عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 15-07-2025, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,372
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد

تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (620)
صــ 506 إلى صــ 515









فمعنى الكلام إذًا: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه" ، فرفعنا بها درجته عليهم، وشرّفناه بها عليهم في الدنيا والآخرة. فأما في الدنيا، فآتيناه فيها أجره = وأما في الآخرة، فهو من الصالحين = "نرفع درجات من نشاء" ، أي بما فعل من ذلك وغيره.
* * *
وأما قوله: "إن ربك حكيم عليم" ، فإنه يعني: إن ربك، يا محمد، "حكيم" ، في سياسته خلقَه، وتلقينه أنبياءه الحجج على أممهم المكذّبة لهم، الجاحدة توحيد ربهم، وفي غير ذلك من تدبيره = "عليم" ، بما يؤول إليه أمر رسله والمرسل إليهم، من ثبات الأمم على تكذيبهم إياهم، وهلاكهم على ذلك، أوإنابتهم وتوبتهم منه بتوحيد الله تعالى ذكره وتصديق رسله، والرجوع إلى طاعته. (1)
* * *
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فأتَسِ، (2) يا محمد، في نفسك وقومك المكذبيك، والمشركين، بأبيك خليلي إبراهيم صلى الله عليه وسلم، واصبر على ما ينوبك منهم صبرَه، فإني بالذي يؤول إليه أمرك وأمرهم عالم، وبالتدبير فيك وفيهم حكيم. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير: "حكيم" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة.

(2)
"ائتسى به" ، جعله أسوة له في نفسه وسيرته. وكان في المطبوعة "تأس" ، وهي بمعناها، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "بالتدبير" بغير واو العطف، والصواب إثباتها.

القول في تأويل قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فجزينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم على طاعته إيانا، وإخلاصه توحيد ربه، ومفارقته دين قومه المشركين بالله، بأن رفعنا درجته في عليين، وآتيناه أجره في الدنيا، ووهبنا له أولادًا خصصناهم بالنبوّة، وذرية شرفناهم منا بالكرامة، وفضلناهم على العالمين، (1) منهم: ابنه إسحاق، وابن ابنه يعقوب = "كلا هدينا" ، يقول: هدينا جميعهم لسبيل الرشاد، فوفقناهم للحق والصواب من الأديان (2) = "ونوحًا هدينا من قبل" ، يقول: وهدينا لمثل الذي هدينا إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الحق والصواب، فوفقناه له = نوحًا، من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
* * *
= "ومن ذريته داود" ، و "الهاء" التي في قوله: "ومن ذريته" ، من ذكر نوح. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر في سياق الآيات التي تتلو هذه الآية لوطًا فقال: "وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلا فضلنا على العالمين" . ومعلوم أن لوطًا لم يكن من ذرية إبراهيم صلى الله عليهم أجمعين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان معطوفًا على أسماء من سمَّينا من ذريته، كان لا شك أنه لو أريد بالذرية ذرية إبراهيم، لما دخل يونس ولوط فيهم. ولا شك أن لوطًا ليس من ذرّية إبراهيم، ولكنه من ذرية نوح، فلذلك وجب أن تكون "الهاء" في "الذرية" من ذكر نوح. (3)
(1)
انظر تفسر "وهب" فيما سلف 6: 212.

(2)
انظر تفسير "كل" فيما سلف 9: 96، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الذرية" فيما سلف 3: 19، 73/5: 543/6: 327، 362/8: 19.

فتأويل الكلام: ونوحًا وفقنا للحق والصواب من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهدينا أيضًا من ذرّية نوح، داود وسليمان.
= و "داود" ، هو داود بن إيشا (1) = و "سليمان" هو ابنه: سليمان بن داود = و "أيوب" ، هو أيوب بن موص بن رزاح (2) بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم = و "يوسف" ، هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم = و "موسى" ، هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب = و "هارون" ، أخو موسى.
* * *
= "وكذلك نجزي المحسنين" ، يقول تعالى ذكره: جزينا نوحًا بصبره على ما امتحن به فينا، بأن هديناه فوفقناه لإصابة الحق الذي خذلنا عنه من عصانا فخالف أمرنا ونهينا من قومه، وهدينا من ذريته من بعده من ذكر تعالى ذكره من أنبيائه لمثل الذي هديناه له. وكما جزينا هؤلاء بحسن طاعتهم إيانا وصبرهم على المحن فينا، كذلك نجزي بالإحسان كل محسن. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا لمثل الذي هدينا له نوحًا من الهدى والرشاد من ذريته: زكريا بن إدُّو بن برخيَّا، (4) ويحيى بن زكريا،
(1)
{يسَّى} في كتاب القوم، وقد مضى في التفسير 5: 355: "بن إيشي" .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "روح" والصواب من تاريخ الطبري 1: 165.

(3)
انظر تفسير "الجزاء" ، و "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (جزي) (حسن) .

(4)
في كتاب القوم (بن عِدُّوْ (في "عزرا" . الإصحاح الخامس والسادس. وفي المطبوعة: "بن أزن" وفي المخطوطة: "بن أدر" ، وقال صاحب قاموس الكتاب: "زكريا بن يبرخيا ابن عدو. . . يذكر بأنه" بن عدو "، وسبب ذلك على الأرجح أن أباه برخيا، مات في ريعان الشباب، فنسب حسب العوائد، إلى جده" عدو "الذي كان مشهورًا أكثر من أبيه" . وفي كتاب القوم (يبرخيّا (، وكان في المطبوعة "بركيا" ، وهو في المخطوطة غير حسن الكتابة، فأثبت ما في تاريخ الطبري 2: 13.

وعيسى ابن مريم ابنة عمران بن ياشهم بن أمون بن حزقيا، (1) = وإلياس.
* * *
واختلفوا في "إلياس" .
فكان ابن إسحاق يقول: هو إلياس بن يسى (2) بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران، ابن أخي موسى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وكان غيره يقول: هو إدريس. وممن ذكر ذلك عنه عبد الله بن مسعود.
13515 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة، عن عبد الله بن مسعود قال: "إدريس" ، هو "إلياس" ، و "إسرائيل" ، هو "يعقوب" . (3)
* * *
وأما أهل الأنساب فإنهم يقولون: "إدريس" ، جدّ نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، و "أخنوخ" هو "إدريس بن يرد بن مهلائيل" . وكذلك روي عن وهب بن منبه.
* * *
(1)
في المطبوعة: "عمران بن أشيم بن أمور" ، خطأ، صوابه مما سلف 6: 328، 329، ومن تاريخ الطبري 2: 13.

(2)
في تاريخ الطبري 2: 13 "بن ياسين" .

(3)
الأثر: 13515 - "عبيدة بن ربيعة" ، كوفي، روى عن ابن مسعود، وعثمان ابن عفان. روى عنه الشعبي، وأبو إسحق السبيعي. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3/1/91. و "أبو إسحق" هو السبيعي، كما سلف، وكان في المخطوطة والمطبوعة "ابن إسحق" ، وهو خطأ محض. وهذا الخبر ذكره البخاري تعليقًا (الفتح 6: 265) ، وقال الحافظ: "أما قول ابن مسعود، فوصله عبيد بن حميد، وابن أبي حاتم بإسناد حسن، عنه" .

والذي يقول أهل الأنساب أشبه بالصواب. وذلك أنّ الله تعالى ذكره نسب "إلياس" في هذه الآية إلى "نوح" ، وجعله من ذريته، و "نوح" ابن إدريس عند أهل العلم، فمحال أن يكون جدّ أبيه منسوبًا إلى أنه من ذريته.
* * *
وقوله: "كل من الصالحين" ، يقول: من ذكرناه من هؤلاء الذين سمينا (1) = "من الصالحين" ، يعني: زكريا ويحيى وعيسى وإلياس صلى الله عليهم. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من ذرية نوح "إسماعيل" وهو: إسماعيل بن إبراهيم = "واليسع" ، هو اليسع بن أخْطُوب بن العجوز.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة اسمه.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: (وَالْيَسَعَ) بلام واحدة مخففة.
* * *
وقد زعم قوم أنه "يفعل" ، من قول القائل: "وسِعَ يسع" . ولا تكاد العرب تدخل "الألف واللام" على اسم يكون على هذه الصورة = أعني على "يفعل" = لا يقولون: "رأيت اليزيد" ولا "أتاني اليَحْيَى" (3) ولا "مررت باليشكر" ، إلا
(1)
انظر تفسير "كل" فيما سلف ص: 507، تعليق: 2، والمرجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الصالح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) .

(3)
في المطبوعة: "أتاني التجيب" ، وهو خطأ محض، لم يحسن قراءة المخطوطة، وكان فيها "أتاني اليحيا" غير منقوط، وهذا صواب قراءتها.

في ضرورة شعر، وذلك أيضًا إذا تُحُرِّي به المدح، (1) كما قال بعضهم: (2)
وَجَدْنَا الْوَليدَ بْنَ الْيَزِيدَ مُبَارَكًا ... شَدِيدًا بِأَحْنَاءِ الْخِلافَةِ كَاهِلُهْ (3)
فأدخل في "اليزيد" الألف واللام، (4) وذلك لإدخاله إياهما في "الوليد" ، فأتبعه "اليزيد" بمثل لفظه. (5)
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قرأة الكوفيين: (وَاللَّيْسَعَ) بلامين، وبالتشديد، وقالوا: إذا قرئ كذلك، كان أشبه بأسماء العجم، وأنكروا التخفيف. وقالوا: لا نعرف في كلام العرب اسمًا على "يفعل" فيه ألف ولام.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءةُ من قرأه بلام واحدة مخففة، لإجماع أهل الأخبار على أن ذلك هو المعروف من اسمه، دون التشديد، مع أنه اسم أعجمي، فينطق به على ما هو به. وإنما يُعْلَم دخول
(1)
في المخطوطة: إذا تحر به المدح "، غير منقوطة، وما في المطبوعة شبيه بالصواب، والذي في معاني القرآن للفراء:" والعرب إذا فعلت ذلك، فقد أمست الحرف مدحًا "."

(2)
هو ابن ميادة.

(3)
معاني القرآن للفراء 1: 342، أمالي ابن الشجري 1: 154/2: 252، 342، الخزانة 1: 327، شرح شواهد المغني: 60، وغيرها كثير. من شعر مدح فيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقبل البيت: هَمَمْتُ بِقَولٍ صَادِقٍ أنْ أقولَهُ ... وَإنِّي عَلَى رَغْمِ العَدُوِّ لقَائِلُهْ

وبعده: أضَاء سِرَاجُ المُلْكِ فَوْقَ جَبِينِهِ ... غَدَاةَ تَنَاجَى بِالنَّجَاحِ قَوَابِلُهْ
وكان في المطبوعة: "بأعباء الخلافة" ، وهي إحدى الروايتين، وأثبت ما في المخطوطة. و "أحناء الخلافة" ، نواحيها وجوانبها جمع "حنو" (بكسر فسكون) ، كنى بذلك عن حمل مشقات الخلافة، وتدبير الملك، وسياسة الرعية.
(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "فأدخل اليزيد" بإسقاط "في" والصواب إثباتها.

(5)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 342.

"الألف واللام" فيما جاء من أسماء العرب على "يفعل" . (1) وأما الاسم الذي يكون أعجميًّا، فإنما ينطق به على ما سَمَّوا به. فإن غُيِّرَ منه شيء إذا تكلمت العرب به، فإنما يغيّر بتقويم حرف منه من غير حذف ولا زيادة فيه ولا نقصان. و "الليسع" إذا شدد، لحقته زيادة لم تكن فيه قبل التشديد. وأخرى، أنه لم يحفظ عن أحد من أهل العلم علمنا أنه قال: اسمه "ليسع" . فيكون مشددًا عند دخول "الألف واللام" اللتين تدخلان للتعريف.
* * *
و "يونس" هو: يونس بن متى = "ولوطًا وكلا فضلنا" ، من ذرية نوح ونوحًا، (2) لهم بينا الحق ووفقناهم له، وفضلنا جميعهم = "على العالمين" ، يعني: على عالم أزمانهم. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من آباء هؤلاء الذين سماهم تعالى ذكره = "ومن ذرياتهم وإخوانهم" ، آخرين سواهم، لم يسمهم، للحق والدين الخالص الذي لا شرك فيه، فوفقناهم له = "واجتبيناهم" ، يقول: واخترناهم لديننا وبلاغ رسالتنا إلى من أرسلناهم إليه، كالذي اخترنا ممن سمَّينا.
* * *
(1)
في المطبوعة: "وإنما لا يستقيم دخول الألف واللام" ، وهو تغيير لما في المخطوطة وزيادة فيها، وإفساد لمعنى الكلام، ونقض لما أراده أبو جعفر. وكان في المخطوطة: "وإنما نصم دخول الألف واللام" ، وهو فاسد الكتابة، وصواب قراءته ما أثبت "يعلم" بالبناء للمجهول.

يعني أن دخول الألف واللام إنما يعرف فيما جاء من أسماء العرب على "يفعل" . وهذا مناقض لما كتبه الناشر.
(2)
في المطبوعة: "ونوح" بالرفع وهو خطأ، وتغيير لما في المخطوطة. وكان في المخطوطة: "له بينا الحق" ، والأشبه بالصواب ما في المطبوعة.

(3)
انظر تفسير "العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

يقال منه: "اجتبى فلان لنفسه كذا" ، إذا اختاره واصطفاه، "يجتبيه اجتباء" . (1)
* * *
وكان مجاهد يقول في ذلك ما:-
13516- حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "واجتبيناهم" ، قال: أخلصناهم.
13517- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
= "وهديناهم إلى صراط مستقيم" ، يقول: وسدّدناهم فأرشدناهم إلى طريق غير معوجّ، وذلك دين الله الذي لا عِوَج فيه، وهو الإسلام الذي ارتضاه الله ربُّنا لأنبيائه، وأمر به عباده. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك هدى الله" ، هذا الهدي الذي هديت به من سميت من الأنبياء والرسل، فوفقتهم به لإصابة الدين الحقّ الذي نالوا بإصابتهم إياه رضا ربهم، وشرفَ الدنيا، وكرامة الآخرة، هو "هدى"
(1)
انظر تفسير "اجتبى" فيما سلف 7: 427.

(2)
انظر تفسير "الصراط المستقيم" فيما سلف 10: 146، تعليق: 2، والمراجع هناك.

الله "، يقول: هو توفيق الله ولطفه، الذي يوفق به من يشاء، ويلطف به لمن أحب من خلقه، حتى ينيب إلى طاعة الله، وإخلاص العمل له، وإقراره بالتوحيد، ورفضِ الأوثان والأصنام (1) =" ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون "، يقول: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء الذين سميناهم، بربهم تعالى ذكره، فعبدوا معه غيره =" لحبط عنهم "، يقول: لبطل فذهبَ عنهم أجرُ أعمالهم التي كانوا يعملون، (2) لأن الله لا يقبل مع الشرك به عملا."
* * *
القول في تأويل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "أولئك" ، هؤلاء الذين سميناهم من أنبيائه ورسله، نوحًا وذريته الذين هداهم لدين الإسلام، واختارهم لرسالته إلى خلقه، هم "الذين آتيناهم الكتاب" ، يعني بذلك: صحفَ إبراهيم وموسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى صلوات الله عليهم أجمعين = "والحكم" ، يعني: الفهم بالكتاب، ومعرفة ما فيه من الأحكام. وروي عن مجاهد في ذلك ما:-
13518 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبان قال، حدثنا مالك بن شداد، عن مجاهد: "والحكم والنبوة" ، قال: "الحكم" ، هو اللبُّ. (3)
(1)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

(2)
انظر تفسير "حبط" فيما سلف 4: 317/6: 287/9: 592/10: 409.

(3)
الأثر: 13518 - "مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 7487.

و "أبان" هو: "أبان بن يزيد العطار" ، مضى برقم: 3832، 9656.
"مالك بن شداد" هكذا هو في المطبوعة والمخطوطة، ولم أجد له ذكرًا فيما بين يدي في الكتب، ولعله محرف عن شيء لا أعرفه.
وعنى بذلك مجاهد، إن شاء الله، ما قلت، لأن "اللب" هو "العقل" ، فكأنه أراد: أن الله آتاهم العقل بالكتاب، وهو بمعنى ما قلنا أنه الفهم به.
* * *
وقد بينا معنى "النبوة" و "الحكم" ، فيما مضى بشواهدهما، فأغنى ذلك عن إعادته. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن يكفر: يا محمد، بآيات كتابي الذي أنزلته إليك فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربهم، كالذي:-
13519 - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، يقول: إن يكفروا بالقرآن.
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب "هؤلاء" .
فقال بعضهم: عُني بهم كفار قريش = وعنى بقوله: "فقد وكلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين" ، الأنصار.
* ذكر من قال ذلك:
13520 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سليمان قال، حدثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله تعالى ذكره: "فإن يكفر بها هؤلاء" ، قال: أهل مكة = "فقد وكلنا بها" ، أهل المدينة.
(1)
انظر تفسير "النبوة" فيما سلف: 2: 140 - 142/6: 284، 380.

= وتفسير "الحكم" فيما سلف 3: 86 - 88، 211/6: 538.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.82 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.30%)]