شرح حديث (نهى عن المعاومة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا حماد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى عن المعاومة، وقال أحدهما: بيع السنين) ] .
أورد أبو داود حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المعاومة، وقال أحد الراويين عن جابر: المعاومة، وقال الآخر: السنين، وهما بمعنى واحد.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن المعاومة)
قوله: [حدثنا مسدد] .
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[حدثنا حماد] .
هو حماد بن زيد؛ لأنه إذا جاء حماد غير منسوب ويروي عنه مسدد؛ فالمقصود به حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب عن أبي الزبير] .
أيوب مر ذكره.
وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وسعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله] .
مر ذكرهما.
بيع الغرر
شرح حديث (نهى عن بيع الغرر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع الغرر.
حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (نهى عن بيع الغرر، زاد عثمان: والحصاة) ] .
أورد أبو داود باباً في بيع الغرر أي: في النهي عنه، والمقصود ببيع الغرر ما لا يتحقق حصوله أو يكون غير موجود أو غير مقدور على تسليمه، مثل السمك في الماء، والطير في الهواء، والعبد الآبق، والناقة الضالة، أو غير ذلك من الأشياء التي لا يتمكن من تسليمها، أو يكون المقصود منه لا يحصل وإن كان يمكن تسليمه؛ لأنه لا يحصل منه المقصود من البيع، فكل هذا يقال له غرر.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.
زاد عثمان: والحصاة) والحصاة هي من بيع الغرر، وهو أن يقول: أبيعك قطعة من الأرض بمقدار ما تصل إليها الحصاة ثم يرجم حصاة، فالذي تصل إليه الحصاة فهو المبيع، وهذا فيه غرر؛ لأن الناس يتفاوتون في قوة الرمي، فمن الناس من تكون رميته بعيده، ومنهم من تكون قصيرة، فهذا فيه جهالة وغرر، ولا بد أن يكون المبيع محدداً، معروفة حدوده بدايته ونهايته، أما بيع شيء قابل لأن يزيد وينقص ففيه غرر، وهذا لا يجوز، وبيع الحصاة هو من بيع الغرر.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع الغرر)
قوله: [حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة] .
أبو بكر بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، وأخوه عثمان بن أبي شيبة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.
[حدثنا ابن إدريس] .
عبد الله بن إدريس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي زياد] .
ليس بالقوي، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة] .
أبو الزناد والأعرج وأبو هريرة مر ذكرهم.
وهذا الشخص الذي ليس بالقوي لا يؤثر؛ لأن الأحاديث كثيرة في النهي عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة.
شرح حديث (نهى عن بيعتين ولبستين)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد وأحمد بن عمرو بن السرح وهذا لفظه قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: نهى عن بيعتين ولبستين، أما البيعتان: فالملامسة والمنابذة، وأما اللبستان: فاشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه، أو ليس على فرجه منه شيء) ] .
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيعتين ولبستين) أي: عن نوعين من أنواع البيوع، ولبستين من طرق اللبس، أما البيعتان فالملامسة والمنابذة.
والملامسة: أن يلمس الشيء -مثل الثوب- دون أن يقلبه، فيشتريه بمجرد لمسه له، وقد يكون الثوب من الداخل ليس بطيب أو ليس هو المقصود للمشتري، وهذا فيه غرر، فلابد من أن يراه ويشاهده ويعاينه، أما إذا كانت أشياء معروفة، وكلها من جنس واحد، فلا بأس.
والمنابذة هي: أن ينبذ إليه ثوباً فيتم البيع بهذا النبذ، وليس له الخيار بعد ذلك.
وأما اللبستان فاشتمال الصماء: وهو أن يشتمل في ثوب واحد وليس عليه غيره، ويلقي طرفه على كتفه الأيسر، ويبرز جانبه الأيمن، ويكون مثل الحصاة الصماء يداه من الداخل، ولو حصل له شيء فتحرك انكشفت عورته.
قوله: [(أو أن يحتبي الرجل في ثوب واحد كاشفاً عن فرجه، أو ليس على فرجه منه شيء)] .
يعني: ليس عليه إزار، والحبوة هي: أن يجلس على إليته وينصب ساقيه، ثم يأتي بثوبه فيلفه عليه من وراء ظهره وعلى مقدم رجليه، فتكون الجهة التي من فوق مكشوفة إذا كان بغير إزار ولا سراويل، فيمكن أن ترى عورته من فوق، فهذه اللبسة نهى عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن إذا كان عليه إزار أو سراويل، وحصلت هذه الهيئة؛ فالمحذور يزول، وهو ما يخشى من انكشاف العورة.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيعتين ولبستين)
قوله: [حدثنا قتيبة بن سعيد] .
قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأحمد بن عمرو بن السرح] .
أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
[وهذا لفظه] .
يعني لفظ الشيخ الثاني ابن السرح.
[حدثنا سفيان عن الزهري] .
سفيان بن عيينة تقدم، والزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يزيد الليثي] .
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري] .
أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته أبي سعيد وبنسبته الخدري، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث النهي عن بيعتين ولبستين من طريق ثانية وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا الحديث زاد: (واشتمال الصماء أن يشتمل في ثوب واحد يضع طرفي الثوب على عاتقه الأيسر ويبرز شقه الأيمن، والمنابذة أن يقول: إذا نبذت إليك هذا الثوب فقد وجب البيع، والملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره ولا يقلبه، فإذا مسه وجب البيع) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيه بيان لمعنى اشتمال الصماء، وكذلك لمعنى الملامسة والمنابذة.
قوله: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر] .
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ومعمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد] .
مر ذكرهم.
شرح حديث النهي عن بيعتين ولبستين من طريق ثالثة وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة بن خالد حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمعنى حديث سفيان وعبد الرزاق جميعاً) ] .
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وأحال فيها على الطريقين السابقتين.
ورجال إسناده كلهم مر ذكرهم إلا عامر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (نهى عن بيع حبل الحبلة) وتراجم رجاله
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة) ] .
أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة) ، وفسر بيع حبل الحبلة بتفسيرين: أحدهما: أن البيع يكون لنتاج النتاج، يعني كرجل عنده ناقة حامل فيقول: إذا ولدت ثم كبر نسلها وحبلت، فولد الولد فهو المبيع! فهو شيء مجهول غير موجود، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك من أجل طيب الحيوان سواء كان فرساً أو ناقة، فيحرصون عليه من أجل أصله ونوعه.
التفسير الثاني: أن يشتري شيئاً ويجعل الأجل إذا حصل نتاج النتاج، وهذا أيضاً لا يجوز، وكلاهما فيه غرر.
وإسناد هذا الحديث مر ذكر رجاله كلهم.
شرح حديث النهي عن بيع حبل الحبلة من طريق ثانية وتراجم رجال الإسناد
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحوه وقال: (حبل الحبلة أن تنتج الناقة بطنها ثم تحمل التي نتجت) ] .
وهذا مثل ما تقدم إلا أنه فيه تفسير معنى حبل الحبلة.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى] .
هو يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله] .
عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر العمري المصغر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع عن ابن عمر] .
مر ذكرهما.
بيع المضطر
شرح حديث (نهى عن بيع المضطر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في بيع المضطر.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا هشيم أخبرنا صالح بن عامر -قال: أبو داود: كذا قال محمد - حدثنا شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو قال: قال علي، قال ابن عيسى: هكذا حدثنا هشيم، قال: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك، قال الله تعالى: {وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] ، ويبايع المضطرون، وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع المضطر، وبيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تدرك) ].
أورد أبو داود باباً في بيع المضطر، والمضطر له حالتان: الأولى: أن يكون مكرهاً وملجأ وليس له خيار، فهذا لا يجوز ولا يصح البيع.
الثانية: أن يكون عليه دين ونحوه فيبيع شيئاً من حاجاته من أجل أن يحصل نقوداً ليوفي بها، أو لأنه بحاجة إلى شيء يحتاج إليه في أمور أخرى، فيبيع شيئاً من متاعه أو شيئاً مما عنده وهو بحاجة إليه، فهذا يصح منه البيع، ولكن كونه يساعد ويعان ويقرض أولى من أن يشترى منه، وإذا وقع البيع فإنه يكون صحيحاً، بخلاف الحال الأولى إذا ألزم أو ألجئ إلى البيع من غير اختياره، فإن ذلك لا يصح.
قوله: (سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه) ].
يعني: يحصل فيه شح وبخل، حتى أن الموسر يمسك الذي بيديه، ولا يسهل عليه إخراجه.
قوله: [(ولم يؤمر بذلك)] .
يعني: لم يؤمر أن يمسك، بل قال الله عز وجل: (وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] .
قوله: [(ويبايع المضطرون)] .
إن كان المضطر ملجأ ومكره فهذا البيع لا يصح، وأما المضطر الذي بحاجة إلى أن يبيع بعض متاعه أو شيء مما عنده من أجل أن يوفي ديناً أو من أجل أن يقضي حاجة من حاجاته؛ فهذا يصح منه البيع، ولكن الأولى هو الإرفاق به والإحسان إليه والتعاون معه، والمساعدة له، وهذا هو الأولى من كونه يترك حتى يبيع متاعه وهو بحاجة إليه.
قوله: [(وقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك)] .
(قبل أن تدرك) أي: قبل أن يبدو صلاحها.
تراجم رجال إسناد حديث (نهى عن بيع المضطر)
قوله: [حدثنا محمد بن عيسى] .
محمد بن عيسى الطباع ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة.
[حدثنا هشيم] .
هشيم بن بشير الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا صالح بن عامر] .
صالح بن عامر قال الحافظ: الصواب أبو عامر، وهو صدوق كثير الخطأ، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[عن شيخ من بني تميم] .
هذا الشيخ مبهم.
[عن علي] .
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
الأسئلة
حكم الإيجار المنتهي بالتمليك
السؤال ما حكم الإيجار المنتهي بالتمليك؟
الجواب هذه المسألة من المسائل الجديدة التي حدثت في هذا الزمان، وأذكر أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه كان يؤخر الإفتاء بها عندما يسأل عنها، وقال: إنه كلف من يبحثها، وبعد ذلك بحثت المسألة وانتهى الأمر إلى أنها لا تجوز، وأفتى بعدم جوازها.
حكم شراء سندات مخفضة لبعض الناس خاصة ثم بيعها على غيرهم بربح
السؤال عندنا في الجامعة تباع البونات لطلاب الثانوية بسعر مخفض، فهل يجوز لطلاب الثانوية أن يشتروا هذه البونات ثم يبيعونها على طلاب الكلية بربح؟
الجواب ليس لهم ذلك، فإن كان محتاجاً إليها أخذها واستفاد منها، وإن كان غير محتاج لها تركها، ولا يشتريها ثم يتكسب من ورائها.
وضع الجوائح في الزرع خاصة
السؤال لو أن رجلاً اشترى من آخر سيارة، ووقعت عليها آفة مثل حادث أو سرقة، فهل هذه جائحة توضع مثل الزرع؟
الجواب لا، هذا شيء تم وانتهت البيعة، وهذا استلم السيارة ودخلت في ملكه، وانقطعت صلة المالك بها.
حكم الاحتباء يوم الجمعة
السؤال هل المنع عن الاحتباء في يوم الجمعة عند الاستماع إلى الخطبة يزول إذا أمن من كشف العورة؟
الجواب ليس النهي عن الاحتباء يوم الجمعة من أجل كشف عورة، وإنما المقصود من ذلك ألا يحصل له نوم أو نعاس والخطيب يخطب فيغفل عن الخطبة، أو ينتقض وضوءه فيحتاج إلى أن يخرج.
حكم من تسببت في قتل جنينها
السؤال امرأة حامل في الشهر التاسع حملت شيئاً ثقيلاً فأحست بحركة داخل الرحم، وبعد أيام أحست بآلام فذهبت إلى المستشفى وأخبروها بأن الجنين قد مات منذ أيام، فهل عليها كفارة؟
الجواب الظاهر أن عليها كفارة؛ لأنها متسببة في الهلاك.