وقفات مع القدوم إلى الله (17)
د. عبدالسلام حمود غالب
حسن الظن بالله والقدوم إلى الله
حسن الظن بالله هو استشعارُ جميلِ صفات الله الحسنى؛ من كرمه ورحمته وقدرته، وعلمه وحكمته.
هو أن يغلُب على قلب المؤمن الرجاءُ في فضل الله تعالى، والأمل في رحمته ومغفرته، وتوقُّع الخير منه في كل الأحوال.
حسن الظن بالله يعني أن قلبك متجرد تمامًا من أي شكٍّ أو ريبة في عدل الله وحكمته في تدبير الأمور، حتى عندما تسير الأمور على غير ما تشتهي.
عندما تحسن الظن بالله، فإنك تستشعر قوةَ الرجاء والأمل التي تدفعك لتجاوُز الصِّعاب والتحديات، ولتعلم أن الله معك، وأنه لن يخذلك، وأن بعد العسر يسرًا.
حسن الظن بالله يفتح لك آفاقًا أوسعَ لفَهم صفات الله الحسنى، وتجلياتها في الكون وفي حياتك؛ فترى رحمته في اللطف الخفيِّ، وكرمه في العطاء الجزيل، وقدرته في تيسير المستعصي، وحكمته في التقدير الدقيق.
حسن الظن بالله يحوِّل العبادة من مجرد أداء واجبات روتينية، إلى حالة قلبية راسخة من الثقة واليقين والتوكل.
حسن الظن بالله يعلِّمك أن تتجاوز النظرة المادية الضيقة للأسباب والنتائج، ولتعلم أن الأمر كله بيد الله، وهو قادر على كل شيء.
عندما تحسن الظن بالله، فإنك تحقق السلام الداخليَّ، والرضا بالقضاء والقدر، ولتعلم أن كلَّ ما قدَّره الله لك هو الخير، حتى وإن بدا لك في ظاهره غير ذلك.
حسن الظن بثواب الله وجزائه هو دافع قويٌّ للعمل الصالح، والاجتهاد في الطاعات، فأنت تُقدِم على الخير وأنت واثق بأن الله سيقبله، ويضاعف لك الأجر.
من أقوال العلماء في حسن الظن بالله:
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره، ما أُعطي عبد مؤمن شيئًا خيرًا من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يُحسن عبدٌ بالله عز وجل الظنَّ، إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه ذلك بأن الخير في يده"؛ هذا قول جليل القدر، يُبيِّن عظيمَ فضلِ حسن الظن بالله، وأنه مفتاح لنَيل الخير.
قال الحسن البصري رحمه الله: "إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل".
قال قتادة رحمه الله: "اذكروا الله ذكرًا جميلًا، قيل: وما الذكر الجميل؟ قال: أن تذكروا الله وأنتم تظنون به الخير".
قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "كانوا يستحبون أن يُلقِّنوا العبد محاسنَ عمله عند موته، لكي يُحسن ظنه بربه"، وهذا يدل على أهمية استحضار الرجاء وحسن الظن بالله في تلك اللحظة الحاسمة.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "لا يزال العبد بخيرٍ ما دام يحسن الظن بالله ويرجوه".
قال سفيان الثوري رحمه الله: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، قال: أحسنوا بالله الظنَّ"، وهذا يفسِّر الإحسان بأنه إحسان الظن بالله.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث: ((أنا عند ظن عبدي بي)): "قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه".
قال ابن القيم رحمه الله في (مدارج السالكين): "على قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له، يكون توكله عليه، وقال أيضًا: فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله، يظنون بالله غير الحق ظنَّ السوء؛ فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله"، وهذا تحذير من الوقوع في سوء الظن بالله.
وقال أيضًا: "حسن الظن بالله هو أن يظن العبد بربه كلَّ خير، وأن فضله أوسع من ذنبه، ورحمته سبقت غضبه، وأنه لا يتعاجزه مغفرةُ ذنبِ مَن استغفره، ولا يكِله إلى نفسه إذا توكل عليه، ولا يُخيبه إذا دعاه ورجاه".
ثمرات حسن الظن بالله في الدارين:
في الدنيا:
راحة القلب وطمأنينة النفس: عندما يثق العبد بربه، ويُحسن الظن به، يزول القلق والاضطراب من قلبه، ويحل محلهما سكينةٌ ورضًا، فيعلم أن مدبِّر الأمر هو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين.
التفاؤل والأمل في الحياة: حسن الظن بالله يفتح أبوابَ الأمل، ويطرد اليأس، ويصبح المؤمن أكثر إيجابية وتفاؤلًا بمستقبله، وبما سيأتي به القدَر.
قوة التوكل على الله: عندما يُحسن العبد الظنَّ بربه، فإنه يعتمد عليه ويثق به في كل أموره، ويسلِم له زمامَ حياته، وهذا يمنحه قوة وثباتًا في مواجهة التحديات.
تيسير الأمور وتوفيق الله له: الظن الحسن بالله يجلب توفيقه وتيسيره؛ قال تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي))، فبقدر ظنِّك الخير، يفتح الله لك أبواب الخير.
البركة في الرزق: المؤمن الذي يُحسن الظن بالله، يسعى ويكدح وهو واثق بأن الله سيرزقه، وهذا اليقين يجلِب البركة في سعيه ورزقه.
العلاقات الطيبة مع الناس: الشخص الذي يحمل قلبًا سليمًا مملوءًا بحسن الظن بالله، غالبًا ما يكون حسن الظن بالناس أيضًا، مما يجعله محبوبًا وقريبًا من الآخرين.
القدرة على تجاوز المحن: في أوقات الشدة والابتلاء، يكون حسن الظن بالله هو السلوى والعزاء، يدفع المؤمن للصبر والاحتساب واليقين بأن بعد العسر يسرًا.
النشاط والإقبال على العمل: الرجاء في ثواب الله وحسن الظن بقبوله، يدفع المؤمن للجدِّ والاجتهاد في عمله وعبادته.
في الآخرة:
المغفرة والرحمة: حسن الظن بمغفرة الله ورحمته عند التوبة والاستغفار هو سبب لنيلها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله)).
استجابة الدعاء: الظن بالإجابة عند الدعاء من علامات حسن الظن بالله، وقد وعد الله بالإجابة لمن دعاه سبحانه.
الفوز بالجنة والنجاة من النار: الرجاء في رحمة الله وعفوه وكرمه هو الذي يدخل العباد الجنةَ، ويُنجيهم من النار.
رضا الله تعالى عنه: حسن الظن بالله هو من موجبات رضا الله عن عبده، فالله يحب من يرجوه ويثق به.
فاجعل - أخي الكريم - حسن الظن بالله رفيقَك الدائم، تنعَم ببركاته وخيراته في الدنيا والآخرة.