عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-05-2025, 11:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,685
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي





قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اتجروا في أموال اليتامى؛ لا تأكله الصدقة) ، فدل هذا على أنه ينبغي للولي والوصي أن يحسن النظر في شئون الأيتام، فيحقق المصالح المطلوبة، ويدرأ المفاسد التي يخشى منها، فلو وجد مثلا أنه ترك لهم أرضين، والسوق يخشى أن يكسد، فخاف من كساده، فليبادر ببيعها، وإذا كان هناك أشياء تركها لليتامى يخشى منها الضرر، كأن يكونوا في مكان بعيد عن المدينة، وفيه ضرر عليهم، ويخشى عليهم، قربهم إذا خشي على أعراضهم، وأبعدهم عن الأماكن التي فيها فساد وتأثير على أخلاقهم.
المهم أنه ينصح لأخيه المسلم في ذريته من بعده، ومن كفل اليتيم وأحسن الرعاية له، كان له عند الله حسن الجزاء، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) ، وكان بعض العلماء يقول: (ما رأيت أحدا وفى بمسلم في أيتامه إلا أحسن الله له العاقبة في ولده) ، فما رأى إلا خيرا، وجعل الله له قرة العين، وبهجة النفس وسرورها في ولده {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن:60] ، وما ينتظره عند الله أعظم وأكبر، فلا شك أن القيام على الوصايا وحسن الرعاية لها وحسن النظر فيها، من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل.
حكم وصية الموصي فيما لا يملكه
قال رحمه الله: [ولا تصح بما لا يملكه الموصي، كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر، ونحو ذلك] .
لأن هذا ليس إليها، وإنما لمن ولاه والدهم؛ لأنه حق متعلق بالعصبة، وهم الذين ينظرون في مصلحة هؤلاء الأيتام.
لا يجوز للموصى إليه التصرف إلا فيما أوصي إليه
قال رحمه الله: [ومن وصي في شيء لم يصر وصيا في غيره] .
لأن الوصية اختصت بذلك الشيء، فلا تنصرف إلى غيره، فلو قال له: أوصيت إليك برعاية أيتامي، فلا يقم بتفريق الثلث، ولو قال له: بتفريق الثلث، فلا يقم برعاية الأيتام، وليس له دخل في موضوع اليتامى.
إذا: تتقيد الوصية إن قيدها الموصي، وتكون مطلقة إن أطلقها.

عدم ضمان الوصي ما ظهر من الحقوق بعد تفرقة الوصية
قال رحمه الله: [وإن ظهر على الميت دين يستغرقه بعد تفرقة الوصي لم يضمن] .
قوله: (بعد تفرقة الوصي) أي: للمال، وصورة المسألة: لو كان الدين مائة ألف، وترك تسعين ألفا أو ترك مائة ألف، ولكن هذا الدين لم يكونوا عالمين به، وقام الموصى إليه بتفريق الثلث كما أمره الموصي، وأخذ الثلثين وقضى بهما، حينئذ يرد سؤال هو: لو ظهر هذا الدين فهل يطالب باسترداد الثلث؟ لأنه هو الذي فرقه، وهو الذي صرفه.
نقول: لا يضمن؛ لأنه عهد إليه بتفريقه، فقام بالتفريق، فالضمان يكون على الميت وليس على الموصى إليه؛ لأن الموصى إليه نفذ ما أمره به الموصي؛ ولم يتعد، واليد التي قامت بتفريق هذا الثلث يد مأذون لها شرعا بهذا التفريق، فيتحمل المسئولية الميت وهو الموصي، وتكون هذه الديون باقية لسدادها، ويتحمل الورثة سداد الدين على الأصل الذي تقدمت الإشارة إليه في سداد الدين.
تصرف الوصي في الثلث إذا خول في التصرف فيه
قال رحمه الله: [وإن قال: ضع ثلثي حيث شئت، لم يحل له ولا لولده] .
هذه المسألة فيها خلاف عند العلماء رحمهم الله، فبعض أهل العلم يقول: إذا قال له: ضعه حيث شئت، فهو يضعه حيث شاء.
فلو وضعه في جيبه، فقد شاء أن يضعه في جيبه، حيث جعل له الخيار المطلق، وهذا لفظ الرجل وكلامه، فينفذ هذا القول، ومن حقه لو أخذها لنفسه إن كان محتاجا، أو رأى أنه أقرب الناس منه فأخذ هذا المال، فإنه يكون له ذلك.
وقال بعض العلماء: إذا قال له: ضعه حيث شئت، فمن حقه أن يصرفه لولده، لكن لا ينتفع هو لنفسه، وقد أورد هذين القولين الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني احتمالا، أي: ما يحتمله هو، وقال: إنه يعطي أولاده ولا يأخذ هو؛ لأنه جعله مفرقا للمال ولم يجعله آخذا؛ لأنه قال له: ضعه؛ فحينئذ فهمنا من هذا أنه موكل بتفريق المال، وليس موكلا بأخذه.
ومن أهل العلم من قال: لا يأخذ هو ولا أولاده، حتى ولو ذكر صفة تنطبق عليه، بحيث لو قال: ضع ثلثي للفقراء -صدقة للفقراء- وخذ هذا الثلث ووزعه للفقراء والمحتاجين، وهو فقير ومحتاج، قالوا: لا يأخذ لا هو ولا ولده، مع أن الصفة موجودة فيه، والحقيقة أن الإمام ابن قدامة أشار في هذه المسألة إلى احتمالات جيدة، منها: أنه ينظر إلى دلائل الحال والقرائن التي يفهم منها أنه قصد أن يقوم بالتفريق، فلا يأخذ هو، ولكن من حقه أن يعطي قرابته بدون محاباة.
ثانيا: أن تكون هناك قرائن تدل على أنه فوضه، إلى درجة أنه لو أراد أن يأخذ فإنه يأخذ، والأورع أن لا يأخذ، وأن يجتنب هذا، ومن ذلك: مسألة التوكيل في الزكاة، كأن يقول له: خذ هذه المائة ألف واصرفها للمساكين والفقراء، ففي هذه المسألة لا شك أنه ليس من حقه أن يأخذ؛ لأنه قال له: خذ هذه المائة واصرفها على للفقراء والمساكين، فلا يشك في أنه وكيل، والزكاة عبادة صرفت؛ لأن صاحبها نوى أن تصرف للفقراء والمساكين من غيره؛ لأنه قال له: اصرفها للفقراء والمساكين، واللام للتخصص، ولو قصده لقال له: خذ منها؛ لأنه يعلم أنه فقير، أو قال له: خذ منها أنت والفقراء والمساكين، لكن عندما لم يصرح بذلك فهمنا من ذلك أنه وكيل بالصرف، وليس له استحقاق، ففي هذه الحالة لا يجوز للذين يقومون بتوزيع أموال الزكاة أن يأخذوا منها.
ومن العجيب أن بعضهم يقول: إنهم من العاملين عليها، وهذا خطأ واضح؛ لأن العامل على الزكاة في جلبها لا في تفريقها، العامل على الزكاة إنما يكون في جلبها، وهم السعاة الذين كان يبعثهم الإمام لأخذ زكاة الإبل والبقر ونحوها من بهيمة الأنعام، وزكاة الحبوب والثمار والخارج من الأرض، فهؤلاء يأخذون على التفصيل الذي تقدم معنا في كتاب الزكاة، أما الذي يفرق الزكاة ليس له من حق، وقد نص الجمهور رحمهم الله على هذا، فأمثال هؤلاء موكلون بالتفريق، وليس لهم يد على المال أن يأخذوا منه، فعليهم أن يتقوا الله عز وجل.
ومن هنا تأتي المسألة في استثمار أموال الصدقات، واستثمار أموال الزكوات، ففي بعض الأحيان تكون الأموال لجهة خيرية، فالذين أعطوا المال للجهة الخيرية، لم يعطوه وكالة أن يتاجروا في هذا المال، وإنما أعطوهم المال وكالة في إعطائه للمحتاجين، وحينئذ ليس من حقه أن يبيع أو يشتري بهذا المال، ولو لمصلحة المحتاج؛ لأنه لم يوكله رب المال ولم يوكله المحتاج.
فحينئذ لا يصح في الأموال التي توضع في الصدقات إلا إذا استؤذن أصحابها، فيقال لهم: هذه صدقة مستثمرة، فالذي يقترح على الجمعيات الخيرية وعلى جمعيات البر ونحوها، أنها إذا أرادت أن تستثمر الأموال في الأسواق الخيرية أن تضع بندا خاصا، وتقول: صدقة مستثمرة، إذا وضعت هذا فكل من يضع يعلم أن الصدقة ستستثمر، ثم إن الشخص الذي يضع المال وقصده أن يصل إلى الفقير وإلى المحتاج، فمراده أن يصل على أسرع ما يمكن؛ لأن هذه هي النصيحة؛ لأن الصدقة إذا وصلت إلى المحتاج، نماها الله عز وجل لصاحبها منذ أن تصل، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يتلقى الصدقة بيمينه، وكلتا يدي الرحمن يمين، فينميها لعبده ويربيها له كما يربي أحدكم فلوه) ، والفلو: هو صغير الخيل، كما ثبت في صحيح مسلم.
فهذا الحديث يدل على أن الوكيل الذي يوكل بصرف الأموال لا ينبغي له أن يتأخر فيها، ولا ينبغي له أيضا أن يصرفها كمعاشات أو نحوها لشخص يقوم بصرفها؛ لأنه في الأصل وكل بصرفها، ولم يوكل بإعطائها إلى شخص غير المحتاج وغير المسكين.
وهذا أمر واضح وبين، ولذلك ينبغي على كل من يلي أمثال هذه الصدقات أن يتقي الله عز وجل، وأن يرجع إلى العلماء، وأن يستبين من أمره، وأن لا يجتهد من عند نفسه، فيتقحم النار على بصيرة -نسأل الله السلامة والعافية- بل عليه أن يتقي الله في هذه الأمانة، وأن يحسن القيام فيها؛ فمن وكله بالصرف يصرفه، ومن وكله باستثمار أمواله يستثمرها بالمعروف، على الوجه المعتبر فيها شرعا.

من يتولى تركة الميت إذا لم يوجد حاكم ولا وصي
قال رحمه الله: [ومن مات بمكان لا حاكم به ولا وصي، جاز لبعض من حضره من المسلمين تولي تركته، وعمل الأصلح حينئذ فيها من بيع وغيره] .
هذه المسألة تشتهر الآن في أماكن الأقليات، حيث يكون في بلد فيه مجموعة من المسلمين، وليس هناك قاض ولا حاكم مسلم، ولم يعهد هذا الميت بأيتامه إلى أحد ولم يوص، فحينئذ من يتولى؟ ننظر، فإذا كان هناك إمام يصلي بهم، أو طالب علم، وعنده علم ومعرفة بمثل هذا، فهو الذي تناط به مصالح أمثال هؤلاء؛ إذا كان طالب علم، وعنده معرفة بالأحكام الشرعية، وكان أهلا لولاية أمره، فيلي أمورهم في مثل هذا: ففي النكاح يزوجهم، وكذلك في أمور المصالح التي تقع أو الخصومات التي تقع بينهم، إذا كان عنده من العلم ما يؤهله لذلك؛ وإلا رجعوا إلى العلماء فاستفتوهم.
أما بالنسبة للنظر في ماله، فإنه يليه أي واحد من المسلمين ممن يعلم حاله، ويمكنه أن يقوم بمصالحه من بعده، فأي واحد من إخوانه المسلمين يلي ذلك، وهذا من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، أما إذا وجد قاض، فإنه يعهد إليه، قال صلى الله عليه وسلم: (فالسلطان ولي من لا ولي له) .
وبعد هذا الباب يأتي كتاب الفرائض، ويغلب عليه -بطبيعته- المسائل الحسابية، وقد جرت العادة في قراءة المتون الفقهية -بالنسبة إلي- أن أفرد كتاب الفرائض بدراسة مستقلة.
وعليه: فنرجئ شرح هذا الكتاب -كتاب الفرائض- حتى ننتهي من المتن إن شاء الله.
نسأل الله عز وجل أن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصا لوجهه الكريم، موجبا لرضوانه العظيم.
والله تعالى أعلم.
الأسئلة




هل يعتبر الوصي وليا للمرأة في تزويجها

السؤال إذا أوصى الميت إلى شخص بأن يلي اختيار الأزواج لبناته، فهل يعتبر هذا الوصي وليا للمرأة دون إخوتها؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمهم الله: هل وصي الأب ينزل منزلة الأب، ويقدم على بقية العصبة، الذين لهم حق في الولاية؟ فمن أهل العلم من جعل الفرع تابعا لأصله، وقال: هذا وصي الأب؛ فينزل منزلة الأب، ومن أهل العلم من قال: إن الولاية في النكاح على مراتب.
فإذا توفي الأب، انتقلت من بعده إلى ابنه، فحينئذ يلي أمر الولاية على هؤلاء النسوة ابنه، الذي هو أخوهن، وقال بعض العلماء: إنه يلي الجد من بعد الوالد، ثم من بعد ذلك تكون الولاية لابن المرأة التي يراد تزويجها إذا كانت مزوجة من قبل، أو يليها أخوها؛ لأن بعد درجة البنوة: الأخوة، وهم الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب فقط، وهم الإخوة الذين هم عصبة المرأة التي يراد زواجها.
ومن أهل العلم من فرق بين كون المرأة دون البلوغ -صغيرة- فينزل الوصي منزلة الأب، وبين أن تكون كبيرة؛ فحينئذ يكون الولي هو الجد من بعد الأب، ولا يقدم عليه وصي الأب.
لكن مثل هذه المسائل الأفضل ردها إلى القضاء، والقاضي يعمل بما يترجح عنده فيها، ونظرا لكونها تترتب عليها أمور مهمة، خاصة في هذا الزمان، فترد إلى القضاء، فإن شاء القاضي نزل وصي الأب منزلة الأب، وإن شاء قدم غيره من العصبة ممن هم أحق.
والله تعالى أعلم.

صيغ الإجماع
السؤال أشرتم إلى قول صاحب الشرط السديد أنه قال: (لا تصح الوصية للكافر بلا خلاف) ، فهل قوله: (بلا خلاف) تدل على الإجماع، وما الفرق بين قوله: (اتفق) و (أجمع) ؟
الجواب هذه مسألة أصولية، تعرف عند العلماء رحمهم الله بمسألة: (صيغ الإجماع) ، وصيغ الإجماع تنقسم إلى قسمين: القسم الأول يسميه العلماء: الصيغ الصريحة، وهي أقوى صيغ الإجماع، وهي صيغة: (أجمعوا) ، و (أجمع أهل العلم) ، و (أجمعوا واتفقوا) ، و (اتفق أهل العلم) ، و (اتفق العلماء) ، فهاتان الصيغتان: (أجمعوا) و (اتفقوا) تعتبر من صيغ الإجماع القوية النصية، التي لا احتمال فيها، وبعض العلماء يقول: إن (أجمعوا) غير (اتفقوا) ، فاتفقوا: للأئمة الأربعة، وأجمعوا: للجميع، وهذا باطل، والمعروف عند العلماء أن صيغة (اتفقوا) من صيغ الإجماع كصيغة (أجمعوا) ، لكن قد يكون هناك مصطلح خاص لبعض العلماء، فيذكر في كتابه (اتفقوا) للأئمة الأربعة، ويذكر (أجمعوا) لإجماع العلماء والأئمة، إذا كان هذا فهذا مصطلح خاص، لكن المعروف عند العلماء أن (اتفقوا) من صيغ الإجماع الصريحة والقوية كـ (أجمعوا) .
أما بالنسبة للصيغ الضعيفة والصيغ المشتملة فمثل: (لا خلاف) ، (بغير خلاف) ، (لا نعلم خلافا) ، (لا نعلم مخالفا) ، فهذه صيغ مشتملة، فقوله: (بغير خلاف نعلمه) أضعف من قوله: (بغير خلاف) ؛ لأنه إذا قال: (بغير خلاف) فهي أقوى من قوله: (بغير خلاف أعلمه) أو (بغير خلاف نعلمه) ؛ لأنه ربما كان بحثه في المسألة فيه قصور، وحينئذ قد يوجد مخالف، لكنه لم يطلع على ذلك المخالف، أما إذا جزم وقال: (بغير خلاف) فهذه أقوى من تقييده بالعلم، هذا هو المعروف عند العلماء رحمهم الله.
والنوع الأول من الصيغ: هو الذي يحكى به الإجماع، وإذا قيل: (بغير خلاف) فإنه معتبر، خاصة إذا كانت كلمة (بغير خلاف) من علماء وأئمة عرفوا بتتبع أقوال العلماء رحمهم الله، فمثلا: إذا قال شيخ الإسلام: (بغير خلاف) ، فالغالب أن مثل هذا يقارب الإجماع، إن لم يكن إجماعا؛ لأن شيخ الإسلام رحمه الله كان عنده سعة واطلاع كبير في العلم، حتى إنه نقد (مراتب الإجماع) للإمام ابن حزم، ولذلك لما ناظره العلماء في مسألة من مسائل أهل البدع، قال له: والله ما من بدعة في الإسلام إلا وأنا أعلم أول من قالها، ومتى قالها، وما هي شبهته في قولها.
وهذا من سعة علمه رحمه الله واطلاعه على أقوال الأئمة والسلف، رحمه الله برحمته الواسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

حكم من جاوز الميقات دون أن يحرم منه
السؤال قدمت وعائلتي من الرياض بالطائرة بنية العمرة ولم أحرم، فهل يجوز لي أن أحرم من هذا المسجد، أم أرجع إلى ميقاتي؟
الجواب باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فلا يجوز للمسلم أن يمر بالميقات ولم يرحم منه، ولا يحرم، وفي نيته النسك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ممن أراد الحج والعمرة) .
فأوجب عليه الصلاة والسلام على من مر بهذه المواقيت، وعنده نية للحج، أو عنده نية للعمرة، أو هما معا كالقارن، أن يحرم منها، فعلى المسلم أن يطيع الله ويطيع رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يأتمر بأمر الله؛ لأنه قال: (هن لهن) ، وهذه صيغة إلزام، أي أنها لازمة لمن مر بها بنية النسك، فلا يجوز له أن يترك الإحرام، فعليك أخي أن ترجع إلى ميقاتك فتحرم منه، وهو ميقات السيل إن كنت قادما من جهة الرياض، مع التوبة والاستغفار، والله تعالى أعلم.

حكم الإفطار في قضاء رمضان
السؤال من كان عليه قضاء من رمضان، وعين يوما يصوم فيه هذا القضاء، فهل يحرم عليه أن يفطر في ذلك اليوم، أم له أن يفطر ويصوم يوما غيره؟
الجواب هذا السؤال فيه تفصيل: فإذا عين اليوم وقال: غدا أصومه قضاء عن رمضان، ولم يدخل فيه بالعبادة -أعني عبادة الصوم بالإمساك- فإنه لا يلزم، وله أن ينتقل إلى يوم ثان، فتعيين يوم للقضاء أو يومين أو ثلاثة، أو كان قال: الأسبوع القادم أصومه قضاء، أو تقول المرأة: أصومه قضاء لعادتي، فلا يلزم صيامه إذا لم يدخل فيه بالصوم، أما إذا دخل فيه بالصوم فإن الله يقول: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة:184] ، فجعل الأيام الأخر منزلة منزلة رمضان، ولا شك أنها إذا نزلت منزلة رمضان لم يجز الإفطار فيها، كما لا يجوز الإفطار في رمضان، وعلى هذا يفرق بالتعيين بين أن يريد الإفطار في ذلك اليوم قبل أن يشرع في صيامه، وبين أن يريد الإفطار وقد شرع في صيامه، والقاعدة: أن القضاء يأخذ حكم الأداء، فلما كان لا يجوز له في الأداء -أي: في صيام رمضان- أن يفطر بدون عذر، فكذلك في قضائه لا يجوز له أن يفطر بدون عذر، والله تعالى أعلم.
نصيحة للأزواج في التوفيق بين مشاغلهم الدينية وبين القيام بحقوق زوجاتهم
السؤال أحيانا تتضجر الزوجة حين ترى انشغال زوجها بطلب العلم، وكثرة الانصراف إلى العبادة، ويتهم بالتقصير في حق الأهل، فما الضابط في تقسيم الوقت لهذه الحقوق؟
الجواب الله المستعان! الفتوى ليست بالهينة، ووضع ضابط في المسائل هذا أمر ليس بالهين، وينبغي أن يشفق السائل في الفتوى على من يستفتيه من أنا حتى أضع للناس برنامجا أو ضابطا يوفق فيه بين طلبه للعلم وحقوق زوجته؟ فهذا أمر ليس بالسهل، فأقول: لا يمكن الإجابة على هذا السؤال، وأبرأ إلى الله، فما أستطيع أن أتحمل مسئولية وضع الضابط وأقول: إنه ضابط شرعي، وينسب إلى الشرع بقولنا، ولذلك كثرت الاجتهادات في هذا الزمان في وضع الضوابط والقيود، والأولى أن يقال: مثلا: بماذا تنصح الزوج؟ وبماذا تنصح الزوجة؟ فنقول: إن الله عز وجل شرع لعباده القيام بحقوق الزوجية، وإذا اتقى العبد ربه، جعل الله له من أمره يسرا، وجعل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا.
فنوصي الزوجة أولا أن تتقي الله في نفسها، وأن تتقي الله في زوجها، وأن تحمد الله جل جلاله على العافية، خاصة في هذا الزمان، فكم من امرأة تقرح قلبها ودمعت عينها على هلاك بيتها في الفتن والمحن التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.
وكم من امرأة تمسي وتصبح مع زوج تنال معه الشقاء والعناء في جحيم الخمور والمسكرات، والمصائب والتبعات التي تأتي من الشرور التي لا يعلم قدرها إلا الله جل جلاله.
فلتحمد الله على العافية، يوم جعل بيتها تلهج فيه الألسن بذكر الله، وتشكر الله عز وجل يوم شرفها وفضلها بخدمة من يخدم المسلمين، ورعاية من يحسن إلى عباد الله، فأمثال هؤلاء يعظم الأجر فيهم، ويعظم الثواب من الله عز وجل لمن احتسب في معونتهم على ما هم فيه والله ما من إمام ولا داعية ينصح لله ولكتابه، ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ولسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولأئمته، فيعينه أحد في دعوته إلا آجره الله جل جلاله، وأعظم ثوابه.
ووالله ما وجدنا في صحبة العلماء ورفقة طلاب العلم إلا خير الدين والدنيا والآخرة، هذا ما نشهد به، وهذا ما رأيناه من البذل الكريم الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
فعلى المرأة المؤمنة أن تحمد الله جل جلاله، وأعظم ما يكون من العبد في حق ربه كفره بنعمة الله، وكم من امرأة تتمنى أن ترى زوجها مصليا، فضلا عن أن يكون داعية إلى الله، كم من امرأة تتمنى أن تسمع من زوجها ذكرا لله في بيتها، وكم من نساء تتشوق قلوبهن لرؤية الخير والبر في أزواجهن، فلتحمد الله على العافية، ولتعلم أن الشهوة واللذة متاع قليل، ظل زائل ومتاع حائل، لذة ساعة وبعدها تعب الدهر، فعليها أن تقدم آخرتها على دنياها، وأن تحتسب عند الله عز وجل.
والزوج إذا كان مقصرا بسبب الحقوق والواجبات، ووجدته زوجته قائما برعاية المسلمين وعنايتهم، ووجدت عليه مسئوليات وأمانات في الفتوى وفي التدريس وفي التعليم، فوقفت بجواره، واستعانت بربها، وصبرت واصطبرت، ورابطت في الله جل جلاله، فسيريها الله حسن العاقبة فيما كان منها من صالح العمل، ولا تبالي حتى ولو وجدت زوجها فظا غليظا، أو غافلا عن بعض حقوقهم.
ووالله إنك لتصحب العالم وتكون بجواره وتحسن إليه وتخدمه، فيفعل حتى عن أن يقول لك كلمة طيبة، بسبب الهم الذي هو فيه، وبسبب الضغط النفسي، وتصور أخي لو أنك تريد أن تلقي كلمة أمام ثلاثة أو أربعة من رفقتك، فسوف يتشتت ذهنك، ويصعب عليك الأمر، وتحمل الهم في قلبك، فكيف بمن يواجه الأمة، يواجههم وهو يبين الحلال والحرام، مسئول أمام الله عز وجل، ومسئول أمام خلقه، فربما زل بكلمة واحدة تشيب لها الرءوس، قيل لـ هشام بن عبد الملك: عاد لك الشيب؟ قال: ما لي لا أشيب وأنا أعرض عقلي على الناس كل أسبوع مرة! لأنه يقف في المنبر ويخطب، وقيل لآخر من خلفاء بني أمية: عاد لك الشيب؟ قال: شيبتني المنابر.
يعني مواجهة الناس، ومواجهة الناس ليست بالهينة؛ فأنت تواجه الحليم، وتواجه العاقل والعالم، وتواجه من هو أعلم منك، ومن هو مثلك ومن هو دونك، وتواجه من يحبك ويجلك ويكرمك، وتواجه من يكرهك ويحسدك.
إذا: فهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، فقد جعل بعض الناس لبعضهم فتنة حيث تواجه أمورا لا يعلمها إلا الله، فهذا الداعية يحتاج إلى من يعينه، وإلى من يوفقه، ووالله إن كان بعض طلاب العلم ليشفق على أن يشوش عليه حتى في درسه، وفي بعض الأحيان لا يستطيع أن يتحرك الحركة، حتى لا يشعره أنه تذمر منه، وفي بعض الأحيان تجد طالب العلم يجلس مع عالمه الساعات الطويلة، ولا يستطيع أن يري الملل لشيخه وأستاذه، يخاف أنه لو رأى شيخه منه الملل؛ لسأم من تعليم طلاب العلم من بعده.
فالمعاملة مع العلماء والدعاة والخطباء ومن يتحمل مسئولية الدعوة صعبة جدا؛ لكن من كان عنه قلب حي وضمير حي أولا: يخلص لوجه الله عز وجل، ويحتسب الثواب عند الله سبحانه وتعالى، فإذا كان عنده هذا القلب الحي والإخلاص؛ فسيفتح الله عليه، وينزل نفسه منزلة هذا العالم ومنزلة هذا الداعية، فالمرأة تنزل نفسها منزلة زوجها، فلو أنها تقارع هذا الأمر وهي في بيتها مع أولادها وأطفالها، ولا تستطيع أن تتحمل وهم أطفالها، ولربما سبت وشتمت في ساعة الضيق، فكيف بمن يتحمل هموم الأمة؟! وكيف بمن يتحمل هموم طلابه وخاصته؟! فتجده يحمل الهم في تعليمه: كيف يكون هذا التعليم؟ ثم يحمل هما في الكلمات التي يقولها، والعبارات التي يبينها، وربما دخلت الدواخل من العبارات، وفسرت على غير ظاهرها، ثم يحمل الهم في المناقشات والأسئلة والتبعات، وعندها تدرك إدراكا يقينيا -لا شك فيه ولا مرية- أن هذا العلم تكل أمره كله إلى الله والله لا بقولنا ولا بقوتنا ولا بذكائنا، ولكن الله جل جلاله هو الذي تولى الأمور كلها.
ولقد نسمع من العلماء والأئمة والخطباء والمعلمين ما يثير الدهشة والعجب والاستغراب يقول الإمام: إني أدخل ولا أعي ما أقول من شدة ما أجد من المرض والعناء في قيام رمضان.
وحدثني غير واحد من الأئمة الفضلاء رحمهم الله من المشايخ يقول: والله إني أدخل وأنا أحتاج إلى من يحملني إلى المحراب، فما أن أقف وأكبر إلا وفتح الله من معونته ما لم يخطر لي على بال، فإذا بالصدر ينشرح، وإذا بالنفس تبتهج، وإذا باللسان ينطلق، يقول: قبل الصلاة كأن لساني معقود، وما أستطيع أن أتكلم بكلمة، ولكن {وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده} [الفرقان:58] ، كيف وهم على ثغور الإسلام!! كيف وهم ينفعون الأمة!! كيف وهم ينصحون لدين الله عز وجل!! وإذا لم يعن الله هؤلاء فمن يعين؟! فأمثال هؤلاء لهم عند الله معين، ولهم من الله ظهير، فإن قصرت المرأة وابتعدت عن هذا فخذلته، فإن الله ينصره ويعينه، وسيجعل الله عز وجل ويهيئ من هو أصلح من هذه المعونة بالمعية، ولذلك أوصي المرأة أن تعينه والله سوف يعينها.
لكن مع هذا أوصي الزوج أن يتقي الله في حقوق زوجته، وأن يكون الأئمة والخطباء وطلاب العلم قدوة لغيرهم، وإذا عجزت عن القيام ببعض الحقوق، فلا تفوتك الكلمة الطيبة إن الذي يجرح النساء المؤمنات ويؤثر عليهن أنهن لا يسمعن كلمة طيبة، لكن قد يكون بعض المشايخ لا يمدح الطلاب، ولا يثني على من يخدمه، والله يعلم أنه يريد له الأجر أكثر، ويريد له الثواب أعظم، وثق ثقة تامة أنك لن تكون سعيدا في هذه الحياة إلا إذا وطنت نفسك دائما على أن لا تنتظر شكرا من أحد إلا من الله، الذي يشكر الأعمال الصالحة، سبحانه وتعالى.
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب الفضل بين الله والناس فلا يذهب المعروف عند الله، فالمعروف لا ينسى، والخير لا يبلى، والحسنة لا تنسى، فالله لا يضيع من عبده من الحسنات مثقال خردلة وأقل من ذلك، فوطن نفسك دائما إذا كنت في معاملتك مع الناس الخاصة والعامة، حتى ولو كنت برا بوالدك، فلا تنتظر من والدك كلمة شكر، وقد كان بعض البارين يتمنى أن لا يشكره والده، حتى يكون أجره عند الله أعظم، وثوابه عند الله أجل.
وجماع الخير كله أن نتواصى بأداء الحقوق والواجبات، فإن المرأة في هذا الزمان تتعرض لفتن كثيرة،؛ خاصة إذا خرجت، فيحرص الزوج على إعفاف أهله والإحسان إليهم.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأسأله أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]