
07-08-2025, 02:45 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 164,122
الدولة :
|
|
رد: سلسلة شرح الأربعين النووية
سِلْسِلَةُ شَرح الأَربَعِينَ النَّوَويَّةِ
عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
«الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ»
عَنَاصِرُ الْخُطْبَةِ:
• رِوَايَةُ الْحَدِيثِ. • الْمَعْنَى الإِجْمَالِيُّ لِلْحَدِيثِ. • الْمُسْتَفَادَاتُ مِنَ الْحَدِيثِ وَالرَّبطُ بِالْوَاقِعِ. الخطبة الأولى: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يُضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أَمَّا بعدُ:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذني الله وإيَّاكم من النار.
عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِك، وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»[1].
وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَن الْبِرِّ؟»، قُلْت: نَعَمْ. فقَالَ: «استَفْتِ قلبَك، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك»[2].
عبادَ اللَّهِ، هذا الْحَدِيثُ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ البِرَّ كلمة جامعة لجميع أفعال الخير والطاعة، والإثم كلمة جامعة لجميع أفعال الشرِّ والمعاصي؛ ولذلك قابَل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.
فما هي الفوائد التي نستفيدها من هذا الحدِيث؟
نستفيد من هذا الحديث لواقعنا ما يلي:
1- بعض علامات البِرِّ:وأشار النبيصلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى علامتين من علامات البرِّ وهما:
العلامة الأولى: حُسْنُ الخُلُق: فأعظم علامات البرِّ حُسْن الخُلُق مع الناسِ، وحُسْن المعاملة معهم، قالصلى الله عليه وسلم: «وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»[3]. وقالصلى الله عليه وسلم: «إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ»[4]. عامل الناس بأخلاقك الطيبة لا بأخلاقهم، أحِبَّ لهم من الخير مثل ما تحب لنفسك، اكره لهم من الشرِّ مثل ما تكره لنفسك، خالطهم واصبر على أذاهم، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ ولا يَصبرُ على أذاهُمْ»[5].
إذا كنت تاجرًا مثلًا: فكُن رحيمًا في بيعك وشرائك، قال صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى»[6]، فلا ترفعِ السعر إذا كنت بائعًا، ولا تُبخس قيمة السلعة إذا كنت مشتريًا، ولا تُشدِّد في طلب دُيونك إذا كان المَدين مُعسرًا، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]، وعلى هذا القياس، فحسن الخلق جماع أنواع البر.
العلامة الثانية: ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب: بعض الأمور تُحسُّ من أعماق قلبك أنَّك مُرتاح لفعلها، ويسكُن قلبُك إليها، خاصة لمن سلِمت حواسُّه، وصَفي قلبه، وخلُصت فِطرته. فهذه الأشياء التي تجد فيها قلبك مستأنِسًا بها، استمر عليها، وداوِم عليها، فهي من البر والطاعة. ومن أمثلة ذلك: ذكر الله، والإكثار منه، وقراءة القرآن، فمن ذا الذي يُجادل أنه طمأنينة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
والذِّكر فيه حياة لقلوبنا كما 
يُحيي البلاد إذا ما مسَّها المطرُ
وأنت حينما تخشع في صلاتك تحسُّ بالرضا عنها. حينما تُحسِن إلى أحدٍ من الناس وتساعده، فتفك عنه ضائقةً أو كُربةً؛ تحس بالانشراح والسَّعادة تغمُرك على القيام بهذا العمل. حينما يفوتك أمر أنت حريص عليه فتستحضر الرضا بقضاء الله وقدره، فيطمئن قلبُك بعد هذا الإيمان. حينما نستقيم عمومًا على منهج الله يرزقنا الله نورًا في قلوبنا نُبْصِر به الحق رغم كثرة المُفتين، ورغم كثرة الاختلافات، ورغم كثرة المُلبِّسين الحق بالباطل.
فاللهم حسِّن أخلاقنا، وارزقنا طُمَأْنينة القلب والنفس، وآخر دعوانا الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبدِه المُصطفى وآلِهِ وصحْبه، ومن لآثارهم اقتفى، أمَّا بعدُ:
بعد ذكر علامتي البر، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:
2- بعض علامات الإثم: وأشار إلى علامتين وهما:
العلامة الأولى: ما حَاك في النفس وتردَّد في الصدر: وهذه علامة داخلية بها تَعرف الإثم، فتُحس في قلبك عند اقترافه بالحَيرة والاضطراب والقلق وعدم الرضا، وتحسُّ بنكتة سوداء نكتة في قلبك.
الزاني حين يزني، السَّارق حين يسرق، الغاشُّ حين يغش، الظالم حين يظلم، الرَّاشي حين يُعطي رشوة والمُرتشي حين يقبضها، هؤلاء جميعًا وغيرهم من أصحاب المعاصي، حينما يقترفونها؛ يحسُّون ويشعرون بعُقدة الذنب، وبألم داخلي، وبنفس لوَّامة، إذا كانت فيهم بقية الفطرة، وبقية الخير. حينما يسألون العلماء ويزيِّنون لهم الأسئلة ليفتُوهم على حسب أهوائهم، ويفتوهم برأي معيَّن يستطيعون بفطرتهم معرفةَ أن هذه الفتوى لا تنطبق عليهم، فعليهم أن يتقوا الله. تسأل العالم ليرخِّص لك في الرِّبا وتقول بأنك من أصحاب الضرورة، وأنت تعلم يقينًا بأنك لست منهم. وحينما تسأل العالم بأنك مريض تريد الفطر في رمضان، وأنت تعلم بأنك مريض مرضًا تستطيع معه الصيام، فلا تأخذ بهذه الفتوى فإنك تأخذ جَمرة من نار «فَاستفت قلبك، (ولو) أَفْتَاك النَّاسُ وَأَفْتَوْك»، وعلى هذا القياس.
العلامة الثانية: ما كرهت أن يطَّلِع عليه الناس: وهذه علامة خارجية بها تعرف الإثم، فتُخفيه عن الناس مخافة أن يطَّلِعوا عليه؛ لأنَّك تعلم يقينًا أن النَّاس تستنكر فِعْلك شرعًا أو عُرْفًا، إذا كان هذا العُرْف موافقًا للشرع.
فلماذا يتستَّر شارب الخمر حينما يشربها؟ ولماذا يتستر الزَّاني حينما يزني؟ ولماذا يسرق السَّارق خفية؟ ولماذا يُحاول الغشَّاش ستر غشِّه عن أعيُن المراقب في الامتحان؟ ولماذا يحاول التاجر الغشاشُ ستر السِّلْعة المغشُوشة وعيوب السِّلعة عن أعين المشتري؟ ولماذا الأبناء يحاولون تغيير القناة إذا دخل أحدُ الوالدين؟ ولماذا الزوجة تشفِّر هاتفها، وتمنع الزوج من الاطِّلاع عليه أو العكس؟ أسئلة كثيرة. سبب هذا التخفي والسِّتر كراهية اطِّلاع الغير عليه؛ لأنه منكر.
فاتقوا الله-عباد الله- واعلموا بأن أحقَّ من تستحي منه هو خالقك،قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ﴾ [النساء: 108].
فاللهم اجعلنا ممن يخافك في السر والعلن. آمِين. (تتمة الدعاء).
[1] رواه مسلم، رقم: 2553.
[2] رواه أحمد في المسند، رقم: 17999، وحسَّن النووي إسناده.
[3] رواه الترمذي، رقم: 1987.
[4] رواه البخاري، رقم: 6032.
[5] رواه ابن ماجه، رقم: 4032.
[6] رواه البخاري، رقم: 2076.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|