
15-07-2025, 10:32 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,405
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الحادى عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام
الحلقة (612)
صــ 426 إلى صــ 435
13371- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: راقب خبابُ بن الأرت، وكان بدريًّا، رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه = إلا أنه قال: ثلاث خصلات. (1)
13372- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك = "أو من تحت أرجلكم" ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك = "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: هذه أهون. (2)
13373 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألت ربّي أربعًا، فأعطيت ثلاثًا ومنعت واحداة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًّا من غيرهم يستبيح بيضتهم، ولا يسلط عليهم جوعًا، ولا يجمعهم على ضلالة، فأعطيتهن = وسألته أن لا
(1) الأثر: 13371 - انظر التعليق على الأثر السالف.
(2) الأثر: 13372 - انظر التعليق على الأثرين السالفين رقم: 13365، 13366، فهذه طريق أخرى.
يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، فمنعتُ.
13374 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني سألت ربي خصالا فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة: سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة، فأعطانيها. وسألته لا يُظهر عليهم عدوًّا من غيرهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم من قبلهم، فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها.
13375 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية، قوله: "ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال الحسن: ثم قال لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يُشهده عليهم: "انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون" ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ، فسأل ربه أن لا يرسل عليهم عذابًا من فوقهم أو من تحت أرجلهم، ولا يلبس أمته شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض كما أذاق بني إسرائيل، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إنك سألت ربك أربعًا، فأعطاك اثنتين ومنعك اثنتين: لن يأتيهم عذاب من فوقهم، ولا من تحت أرجلهم يستأصلهم، فإنهما عذابان لكل أمة اجتمعت على تكذيب نبيها وردِّ كتاب ربها، ولكنهم يلبسهم شيعًا ويذيق بعضهم بأس بعض، (1) وهذان عذابان لأهل الإقرار بالكتاب والتصديق بالأنبياء، ولكن يعذبون بذنوبهم، وأوحي إليه: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ، يقول: من أمتك = {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} = من العذاب وأنت حي = {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} [سورة الزخرف: 41،42] . فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم فراجع ربه، فقال: أيّ مصيبة أشدّ من أن
(1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: "ولكنهم يلبسهم. . ." ، وهو جائز، والأجود "ولكنه يلبسهم" ، وأخشى أن يكون ما في النسخ من الناسخ.
أرى أمتي يعذب بعضها بعضًا! وأوحي إليه: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ، [سورة العنكبوت: 1،3] ، فأعلمه أن أمته لم تخصّ دون الأمم بالفتن، وأنها ستبلى كما ابتليت الأمم. ثم أنزل عليه: {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة المؤمنون: 93،94] ، فتعوّذ نبي الله، فأعاذه الله، لم يرَ من أمته إلا الجماعة والألفة والطاعة. ثم أنزل عليه آية حذّر فيها أصحابه الفتنة، فأخبره أنه إنما يُخَصّ بها ناسٌ منهم دون ناس، فقال: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، [سورة الأنفال: 25] ، فخصّ بها أقوامًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بعده، وعصم بها أقوامًا.
13376 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: لما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما يكون في أمته من الفرقة والاختلاف، فشق ذلك عليه، ثم دعا فقال: اللهم أظهر عليهم أفضلهم بقية. (1)
13377 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو الأسود قال، أخبرنا ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبي الزبير قال: لما نزلت هذه الآية: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بالله من ذلك! = قال: "أو من تحت أرجلكم" ، قال: أعوذ بالله من ذلك = قال: "أو يلبسكم شيعًا" ، قال: هذه أيسر! ولو استعاذه لأعاذه. (2)
(1) في المطبوعة: "أفضلهم تقية" ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت، فإنها في المخطوطة غير منقوطة "وقوله:" بقية "، أي: إبقاء على من يظهر عليه ويظفر به."
(2) الأثر: 13377 - "خالد بن يزيد" هو الجمحي، المصري. مضى برقم: 3965، 5465، 9185، 9507، 12283. و "أبو الزبير" ، هو "محمد بن مسلم المكي" ، مضى مرارًا.
13378- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا المؤمل البصري قال، أخبرنا يعقوب بن إسماعيل بن يسار المديني قال، حدثنا زيد بن أسلم قال: لما نزلت: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض بالسيوف! فقالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله! قال: نعم! فقال بعض الناس: لا يكون هذا أبدًا! فأنزل الله: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ. (1)
* * *
وقال آخرون: عنى ببعضها أهل الشرك، وببعضها أهل الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
13379- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هارون بن موسى، عن حفص بن سليمان، عن الحسن في قوله: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم" ، قال: هذا للمشركين = "أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض" ، قال: هذا للمسلمين.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول عندي أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره توعَّد بهذه الآية أهلَ الشرك به من عبدة الأوثان، وإياهم خاطبَ بها، لأنها
(1) الأثر: 13378 - "المؤمل البصري" ، هو: "مؤمل بن إسمعيل البصري" ، وقد سلف مرارًا برقم: 2057، 3337، 5728، 8356، 8367.
وأما "يعقوب بن إسمعيل بن يسار المديني" ، فلم أجد له ذكرًا في كتب التراجم، وهذا غريب.
بين إخبار عنهم وخطاب لهم، وذلك أنها تتلو قوله: "قل ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعًا وخُفْية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون" ، ويتلوها قوله: "وكذب به قومك وهو الحق" . وغير جائز أن يكون المؤمنون كانوا به مكذبين، فإذا كان غير جائز أن يكون ذلك كذلك، وكانت هذه الآية بين هاتين الآيتين، كان بيّنًا أن ذلك وعيدٌ لمن تقدّم وصف الله إياه بالشرك، وتأخر الخبر عنه بالتكذيب = لا لمن لم يجر له ذكر. غير أن ذلك وإن كان كذلك، فإنه قد عم وعيدُه بذلك كلَّ من سلك سبيلهم من أهل الخلاف على الله وعلى رسوله، والتكذيب بآيات الله من هذه وغيرها.
وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة" ، فجائز أن هذه الآية نزلت في ذلك الوقت وعيدًا لمن ذكرتُ من المشركين، ومن كان على منهاجهم من المخالفين ربهم، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يعيذ أمته مما ابتلى به الأمم الذين استوجبوا من الله تعالى ذكره بمعصيتهم إياه هذه العقوبات، فأعاذهم بدعائه إياه ورغبته إياه، من المعاصي التي يستحقون بها من هذه الخلال الأربع من العقوبات أغلظها، ولم يُعذهم من ذلك ما يستحقون به اثنتين منها.
وأما الذين تأوّلوا أنه عني بجميع ما في هذه الآية هذه الأمة، فإني أراهم تأوّلوا أن في هذه الأمة من سيأتي من معاصي الله وركوب ما يُسخط الله، نحو الذي ركب مَن قبلهم من الأمم السالفة، من خلافه والكفر به، فيحلّ بهم مثل الذي حلّ بمن قبلهم من المثلات والنقمات، وكذلك قال أبو العالية ومن قال بقوله: "جاء منهن اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة. وبقيت اثنتان، الخسف والمسخ" ، وذلك أنه رُوي عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قال: "سيكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" ، (1) = وأن قومًا من أمته سيبيتون على لهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير. (2) وذلك إذا كان، فلا شك أنه نظير الذي في الأمم الذين عتوا على ربهم في التكذيب وجحدوا آياته. وقد روي نحو الذي روي عن أبي العالية، عن أبيّ.
13380 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا سفيان قال، أخبرنا أبي =، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: "قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعًا" ، قال: أربع خِلال، وكلهن عذاب، وكلهن واقعٌ قبل يوم القيامة، فمضت اثنتان بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، ألبسوا شيعًا، وأذيق بعضهم بأس بعض. وثنتان واقعتان لا محالة: الخسف والرجم. (3)
* * *
(1) هذا حديث عائشة، رواه الترمذي في الفتن بإسناده، ونصه:
"عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر هذه الأمة خسفٌ ومَسْخٌ وقَذْفٌ. قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا ظهر الخَبَثُ" ، قال الترمذي: "هذا حديثٌ غريبٌ من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وعبد الله بن عمر، تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه" يعني راوي الخبر: "عبد الله بن عمر، عن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة" .
(2) روى البخاري (الفتح 10: 47 - 49) من حديث أبي مالك وأبي عامر الأشعري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أُمتي قومٌ يستحِلُّون الحِرِ (أي: الزنا) والحرير والخمر والمعازف، وليزلنَّ أقوامٌ إلى جنب عَلَم، تروح عليهم سارحةٌ لهم، فيأتيهم رجلٌ لحاجته، فيقولون: ارجع إلينا غدًا! فيبيِّتهم الله تعالى ويضع العَلَم، ويمسخ آخرين قِردةً وخنازير إلى يوم القيامة" .
(3) الأثر: 13380 - إسناده صحيح، رواه أحمد في مسنده 5: 134، 135 من طريق وكيع، عن أبي جعفر الراوي، عن الربيع. عن أبي العالية، مثله.
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 21، ثم قال: "رواه أحمد، ورجاله ثقات. قلت: والظاهر أن من قوله: فمضت اثنتان، إلى آخره، من قول رفيع (يعني أبا العالية) ، فإن أبي بن كعب لم يتأخر إلى زمن الفتنة" . وذكر مثل ذلك من علة هذا الخبر، الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 220) ثم قال: "وأعل أيضًا بأنه مخالف لحديث جابر وغيره. وأجيب بأن طريق الجمع: أن الإعاذة المذكورة في حديث جابر وغيره، مقيدة بزمان مخصوص، وهو وجود الصحابة والقرون الفاضلة، وأما بعد ذلك فيجوز وقوع ذلك فيهم. وقد روى أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:" قل هو القادر "، إلى آخرها فقال: أما إنها كائنة، ولم يأت تأويلها بعد. وهذا يحتمل أن لا يخالف حديث جابر بأن المراد بتأويلها ما يتعلق بالفتن ونحوها" . وذكر الخبر ابن كثير في تفسيره 3: 331، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 17، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في الحلية. * * *
وعند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه:
يتلوه القول في تأويل قوله:
{انظر كيف نصرِّفُ الآيات لعَلَّهم يَفْقَهونَ}
وصلى الله على محمد النبيّ وعلى آله وسلم كثيرًا. ثم يبدأ بعده بما نصه:
"بسم الله الرحْمن الرحيم رَبِّ يَسِّر"
القول في تأويل قوله: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر، يا محمد، بعين قلبك إلى ترديدنا حججنا على هؤلاء المكذبين بربّهم = الجاحدين نعمه، وتصريفناها فيهم (1) = "لعلهم يفقهون" ، يقول: ليفقهوا ذلك ويعتبروه، (2)
(1) انظر تفسير "تصريف الآيات" فيما سلف: 365
(2) انظر تفسير "فقه" فيما سلف 8: 557/11: 307
فيذّكروا ويزدجروا عما هم عليه مقيمون مما يسخطه الله منهم، من عبادة الأوثان والأصنام، والتكذيب بكتاب الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكذب، يا محمد، قومك بما تقول وتخبر وتوعد من الوعيد = "وهو الحق" ، يقول: والوعيدُ الذي أوعدناهم على مقامهم على شركهم: من بعث العذاب من فوقهم، أو من تحت أرجلهم، أو لبسهم شيعًا، وإذاقة بعضهم بأس بعض = "الحق" الذي لا شك فيه أنه واقع إن هم لم يتوبوا وينيبوا مما هم عليه مقيمون من معصية الله والشرك به، إلى طاعة الله والإيمان به = "قل لست عليكم بوكيل" ، يقول: قل لهم، يا محمد، لست عليكم بحفيظ ولا رقيب، وإنما رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم (1) = "لكل نبأ مستقر" ، يقول: لكل خبر مستقر، (2) يعني قرار يستقرّ عنده، ونهاية ينتهي إليه، فيتبين حقه وصدقه، من كذبه وباطله = "وسوف تعلمون" ، يقول: وسوف تعلمون، أيها المكذبون بصحة ما أخبركم به من وعيد الله إياكم، أيها المشركون، حقيقته عند حلول عذابه بكم، (3) فرأوا ذلك وعاينوه، فقتلهم يومئذ بأيدي أوليائه من المؤمنين.
(1) انظر تفسير "الوكيل" فيما سلف 9: 424، تعليق: 2، والمراجع هناك.
(2) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف ص: 407، تعليق: 6، والمراجع هناك.
(3) في المطبوعة: "وحقيقته عند حلول عذابه بكم" ، وضع مكان "حقيقته" "وحقيته" ، وزاد "واوا" . فعل بها ما فعل بصواحباتها فيما سلف ص: 216، تعليق: 3، والمراجع هناك.
وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
13381 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفصل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وكذب به قومك وهو الحق" ، يقول: كذبت قريش بالقرآن، وهو الحق = وأما "الوكيل" ، فالحفيظ =، وأما "لكل نبأ مستقر" ، فكان نبأ القرآن استقر يوم بدر بما كان يَعِدهم من العذاب.
13382 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "لكل نبأ مستقر" ، لكل نبأ حقيقة، إما في الدنيا وإما في الآخرة = "وسوف تعلمون" ، ما كان في الدنيا فسوف ترونه، وما كان في الآخرة فسوف يبدو لكم.
13383- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "لكل نبأ مستقر" ، يقول: حقيقة.
13384 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثنا عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون" ، يقول: فعل وحقيقة، ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة.
* * *
وكان الحسن يتأوّل في ذلك أنه الفتنة التي كانت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
13385- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جعفر بن حيان، عن الحسن أنه قرأ: "لكل نبأ مستقر" ، قال: حبست عقوبتها، حتى [إذا] عمل ذنبها أرسلت عقوبتها. (1)
* * *
(1) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|