عرض مشاركة واحدة
  #596  
قديم 08-08-2025, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





لأن المراد به الترحم والدعاء للأموات، وهذا مما رحم الله عز وجل به عباده، فجعل للأموات نصيبا عند الأحياء أن يذكروهم من بعد موتهم، وهذا من فضل الأخوة في الإسلام ومن بركاتها، وما أكثر بركات الدين وأعظمها، فإن أخوة الدنيا تنتهي بانتهاء الدنيا، ولكن أخوة الدين لا تنتهي أبدا حتى في الجنة، كما قال تعالى: {إخوانا على سرر متقابلين} [الحجر:47] ، فهي الأخوة التامة الدائمة؛ لأنها مستمدة من كمال الدين، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة:3] ، والمبني على الكمال كمال.
فهي الأخوة الكاملة الباقية، فإذا مات قريب الإنسان، أو من يعرفه، أو من لا يعرفه من عموم المسلمين، فمر على مقابرهم وسلم عليهم وترحم عليهم وسأل الله لهم العافية فهذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الدين دين رحمة.
ولذلك قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء:107] ، والرحمة كما تكون للأحياء تكون للأموات؛ فإنك إن وقفت على القبر وترحمت على صاحبه قد لا تستطيع أن تدرك مقدار الخير الذي أسديته لهذا الميت من إخوانك المسلمين، فلا يعلم ذلك إلا الله وحده لا شريك له علام الغيوب.
وقد تقف على معذب وتسترحم له فيرحمه ربه، وقد تقف على من ضيق عليه قبره فيوسع عليه بدعائك له بالرحمة، وقد تقف على مذنب يعذب بذنب فتسأل الله له المغفرة فيقبل الله شفاعتك فيشفعك فيه، والمسلم لا يذكر الأموات إلا ويسأل الله لهم الرحمة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل المظلم ليزور أهل القبور، كما في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة قالت: (افتقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فراشه، فقام في آخر الليل فتبعته، حتى أتى بقيع الغرقد ووقف مليا ... ) الحديث، أي: وقف وقوفا طويلا ورفع كفيه يدعو كما في الرواية الصحيحة.
ولذلك فرق العلماء بين الدعاء للميت بعد دفنه وزيارة القبور، فعند زيارتها يشرع أن يرفع كفيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع كفيه، ولكن بعد دفنه مباشرة ما ثبت عنه، بل قال: (استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت) ولم يرفع.
فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في جوف الليل المظلم، ووقف على القبور وترحم على أهلها ودعا لهم، وفي الحديث الصحيح في قصة المرأة التي كانت تقم المسجد -أي: تنظفه- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بشأنها قال: (هلا آذنتموني!) ثم انطلق عليه الصلاة والسلام حتى وقف على قبرها فصلى ودعا لها، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها بصلاتي عليهم) .
فأهل القبور يحتاجون من إخوانهم المسلمين أن يذكروهم بخير وأن يدعوا لهم، خاصة الأقرباء والوالدين والإخوان والأخوات والأعمام والعمات، والمسلم إذا دخل المقبرة وفيها قريب له فلا بأس أن يقف على قبره ويستغفر له ويترحم عليه ويسأل الله له العافية.
وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -الذي حسنه غير واحد من العلماء رحمهم الله، وكان شيخنا الشيخ عبد العزيز رحمه الله يميل إلى تحسينه وثبوته والعمل به- أنه إذا زار الميت يأتيه من قبل وجهه.
وهذا يدل على أنه إذا كان له فيها قريب فالأفضل والأكمل أن ينزل وأن يسلم عليه، وأن يقف على نفس قبره، وأن يدعو له وأن يترحم عليه؛ لأن هذا فيه خير كثير للميت، وفيه خير كثير للحي؛ لأن الحي يكتب له الأجر، وحسنة المؤمن على أخيه المؤمن مكتوبة وثوابها مرفوع عند الله سبحانه وتعالى، ومن رحم أخاه المسلم رحمه الله عز وجل.
وقد كانت الأمة في سالف زمانها مرحومة، فتجد الأحياء لا ينسون الأموات من صالح دعواتهم، ولا يذكرونهم إلا بخير ويترحمون عليهم، ولا يمر على الولد يوم إلا وقد ذكر والديه بدعوة وسؤال ورحمة، فالذي ينبغي أن المؤمن لا ينسى إخوانه المسلمين.
ومن العبر التي يحكيها العلماء كما ذكر أبو نعيم في الحلية بسنده أن مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي الجليل رحمه الله برحمته الواسعة كان ينزل البصرة ويصلي فيها الجمعة، وكانت له ضيعة -بستان خارج البصرة-، فإذا جاء يوم الجمعة ينزل ليلة الجمعة ويصلي ثم يرجع إلى ضيعته، وكان إذا دخل البصرة يمر بالمقبرة على طريقة، فكان يقف ويترحم على أهلها، ثم يمضي إلى منزله، ثم يصلي ويخرج.
فشاء الله أنه في جمعة من الجمع كانت ليلة مطيرة ولم يقف المطر فنام رحمه الله، فرأى كأن أمما كثيرة تأتيه وتقول: إن الله يفرج عنا من الجمعة إلى الجمعة بدعائك.
وهذا أمر له أصل في الكتاب والسنة، فالمسلم إذا شفع لأخيه المسلم وترحم عليه فالله ينفعه بذلك؛ لأن الله يقول: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} [الحشر:10] .
فهذا يدل على أن من السنة ومن الهدي أن يذكر المسلم إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، وأن يترحم عليهم، فينبغي على المسلم ألا ينسى إخوانه المسلمين، فلا نزهد في الدعاء للأموات.
أما أن نمنعه أن يدعو ويترحم على إخوانه المسلمين وهو مار على القبور إلا أن ينزل فلا دليل على ذلك، والنصوص كلها مطبقة على الترحم على المسلمين والدعاء لهم وسؤال الله عز وجل لهم الرحمة، ولا فرق بين كونه راكبا وماشيا.
فإذا كان لا بد أن ينزل فلا يقال: يدخل المقبرة، أو: يقف على بابها.
ثم إذا وقف في المقبرة يقف في أولها، أو وسطها، أو آخرها، ولا يشدد في هذه المسائل.
فلو كان الأمر متعينا لفصله الشرع ولبينه، والفقه أن تعلم مقصود الشرع، ونحن عندنا في فتاوى السلف والأئمة رحمهم الله أنه لا فرق بين من مر ومن وقف، وأنه يشرع الدعاء للأموات وأن تقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) ولهذا تدرك أن حرمة المسلم حيا كحرمته ميتا.
فالقول بأنه لو مررت على أخيك المسلم فلا يجوز لك أن تسلم عليه إلا إذا نزلت، لا يصح، وما أحد قال هذا، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة في سنن ابن ماجة -وصححه غير واحد-: (كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا) ، أي: في الإثم، فجعل الحرمة للحي والميت -كما يقول العلماء- واحدة.
فإذا ثبت أن هذا الحي إذا مررت عليه تسلم عليه سواء أصافحته ونزلت، أم مررت مرورا كما جاء في حديث أنس: (أن النبي لما مر على النسوة أشار إليهن بكفه وسلم) .
فهذا يدل على أنه لا بأس، ولا فرق بين المار والنازل، ولا شك أن النزول والاتعاظ والرؤية أعظم أثرا وأكثر فائدة؛ لأن كونه ينزل ويقف على القبر ويترحم على أموات المسلمين أعظم؛ لأنه زيارة، والزيارة أعظم أجرا لأنها مأمور بها في قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) .
فالأفضل والأعظم أجرا والأكثر عظة أن الإنسان إذا وقف على قبر الميت وكان عنده قلب حي أن تزداد حياة قلبه بهذه العظة، فوالله إنه لمن غرائب ما يقع أنني أدخل في بعض الأحيان بقيع الغرقد، وأعرف قبور بعض الناس الذين لهم عمائر وبنايات بجوار البقيع فأنظر إلى قصره وأنظر إلى قبره وأتعظ عظة عظيمة.
وروي أن هارون الرشيد رحمه الله مر على رجل كان حكيما فقال له: عظني.
قال: يا أمير المؤمنين! بماذا أعظك؟! هذه قصورهم وهذه قبورهم.
أي: بماذا أعظك! إن جئت وجدت الشخص يشيد دنياه ويعمرها ثم فجأة يخرج منها.
فالقبر فيه عظة عظيمة ويكسر القلب، ويورث الخشوع، ويذهب الكبر والقسوة والغفلة، والمتأمل في القبور وهذه الدور المتقاربة يجد بينها كما بين السماء والأرض، فكم من قبر بجوار قبر بينه وبين أخيه ومن بجواره كما بين السماء والأرض.
فقبور تجدها في ظلمة مظلمة وكهوف معتمة، لكنها ملئت على أهلها أنوارا من الله جل وعلا، وقبور تمر عليها حولها الناس يسرحون ويمرحون وحولها الضياء والفرح والسرور قد ملئت على أهلها جحيما وسعيرا.
فلا يعلم ما في القبور إلا الله، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب أن العبد الصالح إذا سئل وفتن في قبره، فسلمه الله من فتنته، وثبت الله قوله، وسدد كلامه فسح له في قبره مد البصر.
سبحان الله فالقبور قد تكون كلها قبور صالحين، وكل يمد له مد البصر بأمر الله جل وعلا، وبقدرة الله جل وعلا، والأمر أمر الله، والخلق خلق الله، لا يعجزه سبحانه وتعالى شيء، نسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحمنا في قبورنا، وأن يلطف بنا إنه ولينا.
والله تعالى أعلم.
الفرق بين قول الشيخ: (في رواية) وقوله: (في لفظ)
السؤال يقال عن الحديث أحيانا: (في رواية) ، وتارة (في لفظ) ، فهل هناك فرق بين الاصطلاحين؟

الجواب اللفظ يكون مع اتحاد الرواية، كما يخرج البخاري -مثلا- حديثا بلفظين مع اتحاد الرواية، ويختلف في اللفظ الرواة، وأما الرواية فتكون عن صحابي آخر كرواية عن أبي هريرة وجابر، فهذه رواية أبي هريرة، وهذه رواية جابر.
وقد تقول -مثلا-: متفق عليه، ولـ مسلم.
أي: قد ينفرد مسلم بلفظ ولم يتفقا عليه، فهذه كلها مصطلحات يقصد منها بيان أنواع الرواية، وأنواع التلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله تعالى أعلم.
إذا رضعت البنت من جدتها أم أبيها
السؤال رجل له ابنة، فأرضعت أمه هذه البنت، فما الحكم في ذلك؟
الجواب هذه البنت صارت أختا له من الرضاعة وبنتا له من النسب، فتصير أختا له من الرضاعة إذا أرضعتها أمه، وإذا أرضعتها جدته أم أبيه تصبح عمة له من الرضاعة وبنتا له من النسب، وهذا من الأمور الغريبة التي كثيرا ما تقع في مسألة صغار السن وكبار السن، ففي بعض الأسر تعمر الجدة حتى ترضع بنات أبنائها، أو أبناء أبنائها ونحو ذلك، وفي هذه الحالة يرتفع الرضيع إلى درجة فوق الدرجة التي هو فيها.
وبعض الأحيان العكس، فقد يرضع من بنت بنت ويكون -مثلا- عما، فينزل إلى درجة من جهة الرضاعة إلى أسفل، أي: في النسبة، فيقول لأخيه: يا عمي.
ويعتبر أخاه عما له من جهة الرضاعة، ويكون أخا له من جهة النسب.
وكذلك لو أن أخاه أرضعته بنت بنت أخت، فحينئذ ينزل من مستواه الأصلي، ويصير خالا لهم، ويصير خالا لأمه في بعض الأحيان.
فالرضاعة لها أحوال عجيبة جدا من جهة رفع الإنسان ومن جهة وضعه، حتى كانوا يذكرون هذا في طرائف العرب القديمة، فالرجل يكون معه ابنه فيقول لأبيه من باب المداعبة: اسكت فإني عمك.
وهذا قد يكون في بعض الأحيان من العقوق؛ لأنهم يمنعون من هذه الألفاظ خاصة مع الوالدين، فمن الطرائف التي تحدث أنه انتقل بالرضاعة إلى درجة يصل فيها فوق الوالد وفوق والدته.
وعلى كل حال هذا أمر شرعه الله عز وجل، كما في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) .
والله تعالى أعلم.
حكم دفع المبلغ المتفق عليه لمن اشترى أرضا نسيئة ثم ارتفع ثمنها
السؤال مجموعة من الإخوة مشتركون في أرض، فأرادوا بيعها، فرغب أحد الإخوة بشرائها، فوافق الجميع دون تحديد للأجل الذي يدفع فيه المال، ثم بعد سنوات ارتفع سعر الأرض، فما صحة هذا البيع، وبأي سعر يتم البيع؟

الجواب إذا اتفق البائع والمشتري على السلعة وحددا قيمة السلعة فالبيع صحيح، ومسألة الدين هل يشترط فيه التأجيل أو لا يشترط تتعلق بمسألة قبض الثمن، فإذا قال: آخذ منك هذه العمارة بمائة ألف إلى ميسرة، يعني: إلى أن ييسر الله عز وجل علي فهذا رخص فيه غير واحد من العلماء رحمهم الله، ولذلك قال الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة:280] ، وأطلق الأجل.
وأما قوله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى} [البقرة:282] ، فهذا من جهة الديون المؤجلة؛ لأنها هي التي يحدث فيها النزاع والخصومة.
وأما الديون غير المؤجلة -وهي المرسلة والمقيدة بأوصاف- فهذه على حسب ما يتفق عليه الطرفان، وعلى كل حال فإنه يصح هذا البيع.
أما هل يدفع الثمن المتفق عليه قبل عشر سنوات أو الثمن الحالي، فإجماع العلماء على أنه ليس له إلا الثمن المتفق عليه، وأنه إذا جاء يطالب بزيادة وأفتى أحد بذلك فقد أفتاه بالربا الذي لعن الله آخذه ومعطيه، وهكذا في الديون، فمن استدان ريالا واحدا قبل مائة سنة وجاء ورثته يريدون أن يقضوا دينه لا يقضون إلا ريالا واحدا، فهذا شرع الله عز وجل.
وفقه المسألة أنه لو استدنت منه مائة ريال قبل خمسين سنة، فالمائة ريال إذا أعطاك إياها تعتبر في الشريعة من باب الرفق، ومعنى كونه من الرفق أي: من باب الإحسان، فليس أحد فرض على صاحب المال أن يدين، فلست أنت الذي فرضت عليه أن يعطيك المال حتى تتضح الصورة.
فإذا رضي أن يعطيك مائة ريال وقال لك: خذها إلى أن ييسر الله لك، ولم ييسر الله إلا بعد عشر سنوات، أو بعد عشرين سنة، أو بعد ثلاثين سنة فمعنى ذلك أنه متحمل لارتفاع قيمتها ورخصها، ولذلك لو أن هذه المائة أصبحت تساوي عشرات أضعافها لطالبك بالمائة ولم يطالبك بقيمتها.
وليس في هذه المسألة إلا شذوذ عن بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة وقول بعض أهل الرأي، فيقولون: إنه إذا أعطاه دينا في القديم يقدر في وقت القضاء، وهذا يميل إليه بعض المعاصرين، حتى إن بعضهم ناقشناهم فوجدناهم يتعصبون للرأي أكثر من الأصل؛ لأن الله عز وجل قال: {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة:279] وهذا في الديون.
فبين أن العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض في الديون وقرضاتها أنه يعطى نفس الدين دون زيادة ودون نقص.
والسبب في هذا أنه رضي بغنمه وغرمه، أي: هو راض لو ارتفع السعر أو نقص، فهذا أمر مسلم به؛ لأنه أعطاه المال على أنه يأخذه منه كالوديعة، فلا يتحمل أحد الغلاء ولا الرخص، ولا يعطى إلا عين ماله.
والفتوى بأنه يقدر وينظر كم قيمته، لو فتح بابها لكان كل دين يحتاج إلى دراسة؛ لأنه ما من يوم إلا ويختلف سعر المال عن أمسه وعن غده، وهذا باب لو جيء لتمريره فالشريعة أغلقته، وقالت: الأصل في هذا المال أنه أعطي معاوضة بدون مكافأة وبدون بخس.
بمعنى أنك لما أعطيته المائة أعطيتها على سبيل الرفق بأخيك، فأنت أعطيت مائة وتأخذ المائة، فلم تعطها مرابحة حتى تطلب عوضها إذا خسر، ولم تقايض فيها بالعوض حيث تستطيع أن تأخذ قيمتها ومثل قيمتها، فليس لك إلا رأس مالك، وهذا الذي ندين الله به، وهذا الذي عليه فتاوى أهل العلم سلفا وخلفا، فأصحاب الديون لا يستحقون إلا ديونهم.
لكن بقيت مسألة وهي: لو أني استلفت من شخص عشرة ريالات قبل خمس سنوات أو عشر سنوات، وأصبحت لا تساوي شيئا فالسنة المكافأة على الدين.
فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي رافع (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا، ثم جاء الرجل يريد حقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أده.
فقال: يا رسول الله! لا أجد إلا خيار الرباعين -يعني: لا أجد إلا سنا أفضل من السن الذي أعطاه- فقال عليه الصلاة والسلام: أعطه؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاءا) .
فأخذ العلماء من هذا دليلا على أن الشريعة فتحت باب المكافأة، كمن استدان خمسة آلاف ريال، ثم وسع الله عليه وبسط له في الرزق فأرجعها وزاد مكافأة عليها ساعة أو قلما أو ألف ريال ليس على سبيل الاشتراط.
وأصح قولي العلماء أنه تجوز الزيادة حتى ولو كانت من نفس الذهب والفضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الناس أحسنهم قضاء) .
فلا فرق بين القضاء بالذهب والفضة وغيرها، وهذا الذي تطمئن إليه نفسي، وهو أنه تشرع المكافأة عند الدين ولو كانت من الذهب والفضة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرأ سمحا إذا قضى، سمحا إذا اقتضى) قوله: (سمحا إذا قضى) أي: عنده سماحة، فيطيل لك في الأجل سماحة منه، وبعضهم إذا استدان قضى قبل حلول الأجل سماحة منه أيضا، كما أنه أحسن إليك تحسن إليه، قال تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص:77] ، فكما أحسن الله إليك بتوسعة حالك تحسن إليه فتبادر.
ومن هذا الإحسان أنه إذا أعطاك خمسة آلاف تعطيه ألفا أو ألفين أو ثلاثة آلاف زيادة عليها، لكن بشرط ألا يكون ذلك على سبيل الاشتراط؛ فإنه تجوز الزيادة بدون شرط؛ لأن الشريعة عممت في حسن القضاء.
والله تعالى أعلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.10 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]