
15-07-2025, 10:35 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (613)
صــ 436 إلى صــ 445
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت، يا محمد، المشركين الذين يخوضون في آياتنا التي أنزلناها إليك، ووحينا الذي أوحيناه إليك، = و "خوضهم فيها" ، كان استهزاءَهم بها، وسبَّهم من أنزلها وتكلم بها، وتكذيبهم بها (1) = "فأعرض عنهم" ، يقول: فصد عنهم بوجهك، وقم عنهم، ولا تجلس معهم (2) = "حتى يخوضوا في حديث غيره" ، يقول: حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله من حديثهم بينهم = "وإما ينسينك الشيطان" ، يقوله: وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا، ثم ذكرت ذلك، فقهم عنهم، ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوضُ فيه بما خاضوا به فيه. وذلك هو معنى "ظلمهم" في هذا الموضع. (3)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13386 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، قال: نهاه الله أن يجلس مع الذين يخوضون في
(1) انظر تفسير "الخوض" فيما سلف 9: 320.
(2) انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 337، تعليق: 1، والمراجع كلها.
(3) انظر تفسير "الظلم" في فهارس اللغة فيما سلف (ظلم) .
آيات الله يكذبون بها، فإن نسي فلا يقعد بعد الذكر مع القوم الظالمين. (1)
13387-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، أخبرنا معمر، عن قتادة بنحوه.
13388 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: الذين يكذبون بآياتنا.
13389 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" ، قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن فسبوه واستهزءوا به، فأمرهم الله أن لا يقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. وأما قوله: "وإما ينسينك الشيطان" ، يقول: نَهْيَنَا فتقعد معهم، (2) فإذا ذكرت فقم.
13390 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يخوضون في آياتنا" ، قال: يكذبون بآياتنا.
13391 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن أبي جعفر قال: لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
(1) في المطبوعة: "بعد الذكرى" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، كما سترى في التفسير ص: 439.
(2) في المطبوعة: "يقول: نسيت فتعقد معهم" ، وهو لا معنى له، وفي المخطوطة: "نهينا فتعقد معهم" ، وهو مضطرب، واستظهرت صوابها من تفسير الآية فيما سلف. وقوله: "نهينا" مفعول قوله في الآية: "وإما ينسينك الشيطان" ، وذلك على عادة أهل التأويل الأوائل في الاختصار.
13392 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، وقوله: {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [سورة الأنعام: 159] ؛ وقوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [سورة آل عمران: 105] ؛ وقوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [سورة الشورى: 13] ، ونحو هذا في القرآن، قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمِراء والخصومات في دين الله.
13393 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: يستهزئون بها. قال: نُهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقعد معهم إلا أن ينسى، فإذا ذكر فليقم. فذلك قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" = قال ابن جريج: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" ، الآية. (1)
13394- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا" ، قال: يكذبون.
13395 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك قوله: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، يعني المشركين = "وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين" ، إن نسيت فذكرتَ فلا تجلس معهم.
* * *
(1) الأثر: 13393 - سيأتي، تفسير ابن جريج فيما بعد بتمامه رقم: 13396.
القول في تأويل قوله: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن اتقى الله فخافه، فأطاعه فيما أمره به، واجتنب ما نهاه عنه، فليس عليه بترك الإعراض عن هؤلاء الخائضين في آيات الله في حال خوضهم في آيات الله، شيء من تبعة فيما بينه وبين الله، إذا لم يكن تركه الإعراضَ عنهم رضًا بما هم فيه، وكان لله بحقوقه متقيًا، (1) ولا عليه من إثمهم بذلك حرج، ولكن ليعرضوا عنهم حينئذ ذكرى لأمر الله = "لعلهم يتقون" ، يقول: ليتقوا.
* * *
ومعنى "الذكرى" ، الذكرُ. و "الذكر" و "الذكرى" بمعنًى.
* * *
وقد يجوز أن يكون "ذكرى" في موضع نصب ورفع:
فأما النصب، فعلى ما وصفت من تأويل: ولكن ليعرضوا عنهم ذكرى.
وأما الرفع، فعلى تأويل: وما على الذين يتقون من حسابهم شيء بترك الإعراض، ولكن إعراضهم ذكرى لأمر الله لعلهم يتقون. (2)
* * *
وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالقيام عن المشركين إذا خاضوا في آيات الله، لأن قيامه عنهم كان مما يكرهونه، فقال الله له: إذا خاضوا في آيات الله فقم عنهم، ليتقوا الخوضَ فيها ويتركوا ذلك.
(1) هكذا في المخطوطة أيضا "بحقوقه متقيًا" ، وأرجح أن تكون: "بخوفه متقيًا" ، ولم أغيرها لأن الأخرى تكاد تكون جائزة.
(2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 339.
* ذكر من قال ذلك:
13396 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: كان المشركون يجلسون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحبون أن يسمعوا منه، فإذا سمعوا استهزءوا، فنزلت: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره" ، الآية، قال: فجعل إذا استهزءوا قام، فحذروا وقالوا لا تستهزءوا فيقوم! فذلك قوله: "لعلهم يتقون" ، أن يخوضوا فيقوم، ونزل: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، إن قعدوا معهم، ولكن لا تقعدوا. ثم نسخ ذلك قوله بالمدينة: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، [سورة النساء: 140] ، فنسخ قولَه: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، الآية.
13397 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، يقول: من حساب الكفار من شيء = "ولكن ذكرى" ، يقول: إذا ذكرت فقم = "لعلهم يتقون" مساءتكم، إذا رأوكم لا تجالسونهم استحيوا منكم، فكفوا عنكم. ثم نسخها الله بعد، فنهاهم أن يجلسوا معهم أبدًا، قال: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا، الآية.
13398 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء" ، إن قعدوا، ولكن لا تقعد.
13399- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
13400 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك: "وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى" ، قال: وما عليك أن يخوضوا في آيات الله إذا فعلت ذلك.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذرْ هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعبًا ولهوًا، (1) فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته، (2) واللهوَ والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم، فأعرض عنهم، فإني لهم بالمرصاد، وإني لهم من وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا، ونسيانهم المعادَ إلى الله تعالى ذكره والمصيرَ إليه بعد الممات، كالذي:-
13401 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا} ، قال: كقوله: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} ، [سورة المدثر: 11] .
13402- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
(1) انظر تفسير "ذر" فيما سلف 6: 22/7: 424.
(2) انظر تفسير "اللعب" فيما سلف 10: 429، 432.
وقد نسخ الله تعالى ذكره هذه الآية بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ، [سورة التوبة:5] . وكذلك قال عدد من أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13403- حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا" ، ثم أنزل في "سورة براءة" ، فأمر بقتالهم.
13404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان قال: قرأت على ابن أبي عروبة فقال: هكذا سمعته من قتادة: "وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا" ، ثم أنزل الله تعالى ذكره "براءة" ، وأمر بقتالهم فقال: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ، [سورة التوبة: 5] .
* * *
وأما قوله: "وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت" ، فإنه يعني به: وذكّر، يا محمد، بهذا القرآن هؤلاء المولِّين عنك وعنه (1) = "أن تبسل نفس" ، بمعنى: أن لا تبسل، كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، [سورة النساء: 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا (2) = وإنما معنى الكلام: وذكرهم به ليؤمنوا ويتبعوا ما جاءهم من عند الله من الحق، (3) فلا تُبْسل أنفسهم بما كسبت من الأوزار= ولكن حذفت "لا" ، لدلالة الكلام عليها.
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أن تبسل نفس" .
فقال بعضهم: معنى ذلك: أن تُسْلَم.
(1) انظر تفسير "التذكير" فيما سلف 6: 63، 64، 66، 211/10: 130/11: 357
(2) انظر ما سلف 9: 445، 446.
(3) في المطبوعة: "وذكر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.
* ذكر من قال ذلك:
13405 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة قوله: "أن تبسل نفس بما كسبت" ، قال: تُسلم.
13406 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: "أن تبسل نفس" ، قال: أن تُسلم.
13407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن، مثله.
13408 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أن تبسل" ، قال: تسلم.
13409- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أن تبسل نفس" ، قال: تسلم.
13410- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا، أسلموا.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تُحْبس.
* ذكر من قال ذلك:
13411- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "أن تبسل نفس" ، قال: تؤخذ فتحبس.
13412- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
13413 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
قوله: "أن تبسل نفس بما كسبت" ، أن تؤخذ نفس بما كسبت.
* * *
وقال آخرون: معناه: تُفضَح.
* ذكر من قال ذلك:
13414 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت" ، يقول: تفضح.
* * *
وقال آخرون: معناه: أن تجزَى.
* ذكر من قال ذلك:
13415 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد قال، قال الكلبي: "أن تبسل" ، أن تجزَى.
* * *
وأصل "الإبسال" التحريم، يقال منه: "أبسلت المكان" ، إذا حرّمته فلم يقرب، (1) ومنه قوله الشاعر: (2)
بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنٍ فِي النَّدَى، ... بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلامَتِي وَعِتَابِي (3)
(1) في المطبوعة: "فلم تقر به" ، وأثبت ما في المخطوطة.
(2) هو ضمرة بن ضمرة النهثلي.
(3) نوادر أبي زيد: 2، الأمالي 2: 279، الشعر والشعراء: 250، الوحشيات رقم: 424، الأزمنة والأمكنة 1: 160، اللسان (بسل) وغيرها، وبعد هذا البيت من أبيات حسان: قالها لامرأته إذ عاتبته على حلب إبله ونحرها لضيفه وأهله، وتحبب إليه الشح، وتنهاه عن بذل المال، في القحط والجدب: أَأَصُرُّهَا، وَبُنَيُّ عَمِّي سَاغِبٌ ... فَكَفَاكِ من إبَةٍ عَلَيَّ وَعَابِ!
وَلَقَدْ عَلِمْتُ، فَلاَ تَظُنِّي غَيْرَهُ ... أَنْ سَوْفَ يَخلِجُني سَبيلُ صِحَابِي
أرَأيتِ إنْ صَرَخَتْ بِلَيْلٍ هَامَتي ... وَخَرَجْتُ مِنْهَا عَارِيًا أثْوَابِي
هَلْ تَخْمِشَنْ إبِلِي عَلَيَّ وُجُوهَهَا ... أمْ تَعْصِبَنَّ رُؤُوسَهَا بِسِلاَبِ!!
"بكرت" ، عجلت في أول السحر. "بعد وهن" ، أي بعد قومة من جوف الليل. أرقها ما يبذل لبني عمه من ماله، فلم تتأن به مطلع النهار حتى أخذت تلومه في وجه الصبح. ثم أخذ يذكرها بالمروءة فيقول: "أأصرها" ، يعني النوق، يشد عليها الصرار (وهو خيط يشد فوق الخلف) ، لئلا تحلب، أو يرضعها ولدها، يقول: لا أفعل ذلك، وبني عمي جياع حتى، أرويهم؛ و "السغب" الجوع، فإن ذلك لؤم. و "الإبة" الخزي يستحي منه، و "العاب" ، العيب. يقول: كفاك بهذا الفعل لؤمًا يخزي فاعله. ثم احتج عليها بما يجد بنو عمه وضيفانه من اللوعة عليه إذا مات، وأن الإبل لا تفعل ذلك. فقال لها: إن الموت سبيل كل حي، وأني سلك سبيل أصحابي الذين ذهبوا وخلفوني، فإن هذه السبيل تخجلني (أي: تجذبني وتنتزعني) كما خلجتهم من قبل. وقوله: "صرخت بليل هامتي" ، وهو من عقائد الجاهلية، أبطله الله بالإسلام، يزعمون أن روح القتيل تصير طائرًا كالبومة يزقو عند قبره، يقول: اسقوني، اسقوني! وقوله: "عاريًا أثوابي" أي: عاريًا من أثوابي التي كنت أستمتع بلباسها في الدنيا. ويروى: "باليًا أثوابي" ، ويعني عندئذ: أكفانه التي تبلى في التراب. وقول "هل تخمش إبلي" ، أي: هل تلطم الإبل على وجوهها فيخمشها اللطم ويؤثر فيها ويجرحها، كما يفعل بنو عمي وبنات عمي إذا مت. و "السلاب" : عصائب للرأس سود، يلبسنها عند الحداد. يقول: هذا حزن بنات عمي علي، فهل تفعل الإبل فعلهن حتى آسى على نحرها وإهلاكها في إطعامهم وإروائهم في زمان الجدب وهم جياع؟
أي: حرام [عليك ملامتي وعتابي] . ومنه قولهم: "أسد باسل" ، (1) ويراد به: لا يقربه شيء، فكأنه قد حرَّم نفسه، ثم يجعل ذلك صفة لكل شديد يتحامى لشدته. ويقال: "أعط الراقي بُسْلَتَه" ، (2) يراد بذلك: أجرته، "وشراب بَسِيل" ، بمعنى متروك. وكذلك "المبسَلُ بالجريرة" ، وهو المرتهن بها، قيل له: "مُبْسَل" ، لأنه محرَّم من كل شيء إلا مما رُهن فيه وأُسلم به، ومنه قول عوف بن الأحوص الكلابي:
وَإبْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهُ وَلا بِدَمٍ مُرَاقِ (3)
(1) كانت هذه العبارة في المطبوعة والمخطوطة: "أي حرام. ومنه قولهم: وعتابي أسد آسد" ، وهو خطأ صرف. استظهرت صوابه من سياق الشرح، ومن معاني القرآن للفراء 1: 339، وزدت ما بين القوسين استظهارًا أيضًا.
(2) في المطبوعة: "بسيلته" ، وهو خطأ صرف، صوابه في المخطوطة، لم يحسن قراءتها. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 339.
(3) نوادر أبي زيد: 151، مجاز القرآن 1: 194، المعاني الكبير: 1114، واللسان (بسل) (بعا) ، يقول: فَلَوْلا أَنَّنِي رَحُبَتْ ذِرَاعِي ... بِإعْطَاءِ المَفَارِقِ والحِقَاقِ
وَإنْسَالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ ... بَعَوْنَاهً، وَلا بِدَمٍ مُرَاقِ
لَقِيتُمْ مِنْ تَدَرُّئِكُمْ عَلَيْنَا ... وَقَتْلِ سَرَاتِنَا ذَاتَ العَرَاقِي
"المفارق" جمع "ناقة مفرق" ، فارقها ولدها. و "الحقاق" جمع "حقة" (بكسر الحاء) ، وهي الناقة إذا استكملت السنة الثالثة، ودخلت في الرابعة. يقول: طابت نفسي ببذل ذلك من المال، لكن أحقن الدماء، وأبقي على الوشائج. و "بعا الذنب يبعوه بعوا" : اجترمه واكتسبه. يقول لهم: وأسلمت إليكم بني في الفداء، ولم نجرم جريمة، ولم نرق دمًا، فنحمل الحمالة في الذي اجترحناه. و "تدرأ على فلان" أي: تطاول وتهجم. و "السراة" أشراف القوم. و "ذات العراقي" ، أي: ذات الدواهي المنكرة، يقول: لولا ما فعلت إبقاء، لفعلنا بكم الأفاعيل.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|