإيجاب الكفارة على الظهار دال على حرمته، كما أن إيجاب الكفارة على الجماع في نهار رمضان دال على حرمته، وإيجاب الكفارة على القتل الخطأ دال على حرمته في الأصل، كما قال تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} [النساء:92] ، فدل على أنه شيء في الأصل محرم، فالمقصود أن الآيات الكريمة دلت على حرمة الظهار من هذه الوجوه، ومنها قوله تعالى: {وإن الله لعفو غفور} [المجادلة:2] ، فبين أنه يعفو ويغفر، فدل على أن هناك موجبا للإساءة والذنب الذي يترتب عليه العفو والمغفرة.
فلما ختم آية الظهار في قوله تعالى: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} [المجادلة:2] بهذين الوصفين -العفو والمغفرة- دل على أن الظهار موجب للذنب والإساءة من قائله.
أما السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أوس رضي الله عنه وأرضاه ظهاره لامرأته، وأوجب عليه التكفير، وهذا يدل أيضا على ما دل عليه دليل الكتاب من حرمة الظهار.
كذلك أيضا أجمع العلماء على أن الظهار محرم.
وأما دليل العقل فلأن الشريعة قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد، ولا شك أن الزوجة إذا امتنع زوجها منها وقال لها: أنت علي كظهر أمي.
فإن هذه مفسدة عظيمة؛ لأنها تحرم الرجل على امرأته، وتحرم المرأة على زوجها.
وحينئذ يتعرض الرجل للحرام وتتعرض المرأة للحرام، ولا شك أن أصول الشريعة دالة على دفع الضرر، وهذا من أعظم الضرر، ثم إن الشريعة أقامت النكاح على الإمساك بالمعروف، فأصول الشريعة دالة على أن الزواج والنكاح ينبني على العشرة بالمعروف، فيمسك المسلم زوجته بالمعروف، وليس من المعروف أن يجعلها بمثابة الأم وهي ليست بأم له، فيمتنع من عشرتها، ويمتنع من الإحسان إليها والقيام بحقوقها، بناء على هذا اللفظ.
فدليل العقل أن الظهار يتضمن الضرر والإساءة، وذلك موجب للوصف بالتحريم؛ لأن كل ما فيه ضرر على المسلم والإساءة إلى المسلم فإنه محرم شرعا، والسبب في كون ما يوجب الإساءة والأذية والضرر محرما أن فيه اعتداء، والله عز وجل يقول: {ولا تعتدوا} [البقرة:190] ، وقال: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:2] فهذا اعتداء؛ لأن الزوج اعتدى على زوجته.
ومن هنا جاءت امرأة أوس وشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: نثرت له ما في بطني، ولما رق عظمي وضعف بدني ظاهر مني، إلى الله أشكوه.
فهذا يدل على أنه فيه ضررا وإساءة، والشريعة جاءت لدفع الضرر والإساءة والاعتداء على الغير.
فمن هذا كله نخلص إلى القول بإن الظهار محرم.
وهذه الحرمة من أعظم أنواع الحرمات، أي أنه محرم لأنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ لأن المحرمات فيها ما هو صغير وفيها ما هو كبير، فالظهار من كبائر الذنوب، وكبائر الذنوب تنقسم إلى: كبائر متعلقة بالاعتقاد.
وكبائر متعلقة بالقول.
وكبائر متعلقة بالعمل.
فالظهار من الكبائر المتعلقة بالأقوال، ويشارك غيره من الكبائر القولية، أي أنه ليس بذنب معتاد، أما الدليل على كونه كبيرة فعند طائفة من العلماء رحمهم الله أنه إذا ترتبت الكفارة المغلظة على فعل دل ذلك على حرمته في الأصل، وأنه من الكبائر.
ومن هنا أوجب الله عز وجل على من جامع في نهار رمضان كفارة، واعتبر ذلك من كبائر الذنوب من حيث الأصل؛ لما فيه من الاعتداء إذا تعمد جماع امرأته في نهار رمضان، ومن هنا يقول بعض العلماء: إن ورود العقوبة على فعل الشيء -سواء أكانت بدنية أم مالية- تدل على أنه كبيرة من كبائر الذنوب.
ومن هنا قالوا: إن شرب الخمر كبيرة، وإن الزنا كبيرة؛ لأن فيها عقوبة شرعية مقدرة، والكفارات نوع من العقوبة؛ لأنها عقوبة في البدن وعقوبة بالمال، وعقوبتها بالمال أن فيها تكفيرا للرقبة، وفيها إطعام ستين مسكينا، وهذه عقوبة مالية؛ لأن الرقبة مال، فيحتاج أن يشتري رقبة ليعتقها، ويشتري طعاما ليطعم ستين مسكينا، وفيها عقوبة بدنية؛ لأنه يصوم شهرين متتابعين.
وعلى هذا لا يشك أحد أن مثل هذا القول الذي عوقب عليه بهذه العقوبة في أنه يصل إلى حد الكبائر، ولو كان من صغائر الذنوب لما ترتب عليه الكفارة؛ لأن الصلوات الخمس تكفر ما بينها من صغائر الذنوب، وأمرها أيسر من الكبائر ولو أن الكل ذنب وخطيئة.
قوله رحمه الله: [وهو محرم] الضمير عائد إلى الظهار، وابتدأ المصنف رحمه الله كتاب الظهار ببيان حكمه لأن أول ما يحتاجه طالب العلم في الشيء معرفة مقدمات تخص ذلك الشيء، وبعد ذلك معرفة موقف الشرع منه، فهل هو جائز أم لا؟ وإذا كان جائزا فهل يلزم به الشرع أو لا يلزم؟ وإذا ألزم به فهل هو في مقام الواجبات أو المستحبات؟ وإذا كان غير جائز شرعا فهل هو محرم أو مكروه؟ وهل حرمته مغلظة أو غير مغلظة؟ فقال رحمه الله: [وهو محرم] .
كيفية وقوع الظهار وتحققه
قال رحمه الله تعالى: [فمن شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه أبدا بقوله لها: أنت علي، أو معي، أو: مني كطهر أمي، أو كيد أختي، أو وجه حماتي ونحوه، أو: أنت علي حرام، أو: كالميتة والدم فهو مظاهر] .
قوله: (فمن شبه زوجته أو بعضها) يقال: هذا يشبه هذا: إذا كان مثيلا له واشترك معه في شيء أو أشياء، تقول: محمد يشبه البحر: إذا كان كريما غزيرا كثير الخير، كما أن البحر يكثر خيره، أو غزيرا في علمه كما أن البحر يكثر نفعه.
وكذلك تقول: علي كالأسد، أي: في الشجاعة والقوة ونحو ذلك، فالتشبيه عند العلماء: هو الدلالة على أن شيئين اشتركا في أمر أو أمور، وبناء على ذلك لا بد من وجود التشبيه في الظهار.
وقد بينا من قبل أن التشبيه يحتاج إلى أربعة أركان: مشبه ومشبه، ومشبه به، ووجه الشبه أو الصيغة المتضمنة للمشابهه.
فهنا المشبه هو الزوج، فالزوج إذا قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي فهو المشبه، فلو قال أجنبي قلنا ليس بظهار، كذلك لو قال من يستمتع بالمرأة على غير وجه الزوجية، كالسيد مع أمته فإنه ليس بظهار.
والمشبه هو الزوجة التي في عصمة الزوج، والزوجة زوجتان: زوجة حقيقية وزوجة حكمية.
ومشبه به وهي الأم أو من في حكمها من المحرمات بالنسب أو السبب أو الرضاع كما سيأتي.
ووجه الشبه أو الصيغة المتضمنة للمشابهة هي اللفظ الدال على الظهار، فهذه هي أركان التشبيه الأربعة.
قال رحمه الله: [فمن شبه زوجته] سواء أكانت زوجة حقيقية أم زوجة حكمية، والزوجة الحقيقية: هي كل امرأة عقد عليها الرجل عقدا شرعيا صحيحا.
فالمرأة إذا عقد عليها صح الظهار منها، فلو عقد عليها وبعد العقد مباشرة قال لها: أنت علي كظهر أمي فظهار.
فلا يشترط أن يكون قد دخل بها، بل مجرد العقد كاف، والدليل على ذلك أن الله تعالى يقول: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم} [المجادلة:2] ، فبين أن المشبه هي المرأة التي من نساء المشبه، وكل امرأة عقد عليها الإنسان فهي من نسائه، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء:23] ، فوصف المرأة بكونها من نساء الرجل مدخولا بها أو غير مدخول بها.
والحكمية هي الزوجة المطلقة إذا كان طلاقها طلاقا رجعيا وكانت في العدة، فإنها أثناء العدة إذا ظاهر منها فإنه يحكم بوقوع الظهار وبصحته.
وقوله: [فمن شبه زوجته] أي: من شبه كل زوجته، كأن يقول لها: أنت، أو يقول: فلانة -سواء أكانت حاضرة في المجلس أم كانت غائبة- مني كظهر أمي.
أو: زوجتي مني كظهر أمي.
وهي غير حاضرة في المجلس، أو يخاطبها كفاحا فيقول لها في وجهها: أنت علي كظهر أمي.
فهذا بالنسبة لمن شبه زوجته كلها، وفي حكم ذلك من يقول: كلك.
أو: جسمك، أو: جسدك، واختلف في قوله روحك، واختار جمع من العلماء أنه ظهار؛ لأن التعذيب بالروح يراد وليس المراد به استقرار الروح، والروح ليست منفصلة عن الجسد.
فهذه كلها ألفاظ بمعنى واحد، فمن شبه زوجته، أي: شبه كل الزوجة، بقوله لها: أنت، أو: فلانة، أو: زوجتي فلانة، أو: أنت كلك، أو: جسدك، أو: جسمك، أو: ذاتك، أو: روحك، أو: نفسك فكل هذا آخذ حكم قوله: أنت.
قوله: [أو بعضها] أي: بعض الزوجة، كقوله لها: رأسك.
صدرك.
يدك.
ظهرك، وهذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله.
والصحيح أن اختيار الجزء للتعبير بالظهار كاختيار الكل على تفصيل: فإما أن يكون دالا على ذلك بدون وجود احتمال، وأما أن يكون دالا على ذلك بالنية، فلو قال لها: رأسك.
وقصد الإكرام فليس بظهار، ولو قال لها: رأسك.
وقصد الظهار فظهار.
لكن حينما يعبر -مثلا- بالفرج أو بأعضاء يحرم النظر إليها في أعضاء من جسدها يكون في حكم الكل، مثل قوله: يدك.
فلو قال لها: يدك علي كظهر أمي.
أو: ظهرك علي كظهر أمي فظهار.
والدليل على ذلك أن الله عبر باليد عن الكل، فقال تعالى: {تبت يدا أبي لهب وتب} [المسد:1] ، والتباب متعلق بكل أبي لهب وليس بيده وحدها، وقال تعالى: {فبما كسبت أيديكم} [الشورى:30] ، وقال تعالى: {ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد} [الحج:10] ، فذكر الجزء وأراد الكل، فلا يوجد زوج يقول لامرأته: يدك علي كظهر أمي، ويقصد اليد استقلالا، لكن بعض العلماء يقول: يسري في الظهار ما يسري في الطلاق، وقد تقدم معنا تفصيل هذه المسألة، وذكر أقوال العلماء فيها والأدلة.
وأما هل يسند التحريم للجزء أو لا يسند فمذهب بعض العلماء -وهو الذي اخترناه- أنه يسند التحريم للجزء ويسري على الكل ثم يفصل، فإذا قال لها: يدك طالق، أو يديك علي كيد أمي، أو كظهر أمي، أو كأمي، فبعض العلماء يرى أنه إن قال ذلك تصبح المرأة كلها محرمة من بداية اللفظ، يعني أن الجزء معبر به عن الكل.
وبعض العلماء يقول: لا يتعلق التحريم مباشرة، وإنما تحرم اليد ثم يسري إلى جميع البدن؛ لأن اليد متصلة بالبدن.
وقد بينا فائدة هذا الخلاف في الطلاق، وهي أنه لو قال لها: يدك طالق فإن المذهب الأول يقول: تطلق مباشرة، والمذهب الثاني يقول: لو قال لها: يدك طالق إن دخلت الدار.
وقبل دخولها للدار قطعت يدها فلا طلاق، لأنهم يرون أنه أول شيء يقع باليد ثم يسري، فلو قطعت اليد التي علق الطلاق بها فإنه لا يسري؛ لأن الطلاق لم يصادف محلا يتعلق به حتى يحكم بالسريان.
ومسألة الظهار تتفرع على مسألة الطلاق، وقد بينا هذه المسألة وفصلنا فيها، والخلاصة أن نقول: إن شبه الكل فقال: (أنت) ، أو شبه بعضا من أعضائها المتصلة كقوله: يدك رجلك بطنك فرجك رأسك، ونحو ذلك فالكل سواء، فاختيار الجزء للتعبير بالظهار كاختيار الكل، أما لو كانت منفصلة فسيأتي الكلام عنها.
النساء المعتبر التشبيه بهن في الظهار
قال المصنف رحمه الله: [ببعض أو بكل من تحرم عليه أبدا] النساء اللاتي يحرمن على الإنسان ينقسمن إلى محرمات على التأبيد ومحرمات على التأقيت، والمحرمات على التأبيد هن المحرمات من النسب والسبب والرضاع، وقد تحرم المرأة على التأبيد لعارض مختص مثل مسألة الملاعنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقع اللعان فرق بينهما فراقا إلى الأبد، فلا يجتمعان أبدا، ولذلك قال الزهري رحمه الله: مضت السنة أن يفرق بين المتلاعنين فلا يجتمعان أبدا.
والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها، قال: يا رسول الله: مالي! قال: إن كنت صدقت فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد لك منها) .
فالمفارقة بين الملاعن والملاعنة فرقة أبدية، لكن هذا التحريم الأبدي لا يوجب المحرمية.
وأما بالنسبة للمحرمات فهن من جهة النسب والسبب، فأما من جهة النسب فسبع، وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وأما من جهة السبب فأربع، وهن أم الزوجة وبنت الزوجة وزوجة الأب وزوجة الابن، والمحرمات من جهة الرضاع هن جهة اللاتي يحرمن من جهة النسب.
فهؤلاء المحرمات تحريمهن مؤبد، وفي الرضاع والنسب جمهور العلماء -ما عدا الظاهرية والشافعية في قول عندهم على تفصيل- متفقون على أن هذا التحريم تحريم مؤبد.
وهؤلاء السبع النسوة المحرمات بالنسب إذا شبه زوجته بواحدة منهن فإنه يقع الظهار، لكن الظاهرية يخصون الظهار بالأم، والجمهور على أن غير الأم والأم سواء بالنسبة للمحرمات.
فلو ظاهر من زوجته فشبهها بمحرمة من المحرمات من النسب فعند جمهور العلماء لو قال: أنت علي كبنتي، أو: كأختي، أو: كخالتي، أو: كعمتي، أو: كبنت أخي كبنت أختي فإنها محرمة ظهارا، هذا من حيث الأصل عندهم.
لكن بالنسبة للمحرمات من جهة السبب فبعض العلماء لا يرى أن تشبيه الزوجة بالمحرمات من جهة السبب يوجب الظهار، فلو قال لها: أنت علي كزوجة أبي، أو: كزوجة ابني، أو: كحليلة ولدي، أو: كفلانة وهي زوجة أبيه أو زوجة ولده فإنه لا يقع عندهم الظهار.
والصحيح مذهب الجمهور أنه يقع الظهار بالسبب كما يقع بالنسب.
أما الرضاع فمن العلماء من أطلق وهو مذهب الجمهور، ومنهم من فصل وقسم الرضاع إلى رضاع طارئ ورضاع أصلي، فقالوا: إذا كانت المرأة المحرمة من جهة الرضاع تحريمها منذ ولادته فهذا رضاع موجب للتحريم أصلا، مثاله: لو أن أمه أرضعت امرأة فصارت بنتها من الرضاع، وبعد سنتين أو ثلاث من الرضاع ولدته أمه، فإن هذه الأخت من الرضاع محرم له منذ ولادته، وهذا رضاع أصلي.
أما لو طرأ الرضاع وولد وهي أجنبية، أو ولدت بعد ولادته ثم رضعت من أمه فهذا التحريم من الرضاع ليس في الأصل، فلو شبه بها لا يقتضي التحريم.
والسبب في هذا أن الشافعية رحمهم الله الذين عندهم هذا التفصيل يرون أن النص جاء بالأم، والأم فيها وصف تحريم مؤبد.
ولذلك فرق عندهم بين الشيء الطارئ وبين الشيء المؤبد، والصحيح ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن المحرمات من جهة النسب أو السبب أو الرضاع، إذا شبه بهن الزوجة يوجب الظهار.
والدليل على ذلك واضح؛ لأن المرأة حكم بكونها محرمة على الرجل، وشبهها بامرأة محرمة بغض النظر عن كونها من قبل كانت حلالا له أو في المستقبل على الوجه الثاني الذي سيأتينا إن شاء الله في التحريم المؤقت، فالأصل عندنا أن الله تعالى يقول: {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} [المجادلة:2] ، فجعل المسألة قائمة على التحريم، وقائمة على الامتناع من الزوجة، وتنزيلها منزلة من تحرم عليه ولا يحل له نكاحها كل هذا من المنكر ومن قول الزور، وهو موجود في تشبيه الزوجة بالأخت من الرضاعة، أو بالبنت من الرضاعة، أو بالعمة من الرضاعة، وغيرهن من المحرمات اللاتي ذكرن.
وبناء على ذلك فالصحيح من أقوال العلماء رحمهم الله أن كل امرأة تحرم بنسب أو سبب أو رضاع تدخل في الظهار، وأن الأمر ليس فيه التفصيل الذي ذكروه؛ لأن الموجب للتحريم موجود في الكل، فيكون الحكم ووجه الاشتراك بين الأم وغيرها موجود في النسب والسبب والرضاع.
أما المحرمات من جهة التأقيت فكأخت الزوجة، وكعمة الزوجة وخالة الزوجة؛ لأن الله حرم أن نجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، وبناء على ذلك قال بعض العلماء: المحرمة مؤقتا إذا شبه زوجته بها فلا ظهار، أي: لو أنه قال لها: أنت علي كأختك قالوا: لا ظهار.
والصحيح والأقوى الذي تطمئن إليه النفس من حيث الأصول أنه ظهار؛ لأن المعنى موجود فيه، فهو يشبهها بها في حال حرمتها عليه، فيقول: أنت علي كأختك.
وأختها محرمة عليه، أو قال لها: أنت علي كظهر أختك.
فهذا كله يعتبر في حكم الظهار.
حقيقة الخلاف في الأعضاء التي يصح المظاهرة منها
للعلماء وجهان في قوله تعالى: {الذين يظاهرون} [المجادلة:2] وذلك في لفظ الظهار، وهو قوله: أنت علي كظهر أمي، فهل المراد بالظهر هنا الحقيقة وهو العضو المعروف من الكاهل إلى العجز، أم أن المراد به الظهر المركوب؛ لأن العرب تعبر بالظهر عن المركوب.
ولذلك لما سأل رسول الله المرأة فقال لها: (ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: يا رسول الله! ما معنا ظهر -أي: ما عندي ظهر- ليس لنا إلا ناضح قد حج عليه أبو فلان) الحديث، وفيه: فقال لها: (فإذا كان رمضان فاعتمري؛ فإن عمرة في رمضان كحجة معي) .
ومما يدل على أن الظهر المراد به المركوب، قوله عليه الصلاة والسلام: (الظهر مركوب بنفقته) ، فالظهر المراد به المركوب والناقة التي تركب، فيعبر به ليكنى به عن الشيء المركوب.
فإذا قيل: إن الظهر المراد به المركوب فالمراد به الجماع وإتيان المرأة؛ لأن الرجل يجامع زوجته، فكأنه حرم جماعها، فهو يقول لها: جماعك علي حرام كجماع أمي، أو: جماعك علي حرام، كجماع من سمى ممن تحرم عليه.
الوجه الثاني يقول: إنما المراد به الظهر نفسه حقيقة، والعرب عبرت بالظهر وهو مجمع الإنسان؛ لأن حركة الإنسان كلها موقوفة على هذا الظهر، وقيام الإنسان كله بهذا الظهر، فهو يشبه شيئا بشيء، يعني الذات بالذات.
وعلى كلا الوجهين لو قلنا: إن المراد به الظهر فمعنى ذلك أن الظهار حكم الله بكونه ظهارا مع أنه تشبيه بالجزء.
ولذلك من العجيب أن بعض الظاهرية رحمهم الله رحمة واسعة -وهذا ليس من النقص لهم، فلا يظن أحد أننا ننتقص هؤلاء الأئمة والعلماء- قالوا: لو قال لها: أنت علي كأمي لا يقع الظهار، وإذا قال: أنت علي كظهر أمي يقع الظهار.
وقولهم مرجوح، لكن لا ينقص من مكانتهم رحمهم الله برحمته الواسعة، وهذه الأمور التي تقع من بعض الفقهاء ينبغي أن يعلم أنها من الغيرة على النص والالتزام بظاهر النص والتقيد بالشرع، ولو أنه في بعض الأحيان يزاد في ذلك ويتجاوز به عن حده.
لكن انظر إلى مدى الاهتمام بالفقه الإسلامي، وكيف بلغ من التقيد بالنصوص؛ حيث إن الظاهرية يتقيدون بالنص كما ورد، حتى إن بعضهم قال في مسألة البول: لو بال في إناء وصبه لما شمله التحريم كالبول مباشرة.
وصحيح أن هذا كله من الجمود على الظاهر، لكن المقصود هنا أن نقول: إنه إذا حذف الظهر أو أبقاه فالحكم واحد.
والدليل على هذا أن الشريعة تعبر بشيء وتنبه على أن ما هو أعلى منه من باب أولى أن يدخل تحت النص؛ لأنه إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي فمن باب أولى إذا قال لها: أنت علي كأمي.
فإذا كان الظهر وحده أوجب التحريم فمن باب أولى إذا ذكر الكل.
وعلى كل حال فكل المحرمة أو بعضها يوجب الظهار، لكن ليس كل أجزاء المرأة المحرمة عند العلماء رحمهم الله يقع التحريم بالتشبيه به، فالحنفية خصوا الأعضاء التي يحرم النظر إليها، فلو قال: أنت علي كظهر أمي فظهر الأم يحرم النظر إليه، ويحرم أن ينظر إلى فرجها أو فخذيها أو بطنها، فهذه هي الأشياء التي عندهم فيها الظهار.
لكن لو قال لها: أنت علي كيد أمي قالوا: لا يقع الظهار؛ لأن اليد يجوز النظر إليها وليست بمحرمة، ويجوز أن يصافحها وأن يمس يدها، فقالوا: هذا لا يقتضي التحريم.
وهذا اجتهاد منهم رحمهم الله، فهم نظروا إلى أن الظهار فيه لفظ الظهر، وأعملوا المعنى ونقحوا مناط النص، فنظروا إلى أن الظهر يحرم النظر إليه ويحرم الاستمتاع به، وجمعوا أوصافا موجودة في هذه الأربع دون غيرها وقالوا: الحكم مختص بهذه الأربع دون غيرها، فلو قال لها: أنت علي كرأس أمي لا ظهار ولو نوى به الظهار، فلا يقع عندهم ظهارا.
ومذهب المالكية رحمهم الله من أوسع المذاهب في مسألة الظهار، فعندهم لو أنه قال لها: أنت علي كريق أمي.
أو قال لها: كلي، أو: اشربي ناويا به الظهار وقع الظهار؛ لأنهم يوسعون في ذلك، كما هو أيضا عندهم في مسائل الطلاق، وفائدة معرفة الأقوال الفقهية والخلافات معرفة مسالك العلماء رحمهم الله في الأبواب.
فالمالكية رحمهم الله يشددون في التحريم في الطلاق وفي الظهار، وقد تقدم معنا بيان مسائل عديدة، وبينا أدلتهم في ذلك، ولكن الشافعية والحنابلة رحمهم الله فصلوا، فقال الشافعية في تفصيلهم: إما أن يذكر عضوا يعبر به عن التكريم والإجلال، أو يذكر عضوا لا يعبر به عن ذلك، فإن ذكر عضوا يعبر به عن التكريم والإجلال سألناه عن نيته، فإن قال لها: أنت علي كعين أمي، أنت عندي كرأس أمي، قالوا: نسأله هل قصدت الظهار؟ فإن قال: قصدت الظهار ليكون ظهارا، وإن قال: لم أقصد ظهارا، وإنما قصدت إعزازها وإكرامها وأنها عندي بمنزلة أعز شيء من الناس وأغلاهم عندي وهو أمي، وأعز شيء في الإنسان رأسه، فقلت لها: أنت كرأس أمي فحينئذ لا ظهار.
وهذا القول صحيح وأميل إليه، فإذا ذكر أعضاء يقصد بها التشريف والتكريم كالرأس والصدر، وقصد من هذا إكرامها فليس بظهار، وإن قصد الظهار فهو ظهار.
ثم أيضا فصلوا مع الحنابلة في مسألة الأعضاء المتصلة والمنفصلة، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في الطلاق إذا أسند الطلاق إلى عضو متصل أو إلى عضو منفصل، فإذا كان في الأجزاء المنفصلة فإنه ليس بظهار، وإن كان في الأجزاء المتصلة فإنه ظهار على التفصيل الذي ذكرناه.
وأجزاء الإنسان منها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل أو في حكم المنفصل، وما في حكم المنفصل متردد بين المنفصل والمتصل، ورجح أنه في حكم المنفصل، فالدمع والريق واللعاب كله في حكم المنفصل، فلو قال لها: أنت كريق أمي ليس بظهار؛ لأنه ليس بعضو متصل، ولم يقع التشبيه بالوارد فيه النص من كل وجه، ولذلك لا يقتضي التحريم من كل وجه.
فالأعضاء التي اختلف فيها هل هي متصلة أم منفصلة هي كالشعر والظفر، وقد ذكر هذه المسألة الإمام ابن رجب رحمه الله في كتابه النفيس (القواعد الفقهية) ، وذكر شعر الإنسان هل هو في حكم المتصل أو في حكم المنفصل.
وهذه المسألة تتفرع عليها ما لا يقل عن خمسين مسألة من مسائل الفقه، ومنها هذه المسألة، فإن قلنا: إن الشعر في حكم المتصل فإن قال لها: أنت علي كشعر أمي، أو شعرك مني كشعر أمي، أو شعرك عندي كشعر أمي فظهار.
وإن قلنا: إنه في حكم المنفصل فليس بظهار، وإن قال لها: شعرك طالق فليس بطلاق إن كان منفصلا، وهو طلاق إن كان في حكم المتصل.
ففصل العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، والصحيح أن الشعر والعظم والظفر في حكم المنفصل لا في حكم المتصل.
قوله: [بنسب أو رضاع] .
بالنسب كالأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، وهن السبع اللاتي سمى الله عز وجل، والرضاع مثلهن، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وفي حكمه التحريم بالرضاع من جهة المصاهرة.
قوله: [من ظهر أو بطن أو عضو آخر لا ينفصل] (من) بيانية، فسواء أذكر الظهر وهو الأصل، أم البطن أم عضوا آخر كاليد، لكن بشرط أن يكون غير منفصل، فالشعر ينفصل لأنه يقص فينفصل، فلو قال لها: أنت عندي كشعر أمي فشعر أمه منه ما يتساقط، فليس ذلك موجبا للتحريم من كل وجه.
الألفاظ الدالة على الظهار
قوله: [بقوله لها: أنت علي أو معي أو مني كظهر أمي] .
قول المظاهر: أنت علي، أو: معي، أو: مني، أو: عندي، أو: لي كل هذا يعتبر دالا على الظهار.
وكذلك قوله: أنت كأمي دون قوله: عندي، ولا: معي، ولا لي، فسواء أذكر هذه الصفة أم لم يذكرها فالحكم واحد ويقع الظهار.
قوله: [أو كيد أختي] الأصل أن يذكر الظهر، وما لا ينفصل يكون حكمه كحكم الظهر.
قوله: [أو وجه حماتي] .
الأم هي الأصل، وتمثيله بالأخت والحماة فيه نوع من التسلسل في الأفكار عند الفقهاء رحمهم الله في المتون الفقهية، وهذا يزيد طالب العلم فائدة، ويزيده علما وبصيرة إذا أراد أن يخطب، أو يفتي، أو يوجه، أو يعلم، والعلماء بعض الأحيان يذكرون أشياء عجيبة، لكن يقصدون مغزى ومعنى، وهذا نبهنا عليه أكثر من مرة.
فقوله: [ظهر أمي] المراد بذلك القاعدة المتفق عليها والمجمع عليها، وهي أنه إذا قال: كظهر أمي فهو ظهار.
ثم قال: [كيد أختي] فخالف في العضو الذي هو الظهر فاختار اليد، وخالف في الذات التي هي الأخت، فهذا مثال للمحرمة من جهة النسب من غير الأمهات.
فجمع لك بين الأمرين، فتفهم منه أنه لا يشترط أن يذكر الظهر، وأنه يمكن أن يذكر بدلا عنه أي عضو بشرط أن يكون متصلا، وكذلك أيضا لا يشترط أن يكون الظهار منحصرا في الأم، ولذلك قال: [كيد أختي] .
وقوله: [أو وجه حماتي] لو قال: كيد حماتي ربما شك شاك أن العضو ينفصل في اليد، لكن قال: [كوجه] فانتقل إلى الوجه، والحماة: هي أم الزوجة، والأحماء: هم أقارب الزوجة.
فقوله: (كوجه حماتي) استفدنا منه أنه لا يشترط العضو في المشبه به، ثانيا: التشبيه بالمحرمة من جهة السبب، وهنا استدرك بعض المتأخرين رحمة الله عليهم على المصنف فقالوا: كان الذي ينبغي أن يقول: بنسب أو سبب، أو رضاعة، فيذكر السبب.
والحقيقة أنه لو ذكر السبب كان أفضل في الإشارة إلى المحرمات من جهة المصاهرة، لكن لما قال: [وجه حماتي] كان هذا بديعا منه في الدلالة على أنه يرى أن المحرمات من جهة المصاهرة كالمحرمات من جهة النسب والرضاع.
وبعض العلماء ربما يذكر في المتن قسيمين يدخل بينهما ثالث ولا ينبه على الثالث من باب الذوق في الألفاظ، فالعلماء رحمهم الله كانت عقولهم فذة في صياغة الكلام، لكن فرق بين أن تصاغ هذه المتون لقوم يعقلون يعرفون هذه النكت والأفكار، وبين من يتهجم أو يأتي يستدرك ويلاحظ، فيقول: هذا خطأ، وهذا كذا.
إلخ، وهذا ليس إلا نوعا من اللطائف البديعة.
فيذكر النسب ويذكر الرضاع والقسيم الثالث داخل بينهما من جهة السببية، وبعض الأحيان إذا ذكروا الرضاع مع النسب ينبهون على أن السببية تابعة له، خاصة في مسائل النكاح، لكن كما قال تعالى: {سيذكر من يخشى} [الأعلى:10] .
فهؤلاء العلماء رحمهم الله يحذر من الاستدراك عليهم والتعقيب عليهم، خاصة إذا اشتمل الاستدراك على التهجين لرأيهم، نسأل الله السلامة والعافية، بل كانوا رحمهم الله على دقة، وأحيانا يتركون الأمور الظاهرة والأمور الخفية لأجل مخاطبة العلماء؛ لأن هذه الكتب غالبا ما كان يقرؤها إلا العلماء.
ولذلك تجد العالم لما يأتي إلى تلك المتون يجد أمرا معتادا، وطالب العلم المتمكن يجد أمرا يعمل فيه فكره أكثر، فيتعود على الدقة.
ومن الفوائد التي أوصي بها طالب العلم، وأوصي بها كل شخص يتحرى الحق والصواب أنه من المجرب أنك إذا قرأت تآليف العلماء -وأقصد العلماء الأئمة الجهابذة خاصة أئمة السلف- وكان عندك اعتقاد في قرارة قلبك بعلمه وفضله ودقته وتركيبه للمسائل، ووجدت شيئا في ظاهره الخطأ ستتعب في تحصيل السبب وكشف الأمر الذي من أجله أغفل هذا الأمر الذي لا ينبغي إغفاله، أو ترك ذكر هذا الشيء الذي ينبغي ذكره، فما إن تعمل فكرك وأنت عندك هذا الشعور إلا تفتح لك من العلم والفهم ما الله به عليم.
وهذا شيء نحن جربناه ووجدناه، والعكس، فلن تجد شخصا -والعياذ بالله- لا يقدر أهل العلم، ولا ينظر إليهم بما هم أهله، خاصة أئمة السلف، إلا وجدته سريع التخطئة، عجلا في الفهم، قاصرا في الإدراك، بعيدا عن مستوى الأذكياء؛ لأنه لا يفهم العالم إلا عالم، ولا يعرف الفضل إلا أهله، وهذا من أراد أن يجربه في نفسه، أو في من يتعقب غيره أو ينتقد غيره سيجده جليا.
ومن أغرب ما ذكر لي أن شخصا كنت أعرفه -نسأل الله السلامة والعافية- من بعض طلاب العلم، كان بعض مشايخنا يحذره كثيرا، وكان كثير الجرأة على تخطئة العلماء رحمهم الله وتتبع عثراتهم.
فذات يوم كان يقرأ في كتاب (الإمامة) فقرأ قوله: (فإن استووا في القراءة فأطولهم ذكرا -أي: لله عز وجل- فصحفها وقال: فأطولهم ذكرا، وأخذ يشنع على من قال هذا فنحن نقول هنا: لما ذكر المصنف النسب وذكر الرضاع فالقسيم الثالث لهما وهو السببية داخل في التحريم، فلو أنه شبهها بهن فالمعنى موجود في المحرمات من جهة السبب كالمحرمات من جهة النسب.
وقوله: (ونحوه) .
نحو الشيء مثله، أو شبيهه، المراد: نحوه في الجانبين في الأعضاء، وفي التحريم، فنحوه في الأعضاء كاليد والرأس والرجل والظهر وغيرها من الأعضاء المتصلة، ونحوه في المحرمات كالأخت والعمة والخالة وغيرها.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]