الموضوع: سدرة الكمال
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-07-2025, 11:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي سدرة الكمال

سدرة الكمال


في نفس الإنسان توق للنقاء، لا كصفة، بل كشرطٍ للوجود؛ فيشترط على نفسه أن لا ينفع إلا إذا اكتمل، ولا يُعلّم إلا إذا زكّى كلّ خُلقه، ولا يظهر إلا إذا طهرت نيّته كطهارة الملائكة، يريد أن يدخل مضمار الحياة بلا عثرة، ويعظ الناس بلا هوى، ويُصلح غيره وقد كفّ عن لوم نفسه، فإن أحسّ بانكسار خفي، أو ضعف دفين، آثر الصمتَ الطويل، والانسحاب العميق، حتى يُصلح ما بدا له أنه الخلل الذي يُبطل أهليّته.
وهذه المثالية المُلجمة، تُعيدُ إنتاج العجز في صورة زهد، والتردد في صورة ورع، والانكفاء في هيئة خشية، فيغدو المرء حبيس شرط لم يُطلب منه، ويظل يفتّش عن كمالٍ لم يُكلّف ببلوغه، بينما يمرّ الوقت ويذبل الأثر، وهو ما يزال يُرتّب نيّته في العزلة، ويُنقّب عن شوائبه في المرايا المغلقة، وكأن الفضل لا يَثبت إلا بعد بلوغ سدرة الكمال.
وهذا النزوع – رغم صفائه في ظاهره – يُنتج صنفًا من العجز المُقنّع، إذ يجعل المرء ينتظر تهيؤ جميع الشروط قبل أن يبادر، وينتظر تصفية داخله من كل شائبة قبل أن يخطو خطوة واحدة في النفع أو الدعوة أو الإصلاح، فلا هو اتّقى على قدره، ولا نفع على قدره، بل بقي محبوسًا خلف مرايا ذاته، يرتّب هيئته النفسية أمامها كلّ صباح، ثم لا يخرج!
ألم يقل الله جلّ شأنه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩]؟ فالهداية مشروطة بالمجاهدة، لا بالكمال. وقال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، فلا يُطلب من العبد ما لا يطيق، بل ما يقدر عليه من تقوى وجهد وصدق، ولو خالطه النقص والتقصير. وقد قال نبيّه ﷺ: «سدّدوا وقاربوا، واعلموا أنَّه لن يُدخل أحدًا عملُه الجنة» (متفق عليه)، فالسداد، لا الكمال، هو المأمور به، والمقاربة، لا الإحاطة، هي ميدان النجاة.
وقد أشارت دراسة في Harvard Business Review (2018) إلى أن المثاليين غالبًا ما يُصابون بالجمود وتجنّب المبادرة، بسبب شعور داخلي بأن ظهورهم للناس لا يصحّ قبل اكتمالهم، وهو ما يُفضي إلى العزلة وخسارة الأثر (Curran & Hill, 2018)
فالسير إلى الله لا يشترط الوصول قبل الانطلاق، والعمل لا يتوقف حتى يكتمل الإخلاص، بل هو اختبار الإخلاص ذاته، والمفيد ليس من يعمل بعد الفراغ من كل شبهة، بل من يغالبها وهو يعمل، ويطردها في الطريق، ويشقى في التخلّص منها كما يشقى في العمل نفسه.
وما الصفاء إلا زكاة العمل، لا شرطه.
منقول








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.07%)]