
29-06-2025, 04:24 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة :
|
|
رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله
شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)
كتاب الإمارة
شرح سنن أبي داود [396]
الحلقة (428)
شرح سنن أبي داود [396]
إن المعاملات المالية ما لم تقم على العدل كانت سبباً في فشو الظلم بين الناس والاعتداء على الحقوق؛ لذا أمر الشارع بوضع الجوائح بين الناس على تفصيل عند أهل العلم، وأمر أصحاب الماء بألا يمنعوا الناس من الماء ليسقوا مواشيهم، وتهدد مانع فضل مائه، إذ الناس شركاء فيه، هذا ما لم يكن أحوج إليه هو أو استخرجه بأموال وتعب فيه، ومما ورد النهي فيه من البيوع: ثمن الكلب والهر والخمر والخنزير والأصنام.
ما جاء في وضع الجائحة
شرح حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وضع الجائحة.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن بكير عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه؛ فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك) ] .
أورد أبو داود باباً في وضع الجوائح.
والجوائح هي الآفات التي تحصل للثمار كالجراد أو المطر والبرد وغير ذلك من الآفات التي تصيب الثمرة، وسبق أن الثمر لا تباع إلا بعد بدو الصلاح، وأنه قبل بدو الصلاح لا يجوز بيعه أصلاً، والعقد غير صحيح بل باطل، إلا إذا كان سيجز ويباع بسرًا، فإنه لا بأس بذلك، ولكنه إذا اشتراه بعد بدو الصلاح ثم حصلت جائحة، فإنها توضع، بمعنى: أنه لا يلزم المشتري دفع مال مقابل هذا الذي تلف، وإنما يتلف على حساب المالك وليس على حساب المشتري، وقد سبق أن مر بنا الحديث: (بم يأخذ أحدكم مال أخيه) .
أورد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعها؛ فكثر دينه) .
يعني: خسر فيها، وأنه تركها حتى حصل الجذاذ وأصابتها آفة، أو أنه حصل أن هبطت قيمتها، ولم يكن لها قيمة، فكثر دينه، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق عليه فجمع له مقداراً من المال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوه وليس لكم إلا ذلك) ، فالمقصود من قوله: (خذوه) : خذوا هذا الموجود والباقي في الذمة، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ؛ لأن هذا ليس من قبيل وضع الجوائح فليس من قبيل أن الثمرة بيعت على رءوس النخل بعد ما بدا صلاحها ثم أصابتها جائحة فتوضع، بمعنى أن المشتري ملزم ولهذا قال: (تصدقوا عليه، وقال: ليس لكم إلا ذلك) يعني في الوقت الحاضر، والباقي نظرة إلى ميسرة: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] ، فهو ليس من قبيل وضع الجوائح التي جاء الحديث بوضعها.
تراجم رجال إسناد حديث (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك) قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث] .
الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير] .
بكير بن عبد الله بن الأشج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عياض بن عبد الله] عياض بن عبد الله ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري مر ذكره.
شرح حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج.
ح وحدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير المكي أخبره عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟) ] .
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه مرفوعاً أنه قال: (إن بعت من أخيك تمراً) أي: على رءوس النخل، وأما إذا باعه تمراً وسلمه إياه أو خلى بينه وبينه وسلمه في مكانه، فإنه يذهب على حساب المشتري، ولكن المقصود التمر الذي بيع على رءوس النخل وأصابته جائحة، وفيه قال: (بم تأخذ مال أخيك بغير حق) ؛ لأن البائع ما سلمه للمشتري الذي باعه إياه وهو على رءوس النخل، أما إن كانت القضية في أمر قد سلم له وقبضه، ودخل في حوزته، ثم تلف وهو في حوزته، فإنه ليس على حسابه، وليس على البائع أن يرد شيئاً من القيمة، كما لو حصل أن إنساناً باع سلعة وأخذ قيمتها، ثم لما ذهب المشتري جاء اللصوص وأخذوها من هذا المشتري، فلا يرجع إلى البائع يقول: أخذها اللصوص، أعطني القيمة، لأنها ضاعت على حسابه.
وهذا الحديث محمول على الثمر الذي على رءوس النخل.
والحديث يناسب له وضع الجوائح، وأما الأول فلا علاقة له بوضع الجوائح.
ولعل الحديث جاء ضمناً وليس في وضع الجوائح.
تراجم رجال إسناد حديث (إن بعت من أخيك تمراً فأصابتها جائحة)
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني] .
أحمد بن سعيد الهمداني صدوق، أخرج له أبو داود.
[أخبرنا ابن وهب] .
ابن وهب مر ذكره.
[أخبرني ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ح وحدثنا محمد بن معمر] .
محمد بن معمر صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو عاصم] .
أبو عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير] .
أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر] .
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ما جاء في تفسير الجائحة
شرح أثر (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد) وتراجم رجال إسناده قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في تفسير الجائحة.
حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم عن ابن جريج عن عطاء قال: [(الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو ريح أو حريق)] .
سبقت بعض الأحاديث المتعلقة بوضع الجوائح، وهذه الترجمة تتعلق بتفسير الجوائح، وقد أورد أبو داود رحمه الله أثراً عن عطاء بن أبي رباح المكي رحمه الله أنه قال: (الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو برد أو جراد أو حريق) أي: تكون الجائحة بمثل هذا مما يحصل به تلف الثمر، وهذه أمثلة للأمور التي تحصل بها الجوائح للثمار.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود المهري] .
سليمان بن داود المهري المصري ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي.
[أخبرنا ابن وهب] .
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عثمان بن الحكم] .
عثمان بن الحكم صدوق له أوهام أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن ابن جريج] .
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء] .
عطاء بن أبي رباح المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال) وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد أنه قال: (لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال، قال يحيى: وذلك في سنة المسلمين) .
أورد المؤلف أثراً عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو: لا جائحة فيما إذا كان الضرر دون الثلث من الثمرة، ولا يتحمله البائع، وإنما يذهب على حساب المشتري.
قال: وهذا في سنة المسلمين، وسبق أن مر بنا أن الإمام مالكاً رحمه الله هو الذي يقول بأن الجائحة فيما دون الثلث، وقال أبو داود بأنه لا يعلم شيئاً يدل على التحديد بالثلث، وأن الأمر مطلق، وقول يحيى هذا هو حكاية لعمل أهل المدينة؛ لأن يحيى من أهل المدينة، قوله: [وذلك في سنة المسلمين] يعني: المعمول به في المدينة.
معناه: أن الجائحة إذا كانت دون الثلث لا يسقط عن المشتري منها شيء، وإذا كانت فوق الثلث فإنه يسقط، وتعتبر الجائحة فيما فوق الثلث.
قوله: [حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عثمان بن الحكم، عن يحيى بن سعيد] .
يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ما جاء في منع الماء
شرح حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في منع الماء.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ] .
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في منع الماء، يعني: أن الماء الزائد عن حاجة الإنسان لا يمنعه.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) ، وهذا فيما إذا كان الإنسان عنده بئر وحولها مكان فيه مرعى وكلأ، فلا يعطي الناس من الماء لتشرب مواشيهم، من أجل أن يبتعدوا عن الكلأ فيستفيد منه هو؛ لأنهم إذا لم يحصلوا على ماء عند هذا المكان فإنهم ينتقلون عنه، فيستفيد منه وحده، ويكون في ذلك إلحاق الضرر بالناس.
ولكن عليه أنه يسقي مواشيهم، وأن يحسن إليهم بسقي المواشي، ويشاركهم في الكلأ، ويبذل الإحسان إليهم بكونه يسقي مواشيهم، فهذا فيه الإشارة إلى أن إحالة الإنسان بين الناس وبين الكلأ الذي جعله الله في الأرض العامة غير لائق بالمسلم، بل يشاركهم في الانتفاع بالكلأ، ويحسن إليهم في سقي مواشيهم.
تراجم رجال إسناد حديث (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ) قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة] .
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا جرير] .
جرير بن عبد الحميد الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش] .
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح] .
أبو صالح هو ذكوان السمان المدني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب السنة.
[عن أبي هريرة] .
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
يلاحظ أن الترجمة في منع الماء، مع أن الحديث في منع فضل الماء، وكما هو معلوم أن الإنسان إذا كان الماء قليلاً وليس فيه زيادة، فنفسه أولى من غيره، وحاجته أولى من غيره، ومعلوم أن النهي إنما ورد في منع الفضل والمقدار الزائد على حاجته، والنهي هنا عام وسيأتي التقييد له.
شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً- ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) ] .
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يكلمهم الله) يعني: التكليم الذي فيه راحتهم وسعادتهم، وإلا فإن التكليم يمكن أن يكون على وجه التبكيت والتقريع، ويكون هذا ضرراً، ومنه قول الله عز وجل: {قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] وهذا كلام، لكنه كلام فيه تقريع وتبكيت لا يحصلون من ورائه على فائدة، ولا يحصل لهم السرور والارتياح والاطمئنان، فهذا لا ينافي ما جاء من أن الله تعالى يخاطب الكفار ويقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] ؛ لأن المنفي غير المثبت.
(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده)، ابن السبيل هو عابر السبيل، سواء كان بنفسه أو معه راحلته أو رواحله، فإن الماء يبذل له، ولا يحال بينه وبينه.
(ورجل حلف على سلعة بعد العصر -يعني: كاذباً-)، يعني: ليروجها ولينفقها، كما جاء في الحديث الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) أي: المروج لها، الذي يأتي بما يجعل المشتري يغتر بحلفه وبكلامه الذي فيه ترويج لها.
أما عن بعد العصر فقد قيل: إن هذا من الأوقات التي تكون فيها الأيمان مغلظة، وقد سبق أن مر بنا تغليظ اليمين بالمكان، كما جاء في الحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من حيث الزمان.
(ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له، وإن لم يعطه لم يف له) يعني: بايع إمامه أو إمام المسلمين من أجل الدنيا، لا من أجل أن يقوم بالشيء الذي يجب عليه، وإنما بايع من أجل الدنيا، فإن حصل له الذي بايع من أجله رضي، وإن لم يحصل ذلك فإنه يسخط، فبيعته إنما هي من أجل الدنيا، وليست من أجل السمع والطاعة في المعروف على الوجه الذي شرعه الله عز وجل في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] .
تراجم رجال إسناد حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) قوله: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثنا وكيع] .
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش] .
الأعمش مر ذكره.
[عن أبي صالح عن أبي هريرة] .
وقد مر ذكرهم.
شرح حديث (ثلاثة لا يكلمهم الله) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش بإسناده ومعناه، قال: (ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) وقال: في السلعة: (بالله لقد أعطي بهذا كذا وكذا، فصدقه الآخر فأخذها) ] .
أورد الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على الأول، فهناك قال: (لا يكلمهم الله) فقط، وهنا قال: (لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) ، وفيه أيضاً: بيان ذكر الحلف، وأنه حلف أنه أعطي بها كذا وكذا، حتى يرغب المشتري فيها، فيكون كذاباً في خبره، وأيضاً أكد ذلك بحلف كاذب بالله لقد أعطي بها كذا وكذا.
فيذكر السعر، مائة ريال مثلاً.
و (كذا وكذا) كناية عن ذكر السعر من أجل أن يزيد على هذا المقدار، مع أنه ما أعطي هذا المقدار ولا حصل له هذا المقدار من أحد، ولكنه عن طريق الكذب والعياذ بالله.
قوله: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش بإسناده ومعناه] .
مر ذكرهم.
شرح حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا كهمس عن سيار بن منظور -رجل من بني فزارة- عن أبيه عن امرأة يقال لها: بهيسة عن أبيها رضي الله عنه قالت: (استأذن أبي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل بينه وبين قميصه، فجعل يقبل ويلتزم، ثم قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، قال: يا نبي الله! ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير مسمى، فهذه بهيسة، قيل: إن لها صحبة، وقيل: مجهولة لا تعرف، وهي تحكي عن أبيها أنه دخل بين النبي صلى الله عليه وسلم وقميصه، يعني أنه رفع قميص النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله وقال له: (ما هو الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الماء، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: الملح، ثم قال: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال: أن تفعل الخير خير لك) ، والحديث في إسناده رجلان متكلم فيهما، وفيه هذه المرأة التي لا تعرف.
والمقصود بالماء والملح: أن هذه من الأشياء التي يمكن أن يسألها الناس بعضهم بعضاً ولا تمنع، والمقصود من ذلك الشيء الذي فيه مقدار الحاجة، بأن يطلب مثلاً ماء من أجل الشرب، أو الملح من أجل الطعام، وأما حمل الملح فهذا مال يتمول، ويمكن أن يمنع، يعني إذا كان عند إنسان مملحة وكان يبيع الملح، ثم يأتي إنسان ليأخذ منه بالمجان، وهو في أرضه وقد تعب عليه فلا.
ولكن يبدو إن صح الحديث أنه من الأشياء التي تبذل ولا يؤخذ لها مقابل عند الحاجة إليها، كأن يكون الناس معهم طعام ولكن ليس معهم ملح يملحون به طعامهم، فيمكن أن يسألوا، وهذا من الأشياء السهلة البسيطة التي يمكن للناس أن يتعاطوها، وأن يسأل بعضهم بعضاً إياها، ولا يعتبر سؤال مثل ذلك عاراً؛ لأن هذه أشياء مبذولة وأمرها سهل، ومن يسألها وهو محتاج إليها لحاجته الحاضرة فلا بأس بذلك.
والحديث كما أشرت غير صحيح، ولكنه إن صح فهذا هو معناه: أنه يحمل على الشيء الذي لا يمنع من الأمور السهلة البسيطة التي لا ينبغي للناس أن يتشاحوا فيها.
قال الخطابي: الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحداً لا يمنع من أخذه.
وهذا صحيح لا إشكال فيه، وهذا مثل الماء الذي في الفلاة، كل يأخذ منه نصيبه، والملح إذا كان غير مملوك يأخذ كل نصيبه، لكن إذا كان في ملك الإنسان، فإذا كان للحاجة الحاضرة فلا بأس، وأما إن كان غير مملوك فهو مبذول لكل أحد.
الكلأ مشترك، والملح إذا كان في فلاة مشترك، والماء إذا كان في فلاة مشترك، ولكن الماء إذا كان في حوزة إنسان، وفي إنائه ووعائه وسقائه؛ فإنه ملكه، ولكن يبذله لمن يحتاج إليه.
تراجم رجال إسناد حديث (ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ قال الماء) قوله: [حدثنا عبيد الله بن معاذ] .
عبيد الله بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[حدثنا أبي] .
معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا كهمس] .
كهمس بن الحسن ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سيار بن منظور] .
سيار بن منظور مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن أبيه] .
أبوه مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي.
[عن امرأة يقال لها: بهيسة] .
وقيل: لا تعرف، أخرج لها أبو داود والنسائي.
[عن أبيها] .
صحابي مقل، قيل: اسمه عمير، أخرج له أبو داود والنسائي].
في السند أربعة كلهم روى لهم أبو داود والنسائي، اثنان مقبولان، والثالثة مجهولة لا تعرف، والرابع صحابي، والصحابة المجهول فيهم في حكم المعلوم، إذ جهالة الصحابة لا تؤثر؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل لهم، ولهذا ما من رجل من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى السؤال عن حاله، ليعرف أهو ثقة أم غير ثقة، وأما الصحابي فيكفيه شرفاً وفضلاً ونبلاً أن يقال: إنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشرف برؤية النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحياة الدنيا، ومتع بصره بالنظر إليه، وشنف سمعه بسماع صوته صلى الله عليه وسلم، فصار لهم فضل وميزة، ولهذا درج العلماء على أن الراوي إذا كان صحابياً لم يزيدوا على أكثر من أن يقولوا: صحابي أو له صحبة، ولا يقولون: ثقة، ولا غيرها من الأشياء التي يحتاج إليها في حق من بعدهم.
حكم منع الماء الموقوف في المساجد قد يقال: ما حكم منع الماء الموقوف في المسجد عن الناس إذا احتاجوا إليه، علماً أن الواقف جعل هذا الماء في المسجد لغرض الوضوء والتطهر؟ ف
الجواب إن كان يستخدم في داخل المسجد فنعم، أما إن كان المقصود الخروج به والناس مضطرون له وما وجدوا غيره فلا، وإن كان العكس وما يؤثر على الاستعمال في الداخل فلا بأس؛ لأن الذي وضعه لا يمنع كون الإنسان يستفيد منه في الخارج إذا كان مضطراً إليه، كأن تكون هناك صنابير فيها ماء لمن يتوضأ، وأراد إنسان أنه يملأ قربته أو ما إلى ذلك، فإذا كان الماء كثيراً ولا شح فيه ولا تضييق على الذين جعل لهم فلا بأس؛ لأن الذي وضع مثل هذا لا يمنع مثل هذا.
شرح حديث (المسلمون شركاء في ثلاث الكلاء والماء والنار) قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي أخبرنا حريز بن عثمان عن حبان بن زيد الشرعبي عن رجل من قرن ح حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش -وهذا لفظ علي - عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثاً أسمعه يقول: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار) ] .
أورد أبو داود حديث رجل من المهاجرين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء في ثلاث: الكلأ والماء والنار) ، أي: إذا كان في فلاة وليس في الأرض إنسان، أما إذا كان الكلأ في أرضه وفي ملكه فهو له، ولا أحد يدخل في ملكه من أجل أن يرعى، وإنما يرعى في الفلاة التي ليست ملكاً لأحد، فالمقصود بالأرض الفلاة التي ليست خاصة ولا ملكاً لأحد؛ فإن الناس شركاء فيها، ولا يختص أحد بالكلأ دون أحد، بل هو مبذول لكل من احتاج إليه.
وكذلك الماء إذا كان في الفلاة فالناس شركاء فيه، وكذلك إذا احتاج الناس إلى الحصى أو الحجارة التي يقدحون بها النار ويورونها، بحيث يضرب الواحد حجراً بحجر فتقدح، ثم يأخذون منه النار، فإذا كان مثل هذه الأشياء في الفلاة، فإن الجميع شركاء فيها.
وكذلك أيضاً إذا احتيج إلى الماء للشرب، فإنه لا يمنع كما مر في الحديث الضعيف: (لا يمنع الماء، ولا يمنع الملح) وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالنار، فكونه يطلب شيئاً يسيراً من أجل أن يوقد به النار، أو جذوة من النار، هذه كلها أمور سهلة وبسيطة، والناس شركاء فيها، فلا يصلح أن تمنع، والناس يحتاج بعضهم إلى بعض، لاسيما إذا كانوا في البراري وليس معهم حاجاتهم الكافية التي لا بد منها.
معناه: أن بعضهم يحسن إلى بعض، ولا يشح بعضهم على بعض.
تراجم رجال إسناد حديث (المسلمون شركاء في ثلاث في الكلاء والماء والنار) قوله: [حدثنا علي بن الجعد اللؤلؤي] .
علي بن الجعد اللؤلؤي ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود.
[أخبرنا حريز بن عثمان] .
حريز بن عثمان ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن حبان بن زيد الشرعبي] .
حبان بن زيد الشرعبي ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود.
[عن رجل من قرن] .
رجل من قرن الذين منهم أويس القرني، وهناك قرن من الأزد، وفي النسبة يقال: قَرَني أو قَرْني، وقرن من مراد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أويس بقوله: (يأتيكم رجل من اليمن يقال له أويس من قرن من مراد، وله والدة كان باراً بها) ، وذكر شيئاً من صفاته.
[ح وحدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا عيسى بن يونس] .
عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حريز بن عثمان حدثنا أبو خداش] .
أبو خداش هو حبان بن زيد الشرعبي.
[وهذا لفظ علي] .
يعني طريق علي بن الجعد.
[عن رجل من المهاجرين] .
هو نفسه ذاك الرجل الذي من قرن، وليس رجلاً من قرن يروي عن رجل من المهاجرين، وإنما الرجل الذي من المهاجرين هو نفسه من قرن، فهو متصل، وليس فيه مبهم إلا الصحابي، وإبهام الصحابي لا يؤثر.
والحديث صححه الألباني.
ومما ينتبه إليه: أنه إذا طلب شخص النار من أجل التدخين لا نعطيه؛ لأن هذا تعاون على الإثم والعدوان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|